للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

"البيعة" في المغرب من المقدس إلى الطقوس لـ علي أنوزلا






في كتابها المثير للجدل "الأيام الأخيرة لمحمد"، الحديث الصدور باللغة الفرنسية، تطرح الباحثة التونسية هالة الوردي الكثير من الأسئلة العقلانية التي يصدنا "المقدس" عن مجرد التفكير فيها، خاصة الأسئلة المتعلقة بخلافة الرسول وكيف تمت "مبايعة" خليفته أبي بكر. ففي رصدها للأيام الأخيرة قبل وفاة النبي محمد وبعد وفاته، تكشف الباحثة التونسية أن أصحاب النبي وقومه تركوا جثته بدون دفن لمدة ثلاثة أيام بسبب الصراع حول السلطة، وبأن كبار الصحابة وأقرب المقربين إليه حالوا دون أن يترك وصيته.

ويقدم لنا كتاب الباحثة التونسية الحسم في خلافة النبي على شكل تسوية سياسية بين موازين القوى آنذاك "الأنصار" و"المهاجرين"، وذلك بعيداً عن "مفهوم البيعة" الذي أضفي عليه الفقه الإسلامي الكثير من التقديس قبل أن يتحول إلى طقوس بعيدة عن الدين وأقرب منه إلى التقاليد التي تذكر بالعبودية وتبتعد عن كل أشكال التعاقد الحديث بين المواطن والحاكم.

فالبيعة كنظام للحكم إنما هي من اختلاق الفقه الإسلامي، والبيعات التي تمت في عهد النبي محمد بيعات، وأبرزها بيعتا العقبة وبيعة الرضوان. وبيعتا العقبة تمت مع قبائل ومجموعات بشرية محدودة، أما بيعة الرضوان فكانت من أجل خوض القتال، وهناك من تخلف عنها. وفي عهد الصحابة كانت البيعة بمثابة اتفاق بين أقرب صحابة النبي محمد على من سيخلفه وغالبا ما كانت موزاين القوى هي التي ترجح كفة المرشح. ومن بين الصحابة أنفسهم من لم يبايع الخلفاء الأربعة الأوائل الذين يَعتبر الفقه الإسلامي عهدهم بأنه المثل الأعلى لنظام الحكم في الإسلام. ومن بين أولئك الصحابة من مات وليس في عنقه بيعة، فهل تٌعتبر ميتته "ميتة جاهلية"، كما جاء في الحديث الذي يَنسِبه "صحيح البخاري" إلى النبي محمد؟!

إن من يسعى اليوم إلى أن يقدم "البيعة" كنموذج لنظام الحكم الإسلامي المثالي، إنما هو اجتهاد منه، ولا علاقة لذلك بتعاليم الإسلام، أما ما بتنا نشهده من مظاهر وطقوس وتقاليد تصاحب ما يسمى في المغرب بـ "حفل البيعة"، فهي أقرب منها إلى التقاليد التي تصاحب الاحتفالات الرسمية منها إلى الفعل المقدس الذي يُصوره البعض كرباط مقدس ويَعتبره أسمى حتى من الدستور نفسه!

فإذا كان الدستور وهو نص مكتوب يعتبر أسمى تعاقد بين الشعب والحاكم، ليس مقدسا، فكيف يمكن تقديس طقوس وتقاليد بعضها مستحدث حديثا. فالبيعة في المغرب ليست نصا وإنما تقاليد وطقوس أدخلها الجنرال الليوطي، الذي كان معجبا بالنظام الملكي الوراثي في فرنسا، إلى البلاط المغربي، وأبدع الملك الراحل الحسن الثاني في إخراج "مراسيمها" و"احتفالاتها" حتى يظفى عليها "الهالة" التي باتت تتخذها، الاصطفاف بلباس أبيض في بلاط القصر تحت شمس حارقة، وانتظار خروج الملك معتليا صهوة جواده أو راكبا سيارته المكشوفة، يحفه عبيد القصر ويستظل بمظل كبير، فسره وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في مقارنة أثارات الكثير من السخرية والنقد، بظل الشجرة التي بايع تحتها الأنصار النبي محمد عندما كان يَهُم بالهجوم على مكة.

وإذا كانت "البيعة" كنظام حكم في الإسلام لا وجود لها، وفي اللغة تعني التعاقد والاتفاق، وفي الاصطلاح هي وصاية من يسمون بـ "أهل الحل والعقد"، وهؤلاء لم يعودوا موجودين حتى في الأنظمة التي تقول بأنها مازالت تعتمد هذا النوع من "النظام" لتبرير شرعيتها ووصايتها للتقرير في مصير الآخرين والتحكم في إرادتهم، فإن ما نشهده اليوم من طقوس البيعة المستحدثة في المغرب إنما هي مجرد طقوس وتقاليد لا يجب أن نُلبسها كل القداسة التي يحاول البعض أن يُضفيها عليها، بل ويجب أن نٌخضعها للنقد لأنها أصبحت مهينة لكرامة الشعب، ومسيئة لسمعة الوطن.

علي أنوزلا

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes