نحن و الملك: بين العصا والجزرة لـ منعم وحتي
أكيد أن الواقع متحرك، وتفترض إعادة قراءته تجاوز منطق التوصيف و التبرير، خصوصا أمام تراجع الأدوار الحقيقية للمثقف العضوي، فالردة الفكرية لغة القصورِ النظري، قصورٌ موجه بثنائية العصا والجزرة، فحين ارتكان فاعل التغيير الديمقراطي إلى الخلف الانطوائي بفعل تتالي العنف المخزني ماديا و معنويا، تكون العصا قد أدت مهامها، أما مفعول الجزرة فكان المرتع الأساسي لتجديد الحكم المخزني لنخبه ومن كل المشارب، فللريع مفعول استلابي أسقط قامات فكرية فارعة في مستنقع تبرير الاستبداد بأقنعة الاجتهاد الفكري، فمثقفو البلاط أشد وطأة على بني جلدتهم. فمطروح علينا إذا تجديد نخب تحديث المجتمع المتحرر خارج مربع العصا والجزرة، فالدينامية المجتمعية حبالة بشروط إنجاب الوعي العضوي المتنور، والقادر على جرف ما تساقط من مربع الانطواء الانهزامي واستلاب الوعي الزائف.
يتعاظم فعل هذه الثنائية كلما اقترب النقاش العام إلى محيط القصر، أما آن الأوان إلى انبعاث خط ثالث، يتجاوز انكسارات الارتكان لواقع مهزوم وأوهام شبه تفكير ريعي يبرر شطط الاستبداد ؟
لقد أسال ما طرحه الملك مؤخرا مدادا كثيرا، ذكرنا بتفاعلات 2011 إبان فورة حركة 20 فبراير، لكن مع الخوض في المضمون، من حقنا التساؤل حول توقيت هذه النبرة، فالزمن السياسي أساسي في تفكيك ظروف الأحداث. إن مؤشرات القياس التي صنفت المغرب في مراتب متأخرة جدا في سلم تقدم الشعوب من ناحية التطور المجتمعي و التنمية ليست وليدة اليوم. إن الوضعية المزرية لعيش أغلبية المغاربة لا تحتاج إلى جولات تفقدية للوقوف على مأساويتها، وإلا ما دور جيوش المستشارين والأجهزة التنفيذية، وصولا حتى إلى شيوخ ومقدمي أزقة البؤس، وضعية قديمة جدا، فلماذا إثارتها الآن بالضبط ؟ هل كانوا يكذبون على الملك كما يحلو لبعض مثقفي الجزرة إيهامنا؟
لقد بحت حناجر الفبرايريين وقبلها حناجر وزناد مدارس التغيير الديمقراطي في تاريخ نضال هذا الشعب الأبي في مواجهة احتكار ثلة فاسدة للسلطة و الثروة، فلماذا الحديث الآن عن شبه ثروة سرية، سنجند المستكشفين للبحث عنها، عفوا تجنيدهم أساسا لإقناعنا باستهلاك الدلالة الرمزية للتملك المعنوي بدل الخبز. فلن نحتاج لمراكز للدراسات للوصول لخلاصة أن الشعب المغربي من أذكى الشعوب وأكثرها إبداعا، رغم أن عباقرتنا تلفُظُهم بنية المخزن العتيق في حين يُحْتَضَنون خارجيا، فتاريخنا وحضارتنا شاهدان علينا، فقط لا يجب أن نكون انتقائيين حين الوقوف على الإبداع المقاوم للاستبداد، فبناء الحضارة كل لا يتجزأ، ولكل ملاحمه.
فلماذا الآن بالضبط؟ إن المؤشرات الداخلية تحيل على بوادر انفجار اجتماعي مهول سيأتي على الأخضر واليابس، نبهنا إلى خطورته منذ أمد بعيد، وواجهنا مدبريه ما أمكن في الشارع العام، لكن آذانهم كان بها صَمَمُ دفء الريع المخزني، فماذا أنتم فاعلون الآن؟
فإذا كانت الطبقة المتوسطة تنحدر إلى مراتب الفقر فكيف لنا أن نَصِفَ ما تَبَلْتَرَ في الفئات الأدنى؟ هل هناك فعلا جرأة لتعرية مرحلة تشكيل أعيان المخزن العتيق بتفويت أراضي الفترة ما بعد الاستقلال الشكلي لهم، والتي استمرت لحدود اللحظة عبر لوبيات الأوعية العقارية؟ هل هناك نية فعلية لكشف مافيات الصيد البحري وصفقات تفويت بحرينا؟ ألم يحن الوقت لرفع السرية عن صفقات الثروة المعدنية؟ فالمدخل الأولي يتمثل في كشف الأموال المهولة المهربة في شكل أرصدة بالخارج. أما آن للقراءات النقدية أن تعيد فتح ملفات نهب المؤسسات العمومية؟ إن ناقوس الخطر الداخلي قد دق، لهذا فسؤال "أين الثروة؟" ليس جديدا، إن النبرة فقط هي ما تغير. هذا فيما يخص الوضع الداخلي.
لن تكتمل قراءة متغيرات الزمن السياسي دون الإحاطة بالوضع الإقليمي، وحتى لاتذهب أعيننا أبعد من الجوار، فالتهديدات المحيطة بحدودنا ترهب دواليب الحكم المخزني، فوضى السلاح والطائرات المختفية في ليبيا وتزايد سلطة الخلايا المستيقظة للإرهاب أمام انهيار مؤسسة الدولة، إعادة هيكلة خلايا الإرهاب بجبال الشعانبي وسط تجربة ديمقراطية فتية بتونس، الحياد السلبي الموريطاني تجاه الارهاب الحدودي، تشكل إمارات قوية لشيوخ الإرهاب في الصحراء والساحل الإفريقي، يزيد سطوتها تخبط النظامين الجزائري والمغربي في إدارة المسألة الحدودية، سنفهم بجلاء حاجة الحكم الآن لتسويق شماعة "الاستقرار" (الثروة المعنوية)، لرص الجبهة الداخلية أمام مخاطر أي تهديد خارجي، فكماشة الإرهاب الدولي تحيط بالمملكة "السعيدة" من كل جانب، لهذا، وفي هذا التوقيت بالذات من الملحوظ في النبرة الجديدة تكريس التمركز المفرط للسلطة الفردية المطلقة، لهذا لن يدع الحكم المخزني أي هامش ديمقراطي يرهق مخططاته، وسيغلق الحقل السياسي للتحكم في أي متغيرات مستقبلية سواء على الجبهة الداخلية أو الخارجية، فلينس مثقفو الجزرة أوهام التنزيل الديمقراطي للدستور، وهوامش سلطة الأدوات التنفيذية، وأحلام الملكية البرلمانية. فلنستعد، لأن القادم أسوأ.
أخذا بعين الاعتبار كل هذه المعطيات التقيمية، فإن المعادلة الأساسية للصراع من أجل بناء مغرب حر، حديث وديمقراطي تقتضي عدم تبديد التراكم النضالي لمكتسبات حقوق وحريات المغاربة و التي سال لأجلها دم كثير، فكلما ناور الحكم المخزني بفتح الهامش الديمقراطي ضاقت إمكانيات التحالفات أمام قوى التغيير الديمقراطي، اما في فترات غلق المشهد السياسي والديمقراطي يصبح مفروضا ما أمكن توسيع هامش التحالفات أمام قوى التغيير الديمقراطي، لأن المكاسب الأساسية تكون مهدَّدةً وموضع نزاع طبقي جلي. فلن يُضْبَطَ الصراع إلا بإعمال مبدإ الخط الفاصل بين أنصار الحرية والديمقراطية كخندق موحد ولو مرحليا في مواجهة حرس معبد الفساد والاستبداد المخزني. فعلى الكل أن يختار موقعه، فاللعبة أصبحت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، فليستيقظ المثقف العضوي المنزوي في انتظاريته، فكل أطراف الصراع أيقظت خلاياها النائمة.
منعم وحتي.
مواضيع ومقالات مشابهة