للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

إنفاذ القوانين يستلزم وجود حكامة أمنية لـ خالد أوباعمر



الحكامة الأمنية في المغرب لا يمكن التعامل معها كما لو أنها ورش مفتوح للاستهلاك الإعلامي. بل ينبغي تكريسها على أرض الواقع كأولوية مجتمعية ضاغطة، للحد من مظاهر الانحراف، والشطط في استعمال السلطة، والتعسف في استعمال الحق، والإفراط في استعمال القوة ضد المواطنين دون مراعاة شرطي التناسب واللزوم، والتصرف دون ربط المسؤولية بالمحاسبة بخصوص تدخلات الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.

الحكامة الأمنية معيار من المعايير الأساسية للتحول الديمقراطي في أي بلاد. التحول الذي سيجعل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية الأمن والنظام العام تشتغل تحت سلطة الحكومة الدستورية وتخضع في تصرفاتها لرقابة القضاء ولمسائلة البرلمان ولتحريات لجان تقصيه النيابية التي تستمد مشروعيتها من الدستور والقانون

لقد وقعت في السنوات الأخيرة تدخلات أمنية عنيفة في حق نشطاء حركة 20 فبراير أو في مواجهة طلبة الجامعات والأحياء الجامعية أو ضد وقفات احتجاجية سلمية لفعاليات حقوقية ومدنية أو في مواجهة حراك اجتماعي ببعض المدن... ومع ذلك لم نرى أن الحكومة التي جعلت من التنزيل الديمقراطي للدستور أهم شعاراتها قامت بنشر أي تقرير عن العمليات الأمنية وعما خلفته من خسارة وعن أسباب ذلك والإجراءات التصويبية المتخذة في إطار تفعيلها لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الشق المتعلق بموضوع الحكامة الأمنية.

مادام أن دواعي الاحتكاك بين رجال الأمن والمواطنين في بلادنا موجودة فإن وضع مدونة سلوك أو خطة وطنية متكاملة لضبط سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين يعدان من المقومات الأساسية الكفيلة بإصلاح الأعطاب الموجودة في العلاقة بين المواطن وأجهزة الأمن. كما أن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة أمر بات يستجوب من الناحية الأمنية ضرورة توقيع العقاب الإداري والجنائي الصارم على كل من يثبت عليه إخفاء ما ترتب من الخسائر البشرية أو المادية بسبب الاستعمال المفرط للقوة العمومية أو قام بتزوير أو تدمير أو التستر عن ما حصل من تجاوزات أو وثائق متصلة بها كما أوصت بذلك هيئة الإنصاف والمصالحة...

المؤسسات الأمنية بخلاف باقي المؤسسات الأخرى تقوم بموجب القانون أو من دونه بأعمال قسرية تنطوي على القسوة والشدة. كما أنها تستعمل القوة بشكل مفرط وغير متناسب في بعض الأحيان ويمكن لها أن تقوم أحيانا أخرى ببعض الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية مثل القبض والتفتيش والاستجواب وانتزاع الاعترافات

ولأن هذه الأجهزة تكون في مواجهة مباشرة مع الأفراد بشكل جماعي أو بشكل فردى فإن هذه المواجهة تفرض على الدولة وعلى أجهزتها الأمنية احترام حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية كما ذهب إلى ذلك القاضي الأردني محمد الطراونة في أحد دراساته التي تناولت علاقة الأمن بحقوق الإنسان.

أجهزة الأمن تعد من أهم الآليات الوطنية التي يتوجب عليها احترام حقوق الإنسان خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد تنامي ظاهرة التظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية من أجل المطالبة بالتغيير والإصلاح للقضاء على الفساد والاستبداد

وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد الطراونة في دراسته السالفة الذكر لقد تنبه المجتمع الدولي إلى أهمية دور الشرطة في حماية حقوق الإنسان. كما أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 الصادر في 17 ديسمبر1979 يعد المصدر والأساس لذلك، من خلال إقراره مدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين تتضمن مجموعة من المبادئ التي تحكم عمل الشرطة في مجال حقوق الإنسان والتي يمكن إيجازها فيما يلي: 
أولا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين في جميع الأوقات تأدية الواجب الذي يلقيه القانون على عاتقهم وذلك بخدمة المجتمع وبحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية على نحو يتفق مع علو درجة المسؤولية التي تتطلبها مهنتهم بحيث لا يجوز اعتقال شخص بدون سند قانوني وبناء على أمر قضائي مسبب ولا يجوز اعتقال أي شخص من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين دون إتاحة الفرصة له للاتصال بمحاميه على أن يكون مخالفة ذلك تحت طائلة البطلان والملاحقة في حال إذا خالفت الأجهزة الشرطية هذا المبدأ.

ثانيا: على الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم،احترام الكرامة الإنسانية وصونها، والمحافظة على حقوق الإنسان المحمية بموجب القانون الوطني والدولي

ثالثا: لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء واجبهم بل ينبغي أن يكون استعمال القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أمرا استثنائيا لتفادى وقوع أي انتهاك

رابعا: لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه. كما لا يجوز لأي منهم أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية كحالة الحرب أو التهديد بالحرب أو إحاقة الخطر بالأمن القومي أو تقلقل الاستقرار السياسي الداخلي أو أية حالة أخري من حالات الطوارئ العامة لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة..

خامسا: على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين احترام القانون ومدونة السلوك وعليهم أيضا، قدر المستطاع، منع وقوع أي انتهاكات لهما ومواجهة هذه الانتهاكات بكل صرامة. ويتعين على الذين يتوفر لديهم ما يحملهم على الاعتقاد بوقوع أو شك في وقوع انتهاك لهذه المدونة، إبلاغ الأمر إلى سلطاتهم العليا أو إلى غيرها من السلطات والأجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة أو رفع المظالم عند اللزوم..

وارتباطا بموضوع الحكامة الأمنية في الجانب المتعلق بالقتل التعسفي أو بالاستعمال غير المناسب للسلاح من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، لا بد من الإشارة إلى تعليق جد مهم للّجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جاء فيه:

"ينبغي للدول الأعضاء اتخاذ تدابير ليس فقط لمنع الحرمان من الحياة عن طريق الأعمال الإجرامية. بل أيضا لمنع القتل التعسفي الذي ترتكبه قوات الأمن التابعة لها.والحرمان من الحياة على يد سلطات الدولة هو أمر بالغ الخطورة ولذلك يجب أن يتحكم القانون في الظروف التي قد يحرم فيها شخص من حياته على يد هذه السلطات، وأن يحدد هذه الظروف"

مما لاشك فيه، أن أعمال القتل المرتكبة وفقا لاستخدام مشروع للقوة بتفويض للقانون لا تعتبر من حالات إعدام تعسفي لحق الإنسان في الحياة. لهذا على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين في أدائهم لواجبهم أن يطبقوا قدر الإمكان الوسائل التي لا تتسم بالعنف قبل اللجوء إلى القوة واستعمال الأسلحة النارية. كما لا يجوز لهم استعمال الأسلحة النارية إلا إذا ثبت عجز غيرها من الوسائل عن أداء المهمة أو عدم وجود أمل في تحقيقها للنتيجة المنشودة..

ومتى كان الاستعمال المشروع للقوة والأسلحة النارية أمرا لا مناص منه ينبغي على الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين أن يقللون الضرر والإصابة إلى الحد الأدنى ويحترمون الحياة الإنسانية ويحافظون عليها.

وتقرر المادة الثالثة من مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين " أنه لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم " كما ينص تعليق اللجنة الدولية لحقوق الإنسان على المادة الثالثة على مايلي:

1 يشدد هذا الحكم على أن استعمال القوة من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ينبغي أن يكون أمرا استثنائيا ومع أنه يوحي بأنه قد يكون من المأذون به للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يستخدموا من القوة ما تجعله الظروف معقول الضرورة من أجل تفادي وقوع الجرائم أو في تنفيذ الاعتقال القانوني للمجرمين أو المشتبه بأنهم مجرمون، أو المساعدة على ذلك. فهو لا يجيز استعمال القوة بشكل يتعدى هذا الحد.

2 يقيد القانون الوطني في العادة استعمال القوة من قبل المكلفين بإنفاذ القوانين وفقا لمبدأ التناسبية

3 يعتبر استعمال الأسلحة النارية تدبير أقصى لا ينبغي اللجوء إليه إلا عندما يبدي الشخص المشتبه في ارتكابه جرما مقاومة مسلحة أو يعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أخرى وتكون التدابير الأقل تطرفا غير كافية لكبحه أو لإلقاء القبض عليه، وفي كل حالة يطلق فيها السلاح الناري ينبغي تقديم تقرير إلى السلطات الخاصة دون إبطاء.

أما مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استعمال القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين فقد نصت على عدة خطوط توجيهية ترتبط بالمبادئ العامة لاستعمال الأسلحة وبالجانب المتعلق بالمسائلة عن استعمال الأسلحة وبالظروف المسموح فيها باستعمال الأسلحة وبإجراءات استعمال الأسلحة وما بعد استعمالها يمكن أن نفصل فيها في مقال آخر.

خالد أوباعمر

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes