من أجل حملة وطنية وعالمية تحت شعار: سجون بدون معتقلين سياسيين لـ أنور احمد
يقبع بسجون النظام عشرات المعتقلين السياسيين بمبررات مختلفة، لكن الغاية واحدة، هي إقبار النضال. فهناك من اعتقل بسبب المشاركة في مسيرة احتجاجية «غير مرخص لها» وآخرون بتهم تنظيم اعتصام في أماكن العمل أو بسبب مقاطعة للدراسة وللامتحانات وهناك من اقتحم منزله ببساطة وآخرون لفقت لهم التهم انتقاما من إبداء موقف سياسي أو إصرارهم علي النضال، فيتم توجيه تهم كيدية كاذبة و حبك المحاضر وشهود الزور لاستكمال عناصر الإدانة القضائية.
حراك 20 فبراير يخرق خطوط الاستبداد الحمراء
الدولة تعمل علي استعادة ما انتزع منها بالنضال الشعبي إبان حراك 20 فبراير 2011. فقد اكتسحت الجماهير الشارع وأصبحت المواكب النضالية تجوب ساحات المدن وأضحى تنظيم حلقات النقاش التحريضية في عمق الأحياء الشعبية ممارسة لم تعد تجابه بقمع الدولة، وبرزت مواقع الانترنيت والجرائد الورقية المعارضة أمر غضت الدولة عليه الطرف، ارتفاع في نسب الإضرابات العمالية واعتصامات السكان من اجل مطالب تحسن أوضاعها المعيشية. كبح النظام جماح طبيعته للبطش وأبدى رباطة جأش وسحب فيالقه من الساحات لتفادي أي انفلات، وناور بتنازلات ل"فش" الاحتقان، كما كفت الدولة عن مطاردة الباعة المتجولين وسمحت بالبناء للسكان دون تعقيدات إدارية، وابتزاز المواطنين لإجبارهم علي تقديم رشاوى للتغاضي عن خرق المساطر المعتادة للحصول علي رخصة البناء، وثم التشغيل الاستثنائي وبدفعة واحدة لحوالي4000 خريج جامعي في الوظيفة العمومية، وأٌقرت زيادة في الأجور ووعود أخرى مقابل كف الجهاز النقابي عن الالتحاق بالدينامية النضالية. كما غير موظفو الدولة تعاملهم مع المواطن من الاحتقار الصلف وتعمد تذكيره باستمرار بكونه نكرة في وجه دولة مستبدة لا تتوقع منه إلا خضوعا مطلقا. كان لصعود دينامية 20 فبراير دورا محورا في تكريس هامش فعلي لممارسة الحريات السياسية بشكل لم يعرفه التاريخ السياسي بالمغرب.
اختل ميزان القوى هذا بتراجع الدينامية النضالية وخفوت قوة الاحتجاج بفعل عوامل داخلية سبق ذكرها وأخرى خارجية بفعل شراسة قوى الثورة المضادة المصرة على تفكيك بلدان وارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية لتركيع الثورة الشعبية وإطلاق الدسائس والمناورات، بهدف إخماد اللهيب الثوري المنتشر بمنطقة ذات مكانة حيوية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي.
تعتبر الدولة أن ما حصل أملته ضرورة اجتياز العاصفة وقوس اضطراري وجب غلقه. وأن وقت التساهل والمس « بهيبة الدولة» المستبدة ولي بغير رجعة.
الحريات السياسية بالمغرب تاريخ مديد من البطش.
ظل البلد جاثما تحت أقدام الاستبداد القاسي، وكانت الحريات العامة والفردية عرضة للانتهاك السافر. ومصير قوى النضال إما يُسلط عليها قضاء فاسد يوزع أحكام الإعدام أو القبوع لعقود في دهاليز السجون أو اختطاف وتصفية أو حبس في السجون السرية. وإن حاول الشعب الرازح تحت البؤس والقهر الخروج للنضال فترسل أرتلا عسكرية بعتادها الحربي وترش الأبرياء بالرصاص الحي وتنفد إعدامات جماعية و يدفن الضحايا في مقابر جماعية ويتم تطهير أماكن الجريمة وإرغام أسرهم على الصمت رعبا من الاتهام بالمشاركة في العصيان والتأمر لقلب نظام الحكم.
