قراءة أخرى لزيارة ملك المغرب للولايات المتحدة الأمريكية -2-
نحن أمام نصين ، نص يحمل عنوان " بيان مشترك بين أمريكا والمغرب " وهو النص الذي تداولته مختلف المنابر الاعلامية الالكترونية ، وأفاض فيه المحللون والمعلقون واستفاضوا ، ونص آخر خرج من البيت الأبيض يحمل عنوان " بيان حقائق للبيت الأبيض حول الالتزام والتعاون بين أمريكا والمغرب " . ولقراءة النص الأول لابد من قراءة النص الثاني ، كي تتوضح الفكرة والهداف الحقيقية وراء هذا الحدث الجلل .
فالنص الأول الذي تداولته القنوات الاعلامية المغربية باسهاب ممجد ، وباطراء حافل بالتمسح بالأهداب الأمريكية يبدأ في مقطعه. الأول بالعبارة التالية :" أشاد بعمل وريادة جلالة الملك في تعزيز الديمقراطية ....." ، فنحن هنا أمام فعل ماض يعود على أوباما وهو يشيد بجلالة الملك ، وليس بيانا مشتركا بين طرفين يثمنان مجهوداتهما في بلورة رؤية أو رؤى موحدة تجاه مجموعة من القضايا المشتركة .
وقد التقيا في النقطتين الثانية والثالثة والخامسة ، ليأخذ الملك دوره في النقطة السادسة عبر شكره لأوباما للأهمية التي يوليها للتنمية بافريقيا ، والشكر كما يعلم الجميع هو اعتراف بالجميل ، وليس مشاركة في صياغة أو بلورة موقف ما . كما أن الدعم الذي أبداه الملك في النقطة السابعة هو نتيجة لعمل تم انجازه سابقا ، أي هو رد فعل طبيعي تجاه فعل نثمنه ونرضى عنه . خاصة وأن الرئيس أوباما تعهد في النقطة الثالثة بدعم جهود قضية الصحراء . وهو الملف المحوري الذي يركز عليه المغرب في شخص ملكه ، ومن أجله انجر المغرب الى اتفاقيات مخلة باستقلال قراره في مجموعة من القضايا ، وعلى رأسها محاربة ما يسمى بالارهاب ، ومهددة لأمنه الاقتصادي والاجتماعي ، في اتفاقيات جانبية تمنح للشركات ورجال الأعمال الأمريكيين امتياز الاستفادة من مجموعة ما أسموه بالشراكات الثنائية بين البلدين .
لنخلص الى خلاصة ما سمي بالبيان المشترك ، وهو املاء من طرف واحد اتخذ صبغة البيان المشترك ، الذي أكد فيه الطرفان ما سطره الطرف الأقوى .وعند عودتنا الى نص بيان حقائق الذي أصدره البيت الأبيض بخصوص اللقاء المشترك بين الملك وأوباما ، نكتشف الأرضية الحقيقية لما سمي بالبيان المشترك . فاشادة أوباما بالاصلاحات الديمقراطية ، هي بمثابة الغربال الذي يغطي الشمس ، وهو يدرك تماما أن المغرب يحكمه رجل واحد ، هو الهمة ومجموعة من شركائه المنتشرين في شريان الادارات المغربية ، والملك هو رجل أعمال كبير يمتلك المغرب والأدلة كثيرة على الملكية الشخصية لبلاد المغرب . وأقرب دليل هو ما عاينه بنفسه اثر هذه الزيارة التي كان فيها حضور ممثلي الحكومة باهتا ، بينما كان حضور مستشاريه ومدراء أعماله طاغيا ، وهو اجراء لا يستطيع أوباما ان يمارسه في أي من زياراته الرسمية ، لأنه فعلا يعيش واقعا ديمقراطيا وحقوقيا . هذا دون العودة الى مجال القضاء الخاضع لهيمنة القصر والمخابرات .
واذا كانت النقطة الأولى ، وهي النقطة المحورية في بيان الحقائق هذا ، تتحدث عن تعزيز التعاون في مجالي الأمن ومحاربة الارهاب . للمحلل الاستراتيجي أن يتقاطع مع مجال الأمن ، خاصة في ظل عالم أصبح مفتوحا على صرعات هلامية مصنوعة استخباراتيا لهز وخلخلة استقرار أي بلد هش كالمغرب . بل ان تهديد أمن دولة ما مثل المغرب أصبح الفزاعة التي ترهب الأنظمة الديكتاتورية التي تعلم أن مصيرها مهدد بشكل أو بآخر بفعل القطائع التواصلية بينها بين شعوبها . فكلمة الارهاب أصبحت كلمة مشبوهة ، وهي حصان طروادة الذي استغله الجميع لتنفيذ أجنداتهم ومخططاتهم التدميرية . نعم ، مبدئيا الجميع ضد الارهاب ، لكننا في دول العالم المجهول نعاني من ارهاب الدولة أكثر مما نعاني من ارهاب الجماعات المتطرفة ، والدليل على ذلك أن الارهاب أبان السبعينيات والثمانينيات كان مزدهرا في ايطاليا واسبانيا ، واليابان وبريطانيا ، لكن الاخلاص لخدمة الأمن الوطني وازدهار المواطنين ، جعل تلك المنظمات المتطرفة تختفي في تلك البلدان ، والى الأبد . فلماذا انتعشت عندنا في دولنا ؟ سؤال كبير ؛ يجب علينا جميعا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لتجلية كل جوانبه .
قلت للمحل الاستراتيجي أن يتقاطع مع مجال الأمن ، لكنه يقف على مسافة بعيدة مع ما يسمى ب " محاربة الارهاب" بالصيغة الأمريكية . وهو ما كشفته كثير من الأحداث والوقائع ، وعلى رأسها انفجار البرجين الأمريكيين نفسه .فهو البوابة المشرعة التي استغلتها جميع الأنظمة العربية لكبح تطلعات شعوبها نحو الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة . وقد عشنا في المغرب حصتنا من تبعات محاربة الارهاب ، كانت آخرها فضيحة اعتقال الصحفي علي أنوزلا ، التي غطت على فضيحة مماثلة تجلت في اعتقال الصحفي الحسناوي .والمغرب حسب رأيي المتواضع لا يحتاج الى أمريكا أو غيرها لاصلاح منظومته الديمقراطية والسير قدما نحو نوع من الشفافية في العلاقة بين الادارة ومختلف المؤسسات الوطنية وبين المواطنين . أظنه من وجهة نظري المتواضعة يزخر بالكفاءات والأطر والخبراء لاحداث قفزة هائلة في سبيل تحقيق ديمقراطية عملية والقطع مع ديمقراطية شكلية وشعاراتية فارغة .
لقد طغى على "بيان الحقائق للبيت الأبيض " مفهوم الأمن والارهاب ، وان تخللتهما مفهومات التعاون الثقافي والتربوي والاقتصادي ، وهو ما يعتبر تمويها تقنيا يدخل في صميم شكليات البيانات التي تخفي الغاية الأولى منها ، وهي السيطرة على شريان الاقتصاد عبر بوابة الدعم أو التعاون الأمني . نحن هنا اذن أمام توغل جديد للادارة الأمريكية في افريقيا والشرق الأوسط عبر بوابة المغرب المشرعة تحت مسميات براقة ؛ كالتعاون الاقتصادي الذي يميل بنسبة 95 في المائة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، والتعاون الثقافي الذي يبقى مجرد عبارة مطاطة لا وجود لها ؛ والتعاون الديبلوماسي الذي لا يملك فيه مغرب محمد السادس رؤية مستقلة وواضحة . فعن أي انتصار كبير يتحدث هؤلاء ؟ .
خالد الصلعي ـ صدى نيوز
مواضيع ومقالات مشابهة