للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

السينما الكبير بالحسيمة ، المعلمة الثقافية المفقودة لـ محمد الزياني



أغتيلت ذاكرة الحسيمة...فمن المسؤول؟

• من منا لم تستهويه ذاكرته يوما للتوغل في أحشاء طفولته عشقا في الطواف برحابها مستعيدا لحظاتها المشتهاة ؟ وهو في وهج الذكرى تلك ، إنما يعيد معايشة ماضي ساكنة هذه المدينة بكل تقاسيمه .....

• وأنت المنتصب أمام صرح هذه البناية الضخمة ـ بحجم " السينما الكبير" المنغرسة في قلب مدينتنا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية (13 دجمبر 1949) مع مثيلتها المسرحية TEATRO التي رأت النور قبلها بكثير (15 شتمبر 1927 على يد Don Jose Sanjurjo Sacanell) مضفيتان على الحسيمة رونقا ثقافيا استثنائيا في زمن غاب عنه الهم التنويري المفترض إعانته لطموح الصبية للانفلات من مخالب الاعوجاج والشغب الطفولي..
• سيغمرك الذعر وأنت الشاهد ـ في مثل هذا الصباح من صباحات 1997 المشؤومةـ على استشهاد هذه الذاكرة الثقافية في أبشع صور إبادتها!! 


• ألسنا ممن وهبوا ردحا زمنيا وحصة عمرية نفيسين طمعا في فهم معاني ولغزالبناية ؟ لغز شدنا إلى أسوارها المرصوصة، منصهرين في مجالها الفسيح كمعلمة ثرية لهذه الخزامى ... فهي التي امتصت رحيق عشقنا باكرا موثرين التسابق والازدحام على شبابيكها التي لم تكن لتسع إحداها لاحتواء الجسد المثخن لسنيور خوصي José الذي يغطي بوجهه الدائري الضخم ملء الكوة التي نادرا ما كان يغادرها ليحل محله عمي علي أيام الآحاد التي يتفرغ فيها صاحبنا خوصي: باكرا، لفسحة صيد بحرية لايزال يتذكر خلالها إحدى مغامراته مع مسعود " بنمري " ، ومساء لتشجيع فريقه المحبوب "شباب الريف " بألمع لاعبيه إذاك : عمار أفجاح ، علي باطيو معية الإخوة Palomos وحارس المرمى الأطرش Sordo صاحب الانقضاضات الانتحارية والغيرالعابئ بوخزات الحصى المنغرس في قلب أرضية ملعبنا البلدي منذ البدء ... وكم كانت هذه المقابلات حامية الوطيس كلما احتضنت الأشقاء من الفرق المحلية : المغرب الحسيمي بعميده عبد الحق ، وشباب الريف وكذا فريق الأشغال العمومية .. وعلى مدار تلك المباريات يكون هذا الخوصي José سباقا لاحتلال مكانه هناك ضمن إحدى مدرجات الملعب الإسمنتية الصلبة... مشجعا وصارخا تارة ، ضاغطا و نافخا في مزماره المتميز تارات أخرى محولا بذلك محيطه بالكامل لفضاء فرجوي مواز يخترق صداه أفق الملعب رفقة نشيد الشباب الخالد : ألا بي ألابا ألابي مبومبالي شباب / شباب إلا ذيين ما ..... Alave Alava Alavembombali , Chabab, Et Cahabab Eladyenma 

• في غمرة الترقب المضني ، وقبيل انفتاح الأبواب الرئيسية لقاعة سينمانا في حدود الثالثة بعد الزوال ، يكون عمي علي( قبل أن يفجعنا يوما نبأ قضاء والده بإحدي شواطئ الصيد ) يؤسس لجلسات خاصة مع تجار العربات الملتحمة بالبناية : الراحلون جميعهم: عمي الروبيو وباريكيتا وجارهما بوزيان (الذي حولته فيما بعد بلاهة الزمن إلى سندباد يملأ أزقة وشوارع المدينة جيئة وإيابا إلى آخر رمق ) وغالبا ما كان يقاسمهم ذات الجلسات المرحوم ع.الحميد ج :أحد قيدومي مستخدمي المؤسسة البنكية المجاورة : شخص ممتلئ البنية محمر وساطع الوجه سطوع ولمعان الصفوة وقتذاك، يكسوه عبق العطر الإسباني الذي تسلمه للتو من زملاء له : مومذات وبورعذس وفرينكش.... ممن فازوا بمهمة التواصل التجاري المبكرمع الجارة امليلية ..عطر يزداد سحرية كلما امتزج بما تبقى في خياشيم صاحبنا من أثر اللذة المستقاة ، قبل حين، من منبع المتعة CASA DE ESPANA أو CLAVERES المحشوة في جدار "مركب مغرب ‌‌ 2000الراهن"، وكثيرا ما كان صاحبنا يتخذ لحظة استراحته الوظيفية الخاطفة فرصة له ل"قضم" حبات القاوقاو "المكرمل" أمام عيون أنثوية متسترة خلف شقوق وفجوات النوافذ العُلوية المقابلة ، مصرا في حالات كثيرة على حرماننا ـ نحن الأطفال المراوحين لذات المكان ـ من محاكاته بصريا ، جاهدا في اختلاق وضعيات سُفلية مثيرة عساها تلهينا عن شأن البالغين ...ولكن هيهات ...فكثيرا ما نعتقد ، واهمين ، سهولة استغفال الصبية (القاصرة / العاجزة !) عن فهم لغز لحظات التلبس والتقاط الشبهات قبالة تلك العيون النفاثة ... واه يازمان ! 

• كتب لنا ونحن كذلك ، أن نكون من السباقين إلى احتضان جدران البناية بعد ان نكون قد تأكدنا من دسامة المأدبة الفنية لهذه الأمسية ، (والحديث هنا عن فترة الاجتياح الكاسح للأفلام الهندية بداية السبعينات ) وكيف لا ونحن الذين اصطحبنا "حمّال" الشريط هذا الصباح من مقر الساتيام CTM ( الخطوط الوطنية ) بعد أرق انتظار وصول الحافلة التي تململت باكرا من الناظور عبر متاهات بوعرمة ..ولا نكاد نشفي غليل شوقنا وفضولنا لسبق التعرف عن بطل فيلم اليوم، حتى يطلعنا عبد السلام أقرعي* على فحوى هذا الكيس الكموني اللون وهو يثبت صورا منه على لوحة الإشهار الداخلية قبل نشرها على الواجهة الخارجية للعابرين ...هناك بهذا الداخل وفي جو صباحي هادئ يغمر المكان عطر القاعة التي تسهر هؤلاء العذاري على تجفيفها وتنظيفها بانتظام، ونحن منكبين على اكتشاف وتأويل فقرات فيلم اليوم مما نلتقطه من دلالات الصور المرفقة للإعلانAffiche .,, يأتينا صدى ما يرددنه( الفتيات) من أغاني هندية مما تبقى من ذكريات شريط الأمس .. ومقاطع من إزران أمازيغية تحكي عن مغامرات آخر الأسبوع رفقة الحبيب في تماه تام مع مشاهد ذات الأفلام الهندية ...شابات غالبيتهن دائرات في فلك البناية من أهل البيت .. ولم تكد تنقضي مهلة تنظيف كل مرافق القاعة السينمائية ، حتى يكون عبد السلام أقلعي ـ الذي ينوب عنه تارات أخرى حسن اللونوـ قد أفرغ من عرض اللوحات الإشهارية على واجهتي البناية الخارجية على أنظار المارة من العوام

• نكون من الصبية التي تزاحمت باكرا لاحتلال المواقع الأمامية لشباك التذاكرحبا في الفوز بولوج هذه القاعة الفسيحة كلما تيسرحالنا المادي المرهون بأحوال آبائنا الكدّاح ، الذين نجدهم على مرمى حجر في ركن من أركان مقهى المرحوم " الساهلة " منغمسين، خاصة أيام عطلهم الأسبوعية، في لعب الورق أو الدومينو كتسلية مفضلة باتت كافية لتزجية سخية لزمن ولى ، وكذا لدعم وترسيخ قيمة صلة الرحيم بالأهل القادمين من مداشر الإقليم... وحتى إن خُيب خيارنا الأول هذا (الرهان على دعم الآباء) حاولنا تجريب الخيار البديل القائم على خدعة الانفلات نحو الداخل في غفلة من : المرحوم عمي قلوز(الأب) والتسلق إلى خنيرال (القسم العادي) حيث تستقر، في جانب منه ،عائلته السخية والحنونة إزاءنا نحن الذين التحمنا وإياها عبر البناية في رباط وطيد معية الأقران من الأصدقاء والجيران ... وفي معبرهذا (الخينرال) سوف لن تمحي من ذاكرتي، ما حييت، صورة ذاك الشرطي(عمار) الغليض الشديد وهو يهوى بكل ما أوتي من سادية وحقد ب"لكوطه" "زرواطته" على محتلف أنحاء جسم رجل بريء لم يتخلص بصره بعد من قتامة ظلمة القاعة ، التي ولجها للتو ،من دون أن يفطن لسبب هذا الهجوم الشرس الذي يكون عادة صفيرا وضجيجا معهودان لحظة حدوث أي عطب فني أو تقني في الشريط ) ...أما في حالة توالي إحباطات الفوز بحضور العرض، نكون مضطرين لنسلك خيارا ثالثا بانتظارنا الشغوف والبريء ظهور صاحب هذه القاعة السينمائية خصوصا بعد ذيوع خبر وصوله من تطوان أو من الناظور حيث يمتلك قاعات سينمائية مماثلة ..ننتظر Antonio (الإسباني /الإنسان الذي تبادلت مدينتنا وإياه الغمز واللمز منذ البدء ) ليمن علينا بعطفه الأبوي سبيلا وحيدا للنجاة من صرامة المرحوم :عمي اعمار في الممتاز Butaca حيث لازمه لفترة نقاهته على إثر كسر رجله اليمنى رجل الأمن المسمى "جلول" وآخر بزي عسكري..وكم تلذذنا مرارا بهذا الفوز ونحن نسير الهوينا في باحة القاعة الفسيحة على مرأى حسن" اللونو " بنظراته الموشومة على أجساد الجبناء ! وهو متكئ على جنبات الكونطوار حيث المرحوم حميد/ النادل لم يهدأ من خفته المهنية التي اكتسبها منذ نعومة أظافره من" دار إسبانيا " " " Casa de Espana بالجهة الخلفية للبناية.
• بداخل القاعة ، تغرينا بصمات التشكيل المجسدة على محيا الثالوث الجداري الأمامي بهذا الفضاء الفسيح الناطق بسحر الاندغام والمزج فيما بين السمات التشكيلية واخرى السينمائية المنسوبة للفنان/ الصباغ الذائع الصيت ألفارو* ...جداريات آوتها رحاب القاعة بكل امتنان متانة أعمدة البناية المثبتة بعناية هندسية خارقة تعيدنا لاستحضار وتمثل العبقرية اليونانية في إرسائها لصرح المسارح الشعبية والملتقيات العمومية على طول ارجاء دولة/المدينة: مهد احتداد الصراع الفكري والمحاورات الفلسفية والسجالات السفسطائية ... تحضرك ذات الصورة وأنت المشدود لمثيلاتها قبالة هذا الجدار الداخلي العظيم ، والأعظم ما ادخرته البناية في جوفها : 20 غرفة Balcons بين المستويين العلوي والسفلي ، هُيئت أصلا لإيواء العائلات بعيدا عن الصخب العمومي الذي تطور ، في أواخر أيام هذه القاعة ، إلى صياح ممزوج بالصفير وتكسير الكراسي بكل سادية كلما انقع الشريط عبر مسار عرضه المطول ... نوادر أثرية : كؤوس مرمرية رُصفت بعناية عبر الزوايا المتباعدة كَتبت عليها الأزمنة بخطوط وخيوط الغبار موحية للشاهد أن هيرقل قد مر من هنا قبل التحاقه بمغارته الأزلية بطنجة ! غير أن الفائز حقيقة بلذة المتعة هذه ، هو من نجح يوما في اجتياز الشبكة الخشبية الرقيقة الباطنية، الفاصلة بين الجانب الداخلي للجدار المكسو بالفلين وما عداه ...تلك التقنية الفنية المبكرة لقهر أصداء العروض وصخب جمهورها ...أو ربما خوفا من انزياح سر القاعة نحو الأزقة الليلية معكرا بذلك صفو المدينة وهدوءها المعتاد..
• ٍاسأل تاريخ المدينة عن مغزى الفَرحة/ الفُرجة والبُشرى التي تقمصتها هذه السينما بكل مواصفاتها أيام الأعياد والمناسبات المتكررة في بلادي حد التخمة ، فهي المحج الثابت لطواف طفولي حول معروضات تلك العربات المحشوة بانواع اللعب والحلويات والحبوب المهيأة عبر أغلفة تفنن بعض الصبية ( منها من أصبح اليوم في مراتب المسؤوليات الإدارية) في إبداعها دعما ومساعدة لهذه الأسرة التجارية الملتحمة بالبناية لعقود زمنية متعاقبة .. طواف قلما تزيغ عنه ثلة من الأطفال المخدوعين بلعبة " ثقدوحث" لتسريب فرنكات ودريهمات العيد إلى جيوب كل من " عما نزهرا " والمرحوم " علوش " ضريبة على سذاجتها(الثلة) البلهاء ...في حين تعرج الثلة الناجية باتجاه مصدر النكهة والعبق " الميرينكيين " القادمين من هناك ... من محل " أنطونيو بويويو Antonio Boyouyou (مقهى الوطني حاليا ) هذا الإسباني الأصلع الذي احتفظ اليوم كل من حميد و ح.أقضاض وسمير علاش بسر إتقانه وإحضاره لهذه الحلوى النوعية تماما كما إتقانه لفن الملاكمة معية جيرانه من إخوة " شاوشاو" .... متجر يعج بأجساد فتية بريئة من الجنسين ... تتداخل المناكب وتلتحم السواعد في تناغم رائع لكثرة الطلب وسط فضاء معطر بعبق الميرينكي الممزوج برائحة عطر " طابوTabou " المفضلة زمنذاك ... تتحول أرضية المتجر/ المكان بذلك إلى صفيحة ممغنطة تنجذب لهاحرارة الأجساد وعنفوان الأفئدة المتماوجة والمتمايلة تمايل النظرات وأحلام اليقظة المخترقة لسمك الحاجز العُمري لهذا الجمع التلقائي..

• في رحاب قاعة سينمانا تلتئم البوادي والمدينة في شخص ذويهما موعد هذه الأعياد في عشق متبادل تؤثثه المأدبة الفنية / العرض الذي يعاد لأكثر من مرة بسخاء دون ملل أو كلل إلى غاية منتصف الليل العميق ، حينها يبدأ العد العكسي لانسحاب الزوار ..وتراهم يتدفقون أفواجا نحو باب الحسيمة (ثواث انبيا) المدخل الوحيد الذي كان لمدينتنا ، متنافسين ومتهافتين على الشاحنات بعد استنفاذ المدينة لما امتلكت من سيارات الأجرة/Taxis سعيا وراء العودة السليمة إلى الأهل في المداشر المجاورة .. بعد أن نفضت الفرجة العيدية أنفاسها الأخيرة ....
• في ذات القاعة / المعلمة وبفضلها استبطنا العواطف الهندية ومآسي شعبها مبكرا ، بعد أن اجتاحتنا أفلامها نهاية الستينات وبداية السبعينيات ، مضفية على مسلكياتنا إحساسا خاصا إزاء الهند البلد والشعب ـ واندمجنا حميميا مع أبرز أبطالها ونجومها السينميائيين حد الكد في استجلاء تفاصيل ودقة حياتهم الشخصية عبر بعض المجلات والدفاترالفنية وقتذاك : منها الموعد المصرية وروز اليوسف ...بعد أن انحاز كل منا لنجمه ونجمته المفضلين وفق مواصفات الحاجة والعشق الطفوليين الغامضين : فهذا مسحور برقصات HEMAMALENI و JETENDRA والثاني بMUMTAZ CHAMI KAPPOUR وإخوته CHACHI-RAJ . والآخر RAJKUMAR و DHARMENDRA و DIVANAND وManuj Kumar وغيرهم ...وكم مرة تعاركنا سبا ومشاجرة فقط لأن الواحد منا أساء إلى هذا البطل أو ذاك ...واسألوا عن ذلك إخوة سعيد المتناوبين على صفيحة الشباكية ذات الطعم الفاسي الخاص والذين كانوا يستعينون بوالدهم المعتكف ببزاره السياحي المجاور لمصور أطلس بشارع محمد الخامس ، في كل الطوارئ..( شاءت الأقدار ،بعد أكثر من عقدين ، أن صادفنا ـ فترة دراستنا الجامعية بفاس منتصف الثمانينات مرة ذات الأب ـ معتكفا بمحل / بزارمماثل وسط دكاكين الطالعة ومولاي إدريس حيث استعدنا معه نبذة من تلك الحياة المأسوف عليها بحسيمتنا السخية ) وقت كان للبزار شأن بهذه المدينة السياحية المكلومة ...حدث ذلك قبل أن تستفيق مداركنا ومعارفنا المؤجلة على قتامة واقعنا الشبيه بذاك البلد الهندي الديمقراطي البئيس !!!...

• تتجمد عقارب الساعة وتتباطأ معها العروض الهندية بما توقظه عبرها أبرز ممثلات العصر " هيما ملين ، مونتاز ، شرميلا تاكور... والراقصة الشقراء " هلين " من فتنة شبقية سرعان ما تلقى استجابة ضوئية في زوايا وأركان "خينيرال General كما في الصفوف الأمامية وعتبات Butaca التي احتجزت باكرا من قبل " أولاد حارتنا" الذين تعودوا على انتفاضتهم الوجدانية العنيفة كلما اعترض تلك اللقطات الإباحية للشريط الهادئ عطب تقني مفاجئ قبل أن يتوارى الضوء العاكس projecteur المثبت هناك حيث ينتصب خلفه جنود الخفاء : عبد السلام التطواني وموحندان ( بعد وفاة الثاني ظل الأول مستمرا في رحلته الشريطية الدائمة )...ومعهما الأخوان الحاضرين بوطاهر وموحند ، يتعالى الصياح والصفير والهتاف والشتم المصحوب بتكسير جنبات المقاعد بهيستيرية مشهودة لا تجدي معها تدخلات الرحوم عمي حمادي قلوزالتائه بمصباحه التعس وسط صخب تقاس حدته بقيمة المشهد التي استهدفه العطب أوالتقطيع ، وويل لنا حينما يكون الموضوع إحدى رقصات الشقراء الهندية HELLENE التي استفزت مشاعرنا باكرا بعد أن كونت لنفسها عشاقا ومحبين من الصفوف الأمامية المصطفة في تأهب لا يطاق ...

• شكلت لنا هذه البناية محور تواجدنا اليومي ومجالا خصبا لنسج علاقاتنا الحميمية مع ساكنة هذا المحيط ..ألم ننصهر في غرامياتنا المبتدئة )وليس البدائية( جدا مع سلالة (ج ت) التي اعتبرت في أعيينا ـ والحقيقة للتاريخ ـ من أجمل ما احتضنته المدينة من فتيات العصر بفتنتها الأندلسية البادي على محيا جسدها الملائكي وعيونها الغزلية التي حكت عنها " قارئة الفنجان " القبانية ، هي التي اندمجت وأهلها في دوامة الحياة العصرية الاستثنائية والمثيرة زمنئذ ...وكيف لا وأفرادها ممن اقتسمنا وإياهم ولوج هذه القاعة السينمائية بلحظاتها المرحة عبر الشرفات BALCONS المتقنة بهندسة إسبانية هئت أصلا لإيواء وحماية العوائل من سهام النظرات الحاقدة ...وكم تمثلنا ذات المشاهد في مثل تلك الصباحيات الربيعية على رصيف" مقهى الدروج " حيث كنا نرتشف بكل شبقية قنينات " كروش " و"بيبسي " قبالة مدخل ذاك المنزل العائلي الفسيح الذي تحاط فيه هذه " الجميلة " كملكة النحل ، بأترابها الفتيات من جنس عائلي منتشرعبر مواقع المدينة يلتحمن في زيارات مطولة.. وفي مثل هذا الوضع القلق بغبطة النظرات النفاثة بالمثل ،اقترن اسم كل منا باسم أنثوي مقابل وكأننا في موسم من مواسيم الأطلسية ...يا لها من تباشير تجربة حب جماعي غريب ..ترسخ وانغرس في دواخلنا كأساس مرجعي لكل مغامراتنا اللاحقة ..

• وما تكاد تلقي قاعة السينما بما في أحشائها من أجساد منهكة ، حتى يكون.. الراحلون أجمعين : عمي " الروبيو " وباركّيتا وبودرة وبوزيان وعمي حسن (فنان حلوى باركيو) وأخوه عبد الله الذي وصلتا نهايته المأساوية بتطوان، وحسن الخمليشي ـ شفاه الله ـ الشاهد الوحيد القابع إلى اليوم بقفته / متجره المصغر قبالة هذه البناية السينمائية التي آلت إلى خراب .(.قبل أن تنبعث اليوم عمارة سكنية ، لم نجد فيها إلى اليوم أثرا للوعد الذي قطعه المسؤولون على أنفسهم بضرورة احتضان العمارة لقاعة سينمائية إيذانا باستئناف الفن السابع لمسيرته الطويلة بهذه المدينة الزاهية !! ويظل حسن الخمليشي (ثزيزويت) هذا حريصاعلى استنفاذ محتويات القفه من حبات الكاوكاو ونوار الشمس وبعض الملحقات من مناديل الزكام عساه يوازي بين حرفته تلك ومعيشته التعيسة التي لازمته منذ التحاقه بهذه البناية في ريعان شبابه شابا أشقرا احمر اللون ذو القسمات الأوروبية... هنا حيث كان والده الراحل يزوره بانتظام قادما إليه من باديته الأصيلة .. ( يكون هؤلاء جميعا قد أتوا على إنهاء مشوارهم السيزيفي ، وشرعوا في طي واستجماع عرباتهم المتنقلة التي شكلت جزءا من بناية السينما ، مزركشة خارجها برداء استيطيقي فريد ... إذاك تبدأ رحلتنا الأخيرة ، نحن الصغار ، موزعين في الدفع الجماعي /التضامني لذات العربات نحو المرائب البعيدة / القريبة (إحداها في ملك صديقنا بوحذيف) مقابل حفنة بيباpeppa أو حبات كاوكاو أو الاكتفاء بتشكرات أبوية كافية ..

• هي ذي الحلقة الختامية في العودة إلى الديار حيث الأمهات لن يملن بعد من طول الانتظار وعنف الترقب خلف فجوات النوافذ وشقوق الأبواب الصدئة بعامل الأزمنة المتعاقبة ..
• صورة من صورعنفوان طفولتنا الطليقة ...
• وها أنت لم تنعم بعد بلذة تداعي الذكريات حتى تستفيق على هدير وشراسة الجرافة وهي تقضم أصوار البناية الشاهقة بكل سادية تذكرنا بغزوات التتارالقديم والجديد ضد حضارة الرافدين العريقة ... ولعمق انغراسها في الأرض ، ظلت هذه البناية شامخة في كبرياء لا متناهي ، لا مبالية بوخزات الآلة الرجيمة ، وكأنها بك تستنجد من ويلات هذا الزمن الخائب. الذي آلت إليه المدينة العذراء...

ما يشبه الخاتمة :
• بعد كارثة الهدم التي تمت في غفلة من الراي العام المحلي والوطني والمنظمات الحريصة على صيانة وترميم المعالم التاريخية ببلادنا كجزء من التراث الإنساني العالمي .. وبإلحاحنا على إعادة طرح المأساة في كل مناسبة ...سيظل لسان حالنا يردد تفاصيل الحكاية والمفارقة والتسآل المستمر :
ـ ألم تندرج قيمة هذه المعلمة الثقافية الفريدة في الشمال ، ضمن اهتمامات برنامج وميزانيات اليونسكو المخصصة لترميم المآثر التاريخية وصيانتها ، تماما كما هو الشأن لمعالم مماثلة بفاس والرباط وتطوان ومكناس وورزازات وتافيلالت ... وبكافة أرجاء المعمور ؟ 
وبالمقابل ، هل ضمير مدينتنا الجمعي تآمر بدوره ، على البناية لإجهاض دورها التثقيفي والترفيهي والتنموي خدمة لشره المضاربات العقارية التدميرية التي زكتها المجالس الجماعية المطبوخة سابقا ، ضد مخزون الذاكرة وقيمها المادية والرمزية ؟ 
ـ ألا ينم ما كانت عليه البناية ،إلى حين، من مشهد الدمار التتاري الشامل المشوه لفضاء المدينة وجماليته، عن إصرار البعض على تحويل عمق هذه المعلمة / الذاكرة إلى مزبلة ووكر دفين لفضلات المدينة ؟!
تلك هي إحدى صور المآمرة الدنيئة التي استوجبت ولا تزال من فعاليات الحسيمة و" مجتمعها المدني " وعموم الغيورين ، ضرورة التدخل والتصدي لفرض محاكمة فعلية لمثل هذه العقلية الاستئصالية وجعلها لا تنفلت من العقاب مثلها مثل كل من ثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والذاكرة. عسى أن تنتفي بذلك خيوط المؤامرة على هذه البناية مع باقي الفضائح وعلامات الفساد المستشري في منطقتنا ومحيطنا العام ؟!

• كتب هذا النص إبان هدم بناية " السينما الكبير" بالحسيمة سنة 1997 ونشر في حينه على أعمدة جريدة: الخزامى ، ونظرا للأهمية التاريخية لهذه المعلمة الثقافية بمدينتنا ، اضطررنا لإعادة نشرهذا النص المتواضع بعد مراجعة طفيفة وتحيينه وفق ما استجد خلال هذا الفارق الزمني و ما استلزمته حاجتنا لقاعة مماثلة...وأنا على يقين تام بأن هذا النص قد يشكل مستقبلا بذرة توثيق لسيرة هذه المدينة وأهلها .
• تجدر الإشارة إلى أن من بين االشهود على كارثة هدم القاعة: المصور والفنان المعروف : الحقوني المفترض احتفاظه بسجل حافل من الصور التي تؤرخ للمأساة.
• للأمانة العلمية والأدبية ، أقر بانني استعنت بصور المقال المذكور في الاعتراف ، مع صور أخرى من سجل الذاكرة التي أحاول استجماع جزئياتها في حدود الإمكان . 

• محمد الزياني - الحسيمة

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes