للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

الاتحادية : تحدي لحل قضية الصحراء المغربية لمحمد بلخير


- مقدمة
 أصبح موضوع الجهوية المتقدمة او الموسعة واحدة من القضايا الاكثر اثارة في الحياة السياسية المغربية في الوقت الراهن، و مفهومها لا يبعد بكثير عن مفهوم الفيدرالية (الاتحادية)المعروف عالميا و الذي اتخذته بعض الدول كنمودج هيكلي لاجهزة السطلة لتفادي الصراع و الانقسام، الا انه بعفل الخصوصيات المخزنية الرجعية المعقدة دفعته لخلط الفاهيم و المضمون فعمل على خلق مفهومه الخاص للفيدرالية (الاتحادية) ،من جهل خبراءه الاستثنائية، مما عقد وعطل تنزيل المشروع لارض الواقع، وبدأ يضيع فرصة استكمال وحدته الترابية و دخول نادي الدول الديموقراطية من بابها الواسع .
 - تنظيم أجهزة السلطة المحلية: ان ما كتب عن الفيدرالية (الاتحادية) وما نوقش حولها الا القليل من الموروث الغزير الذي خلفته تجربة البلدان التي اتخذت من الفيدرالية شكلاً للدولة، والتي تؤلف الاقطاب الاكثر أهمية على الخارطة السياسية لعالمنا المعاصر.
 من هنا الاهمية البالغة للخوض في الجوانب المختلفة لموضوع الفيدرالية، النظرية منها وتلك التي تتناول تجارب الشعوب في تنظيم اجهزة السلطة في جمهوريات و جهات الدولة الاتحادية وتلك التي لا تتمتع بصفة الطرف الفيدرالي القانونية
1- اجهزة السلطة بالجمهورية ذات الحكم الذاتي يبدو مناسبا الاشارة الى ان النزعات الانفصالية، التي عادة ما يلجأ المروجون لها الى استخدام شعارات ومبادئ لا جدال حول مشروعيتها، مثل مبدأ حقوق الانسان وحق تقرير المصير ..الخ، ان تلك النزعات تلحق، كما تثبت تجارب الشعوب، ضررا بالغا بقدسية ومشروعية تلك الشعارات.
 وعليه ينبغي قياس مدى تلك المشروعية بالظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط بتطبيقها، ومدى آهلية القوى التي تقوم بتبنيها للحفاظ على كيانها الخاص (حديث الولادة)، اذا تمكن من بنائه أصلا، وعلى حقوق الكيانات الاخرى الاصغر التي سيضعها القدر تحت رحمة سلطاتها.
 بالاضافة الى ذلك فان تلك النزعات عادة ما تبرز في ظروف ضعف سياسة الدوّل المركزية، او فساد مؤسساتها، الامر الذي يوفر فرصة ثمينة للاطراف الهامشية لاملاء شروطها وابتزاز السلطات الضعيفة. في هذا الموضوع , ربما التجربة الروسية في مجال تنظيم العلاقة بين المركز الفيدرالي (الاتحادي) وأطراف الفيدرالية واحدة من التجارب الغنية، الجديرة بالدراسة والبحث، لما لروسيا من خبرة كبيرة في ميدان صياغة السياسات القومية، ذلك انها (روسيا) تعتبر واحدة من البلدان الاكثر تعقيدا من ناحية التركيبة الاثنية.
 وربما أيضا شكلت تجربة العقد الفيدرالي بين السلطات المركزية وسلطات الاقاليم درسا مهما للدول التي اتخذت من الفيدرالية شكلا للدولة، حيث اصبح ذلك العقد احد المصادر الدستورية الهامة في تنظيم العلاقة بين مكونات الدولة الفيدرالية. لقد ولدت فكرة العقد الفيدرالي في جمهورية روسيا الفيدرالية الاشتراكية في الوقت الذي كان الصراع فيه على اشده بين مختلف المستويات في الحزب والدولة، للاستيلاء على ورثة الرجل المريض، الحزب الشيوعي السوفيتي، حتى ان جميع المستويات على الاطلاق، ومكونات الدولة الفيدرالية ابتداء من الدوائر ذات الحكم الذاتي وانتهاء بالجمهوريات باتت تتحدث عن السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير.
 لقد كانت دعوة أول رئيس لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي بوريس يلتسين للاطراف بأن "يأخذوا من السيادة ما يتمكنوا من ابتلاعه" حلقة اخرى في سلسلة العملية التي بدأت بانهيار الدولة العظمى (الاتحاد السوفيتي).
 بالاضافة الى ذلك فقد شكل مشروع العقد الفيدرالي، والذي لا يعكس عنوانه حقيقة الفيدرالية كشكل للاتحاد، منعطفا جديدا . فقد ذهب العقد (الفيدرالي) الى تحويل روسيا الى تجمع لدول مستقلة، حيث تم التوقيع عليه ليس من قبل المرجعيات العليا في الدولة (المؤتمرات او الاستفتاء العام مثلا)، كما ينبغي في مثل هذه الحالة، بل من قبل اجهزة السلطة في الجمهوريات والاقاليم والمناطق ذات الحكم الذاتي .
فيما كان موضوعه ليس اقامة فيدرالية جديدة على انقاض القديمة، وانما توزيع الصلاحيات والاختصاصات بين المركز الفيدرالي وسلطات الاقاليم. لقد منح العقد الفيدرالي الجمهوريات، التي وصفها بالمستقلة، صفة الدول، حيث وضع بين قوسين وراء كلمة الجمهورية (دولة) واعترف لها بحق المساهمة في الاتفاقيات الدولية الاقتصادية والسياسية، شريطة ان لا تتعارض تلك الاتفاقيات مع الدستور الفيدرالي. فيما اعلنت الارض وما في باطنها من خيرات، بالاضافة الى المياه والاشجار والحيوانات ملكا للشعب، غير ان الدستور تضمن ايضا مفهوم الاحتياطات الطبيعية الفيدرالية، واشار الى ان تحديد وضعها القانوني سيتم باتفاقيات اضافية بين المركز الفيدرالي والاطراف. لقد أملت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجديدة في روسيا والتي خلفها انهيار الاتحاد السوفيتي وتغيير شكل الدولة في جمهورية روسيا الفيدرالية السوفيتية الاشتراكية، أملى كل ذلك الحاجة الى تنظيم صلاحيات المستويات المختلفة من اجهزة السلطة. فقد حل الشكل الرئاسي للحكم محل البرلمانية (مجلس السوفييت الاعلى)، وافسح مزج السلطات المجال لمبدأ الفصل بين السلطات، فيما توقفت محاولة ادخال اصلاحات على شكل الدولة (المساحاتي) بسبب اللجوء الى القيام بتغييرات اقتصادية راديكالية. لكن سنة 1993 أقر الاستفتاء العام أول دستور لجمهورية روسيا الفيدرالية الذي وضع الكثير من النقاط على الحروف، واسهم الى حد كبير في تعزيز سلطة الدولة المركزية، واضعا (خارطة الطريق) لما يمكن ان يكون عليه الشكل الفيدرالي الحقيقي للدولة.
 فقد ذهب المشرع الروسي الى تضمين الدستور، وبشكل لا يدع مجالا للتأويل، الاختصاصات الحصرية للسلطات المركزية (المادة - 71) والاختصاصات المشتركة بين المركز والاطراف (المادة - 72)، فيما ترك ما لم يدرج (المتبقي) كاختصاصات حصرية للاقاليم (المادة - 73)، وهو الاسلوب الذي ذهبت اليه الكثير من الدول الفيدرالية المعاصرة. وهنا لازم التأكيد على ان الدستور الروسي منح الحق لرئيس الدولة والحكومة الاتحادية بتأمين تنفيذ صلاحيات السلطات المركزية على كافة اجزاء الدولة الروسية (الفقرة 4 من المادة 78).
بالاضافة الى ذلك، ولتأكيد علوية التشريعات الاتحادية وقرارات اجهزتها التنفيذية بالعلاقة مع تشريعات ولوائح اجهزة الاقاليم منح الدستور الروسي رئيس الدولة الحق بايقاف سريان قرارات ولوائح الاجهزة التنفيذية للاقاليم، في حال تعارض تلك اللوائح والقرارات مع الدستور والقوانين الاتحادية، وكذلك التزامات روسيا الدولية، أو في حال خرقها لحقوق الانسان والمواطنين وحرياتهم. وأكد الدستور في نفس المادة على ان حق الرئيس هذا يكون ساريا لحين حسم تلك القضايا عن طريق المحاكم المعنية. (الفقرة 2 من المادة 85).
