للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

الأوضـاع السياسـية بشمـال إفريقيـا وانعكاساتـها علـى المغـرب



لقد قلنا سابقا، حتى عندما كانت القوى الظلامية لا زالت تنزل إلى مسيرات حركة 20 فبراير، بان هدفها الحقيقي هو عرقلة المسيرة النضالية للشعب المغربي، ولكن عددا من دعاة "الديمقراطية" و"التسامح" كانوا يدافعون عن تواجدها في الحراك الشعبي، الذي تبلور بعد 20 فبراير ، بل اكتر من دلك هناك من نسج معها تحالفات في بعض المدن مكونا وإياها ما سموه أنداك بـ"الأنوية الصلبة" !!
و التي كانت وظيفتها هي الاتفاق على الخطوات، والتقرير عوض الجماهير في اجتماعات خاصة ومغلقة، وبعد دلك تصريف برامجها وتقاريرها في الجموعات العامة عبر انزالات مكتفة لعناصرها.
لقد قلنا سابقا بان القوى الظلامية تشكل وجها من أوجه التناقض الرئيسي، حتى وان ادعت "الديمقراطية" وطالبت بـ"الدولة المدنية"، وان الوحدة ادا لم تبنى على أساس برنامج سياسي واضح، لا يمكنها أن تحقق أدنى مطالب الشعب المغربي في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
 وها هي اليوم تظهر حتى للجماهير الشعبية الأكثر تأخرا في وعيها السياسي، بأنها جزء من التناقض الرئيسي، فها هي اليوم ترتكب المجزرة تلو الأخرى في حق أبناء شعبنا وشعوب شمال إفريقيا، بدءا من مصر مرورا بتونس وليبيا وصولا إلى المغرب( هجوم ميليشيات الإخوان المسلمين على اعتصامات المناضلين في الاتحادية، المجازر التي ارتكبتها مليشيات النهضة ضد مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس، هجوم مليشيات القاعدة في ليبيا على الجماهير بدعوى تطبيق الشريعة، الهجوم الأخير للقوى الظلامية على مناضلي اوطم في موقع تطوان والقنيطرة...)، ها هي اليوم تؤكد على أنها دائما تسير في خط معارض لخط الجماهير الشعبية، وبأنها تشكل القواعد الخلفية للامبريالية و للثورة المضادة في وطننا. إن الشعوب وعلى رأسها الطبقة العاملة قد وعت بالمؤامرة التي حيكت ضدها، لهدا فهي اليوم تنهض من جديد لكي ترسي بناء أنظمة وطنية ديمقراطية شعبية، حتى تكون ثورتها المستمرة ثورة بمعنى الكلمة، لا ثورة دائرية تدور في زمن رجعي بين القوى الظلامية و البرجوازية الليبرالية.
 إن هده المقدمة ضرورة لا غنى عنها لكي نوضح بعض الأمور، التي كثيرا ما يتم تناولها بشكل خاطئ، ومن بينها الموقع الطبقي للقوى الظلامية، وعلاقتها بالامبريالية،وأيضا لكي نوضح مادا يقصد بـ"الثورة المستمرة" التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة !!.. وانطلاقا من هنا فما هو موقعها الطبقي؟ وما هي علاقتها بالامبريالية؟ وهل حقا يمكن أن نطلق على انتفاضات الشعوب الآن ضد الفاشية الدينية في شمال إفريقيا ثورة مستمرة؟ وما هي انعكاسات هده الأوضاع الجديدة التي تعرفها شمال إفريقيا على الصراع الطبقي في المغرب؟ وتبعا لدلك هل يمكن الحديث عن تكتيك للثورة مغربية شبيه بالسيرورة التورية التي قطعتها الجماهير الشعبية في تونس ومصر؟.      
يقول البعض "إن المنتمين لتيارات الإسلام السياسي ينتمون إلى الجماهير الشعبية، ويعانون من طرف البرجوازية الرجعية الحيف والاستغلال، ولهدا علينا أن نتحد معهم لان هدفنا واحد وانتمائنا الطبقي واحد" بهده الكلمات يدافع اكتر "الديمقراطيين" طيبة وطوباوية عن القوى الظلامية لكي يشرعنو تواجدها في الحركة الجماهيرية.
إن هده الحجة خاطئة بشكل مطلق، لان الأصل أو الانتماء الطبقي غير كافي لكي نعطي موقفا من تيار سياسي، فالمحدد الأول للموقف من هده التيارات هو خطها وبرنامجها السياسي، أو ما يمكن أن نطلق عليه هويتها السياسية هدا من جهة، أما من جهة أخرى فان قوى الإسلام السياسي و إن استطاعت أن تضم إليها بعض الجماهير الكادحة، بحكم الفراغ الهائل الذي تركه اليسار الجدري في الشارع، فهي في حقيقة الأمر لا تعكس سوى مصالح فئات برجوازية داخل التحالف الطبقي المسيطر.
 وهده الفئات هي ما تشكل في الغالب قيادة هده التيارات الظلامية، فكلنا نعرف الانتماء الطبقي لمجلس الإرشاد في "جماعة العدل والإحسان" و لـ"جماعة الغنوشي" في تونس و"للإخوان المسلمين" في مصر..إنهم برجوازيون في نمط عيشهم وتفكيرهم، ولا علاقة لهم بما تعيشه الجماهير الكادحة من فقر واضطهاد، ولهدا فهم لا يحركون ساكنا اتجاه معانات الطبقة العاملة، أو حتى اتجاه القوانين التي تصدرها البرجوازية الكومبرادورية لحماية مصالحها ومصالح كبار الملاكين.
 بل اكتر من ذلك إنهم  يلبسون الدفاع عن هده المصالح لباس الدين، لان مصالحهم الطبقية تلتقي بشكل موضوعي مع البرجوازية التبعية و سيدتها الامبريالية، وهدا ما يجعل منها متناقضة على طول الخط مع خط الجماهير
فلقد أكدت مثلا انتفاضة الجماهير الشعبية المصرية الحالية على النظام الرجعي والظلامي، التواطؤ بينه وبين النظام السابق، من خلال عثور الثوار على وثائق سرية بين "الإخوان المسلمين" ونظام مبارك، تم بموجبها تفويت مجموعة من الأراضي لقيادات "الإخوان المسلمين".
كما يؤكد واقع القوى الظلامية في المغرب هدا التواطؤ، سواء منها التي دخلت للعبة السياسية والتي أصبحت تدافع عن مصالح الطبقة الحاكمة بشكل علني، عن طريق سنها مجموعة من القوانين تزيد من شرعية المعمرين الجدد، ليس اقلها "قانون الإضراب"، ناهيك عن تغطية الزيادات المهولة في أسعار : أثمنة المواد الغذائية و المحروقات، بخطابات ديماغوجية وشعبوية تلبس لباس الدين، أو تلك القوى التي لازالت لم تدخل بعد بشكل مباشر في اللعبة السياسية وخاصة "جماعة العدل والإحسان".
فهي لا تحرك ساكنا في ما يخص المطالب الاجتماعية للجماهير الشعبية، بل إنها تعتبر اكتر معرقل لنضالاتها، وما حضورها في حركة 20 فبراير إلا من اجل هدا الهدف، بالإضافة إلى  تجميدها لشريحة مهمة من الجماهير الشعبية بخطاباتها الرجعية.
أما في ما يخص علاقة هده القوى بالامبريالية، فهي علاقة متينة و هدا ما يثبته تاريخها، فلقد كانت نشأتها مرتبطة بالامبريالية، فمن أسس ومول "حركة طالبان"؟ أليس المخابرات الأمريكية..ومن قام بنشر التطرف في باكستان؟ أليس الاحتلال البريطاني، من اجل ضرب وحدة الشعب الهندي..ومن يمول الآن "الإسلام الوهابي"؟ أليس الرجعية السعودية بدعم من الامبريالية العالمية..ومن يدعم الآن "المقاتلين الإسلاميين" في سوريا ودعمهم قبل دلك في ليبيا حتى أطلق عليهم "توار الناتو"..أليس الامبريالية..
 ومن دعم في المغرب "الشبيبة الإسلامية" و"العدل والإحسان" من اجل تنظيم الاغتيالات في صفوف الماركسيين أليست الدولة الكمبرادورية المغربية.. إن هناك مئات الامتلة على نشوء هده الحركات تحت حضن القوى الكومبرادورية والامبريالية ولهدا فليس من المعقول أن يدعي دعاة التحالف عندنا مع "العدل والإحسان" أن الإسلاميين مناهضين للامبريالية، هدا من جهة أما من جهة أخرى، فادا كان هناك تناقض بين هده الحركات والامبريالية، فهو ليس إلا تناقض ثانوي لأنها لا تناهض الاستعمار بل تناهض من يقومون بالاستعمار، إنها ببساطة تناهض الدول الامبريالية لأنها يهودية- نموذج الكيان الصهيوني- أو مسيحية أو بودية.
فلنتخيل لو أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مسلمة، تهدف إلى استعمار الدول المسيحية هل كان هؤلاء الإسلاميين سيناهضونها؟!!..من الأكيد جدا : لا.. لأنهم كانوا سيدعمون هجماتها الاستعمارية باسم الدين، وكانوا سيسمون دلك "جهادا"، ولهدا فعندما تناهض هده الحركات الغرب، فهي لا تناهضه لان نظامه رأسمالي استعماري بل لأنه "كافر" أي لأنه مسيحي أو يهودي أو بودي...
وما يزيد من صحة هدا القول هو الدعم الامبريالي للإسلام السياسي في انتفاضات شمال إفريقيا، هدا الدعم الذي تجلى بوضوح في عجز القوى الإسلامية عن القطع مع الامبريالية، بل إنها لم تقدم أي حل ملموس للإشكالات البنيوية التي تعيشها شعوب المنطقة.
 وهدا ما عمق الهوة بينها وبين الجماهير الشعبية وخاصة الجماهير المصرية التي شكلت "جبهة الانقاد الوطني" أو التونسية التي أسست "الجبهة الشعبية" في وجه القوى الفاشية  سواء منها المليشيات الحاكمة "لحزب النهضة" او "للإخوان المسلمين" التي لم تحقق على المستوى الاقتصادي شيء يذكر لأنها ببساطة عميلة للامبريالية، بل ستقوم ادا استمرت في الحكم بوأد حتى تلك المكتسبات السياسية والمتمثلة في بعض الحريات السياسية والنقابية الهزيلة، التي كانت تتمتع بها الجماهير الشعبية أيام النظام السابق.    
إن وعي الجماهير الشعبية بخطورة الأنظمة الفاشية الجديدة يجب عليه أن يتجه نحو الإطاحة بها وإقامة أنظمة وطنية ديمقراطية شعبية فكيف يمكن القيام بدلك ؟ و ما هي الآليات التي يجب أن تبدعها الجماهير الشعبية؟ وادا كان الكل يقر بأن ما يجري الآن في شمال إفريقيا وخاصة في تونس ومصر ثورة مستمرة..!! فهل حقا هي كذلك؟ وما هي شروط الثورة المستمرة؟هدا ما سنحاول الإجابة عنه في ترابطه الجدلي مع الحركة الجماهيرية المغربية.
أصحيح أن  ما يقع الآن في شمال إفريقيا ثورة مستمرة؟ إن الإجابة على هدا السؤال تتطلب منا أولا الوقوف على معنى الثورة المستمرة.. فمادا تعني؟ وما هي شروطها؟.
أولا يجب التأكيد على أن الثورة المستمرة لا علاقة لها بما يدعيه "الدائميون" أو "التروتسكيون" حول الثورة الدائمة، بل هي تختلف عنها جذريا من حيت أنها تعطي أهمية للتحالف العمالي الفلاحي، لأنها تأخذ الواقع الملموس للبلدان التبعية بعين الاعتبار والمتمثل أساسا في بقايا الإقطاع.
وتعتبر الثورة المستمرة فكرة صاغها ماركس في سنة 1850 في رسالته إلى "عصبة الشيوعيين " وطورها لينين بعد 1905 ودلك بجعلها تتلاءم مع الواقع الجديد للرأسمالية، ومنه مستلزمات قضايا الثورة في البلدان المتأخرة عن الركب الرأسمالي، والتي يشكل فيها الفلاحين قوة ثورية عظيمة، يمكن الاستفادة منها في سيرورة نضال البروليتاريا من اجل إقامة الاشتراكية.
ويمكن القول مند البداية أن الثورة المستمرة ليست - ادا ما أخدنا بعين الاعتبار انطلاقها من البلدان التابعة- إلا الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فكيف ادا تشكل هده الثورة ثورة مستمرة؟.
قد يصيح البعض بان هدا فهما تعسفيا لطبيعة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.. ولكننا نطلب منهم التمهل قليلا.. لأنهم لا ينظرون إلى الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في سيرورتها وارتباطاتها، ودلك لان استمرارية الثورة يعني قيامها بتصفية كل قضايا الثورة العالقة والمتمثلة في تصفية بقايا الإقطاع عن طريق الثورة الزراعية والقطع مع الامبريالية عن طريق بناء اقتصاد وطني وتهييئ الظروف لانتصار الاشتراكية والمساهمة في انتصار الثورة في البلدان المجاورة أساسا وباقي أقطار العالم، وانطلاقا من هنا ما هي الشروط التي ستؤدي إلى استمرار الثورة؟.
إن الشرط الأساسي لتحقيق الثورة المستمرة، هو إقامة تحالف عمالي فلاحي بقيادة الحزب الثوري، والذي عليه أن يتقن القيام بالتحالفات التكتيكية والإستراتيجية في جميع مراحل الثورة، بحيث يمكن أن يقوم بتحالف واسع بين المعارضين للنظام القائم، والمتمثلين أساسا في الطبقات المتعارضة مع نظام الحكم وخاصة البرجوازية الصغيرة، التي تريد دائما أن تنهي الثورة على أسرع وجه، لأنها تخاف من سيطرة البروليتاريا على السلطة، في حين أن دور الحزب الثوري هو الاستمرار في الثورة، إلى غاية إقصاء جميع الطبقات عن الحكم، سواء منها المالكة لوسائل الإنتاج أو التي تطمح لامتلاكها في إطار الملكية الخاصة. إن هدا التحالف على المستوى السياسي عليه أن يعكس في كل مرحلة مستوى تطور المهام التورية وانتقالها بالتدريج وتحت قيادة الحزب الثوري، من تصفية بقايا الإقطاع إلى إقامة اقتصاد وطني و الانتقال إلى الاشتراكية والإسهام في الثورة العالمية، مع ضرورة التأكيد على أن هده المهام يمكن أن تتداخل مع بعضها البعض، بحيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفصل مهمة عن أخرى.
وانطلاقا من هنا فان ما يقع في شمال إفريقيا، خاصة في تونس ومصر لا يمكن أن يتحول إلى ثورة مستمرة حقيقية إلا تحت القيادة السياسية للعمال والفلاحين، وادا كانت بعض ملامح هده القيادة موجودة، فإنها لا تكفي لكي تصنع لنا ثورة حقيقية، لهدا يجب على الثوريين في هده الأقطار المغاربية، العمل على خلق هده القيادة، بالموازاة مع العمل إلى جانب القوى التي تطمح إلى الإطاحة بالفاشية الظلامية.
إن الجماهير الشعبية سواء في مصر أو تونس ملقى على عاتقها في المرحلة الراهنة، الإطاحة بحكم المرشدين والكهنة، ويكمن دور المناضلين الثوريين في هده المرحلة في تنظيم هده الجماهير، لان الانقلاب في الحكم سيؤدي غالبا إلى سيطرة البرجوازية الليبرالية على السلطة، ولهدا فمن شأن هدا التنظيم أن يساعدهم على التقدم في انجاز مراحل الثورة القادمة، والمتمثلة أساسا في القضاء على حكم الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج أو التي تطمح إلى امتلاكها في إطار الملكية الخاصة.
إن دراسة واقع الانتفاضات الشعبية في شمال إفريقيا، عليه أن يفيدنا في دراسة الوضع الذاتي للحركة الجماهيرية المغربية، ومن هنا فهل من الضروري أن نمر بالمراحل التي قطعتها الجماهير الشعبية في مصر وتونس وليبيا، وخاصة فيما يخص تحالف اليسار مع القوى الظلامية أم انه علينا أن نستفيد من هدا الواقع بخلق آليات استباقية لتطور الوضع السياسي المغربي؟.
هناك من يتحدث عن الثورة المغربية بنفس الطريقة التي قطعتها "الثورة" التونسية والمصرية ولكن هدا الأمر غير صحيح..لمادا يا ترى؟
لان الثورة المغربية لا يمكنها أن تكون ثورة ناجحة، إلا ادا اتبعت أسلوبا أصيلا في التعامل مع القوى الظلامية، لان النضال ضدها هو نفسه النضال ضد النظام القائم من حيت أنها ليست سوى الوجه الثاني من التناقض الرئيسي في المجتمع، فلكي يتم الإطاحة بالنظام يجب عزل هده القوى في سيرورة النضال من اجل دك أركان النظام.
إن المناضلين الثوريين في المغرب، والمنبثقين أساسا من التجارب الطلابية قد جسدوا هدا الأسلوب الأصيل في حركة 20 فبراير، فلقد كان نضالهم ضد الظلامية وجه من أوجه النضال ضد النظام القائم، أما "الديمقراطيين" دعاة "التسامح" فلقد كانوا متمسكين بأسنانهم بالعمل مع القوى الظلامية.  
 ومن هنا فلا يمكن ياي حال من الأحوال، أن نتحدث عن تكتيك الثورة المغربية كتكتيك مشابه لما وقع في شمال إفريقيا، لاعتبارين اثنين يتحدد الأول في أن تعامل الشيوعيين مع هده القوى كان تعاملا صارما وحازما على مر تاريخ الصراع الطبقي في المغرب، عن طريق فضحها والتقليص من جماهيريتها، ولنا في نموذج الحركة الطلابية خير مثال على هدا القول، فرغم الدعم الهائل الذي تتمتع به القوى الظلامية بكل تلاوينها لا تحرك ساكنا نظرا لانعزالها عن الجماهير.
أما الثاني فيتمثل في أن هده القوى في المغرب لعبت أدوارا خيانية واضحة للشعب المغربي، عن طريق تواطئها المكشوف مع نظام المعمرين الجدد، وهدا لا يعني أن القوى الظلامية في شمال إفريقيا كانت معارضة للنظام على طول الخط ، لان واقع الثورة الحالية في مصر أبان عن تواطئها مع النظام قبل وبعد اندلاع انتفاضة الجماهير الشعبية، فلقد حضرت في اكتر من مناسبة في المساومات التي كانت تجري مع النظام السابق.
إن هدا التاريخ الإجرامي والخياني للقوى الظلامية، بالإضافة إلى مشروعها الاجتماعي الرجعي والمحافظ على المصالح الطبقية للكومبرادورية و الامبريالية، يجعل منها وجها من أوجه التناقض الرئيسي، وأداة طيعة في يد النظام القائم بالمغرب، يستخدمها وقتما أراد وكيفما أراد.
 فلقد استخدمها لشل حركة 20 فبراير عندما كان هناك زخما نضاليا عارما ومزاجا توريا كبيرا لدى الجماهير الشعبية، بحكم وصول النسمات الأولى لـ"ثورة الياسمين" إلى المغرب، بحيث اعتبرت هي المعرقل الأساسي للحركة هدا استثنينا أحزابنا الإصلاحية.
 ولعل المناضلين الدين انخرطوا في الحركة يتذكرون كيف أن الظلامية والإصلاحية كانت دائما تقف في وجه تجدير الفعل النضالي، وتهجم على كل محاولة ترمي إلى دلك، وفي بعض الأحيان بشكل عنيف، وتمنع حمل الرموز الثورية التي تريد إضفاء الهوية الكفاحية والتقدمية على الحركة، و تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما يرفع احد المناضلين الشرفاء لافتة أو صورة أو شعار يخرج عن نظرتها الكابحة لتطور الحركة.
فكم مرة عبرت الجماهير الشعبية عن رفضها المطلق للنظام في انتفاضات عارمة ( طنجة،  أسفي، بني بوعياش، تازة، الشليحات، سيدي افني...) وقف فيها مناضلي "الملكية البرلمانية" وقفة المتفرج، وفي بعض الأحيان كانوا يلعبون دور رجل الإطفاء بإخمادهم للانتفاضات، عن طريق التنسيق بين الجماهير وممثلي الدولة الكمبرادورية، بدعوى أن التغيير لم يحن وقته بعد.
إن هده الأمثلة اد نستحضرها بأسف، فنحن نود من خلالها أن نقف على حقيقة ما فعلته الظلامية بدعم من الإصلاحية، في وقف وتلجيم الحركة المجيدة للشعب المغربي، ومنه الوقوف على عجز هده القوى، وطرح بدائل للحركة تساهم في تجدير الفعل النضالي ووضعه في سكته الصحيحة.
إن هده المهمة في رأيي، قد زادت صعوبتها في المرحلة الراهنة، لان الممارسات الانتهازية لأغلب التيارات التي انخرطت في حركة 20 فبراير أو نجومها الأبطال - أبطال من ورق كما وصفهم احد الرفاق- والدين بالمناسبة لم تركز عليهم وسائل الإعلام، سواء منها المحلية أو الدولية بشكل عفوي وتلقائي، بل إن التركيز عليهم كان أساسا من اجل ربط الحركة بأشخاص يعرف النظام مسبقا طابعهم الانتهازي، وسلوكاتهم المرضية، التي تجعل منهم أناسا تافهين بالمعنى الذي تحدت عنه ماركس في وصفه للتافهين، بأنهم من يديرون ظهورهم لآلام الجماهير، وهدا ما وقع فلقد أداروا ظهورهم للحركة الجماهيرية كلما كانت تدخل في صراع مباشر مع النظام.
إن جميع هده الممارسات، قد جعلت الجماهير الشعبية تفقد الثقة في الحركة، وتنظر إليها بأنها حركة موسمية مرتبطة بصراع أفقي، بين زعماء الحركة وبين "الكومبرادور"، وليس بين الجماهير الكادحة التي لا تمتلك شيئا في المجتمع وبين الطبقات السائدة في المجتمع التي تمتلك الأرض ووسائل الإنتاج.
 وبالتالي فان أهم خطوة يجب القيام بها في العلاقة بالجماهير، هي إعادة ثقتها في التغيير وفي قدرتها على الإطاحة بنظام الحكم الرجعي والمستبد فكيف يمكن إعادة هده الثقة؟
إن مهمة إعادة الثقة للجماهير في قدراتها على التغيير، تأخذ وجهين أساسين يكمن الأول في استنهاض حركة الجماهير الشعبية على أساس ملفات مطلبية خاصة بها و آنية، سواء فيما يخص المطالب المادية التي تم الإجهاز عليها بشكل خطير جدا في ظل حكومة المهرجين والشعبويين، أو المطالب الديمقراطية التي تتمثل أساسا في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف المتابعات في حق المناضلين الشرفاء والمخلصين لقضايا الثورة والتغيير في المجتمع المغربي.
إن كل ما نحتاجه في المرحلة الراهنة هو الارتباط بالجماهير والصمود في وجه الآلة القمعية للنظام القائم، ولنا في تجربة حركة 20 فبراير في "الدار البيضاء"، خير مثال، فلقد استطاعت أن تحافظ على امتدادها، رغم انسحاب الظلام و الإصلاحية من الشارع، وبالرغم من الهجوم القمعي الكبير والشرس الذي تعرضت له، ولم يكن من الممكن أن تستمر في نزولها إلى الشارع، لولا صمود الرفاق وارتباطهم بالجماهير، انطلاقا من تأسيسهم للجنان الأحياء الشعبية.
إن هدا النموذج في الوحدة، والتنظيم، والعلاقة الرفاقية بين مناضلين تقدميين من تجارب مختلفة، يجمع بينهم بصدق وإخلاص رغبتهم في الدفع بعجلة الصراع الطبقي،  يجب أن يحتدا به من طرف المناضلين الشرفاء الدين يريدون استنهاض الفعل النضالي في باقي المدن والأرياف المغربية.
أما الثاني فيتجلى في أن القيام بهده المهمة، من شأنه أن يؤدي إلى تعبئة واسعة للجماهير وإعادة ارتباط اليسار بها، وبالتالي عزل القوى الظلامية عن الجماهير، ومنه تقويض أسس الفكرة التي ترى بان التحالف مع القوى الظلامية ناتج عن قدرتها الكبيرة في تعبئة الجماهير، متجاهلين السبب الرئيسي لهده القدرة، والدي يكمن في ضعف اليسار الجدري في الشارع، والدي فتح المجال على مصراعيه لكي تنشط القوى الرجعية سواء في نسختها الدينية أو العرقية.   
وبالتالي فان تجاوز هيمنة القوى الظلامية على شريحة مهمة من الجماهير الشعبية، لن يتم إلا من خلال تأطير اليسار لها، وتنظيمها وتحصينها من الأفكار الرجعية التي تاخد لباس الدفاع الكاذب عن الجماهير، من خلال إظهار نفسها مناهضة للنظام والامبريالية، وكيف تكون مناهضة للنظام والامبريالية وهي تدافع عن الملكية الخاصة وتشرعن سن القوانين التي تدعم ملكية كبار الملاكين والكمبرادوريين!!.
إن الاختلاف بينهما ليس إلا اختلافا في الشكل الذي يتغطى به استغلال الجماهير، بل إن الشكل الذي تطرحه الظلامية اكتر تماسكا، لأنها تشرعنه انطلاقا من السماء، هده الشرعنة التي تعرت في الانتفاضات المجيدة لشعوب شمال إفريقيا، فلقد كان جزء من الجماهير الشعبية يراهن بصدق على قوى الإسلام السياسي، من خلال تلك الوعود الكاذبة التي كانت تعد الجماهير بإقامة جنة الله في الأرض، وهدا الجزء نفسه الآن نجده قد انقلب على الظلامية بعد صعودها إلى السلطة وعجزها عن حل المشاكل الاقتصادية للجماهير الشعبية.
والوضع المغربي لا يختلف كثيرا من حيت الشكل عن مآل القوى الظلامية في تونس ومصر، فلقد تراجعت شعبية "العدالة والتنمية" بشكل كبير جدا، وأظهرت عجزها عن حل ابسط المشاكل، ولهدا زاد يقين الجماهير التي كانت تعاني الاستلاب الفكري باستحالة تقديم الظلاميين لحلول تخدم مصلحة الشعب المغربي، و ما سيزيد من تعميق واقع الرفض للقوى الظلامية هو السقوط الوشيك للسلطة الفاشية في مصر، والدي سيتبعه حتما زخم نضالي في الشارع المغربي، سيؤدي غالبا في بدايته إلى سقوط "الحكومة المغربية" فالشروط التي ساعدتها على الصعود هي نفسها التي ستؤدي بها إلى السقوط الحتمي.
و من الأكيد جدا فان هدا السقوط سيخلق ارتباكا في صفوف التحالف الطبقي المسيطر، مما سيسهل معه إمكانية إسقاط هدا النظام المتفسخ، إن هده المهمة يمكن أن تكون مهمة صعبة، لدرجة يمكن أن تثير استهزاء بعض اليائسين، ولكننا متأكدين بأنه لو تم العمل بجد من اجل تهييئ أدواة الثورة والياتها، وتنظيم الجماهير الشعبية فان إسقاط هدا النظام لن يكلفنا اكتر مما كلفنا صمتنا.
وخلاصة القول إن الوضع الجديد الذي باتت تعرفه شعوب شمال إفريقيا والمتمثل أساسا في الانتفاضات الشعبية ضد القوى الظلامية الفاشية التي صعدت إلى السلطة، يمثل حلقة متقدمة في نضال الجماهير الشعبية المصرية والتونسية من اجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، كما يمثل حافزا جديدا أمام الحركة الجماهيرية المغربية لاستنهاض فعلها النضالي من اجل مطلبها في التحرر والانعتاق من نير الاستعمار الجديد، و هدا النهوض عليه أن يكون في هده المرحلة نهوضا حاسما لان تجربة تونس ومصر وحكومة المهرجين الملتحية في المغرب قد اتبتت بالملموس للجماهير أن الإسلام السياسي عاجز عن تحقيق أدنى شروط الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
إن هدا الواقع الجديد، و المتمثل في القفزة النوعية التي حققها وعي الجماهير يفتح المجال الآن لانعطافها من جديد نحو الأطروحات الثورية لليسار، مما يتطلب منه التفكير بجدية ومسؤولية في النزول إلى الشارع بشكل منظم وموحد من اجل قيادة الحركة الجماهيرية، والدفع بحركة الصراع الطبقي نحو إسقاط نظام المعمرين الجدد.. فهل سنكون في مستوى هده اللحظة التاريخية أم أننا سنضيع من جديد فرصة التغيير؟.. سؤال تصعب الإجابة عليه في المرحلة الراهنة، ولكننا متأكدين من شيء واحد، و هو : أنه من شأن العمل الجاد والمنظم مع الجماهير أن يدفع حركة الصراع الطبقي إلى الأمام، وأن يهيئ الشروط نحو انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. 
  ح. عــــــزيـــــز                                                                   20/12/0/2012

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes