نشر نص الحوار الذي أجرته يومية "المساء" مع عبد الحميد أمين ولم تنشره
بمناسبة فاتح ماي لهذه السنة سبق و ان اجرت يومية "المساء" حوار مع عبد الحميد أمين، أحد اعضاء الامانة العامة لـ لاتحاد المغربي للشغل - اللتوجه الدمقراطي ونظرا لعدم وفاء يومية "المساء" بنشره، فقد ارتأى القيادي النقابي عبد الحميد أمين نشره للاطلاع عليه من طرف مناضلي و مناضلات الاتحاد المغربي للشغل وباقي الفعاليات و الهيئات المتتبعة للشأن النقابي بالمغرب و لتعميم الفائذة و كذا لفتح النقاش حول الموضيع التي تستأثر باهتمام الرأي العام المغربي وهذا نص الاستجواب:
س: ما هي القضايا المطروحة على الساحة النقابية قبيل الاحتفال بالعيد الأممي 2014؟
ج: إن الساحة النقابية تتميز أولا بالهجوم الشرس للدولة المخزنية وحكومتها الرجعية والباطرونا على الحريات وعلى حقوق ومكتسبات الشغيلة وسائر الفئات الشعبية، خضوعا لإملاءات المؤسسات المالية الإمبريالية، وهذا ما تجسد بالخصوص في:
ــ الزيادة في الأثمان وغلاء المعيشة، مع تجميد الأجور والمعاشات ومع الإعداد لإجراءات خطيرة للإجهاز على مكتسبات نظام التقاعد الخاص بالموظفين المدنيين،
ــ تسريح العمال أفرادا وجماعات، والانتهاك السافر لمقتضيات قانون الشغل على علاتها، وتعميق هشاشة الشغل حتى في قطاع الوظيفة العمومية،
ــ الهجوم السافر على الحريات بصفة عامة والحريات النقابية بصفة خاصة، وفي مقدمتها حق الإضراب،
ــ الإجراءات اللاشعبية الأخرى التي جاء بها القانون المالي لسنة 2014 والتي أبرزت إصرار الحاكمين على مواصلة نهج إغناء الأغنياء وتفقير الفقراء، ناهيك عن الاستمرار في رهن مقدرات الاقتصاد الوطني عبر آليتي المديونية واتفاقيات التبادل الحر.
ثانيا، إن الساحة النقابية تتميز بالتنسيق النقابي الذي دخلت فيه منذ نهاية يناير الماضي مركزتينا النقابية الاتحاد المغربي للشغل مع كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل. وقد أسفر هذا التنسيق عن المذكرة المطلبية المشتركة الهامة ليوم 11 فبراير الماضي والتي تم تقديمها لرئيس الحكومة، وعن المسيرة الوحدوية ليوم 06 أبريل بالدار البيضاء والتي شارك فيها عشرات الآلاف من النقابيين والنقابيات ومن مختلف الفئات الشعبية.
تتميز الساحة النقابية كذلك بالحوار الاجتماعي الذي انطلق يوم 15 أبريل والذي نعتناه في التوجه الديمقراطي والكفاحي داخل الاتحاد المغربي للشغل بالحوار العقيم والمغشوش اعتبارا لكونه يتم في ظروف يستمر فيها اعتقال مناضلي حركة 20 فبراير الذين شاركوا في مسيرة 06 أبريل وكذا الهجوم على الحريات والمكتسبات والحقوق خاصة على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية ويتم فيها التنصل من العديد من الإلتزامات الواردة في اتفاق 26 أبريل 2011 وفي مقدمتها توحيد الحد الأدنى للأجور في قطاعي الصناعة والفلاحة. وإننا في التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل نعتبر أن النضال النقابي والشعبي الوحدوي التصاعدي هو الكفيل بحمل الدولة على الاستجابة للحد الأدنى من المطالب الواردة في المذكرة المطلبية المشتركة ليوم 11 فبراير.
وأخيرا، فإن الساحة النقابية تتميز بالاستعدادات لتظاهرات فاتح ماي التي ستعكس الغضب العمالي والشعبي على الأوضاع الاجتماعية المتردية وعلى المسؤولين عنها وعلى نتائج الحوار. وإنني بهذه المناسبة أتأسف لعدم جرأة قيادات المركزيات النقابية الثلاث على دعم مبادرتها التنسيقية بتوحيدتظاهرات فاتح ماي في جميع المناطق.
س: هل هناك إمكانية لوحدة النضال النقابي بالمغرب عوض التشرذم وسيادة منطق الانشقاق؟
ج: إن مصلحة الطبقة العاملة كانت دائما في وحدتها؛ وللإشارة فكلما تعددت المركزيات النقابية تقلص عدد النقابيين المنخرطين فيها وتدهورت مكتسبات الشغيلة وقدرتها على الدفاع عن مطالبها. ففي نهاية الخمسينات كان الاتحاد المغربي للشغل هو المركزية الوحيدة، وقد وصل عدد المنخرطين داخله إلى 650.000. أما الآن فعدد المنخرطين في حوالي 20 مركزية نقابية ببلادنا يقدر بحوالي 300.000 أي النصف فقط من العدد الأول في حين تضاعف عدد السكان وعدد الأجراء بأكثر من ثلاث مرات. أما عن تدهور المكاسب وضعف القدرة على الدفاع عن المطالب، فلا يحتاج إلى برهان في ظل الأمراض التي تعرفها الحركة النقابية العمالية ببلادنا.
وللجواب على سؤالك، فأنا أعتبر أن وحدة النضال النقابي مسألة ليست ممكنة فحسب وإنما ضرورية لإيقاف التردي الحالي لأوضاع الشغيلة وأوضاع حركتها النقابية. ولهذا رفعنا في التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد ومنذ عشرات السنين شعار الوحدة النضالية في أفق الوحدة النقابية التنظيمية المنشودة. نحن من أنصار إعادة بناء الحركة النقابية العمالية المغربية في اتجاه توفرها على مركزية نقابية واحدة كما هو الشأن في عدد من البلدان منها تونس مع ضمان الديموقراطية الداخلية وتوفير الشروط لضمان وجود مختلف التعبيرات السياسية داخل المركزية النقابية الموحدة.
خلاصة القول، إننا ضد التشرذم النقابي الذي سمي بالتعددية النقابية والذي لا يستفيد منه سوى الدولة المخزنية القائمة على سياسة فرق تسد والباطرونا التي ليس لها سوى تعبير نقابي واحد.
س: اتهمتم في وقت سابق قيادة الاتحاد المغربي للشغل بترسيخ " البيروقراطية" عوضا عن ديمقراطية داخلية فعالة. وما هي أهم ملاحظاتكم على تدبير الشأن الداخلي للاتحاد المغربي للشغل؟
ضعف أو غياب الديمقراطية داخل الاتحاد أو ما نختزله في كلمة "البيروقراطية" مرض عضال يسري في جسم مركزيتنا منذ تأسيسها في 20 مارس 1955. فيكفي أن أذكر هنا بأن الإجتماع التأسيسي للاتحاد المغربي للشغل قد انتخب ككاتب عام للمركزية السيد الطيب بن بوعزة لكن المحجوب بن الصديق رفض ذلك وابتز الجميع فارضا على حزب الاستقلال أن يتدخل لإزاحة بن بوعزة وتعيين المحجوب مكانه. كما أذكر أن المحجوب ظل بعد ذلك أمينا عاما للمركزية إلى حين وفاته بوم 17 شتنبر 2010 أي لمدة 55 سنة ونصف. كما أشير إلى أن المؤتمر ما قبل الأخير أي المؤتمر التاسع لمركزيتنا انعقد في أبريل 1995، في حين أن المؤتمر العاشر لم ينعقد إلا بعد وفاة المحجوب بثلاثة أشهر في 11 و 12 دجنبر 2010 أي بعد ما يقرب من 16 سنة من انعقاد المؤتمر التاسع.
وللإشارة، فإن البيروقراطية النقابية مرض عضال داخل مجمل الحركة النقابية المغربية فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي تأسست في نونبر 1978 لم تعرف إلا كاتبا عاما واحدا هو السيد نوبير الأموي الذي قضى لحد الآن 36 سنة على رأس المنظمة؛ ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب مع عبد الرزاق أفيلال الكاتب العام الأسبق.
وبالرجوع إلى مركزيتنا الاتحاد المغربي للشغل، لقد كان أملنا كبيرا في التمكن من دمقرطتها نسبيا بعد وفاة المحجوب. وظهرت بوادر هذه الدمقرطة النسبية مع المؤتمر العاشر في دجنبر 2010، سواء من خلال الجو الذي عرفته المناقشة داخل المؤتمر أو المقررات أو القانون الأساسي أو الانفتاح التنظيمي للجنة الإدارية والأمانة الوطنية على عدد لا بأس به من الديمقراطيين؛ لكن سرعان ما تم الرجوع وبسرعة إلى الممارسات البيروقراطية القديمة بعد الخلافات التي برزت حول حركة 20 فبراير وحول المسألة الدستورية، وحول القضايا التنظيمية خاصة تلك المتعلقة بالجامعة الوطنية للتعليم وبالاتحاد الجهوي لنقابات الرباط سلا تمارة.
وإن الممارسات البيروقراطية الاستئصالية مازالت مستمرة من خلال تنظيم مؤتمرات لا ديمقراطية في الجامعات الوطنية (مثل قطاع الأبناك أو مؤخرا في قطاع الفوسفاط) أو الاتحادات المحلية كالرباط والدار البيضاء وورزازات ناهيك عن الانقلابات التي تمت في الرباط يوم 05 مارس 2012 وفي مراكش وبنكرير في شهر مارس الأخير.
وقد وصلت الممارسات البيروقراطية إلى حد الطرد التعسفي لثلاثة أعضاء من الأمانة الوطنية ــ خديجة غامري، عبد الرزاق الإدريسي وعبد الحميد أمين ــ وأطر نقابية أخرى من الاتحاد المغربي للشغل. وآخر نموذج للممارسات البيروقراطية هو الإقصاء التعسفي لحوالي 30 مسؤولا نقابيا من المشاركة في المجلس الوطني المنعقد يوم 24 أبريل بالدار البيضاء.
س: هل مضايقتكم تعبر عن رفض لكل صوت يدعو لدمقرطة القرار النقابي داخل الاتحاد؟
ج: إن مضايقة المناضلين الديمقراطيين داخل المركزية هي ممارسة طبيعية بالنسبة للبيروقراطية. وقد عانى منها المناضلون النقابيون المنتمون ليسار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وفي مقدمتهم المرحوم عمر بنجلون. كما عانى منها مناضلو الحزب الشيوعي المغربي وبعده حزب التحرر والاشتراكية، وبعد ذلك ولعدة سنوات مناضلو حزب التقدم والاشتراكية. لكن أقصى المعاناة كانت من نصيب التوجه الديمقراطي الذي برز داخل المركزية منذ نهاية الثمانينات ليتطور داخلها بقوة في التسعينات. وأشير هنا للحملة المسعورة التي شنها المحجوب بن الصديق ضدنا كتوجه ديمقراطي بعد الرسالة التي وجهتها إليه في فبراير 2005 لأطالبه بعقد المجلس الوطني من أجل إحياء الذكرى 50 لتأسيس المركزية والشروع في التحضير للمؤتمر العاشر بعد أن مرت 10 سنوات آنذاك على انعقاد المؤتمر التاسع.
أما عن سبب مضايقتنا، فإذا كان التفسير العام هو التعارض بين التوجه الديمقراطي والبيروقراطية السائدة وبين التوجه الكفاحي والتوجه المهادن للسلطة والباطرونا، فإن القضايا التي أدت إلى محاربتنا ــ بعد التهدئة النسبية والجزئية لما بعد وفاة المحجوب بن الصديق إلى ما بعد المؤتمر 10 ببضعة أسابيع ــ هي المواقف المتباينة من حركة 20 فبراير (هل يتم دعمها بشكل صريح والمشاركة فيها بالملموس أم يتم مساندتها لفظيا ومعاداتها عمليا؟) ومن مشروع الدستور المعدل المصادق عليه في فاتح يوليوز 2011 (هل يتم التصويت عليه بنعم كما أرادت الأغلبية داخل الأمانة الوطنية؟ أم يترك الاختيار لأعضاء المركزية ليصوتوا وفقا لقناعاتهم السياسية كما كنا ندافع عن ذلك؟). وقد انضاف لهذين العاملين الخلافات حول بعض القضايا التنظيمية الأساسية المتعلقة بالجامعة الوطنية للتعليم والاتحاد الجهوي لنقابات الرباط سلا تمارة حيث خططت العناصر البيروقراطية المتنفذة في الأمانة الوطنية لوضع زبنائها على رأس هذين التنظيمين ضدا على المنهجية الديمقراطية.
س: هل يمكن التحدث عن فعل نقابي يعيش تحت وطأة "الأزمة"؟
ج: صحيح أن الحركة النقابية المغربية تعيش أزمة عميقة مظاهرها الأساسية هي:
ــ التشتت النقابي حيث يصعب إحصاء عدد المركزيات النقابية في المغرب والتي يقدر عددها بحوالي 20 مركزية.
ــ ضعف الديمقراطية الداخلية. فبدل أن تكون النقابة كتنظيم جماهيري مدرسة للديمقراطية كما هو الشأن في العديد من البلدان الديمقراطية فقد تحولت إلى هياكل تنخرها العلاقات البيروقراطية بل والمخزنية.
ــ ضعف الاستقلالية إزاء السلطة والباطرونا والأحزاب السياسية.
ــ ضعف التضامن النقابي سواء على مستوى المؤسسة أو القطاع أو الاتحاد المحلي أو على المستوى الوطني. وانعدام هذا التضامن ما بين مختلف المركزيات النقابية.
ــ تراجع العمل النقابي على المستوى النضالي وعلى مستوى اتخاذ المواقف التقدمية لما فيه مصلحة الجماهير الشعبية بصفة عامة.
ــ كل هذا أدى إلى ضعف الانخراط في العمل النقابي حيث إن عدد المنخرطين في مجمل النقابات يقل بكثير عن 10% من مجموع الأجراء. فأين نحن من تفعيل مبدأ الجماهيرية؟
ــ وإن السبب الجوهري في كل هذا يرجع لكون جل القياديين داخل النقابات ابتعدوا عن مبدأ "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها" وأصبح العمل النقابي يستعمل لقضاء المصالح الخاصة وللإغتناء غير المشروع وأصبحنا نجد على رأس النقابات بعض المليارديرات مكانتهم ليس في نقابة عمالية ولكن في نقابة الباطرونا.
س: طالما تأثرت الممارسة النقابية بالفكر الاشتراكي، لكن التطورات التي طالت المعسكر الاشتراكي والاقتصاد العالمي فرضت إعادة قراءة أوليات العمل النقابي في أوربا الغربية في علاقتها بالدولة، هل باراديغم الاشتراكية العلمية مازال صالحا لتأطير العمل النقابي؟
ج: شخصيا، أعتبر أن العمل النقابي له أهداف مباشرة وأهداف استراتيجية. فالأهداف المباشرة تتجسد في تحسين شروط العمل والزيادة في الأجر العيني والأجر الاجتماعي وفي استقرار العمل وضمان الحريات النقابية. إلا أن الاكتفاء بالعمل النقابي لتحقيق الأهداف المباشرة يبقي العمل النقابي في دوامة يصعب الخروج منها نظرا لتركيزه على تلطيف شروط الاستغلال بدل القضاء على الاستغلال الذي يظل الهدف الاستراتيجي للعمل النقابي التقدمي.
ولهذا تم الاصطدام طيلة تاريخ العمل النقابي بين مدرستين: المدرسة الاجتماعية الديمقراطية التي تتعايش مع النظام الرأسمالي وتسعى إلى الرفع من مقبوليته لدى الطبقة العاملة والمدرسة الاشتراكية العلمية التي ظلت تطمح ليس فقط إلى تحقيق الأهداف المباشرة للعمل النقابي ولكن كذلك إلى القضاء على الاستغلال. وهذا ما يستوجب ربط العمل النقابي بالعمل السياسي الهادف إلى التحرر الشامل للطبقة العاملة مما يفرض بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة الذي لا وجود له لحد الآن ببلادنا.
وإن التراجع الذي تعرفه الحركة النقابية سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي ناتج عن تراجع التأطير الاشتراكي العلمي للعمل النقابي.
وكجواب مباشر على سؤالك، أعتقد كنقابي تقدمي هدفه تحرر الطبقة العاملة وعموم الكادحين أن الاشتراكية العلمية ماتزال ليس فقط صالحة بل ضرورية لتأطير العمل النقابي بما يضمن فعاليته وتحقيقه للأهداف المباشرة والاستراتيجية في نفس الوقت.
مواضيع ومقالات مشابهة