حكومة ماريانو راخوي تتراجع تحت الضغط عن مشروع خوصصة القطاع الصحي بإسبانيا
علمنا مساء اليوم ان رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي قد اعلن تراجعه عن خوصصة المستشفيات التي كانت تنوي الحكومة تفويتها للقطاع الخاص لتخفيض عبئ النفقات الاجتماعية على ميزانية الدولة، الا ان الاجتجاجات و الاضرابات التي شهدتها مختلف المؤسسات الاستشفائية و توسع رقعاتها حال دون تطبيق المشروع و التراجع عنه.
و قد تظاهر آلاف الأشخاص، من أطباء وممرضين وعاملين بقطاع الصحة،لعدة اسابيع بمختلف المدن، احتجاجا على مشروع حكومة الإقليم خصخصة عدة مستشفيات، وعلى الاقتطاعات من الميزانيات المقررة في هذا القطاع.
كما احتشد المتظاهرون في أهم شوارع العاصمة مدريد حاملين لافتات كتب عليها:"الصحة العامة لا تباع، بل يجب الدفاع عنها"، كما انضم مئات الأطباء والممرضين والعاملين إلى صفوف المتظاهرين فيما قدم 322 عضواً إدارياً في 137 مركزاً صحياً عاماً استقالتهم احتجاجاً على قرار الخصخصة، معتبرين أن خصخصة 10% من المراكز الصحية يمثل الخطوة الأولى على طريق خصخصة جميع الخدمات الصحية في العاصمة الإسبانية بما يتعارض كليا مع حقوق المواطنين.
ويخشى أطباء وممرضو مدريد من أن تشكل الخصخصة المرتقبة، إلى جانب خفض الميزانيات في قطاع الصحة، التي قررتها الحكومة الإسبانية، مرادفا لتسريحات جماعية وتدهور جودة العلاجات الطبية المقدمة للمرضى.
ومعلوم ان منذ اعلان حكومة ماريانو راخوي في أكتوبر 2012 عن برنامج خصخصة ستة مستشفيات و27 مستوصفا بجهة مدريد بهدف توفير أزيد من 500 مليون أورو، والأطباء والممرضون ينزلون إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لخطة الحكومة.
الحقيقة أن قرار خوصصة القطاع الصحي أتى متوازياً مع الإطار الاقتصادي الذي تنتهجه الحكومة الإسبانية اليمينية في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلاد وتغرقها بالديون، حيث كشفت الحكومة مؤخراً عن موازنة تقشف شديدة الصرامة للعام الحالي لضبط العجز تهدف إلى خفض النفقات بحوالي 40 مليار يورو وسط احتجاجات شبه يومية لمئات الآلاف من المدرسين وعمال المناجم والطلبة وموظفي الصحة.
و ذلك يرجع الى اصرار الصندوق النقد الدولي على ضرورة استمرار إسبانيا في خطط التقشف لاستعادة التوازن المالي بمدى قدرتها على إعادة رسملة مصارفها، وبناء عليه وجدت الحكومة المتعثرة أن الحل يكمن في إعادة قدرة البنوك على ضخ مزيد من الأموال باقتراض مبالغ ضخمة من صندوق النقد الدولي يشترط معه التسديد بقيمة فائدة محددة أو بالفرض المباشر لمزيد من الضرائب على الغالبية العظمى من المواطنين، وفي إطار خطة أعم تشمل توجهات تقشفية عميقة. الحقيقة أن الحل الأول في الاقتراض لا يتنافى أبداً مع التوجه الثاني في فرض التقشف وما يصاحبه من غلاء معيشة وبطالة متزايدة، وخاصة إذا علمنا أن قروض النقد الدولي تفرض حزمة صارمة من التوجهات السياسية والاقتصادية يقتضي على إثرها فرض خطط تقشفية معادية للحقوق الاجتماعية للمواطنين.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الإسبانية في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية التي ضربت الأسواق منذ عام 2008 بسبب تهافت الرأسماليين على سوق العقار، ونتيجة للعشوائية والسوق الحر الذي يميز الرأسمالية كنظام اقتصادي ظهرت أزمة الكساد العقاري التي لم تشبع أطماع الرأسماليين في تحقيق المزيد من الأرباح وتسببت في تعثر البنوك، كما ألقت بظلالها أضعافاً مضاعفة فوق كاهل المواطنين. ففي الوقت الذي استنفذ فيه صندوق النقد الدولي إقراضه لدولة توشك على الإفلاس، كان المواطن على الجانب الآخر ضحية لديون خارجية تفرض على الدولة تقليل الإنفاق الخدمي وضحية أيضاً لتوابع الأزمة من بطالة وتشريد وغلاء معيشة وتدهور اقتصادي اجتماعي غير مسبوق.
الأزمة الرأسمالية العالمية التي سببتها الفوضى في السوق والعشوائية في الإنتاج من أجل الربح فقط دون النظر لاحتياجات البشر قلصت قدرة البنوك على الإقراض بما يعني انكماشاً في تمويل المشاريع الاستثمارية والبدء بإغلاق المصانع الصغيرة إلى تسريح أعداد ضخمة من العاملين في الشركات الكبيرة، وبناء عليه ازدياد دائم بمعدلات البطالة. والبطالة بدورها تؤدي إلى انخفاض في القدرة الشرائية وبالتالي تراجع في استهلاك السلع المنتجة، وهو ما قد يتسبب بدوره في إعلان إفلاس شركات أكثر وغلق أبوابها.
مواضيع ومقالات مشابهة