ذاكرة شعبنا تعرف إيقونات ذاك العهد، من البطش بسكان منطقة الريف في 1958 إلى القتل بدم بارد للمتظاهرين المدنيين في انتفاضة 1967 والمحاكمات التي طالت الجناح الجمهوري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والنطق بأحكام الإعدام والمؤبد في حق عشرات المناضلين السياسيين ومحاكمة المتهمين في المحاولتين الانقلابيتين لإسقاط حكم الحسن الثاني. والجرائم البشعة التي تعرض لها الصحراويون خصوصا في السبعينيات إلى نهاية الثمانينات من قتل واختطاف وتعذيب في مراكز مجهولة والسجن في معتقلات سرية.
صب النظام آلة القتل والبطش ضد الجماهير المنتفضة في مدن الشمال ومراكش والبيضاء وفاس في انتفاضات متتالية تختلف حدتها وسبب تفجرها، ويوحدها لون القتل والعسف الاستبدادي في 1982-1984-1990.
ناهيك عن الآلاف الذين تعرضوا للاعتقال والمحاكمات والطرد المهني للنشطاء النقابيين، ومناضلي الحركة الطلابية والمدافعين عن حقوق الإنسان والمناضلين ضد البطالة... سعى النظام بتشكيله ل"هيئة الإنصاف والمصالحة" لطي ماضيه الإرهابي بدعم من بعض ضحايا بطشه الذين أضحوا في صفه وفي ظرف سياسي مطبوع بتلاقي مصلحته مع مصلحة أحزاب المعارضة الليبرالية في توافق تجلى في استسلام هذه الأخيرة وتخليها عن أمنية إصلاح الملكية الحاكمة بإقامة ملكية برلمانية.
أطلق النظام دعاية واسعة حول «مكاسب حقوق الإنسان» بالمغرب استهدف الرأي العام الداخلي لكن وجهته الأساسية كانت دوما المنظمات الحقوقية العالمية والرأي العام الخارجي.
مقابل حرصه المستمر على قمع عملي انتقائي للنضالات الحقيقية، ويدفع في نفس الوقت إلى الواجهة الإعلامية بمبادرات و منظمات وأشخاص يصرف عليها بسخاء ويتم تقديم الأمر كدلائل على ما أحرزه البلد من تقدم.
شدة قمع النظام النابعة من طبيعته الاستبدادية لم تتبدل لكن المتغير هو تراجع قوى المعارضة التورية محليا وعالميا، وهو ما سمح بإعادة تكيف قمع النظام ونوعيته وحدته ووجهته. إن الدعاية التي ينشرها إعلام النظام عن «الاستقرار الذي تنعم به المملكة المغربية» ما هو إلا حصيلة أنية لقمع رهيب عمره عمر نظام الاستبداد نفسه.
إن التعريف بأوضاع قمع الحريات السياسة بالبلد وتفنيد الادعاءات الكاذبة للنظام عن عدم وجود معتقلين سياسيين بزنازينه واعتبار المناضلين مجرد سجناء رأي عام، مهمة يجب مواصلتها والإبداع في وسائلها باستثمار التقنيات الحديثة، و المحطات الهامة للنظام (مؤتمرات دولية يحتضنها النظام- تظاهرات رياضية: كأس العالم للأندية وكأس إفريقيا للأمم) مثلا إطلاق حملة وطنية ودولية بشعار سجون بدون معتقلتين سياسيين في كأس العالم للأندية 2015.
إن الغاية من اعتقال المناضلين هي ردع الجماهير عن النضال والانفراد بالسجناء وعزلهم والنيل من معنوياتهم. علينا النضال من أجل ظروف اعتقال ملائمة كما تنص عليها لوائح منظمات حقوق الإنسان من رعاية صحية وتغذية متوازنة ونظيفة وضمان حق الدراسة والتوصل بالكتب والزيارة...
إن ما يجعل السجن تقيلا على المناضل هو مصير من كان يتحمل إعالتهم من أبناء أو أباء، وهي مهمة منظمات النضال في تنظيم الدعم المادي والمؤازرة المعنوية للأسرالمعنية.
يجب تحويل الاعتقال إلى ورطة جديدة للنظام ومقلب يجعله خاسرا على جميع المستويات.
يجب التأكيد أن بناء حركة نضال شعبي هي الكفيلة بانتزاع الحريات السياسية وقد كشفت دينامية 20 فبراير جزءا من الإمكانات الواعدة وبينت أن النضال المعزز بقوة شعبية وحده يحقق المكاسب.
أنور احمد
مواضيع ومقالات مشابهة