وهنا تجدر الاشارة الى ان الدستور الروسي بتضمينه هذا الحق يكون قد أكد مبدأ التدخل الفيدرالي، وهو الاسلوب الاكثر فعالية في الحد من تعسف سلطات الاقاليم بحق المواطنين، وخصوصا الاقليات الاثنية القاطنة ضمن حدود الاقليم الفيدرالي. وفي ذات الاطار ذهب الدستور الفيدرالي الى منح الرئيس حقا حصريا في بعض الحالات "وبما ينسجم مع النظام المنصوص عليه في التشريع الفيدرالي اعلان حالة الطوارئ في جميع انحاء روسيا الفيدرالية، او على اجزاء محددة منها، مع الابلاغ الفوري عن ذلك لمجلس الاتحاد ودوما الدولة (البرلمان). (المادة - 88).
 وقد شهدت المرحلة التي اعقبت اعتماد الدستور الجديد نشاطا ملحوظا للجان المشتركة بين المركز الفيدرالي واطراف الدولة، لازالة التعارض بين الدستور الاتحادي وتشريعات الاقاليم (الدساتير والانظمة) وذلك عن طريق تعديل تشريعات الاطراف، وحتى الغاء الكثير من محتوياتها. وفي محاولة أثارت الكثير من الجدل في الاوساط السياسية والحقوقية الروسية، ولاقت ترحيبا واسعا من قبل المكونات السياسية الكبرى في البلاد، دشن الرئيس الثاني لروسيا الفيدرالية فلاديمير بوتين ولايته لرئاسة الدولة باصدار مرسوم رئاسي يقضي بتشكيل 7 دوائر فيدرالية، تضم الواحدة منها مختلف الاطراف (الجمهوريات والمقاطعات والاقاليم ...الخ)
 وتعيين ممثل للرئيس في كل من تلك الدوائر تقوم مهمته في التنسيق بين السلطات المركزية ونظيراتها في الاقاليم، وكذلك لتنظيم علاقة سلطات الاقاليم فيما بينها، وهو الامر الذي ادى الى تسهيل مهمة محاربة الفساد في اجهزة الدولة في اقاليم الفيدرالية البعيدة عن المركز الاتحادي، ووضع حد لتعسف سلطات الاقاليم بحق المواطنين والاقليات الاثنية المختلفة. بالاضافة الى الاشراف المباشر من قبل الاجهزة الاتحادية (الفيدرالية) على اعمال سلطات الاقاليم واشراكها في تنفيذ ما جاء في المادة (72) من الدستور، الخاصة بالاختصاصات المشتركة بين المركز واطراف الفيدرالية. لقد احدث تشكيل 7 دوائر فيدرالية نقلة نوعية في الشكل الفيدرالي للدولة الروسية، حيث دفع التعاون المشترك فيما بينها، وبمساعدة من جانب السلطات المركزية، من خلال ممثل رئيس الدولة في الاقاليم، دفع الى اقدام اطراف الفيدرالية على اتخاذ قرار بتوسيع تلك الاطراف (الاقاليم) من خلال دمجها، حيث اصبح عدد اطراف الدولة الفيدرالية 84 اقليما بعد ان كانت 89، فيما تنتظر اقاليم اخرى اعلان الاندماج الرسمي، وهو ما يفسر ايضا النهوض الاقتصادي الذي حدث في تلك الاقاليم، بعد اندماجها.

 2-اجهزة السلطلة التنفيدية بالجهات تتميز اجهزة السلطة في جهات الدولة الفيدرالية والوحدات التي لا تتمتع بصفة الجهة في الدولة بالاختلاف والتنوّع. وربما كان لاختلاف اساليب نشوء تلك الجهات وخصوصيات مكوناتها القومية والاثنية ، وحتى الثقافية واللغوية، اثر في ذلك التنوع والاختلاف تدلنا على مدى تمتع اجهزة السلطة فيها بسمات جوهرية مميزة وغير مكررة. لكن مهمة البحث المستفيض في خصائص تلك الاجهزة تبدو عسيرة وغير واقعية، لذا ضروريا تناول السمات الاكثر عمومية وشمولا لاجهزة السلطة في اقاليم الدولة الفيدرالية ووحداتها الغير متمتعة بصفة الاقليم او الجهة (الطرف) الفيدرالي. وهنا التنويه الى ان الكثيرين، حتى من بين الحقوقيين ورجال الدولة باتوا يطلقون تسمية الفيدراليات على اطراف الدولة الفيدرالية (اي جهاتها ، اقاليمها)، ما يجعلنا نقف امام حالة التباس المفاهيم.
 فالفيدرالية كمفهوم سياسي- قانوني تعني الدولة التي تؤلف مساحة وحداتها الادارية ومكوناتها، المساحة التي تسري عليها سلطة الدولة العامة وقوانينها، وهما العنصران اللذان يجسدان مبدأ سيادة الدولة على كامل ترابها الوطني (مساحتها).
 حتى انه يبدو غريبا، وربما نشازا ايضا، القول بان الدولة الفيدرالية (الاتحادية) تتألف من فيدراليات (اتحاديات). فعبارة فيدراليات الدولة الفيدرالية تولد انطباعا بتجزئة الدولة وليس اتحاد اقاليمها، ما يعتبر مخالفا للنظرية والواقع على حد سواء. هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن تسمية اقاليم او جهات الدولة الفيدرالية بالفيدراليات تضعنا امام اشكالية التمييز بينها وبين مكونات ووحدات الدولة التي لا تتمتع بصفة الاقليم الفيدرالي، ذلك انها (التسمية) ستضعنا امام اشكالية تحديد المركز الفيدرالي (الاتحادي)، الذي ينبغي ان ترتبط به تلك الوحدات.
 من هنا اطلاق تسمية الاقاليم او الاطراف الفيدرالية الاكثر دقة، وهذا ما بات معروفا سواء في نظرية القانون الدستوري ام في تشريعات الدول الفيدرالية المعاصرة، مثل الدساتير والقوانين وكذلك العقود التي تنظم العلاقة بين المركز الاتحادي وسلطات مكوّنات الدولة الفيدرالية (جمهوريات، ولايات، اقاليم، محافظات.... الخ).
 وحدات الدولة الفيدرالية التي لا تمتلك صفة الطرف الفيدرالي، كما اقاليمها، يمكنها ان تمتلك اجهزة تمثيلية منتخبة، غير ان انتخاب تلك الاجهزة في الاقاليم يبدو اكيدا ومنتظما، ما عدا الحالات التي تقوم السلطات المركزية فيها بايقاف نشاطها كالحالات التي ترافق اعلان حالة الطوارئ في جميع انحاء الدولة او عند تفعيل مبدأ التدخل الفيدرالي في بعض من اقاليمها، فيما تخلو وحدات الدولة الادارية الغير متمتعة بصفة الاطراف الفيدرالية من تلك الاجهزة في بعض الدول (الهند مثالا).
 بالاضافة الى ذلك فإن كيفية انتخاب اجهزة الاقاليم التمثيلية وتحديد بنيتها الداخلية واشكال نشاطها عادة ما تحال لقواعد التشريع المحلي.
 ففي الوقت الذي نجد فيه ان الغالبية العظمى من الولايات الامريكية تمتلك برلمان المجلسين يكتفي نصف الولايات الهندية بانتخاب برلمان المجلس الواحد.
 اما في روسيا الفيدرالية فان اغلب الاقاليم ذهبت الى التأسيس لنظام المجلس الواحد حيث لا نجد برلمانا بمجلسين سوى في جمهوريات الاتحاد الروسي. ان واحدة من الصفات التي يمكنها ان تمتلك قيمة جوهرية في مسألة التمييز بين اقاليم الدولة الفيدرالية ووحداتها الادارية هو حجم الصلاحيات الممنوحة لاجهزتها التمثيلية-التشريعية، والدور الذي من الممكن ان تلعبه تلك الاجهزة في حياة الاقليم الفيدرالي. ففي الوقت الذي تعتبر فيه تلك البرلمانات اجهزة لسلطة الاقاليم، لا يعدو دور الاجهزة التمثيلية للوحدات الادارية (ان وجدت طبعا) ان يكون استشاريا، ذلك انها عادة ما تكون تابعة لمحافظي تلك الوحدات ومديري اجهزة الادارة المحلية فيها والذين يعيّنون من قبل السلطات المركزية.
بالاضافة الى ذلك فان الاجهزة التشريعية للاقاليم تقوم، في اغلب الاحيان، باتخاذ قوانينها الاساسية (الدساتير والانظمة واللوائح... الخ) والتي يتطلب لسريانها اجراء الاستفتاء المحلي احيانا.
 فيما تخلو الوحدات التي لا تمتلك صفة الطرف الفيدرالي من تلك القوانين، وان امتلكت تلك الاجهزة بعض اللوائح والتشريعات لتنظيم نشاطها فانها عادة ما تكون مشرعة من قبل البرلمان الفيدرالي (في الولايات المتحدة الامريكية مثلا). وقد اتاحت تشريعات بعض الدول الفيدرالية لاجهزة تلك الوحدات سن بعض اللوائح لتنظيم الشؤون المحلية (تسمى القوانين في كل من الهند واستراليا)، شريطة المصادقة عليها من قبل الاجهزة المركزية. وبخصوص الصلاحيات الممنوحة للاجهزة التمثيلية للوحدات غير المتمتعة بصفة الاقليم الفيدرالي فليس هنالك من اختصاصات مشتركة بين الاجهزة الفيدرالية (المركزية) واجهزة تلك الوحدات، فيما تعتبر قراراتها لاغية اذا لم تتم المصادقة عليها من المحافظ (العمدة)، الذي يعتبر ممثلا للسلطات الفيدرالية في تلك الوحدات، كما اشرنا سابقا. ما يدلل على ضآلة الصلاحيات الممنوحة لسلطات تلك الوحدات.
 وتمتلك اجهزة السلطة التنفيذية في اقاليم الدولة الفيدرالية ووحداتها الادارية اهمية استثنائية اثناء الحديث عن خصائص تلك الاجهزة وسماتها الجوهرية، وتتأتى هذه الاهمية من طبيعة الاجهزة التنفيذية ذاتها والتي عادة ما يكون نشاطها محكوما بقواعد الالزام (وحتى الاكراه احيانا).
 فمهمة تفعيل مبدأ التدخل الفيدرالي، على سبيل المثال، لا يتم من خلال الاجهزة التمثيلية للإقليم، وانما من خلال الاجهزة التي تمتلك ادوات ذلك التدخل ووسائله.
 وهنا اجد مناسبا الاشارة الى ان بعض الدوّل ذهبت الى منح مواطني اقاليم الدولة امكانية انتخاب مسؤولي تلك الاجهزة (الولايات المتحدة الامريكية وبعض اقاليم روسيا الفيدرالية). فيما ذهبت اخرى الى اعتبار مهمة اختيار مسؤولي الاقاليم من صلاحيات كتلة الاغلبية في برلمان الاقليم (الهند والمانيا الفيدرالية).
 وتميزت كل من روسيا الفيدرالية وجمهوريات يوغسلافيا بوجود رؤساء للجمهوريات المؤلفة للفيدرالية ونواب لهم.
 وهنا تجدر الاشارة الى ان روسيا الفيدرالية تعتبر الاكثر تعقيدا من بين البلدان التي اتخذت من الفيدرالية شكلا للدولة ذلك ان مساحتها تتألف من مساحة الجمهوريات والدوائر والاقاليم الفيدرالية اضافة الى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي، حيث تشكل الاجهزة التنفيذية (حكومات الاقاليم) امتدادا للحكومة الفيدرالية ومنفذا لأوامرها.
 وبهذا الخصوص تنبغي الاشارة الى ان التشريع الروسي اعتبر جميع جمهوريات الدولة ومكوناتها متساوية سواء فيما بينها ام بالعلاقة مع المركز الفيدرالي (المادة 5 من الدستور الروسي لعام 1993). شأنها شأن الاجهزة التمثيلية تفتقر الاجهزة التنفيذية للوحدات الادارية التي لا تمتلك صفة الطرف الفيدرالي الى الاستقلالية الممنوحة لبرلمانات الاقاليم. فمسؤولي تلك الوحدات من محافظين ومديرين ان لم يعينوا مباشرة من قبل السلطات الفيدرالية فان اختيارهم من قبل المجلس المحلي يتطلب مصادقة السلطات المركزية للدولة، فيما تحمل قرارات المجالس المحلية صفة استشارية وغير ملزمة. وربما كانت قرارات المجالس واللجان التابعة للمحافظين اكثر قوة من قرارات ولوائح تلك المجالس. اثارت المنظومة القضائية في الدولة الفيدرالية، وما تزال تثير، جدلا واسعا بين فقهاء القانون الدستوري ورجال الدولة والسياسيين على حد سواء. ففي الوقت الذي يذهب الكثيرون منهم الى اعتبار السلطة القضائية من الاجهزة السيادية غير القابلة للتقاسم بين المركز الفيدرالي واقاليم الدولة، وجد اخرون ان من حق اقاليم الدولة الفيدرالية امتلاك منظومتهم القضائية الخاصة نظرا للتنوّع الكبير والخصوصية الدينية والتاريخية والثقافية التي تتمتع بهما الكثير من اقاليم تلك الدوّل. فقد منح تشريع الكثير من الدول الفيدرالية السلطات المحلية فيها اعتماد العرف والقضاء الديني (بما في ذلك الطائفي والمذهبي) لحسم قضايا الاحوال الشخصية وما شابهها، شريطة عدم الاخلال بقواعد الدستور وخرق الحقوق الاساسية للمواطنين. من هنا الاختلاف الملحوظ في النظام القضائي للدوّل الفيدرالية.
 ففي الولايات المتحدة الامريكية تمتلك الولايات منظوماتها القضائية الخاصة والتي تكاد تستنسخ النظام القضائي الفيدرالي، حيث تحتل المحكمة العليا للولاية قمة هرم النظام القضائي. اما في الهند فقد حدد التشريع حقوق تلك المحاكم سالبا منها مهمة النظر في القضايا الخاصة بالرقابة الدستورية ذلك ان الولايات الهندية لا تمتلك دساتيرها الخاصة. بالمقابل ذهبت بعض الدول الفيدرالية الى اعتماد المركزية في مجال السلطة القضائية مفضلة احادية المنظومة القضائية، وهنا ارى مناسبا الى الاشارة الى ان اعتماد مبدأ المركزية لا يلغي امكانية تمتع اجهزة القضاء في الاقاليم بقدر من الاستقلالية. فمن الناحية التنظيمية تخضع محاكم الاقاليم في روسيا مثلا الى محاكم الصلح المعينة اساسا من قبل تلك المحاكم. ويبدو مبدأ المركزية والتبعية للسلطات الفيدرالية اكثر تجليا في الوحدات الادارية التي لا تتمتع بصفة الاطراف الفيدرالية، حيث تقوم سلطات القضاء المركزية بتعيين محاكم تلك الوحدات والاشراف الكامل على نشاطها، واذا كان ثمة مجال لتمتع تلك المحاكم باستقلالية نسبية فذلك في مجال الاحوال الشخصية وربما اتيح لتلك المحاكم، بقدر محدود جدا، النظر في نزاعات الملكية، فيما يبدو النظر في القضايا الجنائية امرا مستحيلا بالنسبة لتلك المحاكم.
 - خاتمة ان انجاز شروط المرحلة الانتقالية والتغلب على معضلاتها سوف لن يكون ممكنا إلا من خلال تعزيز دور المؤسسات المركزية للدولة الفيدرالية والعمل على الحيلولة دون بروز النزعات الانفصالية لسلطات الاطراف، تحت اية يافطة كانت.والمهم اثناء التفكير بايجاد آليات البناء الفيدرالي للدولة هو البدأ بالاشتغال بنموج دولة فدرالية نجحت في تفادي صراعها الداخلي و توحيد اقاليمها بعدما انهكت حرب الانفصال قواها، كخطوة اولى ، واخرى تهيأ خارطة طريق للدراسة الميدانية من اجل ، التقويم ، التجديد و الاصلاح ، بدل ضياع الوقت في النظريات و الابحاث الورقية التي لن تصلح الا للدفاع عن دكتوراه فخر تحت سقف جامعة دولية. وربما كانت التجربة الروسية في هذا الجانب مثالا ساطعا على ذلك.
محمد بلخير 

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes