كارثية انتخابات 7 أكتوبر 2016 لـ رحمان نوضة
نتائج الانتخابات البرلمانية ليوم 7 أكتوبر 2016 بالمغرب، هي كارثة وطنية سياسية بكل المقاييس. لمـــــــــــــــــــــاذا؟
لعدة اعتبارات. أبرزها ما يلي :
1- غالبية المصوّتين من الشعب صوّتوا لصالح أحزاب محافظة، أو يمينية، أو رجعية. وإذا قبلنا بأن نُسمّي الأشياء بأسمائها، فالحزب الأول في الانتخابات هو حزب إسلامي أصولي رجعي، يُسمّى ”حزب العدالة والتنمية“. وقد حصل على المرتبة الأولى، وذلك للمرّة الثانية في تاريخ المغرب (بعد سنة 2011). وهو حزب ”رجعي“ لأنه يعارض الحداثة، وينبذ العقلانية، ولا يقبل مبادئ الديمقراطية كمنظومة متكاملة ومترابطة، ولا يلتزم بالعدالة المجتمعية، ولا يقبل بعض حقوق الإنسان (مثل حرّية العقيدة، وحرّية العبادة)، ويرفض الإقرار بحقوق النساء، بما فيها المساواة بين المرأة والرجل، ويطمح إلى الرجوع بالمجتمع إلى قيم القرن السّابع الميلادي. وحينما لا ينجح في تحقيق بعض طموحاته الإسلامية الأصولية، فالحل البديل الذي يلجأ إليه هو دائما الرأسمالية المتوحّشة. وقد حصل هذا الحزب على 125 مقعدا، من مجموع 395 مقعدا في البرلمان. يليه في التّرتيب حزب رأسمالي يميني محافظ، هو ”حزب الأصالة والمعاصرة“، (102 مقعدا). بينما الأحزاب التي يُفترض فيها أنها تقدمية، أو ديمقراطية، مثل ”الاتحاد الاشتراكي“ (20 مقعدا)، و”التقدم والاشتراكية“ (12 مقعدا)، و”فيديرالية اليسار الديمقراطي“ (2 مقاعد)، بقيت متجاوزة، أو مهمّشة، أو مهزومة، أو فاشلة، رغم قِدَمِهَا.
2- قد يقول قائل أن هذه الانتخابات مغشوشة، أو مزوّرة، أو أنها لا تعبر بدقّة عن الواقع. لكن، الشكّ في نزاهة تنظيم الانتخابات، التي تُشرف عليها وزارة الداخلية، لا يبرر ادعاء أن كتلة المصوّتين المساندين لِ ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، أو كتلة المصوّتين المساندين لِ ”فيديرالية اليسار الديمقراطي“، تُساوي، أو تُضاعف، كتلة المصوّتين المساندين لِ ”حزب العدالة والتنمية“. فأحجام أنصار كل حزب ملموسة، وَوَاضحة للجميع، في الميدان. ونتائج الانتخابات المُعلنة محتملة فعلاً. لنفترض مثلا أن نتائج هذه الانتخابات تعكس حقيقة نِسَبَ المصوّتين المساندين لكل حزب، ولو بدرجة 80 في المئة. ولو في هذه الحالة، تبقى نتائج هذه الانتخابات كارثة وطنية وسياسية، وبكل المقاييس. وعلى من يقول أنها لا تشكل كارثة، أن يشرح لنا : لماذا تصوّت غالبية جماهير الشعب لصالح الأحزاب اليمينية، والرجعية، و”المَخْزَنِية“، ولا تصوّت لصالح الأحزاب التقدّمية، ولصالح قوى اليسار ؟ ولماذا لا تصوت أحياء العمال، والطبقة العاملة، لصالح قوى اليسار ؟ ولماذا لا يصوت الفلاحون الفقراء والصغار لصالح قوى اليسار ؟ ولماذا لا يصوت العاطلون، والشباب، والنساء، لصالح قوى اليسار؟ وإذا لم تستطع القوى التقدّمية أن تقنع معظم جماهير الشعب، فما هي أسباب ذلك؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذه الأسباب؟ وإلى متى ستبقى هذه الأسباب قائمة؟
3- نتّـفق أن ميول نتائج هذه الانتخابات لصالح أحزاب يمينية يعكس تخلف مستوى الوعي السياسي لدى غالبية الشعب. والإلتزام المبدئي بالدفاع عن مصالح الشعب، لا يبرّر نكران واقع تخلف الوعي السياسي لدى هذا الشعب. لأن غالبية جماهير الشعب لا تدرك مصالحها الاستراتيجية، ولا تفهم ما هي نوعية القوى السياسية التي يمكن أن تساهم في تحقيق تلك المصالح الاستراتيجية. والفئات الشعبية التي صوّتت لصالح حزب إسلامي أصولي رجعي، لا تفهم أن هذا الحزب سيُغرقها في تقهقر اقتصادي، وسياسي، وثقافي، وحضاري. رغم أن الشعب بدأ يلاحظ بداية سلسلة الفضائح المتنوّعة التي يقترفها أعضاء ”حزب العدالة والتنمية“.
ونتائج هذه الانتخابات البرلمانية الأخيرة تعكس، في نفس الوقت، تخلف قوى اليسار. لأن قوى اليسار فشلت في مواجهة الأحزاب الرجعية واليمينية. ولأن قوى اليسار خسرت في مجالات توعية الجماهير، وتنظيمها، وتعبئتها. وانفضح، للمرة الثانية (بعد ”حركة 20 فبراير“) أن قوى اليسار لا تعرف جيّدًا فنون العمل السياسي، ولا تجتهد لتطبيقها. وقيادات أحزاب اليسار هي مسؤولة عن هذه الكارثة السياسية. ونحن أيضا، مناضلو قوى اليسار، كلّنا نقتسم مسؤولية هذه الكارثة، دون أي استثناء. وكل مناضل لا يعترف بالمشاركة في اقتسام مسؤولية هذه الكارثة السياسية، ليس في مستوى الانتماء إلى القوى التقدمية والديمقراطية.
4- قد يقول قائل أن ”حزب النهج“، الذي دعا لمقاطعة هذه الانتخابات، هو على حق، أو أنه غير معني بهذه النتائج الكارثية. ومثل هذا الاستنتاج سيكون فضيحة سياسية إضافية. لأن الدعوة للمقاطعة لم تنفع، ولم تنجح (رغم تكرارها منذ عشرات السنين). حيث أن عدد المصوّتين، مرورًا من انتخابات عامة إلى أخرى، يتزايد، ولا ينقص. ولأنه لا يحقّ لأحد أن يُؤوّل موقف جميع المواطنين الذين لا يصوّتون، بكونهم «يُقاطعون الانتخابات»، بينما موقف معظم المواطنين الذين لا يُصوّتون هو فقط «عدم الاكتراث»، أو «عدم الاهتمام» بالانتخابات، وليس بالضرورة «المقاطعة». والفرق بين موقف «المقاطعة»، وموقف «عدم الاهتمام»، هو نوعي، وشاسع. ولأن حصول أحزاب رجعية ويمينية على المراتب الأولى في الانتخابات البرلمانية، هو كارثة وطنية وسياسية وشاملة. وهذه الكارثة هي كارثة أيضا على ”حزب النهج“ الذي يقاطع الانتخابات. لأن هذه الكارثة تفضح تخلف قوى اليسار، بما فيها تخلف ”حزب النهج“. ونقط الضّعف الموجودة في أحزاب اليسار، توجد أيضا في ”حزب النهج“. ولأن ”حزب العدالة والتنمية“ سيمرّر سياسات رجعية على الشعب، وكذلك على أعضاء ”حزب النهج“. والمرجو، هو أن لا تتحوّل ”مقاطعة الانتخابات“ المتكرّرة إلى ستار يخفي ”حزب النهج“ من وراءه نقط ضعفه، والتي لا تختلف عن نقط ضعف باقي أحزاب اليسار.
5- ادّعى البعض أن مظاهرة الدار البيضاء (التي وقعت في يوم الأحد 2 أكتوبر 2016) هي التي دفعت جماهير واسعة إلى الوقوف إلى جانب ”حزب العدالة والتنمية“. وهذا تخمين غير علمي، وغير مبرّر، وغير صحيح. ويحاول إخفاء أهمية التأييد الجماهيري الذي يتوفّر عليه ”حزب العدالة والتنمية“.
6- لو كنتُ شخصيا في موقع بعض قادة أحزاب اليسار المحترمين، مثل إدريس لشكر (حزب الاتحاد الاشتراكي)، أو نبيلة منيب (الاشتراكي الموحد)، أو علي بوطوّالة (الطّليعة)، أو عبد السلام العزيز (المؤتمر الاتحادي)، أو مصطفى البراهما (النهج)، لقدّمتُ استقالتي، ودعوتُ لعقد مؤتمر استثنائي للحزب، وذلك اعترافا مني بهول هذه الكارثة السياسية، واعترافا مني بعدم قدرتي على تحصيل نتائج سياسية مرضية، ثم سأشجع مسؤولين آخرين في الحزب على اقتراح وتجريب مناهج أخرى جديدة ومبدعة، في مختلف مجالات التنظيم، والتعبئة، والتواصل، والنضال. وإذا لم تكن هذه المناهج البديلة موجودة بعدُ، فيجب ابتكارها جماعيا.
7- في تغريدة للمناضل المحترم اليزيد البركة على الفايسبوك، طرح أن فهم الانتخابات يتطلب معرفة ما هي الفئات المجتمعية التي صوّتت لصالح كلّ حزب محدّد، وكيف برّرت، أو عَقْلَنَت، تصويتها. وهذا الطّرح صحيح ومفيد. ويستحقّ أكثر من دراسة واحدة معمّقة. وفي هذا المجال، تثير الانتباه عدّة ملاحظات. الملاحظة الأولى هي أن غالبية الكتلة المصوّتة (قرابة 55 أو 60 في المئة) تتكون من النساء التقليديات. وميزة هذه الكتلة من النساء التقليديات هي أنها غير مكوّنة، أو محافظة، أو تتأثر بسهولة بالخطاب الرسمي (التلفزة، المذياع)، وبالخطاب الدّيني، وبتوجيهات السلطات المحلية (المقدم، الشيخ، المقاطعة).
والملاحظة الثانية هي أن غالبية المصوّتين على ”حزب العدالة والتنمية“ يطابقون بين الدّين والحزب الدّيني (أي ”حزب العدالة والتنمية“). وكلّما أدلى زعماء هذا الحزب بخطاب يعنون به أن «الدّين مهدّد في المغرب»، فإن هذه الجماهير الشعبية الجاهلة تصوّت بحماس لصالح هذا الحزب الدّيني. وتظنّ هذه الجماهير أنها هكذا تُناصر الدّين، أو تدافع عنه، بينما هي لا تناصر سوى حزب رأسمالي مخادع، يستغل الدّين لتحقيق أغراض خصوصية ضيّقة، أبرزها الوصول إلى السلطة، واستثمارها.
8- وفي تغريدة أخرى على الفايسبوك، اقترح المناضل المحترم منعم أوحتّي، دعوة موجهة لقوى اليسار، لتنظيم ندوة عامّة، بهدف القيام بتقييم مشترك لنتائج انتخابات أكتوبر 2016، ولاستخلاص الدروس منها. واقترح فيها استدعاء الأحزاب التالية: الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، فيديرالية اليسار الديمقراطي. ولم يذكر اسم ”حزب النهج“. بينما هذا الحزب هو أيضا معني بكارثة هذه الانتخابات، بل يتحمّل هو أيضا جزءا من مسؤوليتها. وكل مناضل من مناضلي اليسار يتحمّل جزءًا من مسؤوليتها. بل سيعاني ”حزب النهج“ هو أيضا من نتائجها المدمّرة. زيادة على ذلك، فإن اقتراح هذه ”الندوة“، ليس مجرد مطلب اختياري، أو استجداء، بل هو واجب، يتحتّم على قوى اليسار إنجازه، ولا يحق لقيادات قوى اليسار أن تتهرّب منه. وإلاّ أصبح من واجب المناضلين القاعديين في قوى اليسار أن ينظموا هذه الندوة التقييمية، هم بأنفسهم، سواء بحضور قيادات قوى اليسار، أم بدونها.
9- وفي تغريدة أخرى، طرح المناضل المحترم جمال فلاح ضرورة فهم هذه «الانتكاسة». واعتبر أن «فشل نبيلة منيب يحتّم عليها تقديم الحساب، والنقد الذاتي، ولما لا الاستقالة». وأضاف أن «اليسار هو الخاسر الكبير أمام سطوة الدّين والمال». وتساءل عن حق: «هل فقد اليسار بوصلة التأثير على المجتمع»؟. وقد يوجد مناضلون آخرون يحسّون بمشاعر مشابهة.
10- ادّعى بعض المناضلين الآخرين المحترمين أن ”فيديرالية اليسار الديمقراطي“ حقّقت «نتائج مشرّفة»، حيث رفعت عدد الأصوات المصوّتة عليها بقرابة 50 أو 60 في المئة، بالمقارنة مع الانتخابات المحلية في 4 شتنبر 2015.
وجوابا على سؤال طرحه صحفي من موقع ”بديل أنفو”، قال النقيب السابق المحترم عبد الرحمن بن عمرو (والكاتب العام السابق لحزب الطليعة) : «النتائج التي حققتها فيدرالية اليسار، أنا راضٍ على هذه النتائج في ظل الظروف الحالية، … لأن الأصوات التي حصلنا عليها هي أكثر مما حصلنا عليه إبان الانتخابات المحلية بـ 67 في المائة تقريبا». وهذا تقييم غير سليم، وغير مقنع، بل يحاول التستّر على نقط ضعف أحزاب فيديرالية اليسار الديمقراطي. فهل يُعقل أن الأحزاب الثلاثة المتحالفة في ”فيديرالية اليسار الديمقراطي“، (وعُمُر كل واحد منها يتجاوز أكثر من ثلاثين سنة)، هل يُعقل أن تحصل فقط على 2 مقاعد، بالمقارنة مع 125 مقعد التي حصل عليها ”حزب العدالة والتنمية“؟ أو بالمقارنة مع 102 مقعد التي حصل عليها حزب حديث هو حزب الأصالة والمعاصرة؟ بمنطق الرّضى المسبق عن النفس هذا، يمكن أن تحصل ”فيديرالية اليسار“ على 6 مقاعد في انتخابات 2021 المقبلة، وأن ترضى عن نفسها، ثم تحصل على 12 مقعد في انتخابات 2026 المقبلة، وأن ترضى عن نفسها، وهكذا دواليك… لاَ أيها الرفيق العزيز بن عمرو، منطق الرضى عن النفس هذا لا يفيد. وضعية قوى اليسار غير مرضية. ونحن في حاجة إلى منطق نفدي، بنّاء، ومبدع. والصراحة هي أن تحصيل 2 مقاعد فقط يُسمّي، في اللغة الواضحة، بِ «الفشل المُدوّي»! ولا مفرّ من تحليل، وتقييم، أسباب هذا الفشل.
11- اختلف بعض المناضلين الآخرين حول تفسير التـقهقر المتواصل لِ ”حزب الاتحاد الاشتراكي“. وقد فسّر البعض هذا التقهقر بكون الحزب ما انفكّ يبتعد عن المبادئ والقيم الثورية، منذ المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975. ولا يزال يبتعد عنها. والبعض الآخر فسّر هذا التقهقر بكون هذا الحزب لم يبتعد بما فيه الكفاية عن الأفكار الثورية، وأن واجب هذا الحزب هو أن يصبح يمينيا أكثر. كأن أصحاب هذا الرّأي الأخير يريدون لِ ”حزب الاتحاد الاشتراكي“ أن يصبح مثل ”التجمع الوطني للأحرار“، أو مثل ”حزب الأصالة والمعاصرة“. دون أن يوضحوا لنا ما الفائدة من إضافة حزب يميني إلى الأحزاب اليمينية المتعددة الموجودة حاليا.
12- قال البعض: «نتائج انتخابات سنة 2016 مُخيّبة للآمال، ولا أحد يدري إلى أين سيقودنا ”حزب العدالة والتنمية“». وهذا رأي غير دقيق. لأننا نعرف جيّدًا إلى أين تقود الأحزاب الإسلامية الأصولية عندما تتقوّى. إنها تقود دائما المجتمع، وفي آخر المطاف، إلى حرب أهلية، وإلى الخراب، وإلى الانحطاط. إن لم يكن ذلك على مدى 5 سنوات، فقد يحدث على مدى 15 سنة، أو 20 سنة. ما الفرق بين حزب إسلامي أصولي مثل ”حزب العدالة والتنمية“، وحزب مثل ”داعش“ في سورية؟ الفرق هو أن ”داعش“ يوجد حاليا في طور المراهقة، بينما ”حزب العدالة والتنمية“ لا زال في طور الطفولة. لكن التاريخ يعلمنا أن كل القوى الدّينية، في كلّ بقاع العالم، سواء كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية، تتطوّر دائما نحو الاستبداد، ونحو القتل بالجملة، ونحو التخريب. هذا ما لا يفهمه الشعب، رغم أن ظاهرة هذا التطوّر حدثت، وتكرّرت، في كل من لبنان، وأفغانستان، وباكستان، والعراق، وسورية، واليمن، ومصر، والصومال، وليبيا، والجزائر، إلى آخره.
13- في يوم 11 أكتوبر 2016، أصدر المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي بيانا، حاول في جزء منه تفسير تقهقر نتائج هذا الحزب في انتخابات يوم 7 أكتوبر 2016. والغريب هو أن قيادة الاتحاد الاشتراكي المحترمة، لم تعترف بأي تقصير، ولا أي ضعف، ولا أي نفصان، ولا أي خطأ، في أفكار الحزب، ولا في ممارساته، ولا في خططه، ولا في تحالفاته، ولا في أساليبه، ولا في تنظيماته، ولا في انضباطه، ولا في برامجه، ولا في طريقة معالجته للتناقضات السياسية الداخلية للحزب، ولا في ِكيفية معالجته لِخلافاته مع القوى السياسية الأخرى اليسارية أو التقدمية، ولاَ ، ولاَ ، ولاَ ، وَالُو … بل فسّرت قيادة الحزب تقهقر نتائجه الانتخابية فقط بعناصر خارجة عن الحزب.
وهذه التفسيرات، والأسباب، المقدمة من طرف قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي لتفسير تقهقر نتائجه في انتخابات يوم 7 أكتوبر 2016، ليست مقنعة، ولا صحيحة. هل حقّا أن قيادة الحزب لا تتحمل أية مسؤولية في هذه النتائج الكارثية ؟ ألا يكمن السبب الرئيسي لضعف نتائج الحزب في خطأ التوجه السياسي للحزب ؟ هل المناهج، والأساليب، التي يعمل بها حزب الاتحاد الاشتراكي سليمة ؟ وإذا كانت سليمة، فلماذا لم تعط النتائج الانتخابية المرجوة ؟ هل حقيقةً، مثلما جاء في البيان التفسيري لقيادة الحزب، هل أن «تكوين شبكات لتوزيع الهبات المالية والعينية، وصرف أموال طائلة، يُجهل مصدرها ومدى قانونية تحصيلها وتوزيعها، والتي استعملت أيضا في التغطية الإعلامية، والبهرجة، والتحركات، والمهرجانات، وكذا استغلال الفضاءات الدينية، وترويج خطاب الكراهية، والتحريض، في مهاجمة الخصوم السياسيين، بالإضافة إلى شراء الأصوات»، هل حقيقةً هذه هي الأسباب الفعلية لتلك النتائج الانتخابية الكارثية ؟ ولماذا لم يجمع مناضلو وأطر حزب الاتحاد الاشتراكي حججا دامغة حول هذه الممارسات المزعومة، ولماذا لم يلجأ الحزب إلى القضاء ؟
نقول للمناضل المحترم إدريس لشكر، ولرفاقه المحترمين في قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي، لنفترض أننا طلبنا من كل حزب أن يُخْرِج إلى الشارع مجمل المواطنين الذين يناصرونه، ولنفرض أن هذه العملية تحقّقت فعلا، فهل سيكون عدد أنصار حزب الاتحاد الاشتراكي ضعف عدد أنصار حزب العدالة والتنمية، أو ضعف عدد أنصار حزب الأصالة والمعاصرة ؟ هل يستطيع حزب الاتحاد الاشتراكي تعبئة حتى نصف عدد أنصار حزب العدالة والتنمية ؟ لاَ يا اسّي لشكر، يجب أن نعترف بالحقيقة المرة، وهي أن مجمل قوى اليسار، ومجمل الأحزاب التقدمية، أو الديمقراطية، تعيش منذ أزيد من عشرين سنة في أزمة معقّدة، وفي تقهقر متواصل، على جميع الأصعدة، التنظيمية، والفكرية، والقيمية، والسياسية، والبرنامجية، وكذلك على مستوى أساليب النضال الجماهيري، وعلى مستوى التواصل، والتفاهم، مع الجماهير. هذه هي الحقيقة، ولا مفرّ يا اسّي لشكر من الاعتراف بها. ولا بدّ من ممارسة التقييم، والتقويم، والتصحيح، والتثوير، والإبداع، والعمل مع مجمل المناضلين الغيورين، بهدف رفع مستوى أداء وفعالية قوى اليسار.
14- جاء في بيان قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي اقتراح: «ضرورة سن قانون لإجبارية التصويت، خاصة بعدما ظهر واضحا، خطورة العزوف». وهذا اقتراح غير سليم. ولا يمكنه أن يشكّل حلاّ لأزمة أحزاب اليسار. فإذا كان مثلاً مواطن لا يشارك في التصويت، ربما بسبب عدم ثقته في كل الأحزاب، أو بسبب عدم اهتمامه بالسياسة، أو بسبب شيء آخر، ثم أجبرته الدولة على التصويت بقوة قانون، فماذا عساه أن يفعل؟ هل هذا القانون سيدفعه إلى التصويت على حزب محدّد؟ هذا سلوك غير ممكن، أو غير معقول. لأن هذا المواطن يمكن أن يكتفي بوضع ورقة بيضاء في الصندوق، أو أنه سيضع عليها إحدى الأخطاء التي توجب إلغاء تلك الورقة للتصويت. وبالتالي، فهذا الاقتراح لا يفيد.
15- طرح بيان قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي: «إن ما تقدّم به حزبنا من مقترحات حول المنظومة الانتخابية، في شموليتها، كان يهدف إلى فرز تمثيلية حقيقية، نزيهة، وشفافة، للأطياف السياسة». كأن هذا الطرح يحاول إخفاء المشاكل السياسية للأحزاب بإشكالية تقنية في مجال تنظيم الانتخابات. ونقول للإخوة المحترمين في قيادة الاتحاد الاشتراكي، المشكل الأساسي للأحزاب التقدمية واليسارية بالمغرب، لا يوجد في عيوب المنظومة الانتخابية، بقدر ما يوجد في خطوطها السياسية، وفي مناهج تفكيرها، وفي أساليبها التنظيمية، وفي أساليبها النضالية، وفي علاقاتها المتناقضة مع بعضها بعضا، إلى آخره (أنطر: كتاب نقد أحزاب اليسار بالمغرب).
16- ندّدت قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي بِ: «استغلال الجمعيات الدعوية في التجييش الانتخابي … وكذا استغلال الفضاءات الدينية، وترويج خطاب الكراهية والتحريض، في مهاجمة الخصوم السياسيين… ». ونقول للإخوة الأعزاء في حزب الاتحاد الاشتراكي، هذه هي رُبُع الحقيقة. أما الحقيقة الكاملة، فهي أن الدولة بالمغرب ارتكبت خطأ تاريخيا جسيما، حينما رخّصت لقيام حزب مبني على أساس الدّين. بينما القانون القائم يمنع ذلك. ووزارة الداخلية، أيام إدريس البصري، هي التي احتضنت ورعت «الشبيبة الإسلامية»، منذ منتصف سنوات 1970. وتنظيم «الشبيبة الإسلامية» هو المسؤول عن اغتيال المناضل والمفكّر والقيادي اليساري عمر بن جلون. والدولة هي التي أوعزت إلى السيد الخطيب لكي يقبل حزبا إسلاميا أصوليا قائما بذاته داخل حزبه الفارغ آنذاك. والآن، ربّا فات الأوان. لأن الغول خرج من القمقم. ويحتمل في المستقبل أن تخرج جماعات، أو تيارات، أو تنظيمات، من ”حزب العدالة والتنمية“، تكون أشد خطورة في أصوليتها، وفي تعصّبها، وفي تشدّدها، وفي تكفيرها، وفي «جهادها»، وفي تحالفاتها الدولية، وفي عنفها، وفي قدراتها التدميرية.
17- جاء في البيان المذكور سابقا: «إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو المستهدف الأول من هذه الحملة التبخيسية، حيث تواجهه آلة رهيبة من الإشاعات الرخيصة، استهدفت قيادته، على الخصوص، وعملت بشكل ممنهج على تشويه صورتها وتضخيم الخلافات الحزبية الداخلية وتشجيعها، بمختلف الأشكال والوسائل، بهدف تشتيت صفوف الحزب، تمهيدا للقضاء عليه، وهي المهمة التي مازالت متواصلة، من خلال محاولة التقزيم الانتخابي». وهذا نوع من الهروب من الحقيقة. وتُوجب الصراحة النضالية أن نذكّر رفاقنا المحترمين في الاتحاد الاشتراكي بمبدأ ماركسي معروف، يقول: إن ما يحدد قوة، أو صلابة، أو فعالية حزب مَا، أو شعب مَا، ليس هو ما يقال حوله من «إشاعات»، أو «تبخيس»، أو «تشويه»، إنما الذي يُحدّد قوّته وفعاليته، هو طاقاته الداخلية، وتناقضاته الداخلية، ومناهجه في التفكير، ومناهجه في العمل، وجودة أساليبه في العمل، وكيفية تعامله مع التناقضات القائمة في الشعب. هذه هي الحقيقة المرة.
18- لتوسيع الفائدة، يمكن لمن يهمّه الموضوع، فيما يخص فهم ظاهرة ”الأعيان“، وظاهرة ”محترفي الانتخابات“، الرجوع إلى وثيقة «نقد النّخب»، للكاتب رحمان النوضة؛ وفيما يخص نقط ضعف أحزاب اليسار، يمكنه قراءة كتاب «نقد أحزاب اليسار بالمغرب»،
رحمان النوضة
مواضيع ومقالات مشابهة