للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

حياد المساجد أو ضمان الحق في الردّ من نفس المنبر / أحمد عصيد


حياد المساجد أو ضمان الحق في الردّ من نفس المنبر أحمد عصيد من بين أمراض واقعنا المتردي، والتي تقتضي منا حزما وعزما كبيرين ما أصبحت تعرفه المساجد من فوضى بسبب بعض الخطباء الذين جعلوا من منابر العبادة مجالا لترويج مواقفهم السياسية وتصفية الحسابات مع معارضي التيار الإيديولوجي الذي ينتمون إليه، أو مع الفاعلين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين يسعون إلى إنهاء الخروقات الماسة بالكرامة في بلادنا.
 والحقيقة أنه سلوك لا يمكن أن يوصف إلا بالجبن والضعف، بسبب عجز هؤلاء عن مواجهة الفكر النقدي الحيّ بالحجة والبرهان العقلي والمنطقي أو الشرعي في الحوار الوطني المفتوح للجميع، مما يضطرهم إلى اللجوء إلى المساجد معتقدين أنهم بذلك سيقضون قضاء مبرما على معارضيهم ومخالفيهم في الرأي والموقف السياسي والفكري، وسيوقفون مناقشة القضايا الاجتماعية التي يفرض الواقع المأزوم مناقشتها شاء من شاء وأبى من أبى. إننا قبل توضيح موقفنا وإبداء مطالبنا في هذا الشأن للسلطات الوصية، لا يفوتنا التأكيد على أنّ الأمر لا يتعلق بكل الخطباء الذين نكنّ لهم كل التقدير والاحترام ، والذين نعلم أنّ منهم من يقوم بواجبه بضمير مهني عال، ويلتزم بمبادئ وأخلاق الخطبة التي تمنعه من استغلال المساجد في غير ما وُجدت من أجله، كما نعلم أنّ العينة السيئة التي نتحدث عنها ليست سوى أقلية صغيرة تشغل عددا قليلا من المنابر مقارنة بعدد المساجد في كل التراب الوطني، لكن ذلك لا يمنعنا من التنبيه إلى سلوكهم المنحرف، لما يتسبب فيه من فتنة بين المواطنين، ومن سوء الظن بالناس خاصة لدى البسطاء منهم الذين لا يعلمون بحقيقة المشكل الذي يخوض فيه هؤلاء، ولا بخلفياته وأبعاده، مما يجعل السبب الحقيقي للخلاف يتوارى وراء عبارات التحريض والسبّ والشتم والاتهام بغير حق، دون أن يكون للطرف المتضرّر حق الردّ والتوضيح من نفس المنبر. انطلاقا مما ذكرنا ننهي إلى علم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإلى علم رئيس الحكومة، والنواب البرلمانيين وأعضاء مجلس المستشارين، وإلى الفاعلين السياسيين والمدنيين وعموم المواطنين ما يلي: ـ أن المساجد أماكن عبادة ووعظ وإرشاد، إن تحولت إلى منابر لمهاجمة الأحزاب والجمعيات والمثقفين والفنانين صارت أشبه بالمقرات السياسية والقاعات العمومية ووسائل الإعلام، وأصبح لنا حق الردّ من منابرها دفاعا عن أنفسنا وبيانا للحق وكشفا لأساليب هؤلاء في التدليس والتحريف والكذب على الناس.
 ـ أن النقاش العمومي يفرض دائما استحضار الأطراف المختلفة حتى تتواجه بآرائها وحججها أمام الرأي العام والإعلام الوطني، وهو شرط لا يمكن أن يتحقق في المساجد لأنها ليست فضاء عموميا للنقاش السياسي، مما يجعل انفراد هذا الشخص أو ذاك باستغلال منبر معين من أجل كيل الاتهامات لغيره في غياب هذا الأخير طعنا من الخلف غير مقبول، وقد يصبح الأمر أكثر فداحة عندما يقوم تيار سياسي معين بتحريض خطبائه وتجييشهم ضدّ حزب سياسي أو شخص من المفكرين أو المثقفين أو جمعية مدنية أو ضدّ الحكومة نفسها مما ينذر بالفتنة العارمة في غياب وعي هؤلاء بعواقب أفعالهم المنكرة.
ـ أن وزارة الأوقاف كلما تعلق الأمر بخطيب يهاجم السلطة تتدخل مباشرة بالردع والعقاب ضدّه حيث تعتبر نفسها متضررة، بينما حينما يتضرر غيرها تترك الحبل على الغارب، وهو كيل بمكيالين غير مقبول.
 ـ أن بعض هؤلاء الخطباء أقرب إلى الجهل منهم إلى العلم، حيث جالسنا البعض منهم فوجدناهم على غير علم بالدين ولا بالتاريخ ولا بحقيقة الواقع الاجتماعي لبلدهم، كما استمعنا إلى بعضهم فوجدناهم على غير إلمام بقواعد العربية التي يرتكبون في نحوها وصرفها مجازر لغوية يومية، ولسنا ندري كيف تسعى وزارة الأوقاف إلى تأطير وتأهيل خطباء "مالي" دون أن تكون قد قامت بالواجب تجاه خطباء البلد، فأهل الدار أولى و"تازة قبل غزة" كما يقال.
 ـ أنّ بعض هؤلاء الخطباء أبعد ما يكونون عن الفضيلة الأخلاقية وحسن السلوك، حيث ثبت مما نشرته الصحافة قيام بعضهم بتزوير وثائق إدارية ومنها شواهد مدرسية، كما افتضح بعضهم وهم يمارسون النصب والاحتيال على المواطنين، وضبط بعضهم وهم يقومون بحملات انتخابية من داخل المسجد لصالح حزب معين، دون الحديث عن اغتصاب القاصرين في فضائح كثيرة مدوية عُرضت أمام المحاكم.
 ـ أن جمهور المصلين الذين ينتقدون الخطباء في المجالس الخاصة بعد مغادرتهم المساجد، والذين يندّدون بجهلهم وغلوهم مطالبون بفعل ذلك أمام هؤلاء الخطباء حتى يرتدعوا ويرجعوا عن غيهم، فـ"لغو" الإمام أفدح من لغو المصلين لأنه يؤدي إلى الفتنة وزرع الشقاق والبغضاء بين الناس خدمة لتنظيم إيديولوجي معين.
 ـ أن حياد أماكن العبادة مبدأ راسخ من مبادئ دولة القانون والمواطنة، التي تساوي بين جميع أعضائها بدون أي شكل من أشكال الميز، كما أن إقحام هذه الأماكن في الصراعات الإيديولوجية والفكرية والسياسية من مظاهر الارتباك والهشاشة وعدم الاستقرار.
 أحمد عصيد

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes