ثلاث سنوات بعد انطلاقها: مازالت حركة 20 فبراير تشكل الأمل الديمقراطي للشعب المغربي - عبد الحميد أمين
1- في 20 فبراير 2011، وبحوالي 60 مدينة مغربية، انطلقت التظاهرات والمسيرات المنظمة من طرف تنسيقيات شباب حركة 20 فبراير، رافعة شعار اسقاط الاستبداد والفساد ومطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية للشعب المغربي.
ثلاث سنوات مرت على هذا الحدث التاريخي، عرفت خلالها الحركة مدا قويا تميز بخروج مئات الآلاف من المتظاهرين/ات بأزيد من مئة مدينة في اليوم الواحد ( كما تم ذلك يومي 20 مارس و24 أبريل2011)، وعرفت بعد ذلك تراجعا بالتدريج سواء على مستوى عدد التظاهرات أو حجم المشاركين/ات فيها. ومع ذلك ظلت حركة 20 فبراير، ضدا على أعدائها الذين ظلوا يصيحون بنهايتها وموتها، حية إلى اليوم؛ تذكرنا بوجودها مرة كل شهر من خلال الأيام النضالية الوطنية للحركة، ومن خلال تظاهراتها هنا وهناك واعتقال ومحاكمة العديد من مناضليها، ومن خلال التظاهرات الضخمة التي عمت البلاد، بعد العفو السيء الذكر على مغتصب الأطفال "دانييل كالفان" في مطلع شهر غشت الماضي وبعد اعتقال الصحفي علي أنوزلا المتهم جورا بالدعاية للإرهاب، ومن خلال شعارات الحركات الاحتجاجية كالمسيرة الوحدوية ضد العطالة يوم 06 أكتوبر بالرباط ومسيرة الأساتذة حاملي الإجازة والماستر بالرباط ومسيرات مجموعات المعطلين هنا وهناك.
لقد ابتهج الديمقراطيون/ات بانطلاق حركة 20 فبراير كحركة جماهيرية شعبية هدفها بناء نظام ديمقراطي يكون مدخله الأساسي إقرار دستور ديمقراطي في أسلوب بلورته ومضمونه وطريقة المصادقة عليه. وظلت الحركة في خضم التراجعات التي عرفتها بلادنا بعد خفوتها، تشكل الأمل الديمقراطي للشعب المغربي.
وإننا إذ نستعد للاحتفاء بالذكرى الثالثة لانطلاق حركة 20 فبراير، فإننا لا نسعى إلى التغني بالحركة وبأمجادها بقدر ما نريد التفكير والعمل من أجل إيجاد السبل لإذكاء شعلتها بالحطب الشعبي والتنظيمي والنضالي لإحراق الاستبداد والفساد وتحويلهما لرماد قد يساعد على إخصاب التربة لبزوغ ربيع الديمقراطية ببلادنا.
2- لقد جاءت حركة 20 فبراير كنتاج لعاملين أساسيين، أحدهما داخلي مرتبط بالتناقضات الأساسية لمجتمعنا والثاني خارجي مرتبط بانفجار الربيع الديمقراطي بتونس ومصر وامتداده لبلدان أخرى بالمنطقة العربية.
بالنسبة للعامل الداخلي، فمنذ قرون والشعب المغربي يخوض كفاحا تاريخيا ضد المخزن كحاجز حقيقي أمام أي تقدم سياسي، اقتصادي، اجتماعي وثقافي لبلادنا؛ وقد احتد الصراع بعد انتهاء عهد الحماية.
وإن سنوات الرصاص وما رافقها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان (اختطافات، اعتقالات تعسفية، تعذيب، محاكمات جائرة، نفي خارج الوطن، إعدامات خارج نطاق القانون، تقتيل جماعي على إثر الانتفاضات الشعبية)، تظل موشومة في الذاكرة الشعبية لتذكرنا بالمعركة الشرسة التي خاضها المخزن ضد الديمقراطية والديمقراطيين/ات والتي خرج منها منتصرا، مؤقتا بطبيعة الحال، لأننا ندرك نحن المناضلون/ات أن الكلمة الأخيرة للشعوب التي تنتصر مهما طال الزمن.
بالنسبة للعامل الخارجي، فيتعلق الأمر بالثورة التونسية التي انفجرت ضد نظام بنعلي الدكتاتوري على إثر احتراق الشاب البوعزيزي بسيدي بوزيد والتي انتهت بهروب بنعلي في 14 يناير 2011 وبالثورة المصرية ضد نظام مبارك التي انطلقت في 25 يناير وانتهت في فبراير بسقوط الدكتاتور حسني مبارك؛ وقد ألهب نجاح الثورتين التونسية والمصرية في إسقاط اثنين من اعتى الطغاة في بضعة أسابيع حماسة الشباب المغربي الذي فكر بدوره في إبداع الأرضيات البرنامجية والوسائل النضالية لتخليص بلادنا من النظام المخزني العتيق.
3- إن المخزن الذي أصيب في البداية بالارتباك أمام حركة 20 فبراير ــ خاصة وأنها حصلت على دعم شعبي واضح والتحق بها عدد من المثقفين وممثلو الفئات الطبقية الوسطى بل وبعض كبار البورجوازيين وبعض القادة السياسيين المصنفين تقليديا لجانب المخزن ــ بدأ يتدارك الأمور لاسترجاع المبادرة وللتحكم في مجريات الأوضاع.
فكان القمع منذ البداية الذي أدى إلى سقوط ستة شهداء (5 في الحسيمة سقطوا يوم 20 فبراير وواحد في صفرو استشهد ثلاثة أيام بعد إصابته أثناء تظاهرة 20 فبراير ) وإلى العديد من الجرحى والاعتقالات.
ثم جاءت المبادرة/المناورة السياسية الكبرى المتجسدة في الخطاب الملكي ليوم 09 مارس 2011 الذي أعلن فيه عن قرار تعديل الدستور بمضامين أوحت للبعض وخاصة للأحزاب السياسية البرلمانية، وفي مقدمتها الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، بأن المغرب على وشك تحول ديمقراطي يفوق ما كانت تطمح إليه.
وقد تلا الخطاب الملكي تشكيل لجنة من الخبراء لصياغة الدستور وهيئة للمتابعة مشكلة من الأحزاب والنقابات، مما أوحى بوجود أسلوب جديد تشاركي لبلورة الدستور كبديل للدساتر الممنوحة السابقة.
وبالموازاة مع ذلك، اتخذت عدد من الإجراءات الجزئية أو الشكلية مثل تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، استبدال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وديوان المظالم بمؤسسة الوسيط.
كما تم إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين وتشغيل عدد من المعطلين/ات والالتزام بتشغيل مجموعات أخرى منهم، وتقوية دور صندوق المقاصة لتفادي الزيادة الفاحشة في الأثمان، والدخول في حوار اجتماعي مع المركزيات النقابية أدى إلى اتفاق 26 أبريل يتضمن زيادة مهمة في الأجور ومقتضيات أخرى لصالح الشغيلة.
وفي 01 يوليوز 2011، وبعد حملة لصالح التصويت بنعم لمشروع الدستور المعدل، شاركت فيها الدولة بكل أجهزتها السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية وشاركت فيها كافة المركزيات النقابية ما عدى واحدة وكل الأحزاب المشاركة في البرلمان ما عدا واحد، تمت المصادقة على الدستور المعدل بنسبة من المشاركة ظلت ضعيفة نسبيا.
وعلى إثر ذلك، استمرت تظاهرات حركة 20 فبراير؛ والملفت للإنتباه أن حركة 20 فبراير نزلت بقوة للشارع بمختلف المدن يوم 03 يوليوز، يومين فقط بعد الاستفتاء، لتندد بالدستور المعدل ولمواصلة رفع الشعار الأصيل المتعلق بإقرار دستور ديمقراطي.
وظلت المظاهرات مستمرة في عدد كبير من المدن ــ وإن بقوة أقل مما كان عليه الأمر في الشهور الأولى بعد انطلاق الحركة ــ إلى حدود الانتخابات السابقة لأوانها المنظمة في 25 نونبر 2011 والتي عرفت فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالمرتبة الأولى من حيث عدد النواب المنتخبين.
4- إن الدخول في مسلسل تشكيل حكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، بالإضافة إلى انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، قد أدى بدوره وفي ظل استمرار القمع المخزني إلى تراجع زخم حركة 20 فبراير خاصة مع رهان بعض الفئات الشعبية على حزب العدالة والتنمية الذي رفع أثناء الحملة الانتخابية شعار "اسقاط الفساد والاستبداد" وعلى التغيير الذي قد تحققه الحكومة الجديدة.
ولا بد من الإشارة هنا كذلك إلى المضايقات ومحاولات الاستئصال التي عرفها التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل على يد البيروقراطية المفسدة والتي شكلت إحدى الكوابح لمسار الحركة حيث أغلقت مقرات المركزية في وجه النقابات والنقابيين الكفاحيين والديمقراطيين بل في وجه تنسيقيات الحركة ومجمل الحركات الاحتجاجية.
ومن بين العوامل التي أدت إلى تراجع الحركة، نشير كذلك إلى:
ــ مآل المسارات الثورية في تونس ومصر وبلدان العالم العربي الأخرى والمتمثلة من جهة في حصول التيارات الإسلامية، التي لم تلعب دورا بارزا في الانتفاضات الشعبية ضد الاستبداد، على الأغلبية في الانتخابات وتمكنت من قيادة الحكومة في كل من تونس ومصر، ومن جهة ثانية في المسار العنيف الذي عرفته الثورات خاصة في ليبيا وسوريا وفي التدخل الإمبريالي للتحكم في هذا المسار بما يخدم مصالح الإمبريالية الاقتصادية والاستراتيجية. وهذا المآل جعل بعض الفئات من الشعب، خاصة من بين المثقفين والطبقات الوسطى تفضل الاستقرار في ظل العلاقات المخزنية على التغيير الديمقراطي الذي قد يكون ثمنه هو الزج بمصالحها نحو المجهول، متجاهلة أن الجماهير الشعبية المقهورة والتي تشكل أزيد من 70% من الشعب هي المتضررة منذ قرون من الاستقرار المخزني وما يطبعه من قهر وظلم وفساد واستبداد ومهانة.
ــ ضعف الأرضيات التي شكلت الأساس البرنامجي لحركة 20 فبراير حيث تم تجاهل ثلاثة نقط أساسية هي أولا الإمبريالية ودورها في دعم الأنظمة الاستبدادية مما يطرح ضرورة المواجهة مع الإمبريالية كشرط أساسي لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يكرس حق الشعب في تقرير مصيره على كافة المستويات، ثانيا حرية العقيدة كشرط أساسي للديمقراطية وما يرتبط بها من ضرورة بناء الدولة الديمقراطية العلمانية، أو الدولة المدنية التي يطرحها البعض كصيغة توافقية، وثالثا مسألة المساواة كقيمة حقوقية أساسية يجب احترامها في النظام الديمقراطي المنشود وهي القيمة التي تجد إحدى تعبيراتها في المساواة الشاملة بين الرجل والمرأة في جميع المجالات ودون تحفظات.
لقد انتبه المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير إلى النقص الحاصل لدى حركة 20 فبراير فيما يخص الإمبريالية كحاجز أمام التحرر الوطني والإنعتاق الديمقراطي، وحرية العقيدة والمساواة كمكونين أساسيين للمنظومة الديمقراطية. وقد تم تدارك هذا النقص في البيانين الصادرين عن جمعه العام الرابع ثم الخامس (نونبر 2012).
ومع تدارك هذا النقص، انتقلت حركة 20 فبراير من الشعار الثلاثي المتجسد في "كرامة، حرية، عدالة اجتماعية" إلى الشعار الرباعي "كرامة، حرية، عدالة اجتماعية والمساواة الفعلية".
ــ الخلافات بين القوى الديمقراطية المناضلة حول عدد من القضايا منها الخلافات حول الموقف من المؤسسة الملكية، حول شعار إسقاط النظام، حول العلاقة بين المجلس الوطني لدعم الحركة وتنسيقيات الحركة، حول مشاركة العدل والإحسان في الحركة،...
إذا كانت الخلافات مسألة عادية وسط حركة شعبية تعددية مثل حركة 20 فبراير، فإن ضرورة تقوية الحركة بجناحيها (التنسيقيات ومجالس الدعم) لتتمكن من مواجهة الطغيان المخزني يفرض توحيد الجهود وحل التناقضات بما يعزز الوحدة الشعبية بعيدا عن كل ما يمكن أن يقسم حركتنا الفتية ويبدد جزءا من طاقاتها في الصراعات المجانية التي لا يستفيد منها سوى المخزن.
5- بالعودة إلى الشعار المركزي لحركة 20 فبراير وهو "إسقاط الاستبداد والقهر والظلم والفساد وبناء مغرب الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان للجميع" يتضح أنه يمكن اختزاله سياسيا في شعار "إسقاط المخزن وبناء نظام ديمقراطي". هذا الشعار واضح ويمكن في الظرف الراهن وموازين القوى الحالية أن يلف معظم الديمقراطيين/ات الجذريين سواء كانوا من أنصار الملكية البرلمانية (في حلتها الأوروبية) أو من أنصار الجمهورية الديمقراطية.
بالنسبة لهذه المسألة هناك نوعين من النقاشات:
+ النوع الأول يتعلق بما بعد إسقاط المخزن؛ فهل يجب من الآن أن يتم بكل وضوح تحديد الأفق السياسي المؤسساتي في الملكية البرلمانية أم يجب إخضاع البديل المؤسساتي لتطور مجريات الصراع ولموازين القوى؟
أنصار الملكية البرلمانية بالمغرب ينادون إلى حسم الإشكال فورا ويجعلون من تبني شعار الملكية البرلمانية شرطا من شروط التحالف بين الديمقراطيين حتى ولو كانوا مناهضين للمخزن ويتوقون إلى بناء نظام ديمقراطي.
المشكل مع هذا الطرح لا يكمن فقط في إقصائه للتعامل السياسي مع الفاعل الديمقراطي الذي لا يتبنى الملكية البرلمانية أو الذي يتبنى صراحة الجمهورية كبديل للنظام المخزني، وإنما كذلك في تعدد التصورات حول الملكية البرلمانية ببلادنا.
ــ هناك من يتبنى ملكية برلمانية يمكن نعتها بشبه جمهورية حيث الملك له، كما هو الشأن في أنظمة الحكم الملكية بأوروبا، دور رمزي فقط. فهل يتصور أصحاب هذا الطرح أن الملكية ببلادنا ستقبل بالتخلص من جوهرها المخزني ومن صلاحياتها السياسية والتشريعية والقضائية والعسكرية والأمنية والمعنوية والدينية (إمارة المؤمنين)؟!
ــ هناك من يتبنى شعار "الملكية البرلمانية حيث الملك يسود ولا يحكم"؛ عبارة "الملك يسود ولا يحكم" هي في الأصل ترجمة سيئة لصيغة "Le roi règne mais ne gouverne pas "؛ ورغم التنبيه بأن الترجمة الأصح هي "الملك يملك ولا يحكم" أو بعبارة أبسط وأدق "الملك لا يحكم"، فقد تم الإصرار على الحفاظ على صيغة "الملك يسود ولا يحكم"، ربما للرغبة في حفاظ الملك على السيادة، مع العلم أن السيادة أهم من الحكم وأنها هي قاعدة الحكم؛ ولهذا ففي البلدان الديمقراطية يظل الشعب هو صاحب السيادة، في حين أن الحاكم ينتخب من طرف الشعب ويظل مسؤولا أمامه. لهذا لا نستغرب إذا وجدنا أن عددا من المدافعين عن "الملكية البرلمانية حيث الملك يسود ولا يحكم" يتركون صلاحيات واسعة للملك في المجال العسكري والسياسي والديني...
ــ هناك من يتبنى شعار الملكية البرلمانية مع إعطائها مضمونا استبداديا، وهذا هو الحال بالنسبة لمجمل الأحزاب البرلمانية الحالية. ومهما يكن من أمر لن ننسى أن الدستور الحالي نفسه يصف نظام الحكم" بنظام الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية؛" إذن، إن ملكيتنا التي لها كل مقومات الاستبداد توصف دستوريا بالملكية البرلمانية!!
وانطلاقا من هذه الملابسات، نفهم لماذا لا يوافق العديد من الديمقراطيين ببلادنا على شعار الملكية البرلمانية وينتقدون من يجعل من هذا الشعار أساسا ضروريا للتحالف بين اليساريين.
+ النوع الثاني من النقاش يتعلق بشعار إسقاط النظام؛ طرح هذا الشعار في البداية خلال الثورة التونسية ضد الديكتاتور بنعلي ثم خلال الثورة المصرية ضد الديكتاتور حسني مبارك. وفي كلتا الحالتين كان الشعار واضحا حيث المضمون هو إسقاط النظام الاستبدادي الديكتاتوري لبنعلي ومبارك. وكلا النظامين نظام جمهوري دكتاتوري مطبوع بالفساد. الشعب كان يريد إذن إسقاط نظام جمهوري دكتاتوري يطبعه الفساد لاستبداله بنظام جمهوري ديمقراطي بدون فساد.
ماذا عن المغرب؟ إن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكي استبدادي يطبعه الفساد وإن النظام السائد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا هو نظام خاضع للإمبريالية، لا ديمقراطي ولا شعبي؛ فماذا تعني عبارة إسقاط النظام في المغرب؟
ــ هل تعني إسقاط النظام الملكي واستبداله بنظام غير ملكي قد يكون هو النظام الجمهوري؟
ــ هل يعني إسقاط النظام الملكي الاستبدادي واستبداله بما يتناقض مع الملكية الاستبدادية أي الملكية البرلمانية الديمقراطية (على غرار أنظمة الحكم الملكية في أوروبا) أو الجمهورية الديمقراطية، أو غيرهما.
ــ هل يعني إسقاط مجمل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد ببلادنا؟ وهذا ما يستوجب ثورة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، قد تكون شعارا استراتيجيا صحيحا لكنه غير قابل للتحقيق في شروط موازين القوى الحالية.
مهما يكن من أمر، إن شعار إسقاط النظام يظل غامضا (خلافا للوضع في تونس ومصر في يناير 2011) في حالة المغرب بعد بروز حركة 20 فبراير وإلى الآن. وإن شعار إسقاط المخزن وبناء نظام ديمقراطي يتجاوب بشكل أفضل مع الفهم الشعبي لطبيعة الحكم السائد والذي يناضل شعبنا منذ عشرات السنين للتخلص منه ويستجيب كذلك مع التصور الديمقراطي للبديل عن المخزن وهو النظام الديمقراطي دون السقوط في شراك شعار الملكية البرلمانية ومع ترك الباب مفتوحا أمام البديل التاريخي الديمقراطي والواقعي للنظام المخزني...
6- لنعد الآن إلى وضعية حركة 20 فبراير وآفاقها
قلنا أن وضعية حركة 20 فبراير عرفت خفوتا واضحا بالنسبة لزخمها خلال الأشهر الأولى بعد فبراير 2011؛ وحاولنا كذلك أن نحدد بعض العوامل التي أدت إلى هذا التراجع، مع التأكيد أن الحركة خلافا لما يروجه أعداؤها من أنصار المخزن ومن المنهزمين مازالت حية ومازالت تشكل الأمل الديمقراطي للشعب المغربي .
إن العوامل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أدت إلى انطلاق حركة 20 فبراير مازالت قائمة في جوهرها؛ فالدستور المعدل باستفتاء 01 يوليوز 2011، وهو أول دستور في عهد محمد السادس لا يختلف من حيث جوهره الاستبدادي عن دستور شتنبر 1996، آخر دستور في عهد الحسن الثاني. واتضح كذلك أن أطروحة "التنزيل الديمقراطي للدستور" مجرد وهم لا يضاهيه سوى وهو إنجاب القردة للغزلان. وتجلى بوضوح أن من راهن على حكومة بنكيران لتحقيق الإصلاح والتصدي ولو جزئيا للفساد كان واهما، حيث لم نر منها سوى التراجع عن الإلتزامات الحكومية السابقة (تشغيل فئات من المعطلين، تطبيق اتفاقية 26 أبريل 2011 مع النقابات، ...) وضرب المكتسبات (حق الإضراب للموظفين، الترقية عبر الشهادات للمجازين وحاملي الماستر،...) والعمل على تصفية صندوق المقاصة وغلاء المعيشة وتجميد الأجور والمعاشات وقانون مالي لإغناء الأغنياء وتفقير الفقراء وقمع التظاهرات السلمية وتفاقم الاعتقال السياسي والتخطيط لضرب مكتسبات الموظفين/ات في مجال التقاعد واستمرار مظاهر الفساد بل وتشجيعه عبر سياسة "عفا الله عما سلف"، وإغراق البلاد في الديون ورهن مستقبل البلاد لدى المؤسسات المالية الدولية والمزيد من الارتماء في أحضان الإمبريالية.
كل هذه العوامل، وجوهرها استمرار خنق مصير البلاد وتشديد القبضة المخزنية في جميع المجالات والانتقام من حركة 20 فبراير التي أرغمت المخزن على بعض التنازلات، تؤجج الغضب الشعبي وتدفع موضوعيا نحو نهوض جديد لحركة 20 فبراير.
صحيح أن العوامل الخارجية غير مشجعة في عدد من الحالات، منها ما يقع في سوريا وليبيا بسبب المخططات الهدامة للإمبريالية والرجعية العربية، لكن مسار المقاومة الشعبية في تونس ودور اليسار الجذري والقوى الديمقراطية الصامدة ودور الاتحاد العام التونسي للشغل وكذا المقاومة الديمقراطية المتنامية لنظام العسكر في مصر يظهر أن الشعوب وقواها الديمقراطية لم تقل كلمتها الأخيرة وأن الحراك الشعبي في المنطقة العربية يمكن أن يؤدي إلى تحقيق مكتسبات ديمقراطية حاسمة.
مهما يكن من أمر، فإن الأساسي هو العامل الداخلي الذي تتوفر من خلاله مجمل الشروط الموضوعية لمواصلة النضال الشعبي ضد المخزن في إطار حركة 20 فبراير، شريطة عمل الديمقراطيين/ات ببلادنا على تجاوز التناقضات الثانوية ورص الصفوف للنهوض بحركة 20 فبراير كحركة جماهيرية شعبية، تعددية موحدة ووحدوية، ديمقراطية ومستقلة، مكافحة وسلمية.
إن أخطر ما يهدد الحركة اليوم ليس هو القمع، وليس هو التضليل من طرف أعدائها وإنما ضعف الوحدة الداخلية للجماهير الشعبية وقواها المناضلة؛ إن قوة المخزن لا تكمن فقط في ما راكمه من أدوات للتصدي للجماهير الشعبية وقواها التقدمية والديمقراطية التواقة للتحرر والإنعتاق، وإنما في تشتت القوى الشعبية وقدرة المخزن على إذكاء عوامل التشتت الشعبي؛ بعبارة واضحة إن قوة المخزن الأساسية تكمن في ضعف وحدتنا؛ لهذا علينا أن نعزز هذه الوحدة عبر:
ــ النهوض بتنسيقيات حركة 20 فبراير في كل مكان والعمل على اشتغالها بما يعزز استقلاليتها والديمقراطية الداخلية وكفاحيتها ووحدتها وتجذرها وسط أوسع الفئات الشعبية من شغيلة ومعطلين وطلبة وتلاميذ ونساء وشباب وساكنة الأحياء الشعبية.
ــ العمل على التنسيق المحكم والديمقراطي على المستوى الوطني للتنسيقيات المحلية.
ــ النهوض بالمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير من خلال تحمل التنظيمات العضوة لمسؤولياتها في الدعم، وأكثر من ذلك في المشاركة الفعلية لمناضليها ومناضلاتها في حركة 20 فبراير.
ــ العمل على توفير شروط التعاون والتكامل والانسجام بين المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير والتنسيقيات المحلية والأداة التي تفرزها هذه التنسيقيات لتوحيد فعلها على المستوى الوطني.
إن حركة 20 فبراير محتاجة في ظل توفر الشروط الموضوعية المواتية إلى التضحية والإبداع النضالي وأكثر من كل شيء إلى التنظيم المحكم وقاعدته الأساسية هي وحدة المناضلين/ات والتنظيمات الغيورة على حركة 20 فبراير، الأمل الديمقراطي للشعب المغربي.
يكفينا اعتزازا، نحن أنصار حركة 20 فبراير، أنها مستمرة بدون انقطاع منذ ثلاث سنوات وأننا سنحتفي قريبا يوم 20 فبراير بالذكرى الثالثة لانطلاقها والتي سماها بعضنا بعيد الشعب في ظل هذه الاستمرارية النضالية وفي ظل عزيمة جماعية على وحدة الصف رغم الخلافات.
وللإشارة، فإن 20 فبراير هو اليوم الدولي للعدالة الاجتماعية؛ ونحن باحتفائنا بعيد الشعب نحتفي في نفس الوقت بهذا اليوم الدولي المهم الذي يتقاطع فيه ما هو دولي بما هو وطني.
ولابد أن نشدد في الأخير على حق شعبنا في التخلص من الاستبداد والقهر والظلم والفساد وبالتالي من النظام المخزني، وعلى حق شعبنا في العيش في ظل نظام ديمقراطي يضمن الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان للجميع؛ ومن واجبنا إذن نحن مناضلو/ات الشعب المغربي أن نوحد صفوفنا في إطار حركة 20 فبراير لنحقق آماله.
عاش الشعب،
عاش 20 فبراير، عيدا للشعب
عبد الحميد أمين
مواضيع ومقالات مشابهة