للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

الإسلاميون المغاربة والالتزام بالديمقراطية / محمد الساسي


الإسلاميون والعلمانيون المغاربة وجدوا أنفسهم، فجأة، جنبا إلى جنب في معترك النضال السياسي في الشارع، لأول مرة، من أجل قضية داخلية هي قضية وضع حد للاستبداد والفساد، في إطار حركة 20 فبراير.
 كانت التجربة فريدة ومثيرة وغنية بالدروس، تَبَادَلَ الطرفان التأثير والتأثر وعاشا أجواء جديدة واقتحما مساحات فعل غير مسبوق وتفاعلا وتواصلا، بصعوبة أحياناً، وبسلاسة أحياناًَ أخرى.
 لم تكن المظاهرات تخرج أيام الجمعة، ولم تكن النساء يسرن في صفوف معزولة عن الرجال، ولم تكن الخطابات المُنْتَجَةُ تـنشغل بهاجس البحث عن مشروعية دينية للمعركة التي يتم خوضها، كما قد يرغب في ذلك الإسلاميون، ولم يكن العلمانيون ينزعجون من وجود أمكنة للصلاة، أحياناً، في الفضاءات والمقرات المخصصة للنقاش والتداول عبر الجموع العامة للحركة.لم يكن هذا العمل المشترك ثمرة اتفاق مسبق بين الطرفين، بل إنهما لم يتصوراه من قبل، ولكنهما استجابا كلاهما لنداء التظاهر فاضطرا إلى تدبير إشكالات العمل المشترك في الميدان بصورة براغماتية ويومية.
وقد انطلقت دعوات التظاهر الأولى التي أطلقها مؤسسو الحركة من فكرتين أساسيتين :
الفكرة الأولى هي أن الانتقال الديمقراطي في المغرب، يعني، بالملموس، الانتقال من ملكية شبه مطلقة إلى نظام ملكية برلمانية، ومن نظام للريع والفساد والنهب والتبذير إلى نظام للحكامة والشفافية والمحاسبة والعدالة الاجتماعية، وهو ما يلخصه شعار إسقاط الاستبداد وإسقاط الفساد.
الفكرة الثانية هي أنه لا مجال للمزيد من تعليق وتعطيل هذا العبور، وأن55 سنة من التأجيل والانتظار كانت أكثر من كافية، وأن أفراد الشعب المغربي يريدون العيش مثل جميع مواطني البلدان الديمقراطية، والتمتع بالحرية والسيادة، وتولي انتخاب الفريق الحاكم ومراقبته واتخاذ الجزاء اللازم في حقه، سلباً أو إيجاباً، على ضوء الحصيلة والحصاد ونتائج إدارة هذا الفريق لشؤون البلاد.
وإذا ما توصل الإسلاميون والعلمانيون، الذين شاركوا في حركة 20 فبراير، أساساً، كتيارات أو كأفراد، إلى اتفاق جديد يضع الانتقال إلى الملكية البرلمانية في مقام المهمة السياسية المركزية والجوهرية المطروحة عليهم جميعاً، فإن ذلك يستتبع، بالضرورة، اتفاقا على مجموعة من القواعد الدستورية التي ينبغي أن تحل محل قواعد معيبة واردة في دستور 2011 وأن تترجم التشخيص الدقيق لفكرة الملكية البرلمانية. ويأتي في صدارة القواعد الدستورية البديلة :
- التكريس الواضح لمفهوم مدنية الدولة، واستنادها إلى السيادة الشعبية ومبادئ الديمقراطية واللامركزية. يجب أن تتأكد نية إعمال القاعدة الكونية القاضية بأن "إرادة الشعوب هي مناط سلطة الحكم"، بشكل يُفترض معه، نظريا،أن يكون "البرنامج الملكي"، خلال مدة الانتداب الموالية مباشرة للانتخابات، هو برنامج الأغلبية التي أفرزتها هذه الانتخابات وليس العكس، وأن تكون هذه الأغلبية هي من يقود المشروع التنموي .
- توفر رئيس الحكومة على كافة وسائل الرئاسة الفعلية للسلطة التنفيذية .
- إدارة الحكومة لسائر شؤون الدولة، من خلال المجلس الحكومي الذي يتعين أن تؤول إليه الصلاحيات الأساسية لمجلس الوزراء، بما في ذلك حق التداول في "التوجهات الاستراتيجية"، مع إطلاع الملك، من طرف رئيس الحكومة، على مجريات سير شؤون الدولة .
- ربط أي قرار بإعفاء وزير من الوزراء بورود اقتراح، في هذا الشأن، من طرف رئيس الحكومة، وذلك تأكيدًا لمسؤولية الوزراء أمامه وإشرافه على عملهم ومتابعته لأدائهم .
- إشراف الحكومة على مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والوكالات والشركات الوطنية والصناديق واللجان الوطنية العامة .
- تحديد الوظيفة، المترتبة عن صفة إمارة المؤمنين، في الإشراف الرمزي والشرفي على إحياء المغاربة المسلمين لشعائرهم واحتفالاتهم الدينية، بدون أن يكون لذلك أي انعكاس سياسي أو قانوني أو إداري مباشر على سير مختلف مؤسسات الدولة. وهناك ضرورة لتضمين الدستور المغربي مقتضى يستبعد، بصورة صريحة، القراءة التي تعتبر البيعة عقداً سياسيا أشمل من الدستور، وتأكيد سمو هذا الأخير.
- حصر مهمة مجلس الوزراء في البت، أساساً، في عدد من القضايا المتعلقة بالظروف غير العادية، كإشهار الحرب في حالة الاستعجال أو طلب الثقة من مجلس النواب قصد مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها أو اقتراح تعديل الدستور بمبادرة من الملك أو رئيس الحكومة، على أن تتولى رئاسة الحكومة تحضير ظروف انعقاد مجلس الوزراء وإعداد جدول الأعمال .
- مساواة الحصة، التي يساهم بها الملك في تعيين مسؤولي هيئات الحكامة الجيدة والتقنين، مع حصص الجهات الأخرى، والحرص على تعدد هذه الجهات، مراعاة للتوازن، وإحاطة الحكومة علماً بمضامين الخطب الملكية، قبل إلقائها، حتى يتم ضمان ملاءمتها مع مقتضيات البرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب وحتى لا تقوم هناك ازدواجية في المرجعية الموجهة لتدبير شؤون الدولة، ومراجعة حق اللجوء الملكي إلى البرلمان من أجل تعديل بعض بنود الدستور بدون إجراء استفتاء، ومراجعة حق الملك في طلب قراءة ثانية للقوانين، قبل الأمر بتنفيذها، مادام بإمكانه الطعن فيها أمام المحكمة الدستورية، ووضع مقتضيات دستورية متعلقة بتحديد وظائف ونظام وعدد المستشارين الملكيين، وذلك في إطار سد الثغرات الدستورية التي قد تساهم في تكثيف فرص خلق حكومة موازية .
- اعتماد آليات استقلال القضاء واختيار رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بواسطة الانتخاب وتقليص حجم التدخل الملكي في اختيار أعضاء المجلس.
- التنصيص على حرية المعتقد وقواعد الحكامة الأمنية وسمو المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على القوانين الداخلية، بشكل لا لبس فيه، وإعادة ضبط مختلف المصطلحات والتراكيب والتعابير الواردة في الدستور، بالشكل الذي يجعلها محكومة برؤية منسجمة ومتماسكة وجلية المعنى والمرامي.
إن تمثل روح الانتقال إلى نظام الملكية البرلمانية، باعتبارها الصيغة الديمقراطية الوحيدة الممكنة في ظل نظام ملكي وراثي، والانخراط في دينامية هذا الانتقال، يستدعيان من الطرفين الإسلامي والعلماني النهوض ببعض الواجبات التي يعبران، من خلالها، عن التزامهما بالديمقراطية.
بالنسبة إلى الإسلاميين، أو المعتدلين منهم، عليهم، في نظرنا، قبول اعتماد إسلام مقاصدي متجدد يراعي تطور الواقع، والتخلص من إغراء اللجوء السهل إلى قراءات حرفية تكتفي بتغذية مشروع حلم جماعي بالعودة إلى "عهد ذهبي" وتعفي العقل من مشقة تدبر مشاكل العصر. إن عددًا من القراءات الحرفية تمثل عرقلة حقيقية أمام فكرة مد الجسور بين الإسلاميين والعلمانيين وبناء التفاهمات التي تؤسس للانتقال، بينما في ظل القراءات المقاصدية المتنورة يمكن إيجاد الحلول المطلوبة لأغلب المشاكل التي يطرحها المخاض الانتقالي.
وعلى الإسلاميين، أيضًا، التحرر من التعاطي الغامض مع المسألة الديمقراطية، والذي تجسده، مثلاً، مقولة قبول الديمقراطية كآلية ورفضها كفلسفة، ومقولة قبول الديمقراطية في الحدود التي لا تتعارض فيها مع الشريعة. الديمقراطية هي انتصار للعقل والإنسان، ولا يمكن، في ظل آلية صناعة القانون، مثلاً، أن يحتج فريق على فريق بكون الحل الذي يقترحه، في هذه القضية أو تلك، معفي من اختبار الجدل العقلي الحر بدعوى أنه صادر عن الله سبحانه وتعالى؛ فكل فريق، في البرلمان، يتوجه إلى الآخرين باعتبارهم مواطنين ولا يميز بين المسلمين فيهم وبين من لهم ديانة أخرى أو لا ديانة لهم. طبعا، هذا لا يمنع أي مُنْتَخَبٍ أو مجموعة مُنْتَخَبِين، في ما بينهم، من الحرص على أن تكون الحلول التي يقترحونها متطابقة مع ما يعتبرونه مرجعية إسلامية. يُلاَحظ أن الإسلاميين، في العادة، يتفادون القيام بتحديد مسبق للمساحات التي ستُقْتَطَعُ من الديمقراطية بدعوى تعارضها مع الشريعة، وهذا لا يقدم إشارة مطمئنة إلى العلمانيين . وإن الرفع المجرد، من طرف الإسلاميين، لشعار ملاءمة القوانين مع الشريعة قد يكون مجرد طقس فُرجوي وتاكتيك انتخابي، وقد يمثل تهديدًا بالتراجع عن الحلول التي ارتضتها البشرية قاطبة وحسمت في صلاحيتها؛ وفي جميع الأحوال، فالشعار يمثل نوعًا من المنازعة النظرية في تلك الحلول التي تحكم أوجه الحياة الجنائية والاقتصادية والإدارية والمالية والقانونية. إن اقتراح تكليف القضاء الدستوري بمراقبة مدى "إسلامية" القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية يجعل الدستور نصًا "مفتوحًا" باستمرار ويمس بسموه ومكانته. واقتراح "تعزيز مكانة العلماء" ينطوي على خطر الترامي على حقوق الممثلين المنتخَبين، علاوة على خطورة المنحى القاضي بـ"تلغيم" جسم الديمقراطية بواسطة زرع مؤسسات غريبة تهدم، في النهاية، أساس وجود المؤسسات الديمقراطية المعروفة التي لا يجاهر الإسلاميون بمعارضتها.
وسيكون مطلوبًا من الإسلاميين، كذلك، ردم الهوة القائمة، أحيانًا، بين المرجعية والمقررات المكتوبة التي تصدر جماعيا عن التنظيم، بعد التداول، وبين إنتاجات وخطب الشيخ أو القائد والتي تتعامل مع الاختيار الديمقراطي بتحفظ شديد أو تتولى تسويق مقولات لا علاقة لها بجوهر هذا الاختيار. تجب ملاءمة البنية التنظيمية، بطقوسها وعاداتها وأنشطتها، مع متطلبات الالتزام بالديمقراطية، كنبذ مظاهر الخنوع والوصاية، والفصل بين أطر النشاط الدعوي والديني وأطر النشاط السياسي. ويتعين، في كل تدبير مفترض للشأن العام، تأكيد الالتزام بالدفاع عن الديمقراطية، من خلال الأفعال، ورفض مشاريع تعطيلها وعدم التحالف مع أعدائها؛ كما يتعين تجنب أي نوع من أنواع التردد في مناهضة نزعات التطرف والتكفير، وتقديم ضمانات مستقبلية لعدم اللجوء، مرة أخرى، إلى سوابق الاعتداء على حرية التعبير ومصادرة الحق في الإبداع والاختلاف والمس بحريات الآخرين. 
وعلى العموم، سيجد الإسلاميون أنفسهم وجها لوجه أمام التحدي التالي : هل يقبلون كثمن للانتقال، أم لا، ببذل تنازلات قد تفقدهم جزءًا من الاحتياطي البشري والانتخابي الوفير الذي يملكونه؟
ذ. محمد الساسي

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes