مغرب السرعتين يبحث عن الثروة!!! لـ محمد بلخير
مر موسم الاستجمام والراحة على ايقاع "اين الثروة؟" و " مغرب السرعتين!!" ، حيث استمتع البعض بثروته و البعض الاخر استمتع بمشاهدة بذخهم (شي شرا و تبرع، شي نزه عويناتو و دا مايعاود ) ،لكن بقي التساؤل و الاسغراب في خطاب الملك الاخيرين مفتوحا و عالقا ينتظر موعد النقاش والانتقاد و التحليل .فبعد الاحباط المعنوي للطبقة الكادحة الذي يتسببه موسم بدخ الثراء الفاحش للمافيا الوطنية و مافيا ابناء الهجرة، فهل سيهب ريح موسم الجرأة للتقييم و التوضيح و وضع القاطرة على السكة الصحيح؟
جوابا على التساؤل في خلاصة:
- أين الثروة؟: الثروة سُرقت و نحتاج ثورة شعبية لاسترجاعها و محاسبة سارقيها.
-لا يخفى على أحد أن "الاثرياء المتسلِطين" أو الطبقة الغنية أو الاقتصادية أو النافذة في البلاد، في تكوينها التاريخي كانت و لازالت لها علاقة بالقصرعن قرب او بعدٍ، وقد ولدت من رحم ريع الملكية ومن رحم ثالوث العلاقة المصلحية المخزنية و استبداد الملكية وانتهازية وفساد طبقة عريضة من المستفيدين، حيث عمل القصر على تزكية كل مستبد و فاسد لضمان استقراره و استمرارية حكمه، وبالتالي تطورالثالوث ليشمل العلاقة بين أصحاب المصالح الذاتية وأصحاب السياسة في هرم مرتبط ارتباطا شديدا ووثيقا تحكمه ايديولوجيا السلطوية و الربح السريع على حساب مشاريع الدولة و استغلال الكعكة الوطنية و اقتسامها في غفلة عن المجتمع. أما الثراء السريع لبعض المهاجرين المغاربة فالكل يدري منبعها... وتدخل في خانة الاجرام العالمي، وما على الادارة الترابية الا دراسة تقارير دول الاستقبال (هولندا ، بلجيكا مثلا) او طلب نسخ المستندات الجنائية لتكتشف سر ثرائهم السريع و المدهش و تقديمهم للقضاء...و المشكل هنا طبعا يكمن في من سيسترجع اموال السرقة و تجارة الممنوعات هل المغرب ام دولة الاستقبال؟ و هذا هو سر الداء...
اذن سر الثراء واضح، و الثروة بيد " مافيا الاستحواد" و "مافيا الفساد و الاستبداد" و" مافيا عابرة للحدود" تتجر في الممنوعات . إن إطلاق مفهوم "المافيا" على ثالوث التحالف السائد بالمغرب يرمي إلى ضبط العلاقة الغير قانونية القائمة بين طبقة ثرية تاريخية مستحودة (وريثي املاك المستعمر ، مستفيدي ريع الحسن2 ،...) وفئات طبقية ناشئة (مستثمري البرصة ، بيع و شراء اسهم شركات اليوم الواحد) و فئة تجار الممنوعات اما سائدة سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا او ايديولوجيا او ثقافيا..., ضمن علاقاتها المركبة و الغريبة مع الدولة المخزنية والمؤسسة الملكية. ويؤطر هذا المفهوم تلك الوحدة الايديولوجية اي الربح السريع و الافلات من المحاسبة و العقاب ، و المتناقضة في استراتيجياتها ( كل واحد يغني ليلاه) .تلك التكتلات أو الفئات والتي تلتقي مصالحها وتتناقض حسب ظرفية الصراعات داخل التشكيلة الاجتماعية برمتها وبارتباط وثيق مع السياسة و الاقتصاد تشتغل فوق القانون و هذا التصرق يعتبر في حد ذاته خرق و تجاوز له .
ويسمح هذا المفهوم التحكمي الابوي (المافيا) تمثيل مصالح هذه العلاقة بحشوة مطالب طبقة القاع المجتمعي المهمش وذلك عبر تقديم مصالحها الاقتصادية و السياسية كمصالح سياسية تمثل المصالح العامة و كالاستراتجية العليا للدولة او تلبيتا للمطالب الشعبية. وتتموقع المؤسسة الملكية في قلب هذه الشريحة و تقودها. وتمتد أنشطتهما إلى كل المجالات الحيوية و أقسام الرأسمال التجاري والبنكي والصناعي والزراعي...لتضخم سجلات املاكهم و تكدس ارصدتهم البنكية
فسؤال اين الثروة؟ يحيلنا اذن إلى عدة معطيات ترتبط مباشرة بطبيعة هذه الطبقة الغنية:
أولا: الطبقة الغنية بالمغرب ارتبطت بشكل جنيني بتجارة المخدرات و بالتهريب و بالعقار والربح السريع
وثانيا: أن النواة الأولى لهذه الطبقة نضجت و شبت في أحضان الاستعمار وشابت في دار المخزن
وثالثا: أن ثروات جل الأثرياء المغاربة،إما من إرث كسب بطريقة غير شرعية، و إما من كسب فيه "إن"، و إما من استغلال نفوذ ما، و إما عن ريع مقابل خدمة مخزنية للملكية و إما من كسب بعرق الجبين في ظروف اقتصادية غير مهيكلة و انعدام الكفاءة و المؤهلات لكنه لا يفيد لا البلاد ولا العباد...
اذن طرح سؤال اين الثروة ؟ يدخل في خانة الاستحمار و التمويه لان السؤال الموضوعي و البناء: من هم مستحودي الثروة ،اين مكانتهم و تموقعهم؟
بما ان الثراء الفاحش ليس هو الغنى المادي فقط، بل هي سيرورة طويلة من الايديولوجيا السلطوية و الاحتكار الرأسمالي المافيوزي و التكون المخزني الدائم والشروط التاريخية المواكبة لتشكلها. لذلك فما نجده في المغرب، هم مجرد مجموعة صعاليك الفساد الاداري و السياسي و تكتلات مافيوزية اقتصادية و تجارية من تجار المحرمات و الممنوعات ومضاربون عقاريون وفلاحون كبار مستحودون و...الخ أو بعبارة اخرى ما هي الا النسخة الرديئة للرأسمالية و ظهور انتهازيين في زمن النكبات و الازمة الاقتصادية او السياسية من تاريخ الامم الراقية (زمن ظهورالمافيا الايطالية و الامريكية و الروسية على سبيل المثال)، وتتميز هذه الطبقة الانتهازية بجهلها ولا وطنيتها وسيلان لعابها على الربح السريع و وضع اليد في يد كل المفسدين محليين أو أجانب أو من داخل السلطة أو من خارجها. مواطنين سلبيين نظرا للدور الكارثي الذي لعبته هذه الطبقة في كل مجالات وخلال كل مراحل الازمات العصيبة التي تمر منها اممهم . فهذه الطبقة السلبية، تساند الفساد الإداري لأنها تستفيد منه كمظهر من مظاهر تطورها وضمان لإستمراريتها واستمرار نظام الدولة حاميها في غياب تام للمنافسة الشريفة القائمة على حرية المبادرة و الابتكار. فالفساد و الاستبداد رهان فاعليتها، حيث غياب تكافؤ الفرص. لذلك فهي تنمّي الفساد و السلطوية وتشجعه وتحميه وتسنده لأنه مصدر ثرائها وضامن نفوذها، و سبب استمرارها . بل نسجها لعلاقات نسب و شراكة معقدة و متشابكة، مع وجوه متشبعة بالاديولوجيا المخزنية تنتمي إلى عالم الحكم و السلطة ، أو منبثقة من رحم السياسة،أو من خلال بوثقة الأمن و المؤسسة العسكرية... لوبيات جامعها و قاسمها المشترك هو الضغط والعمل من أجل المصلحة الشخصية و ضدا على الوطن و الشعب.
-مغرب السرعتين :
فعلا هناك مغرب يتقدم بسرعة فائقة تقدمها معطيات المخزن على الورق و مغرب يتراجع ايضا بسرعة فائقة تقدمها معطيات الواقع، انه استغراب يحيل لفهم و تحليل ديناميكية المجتمع بطبقتيه البارزتين الفقيرة و الثرية ، و بما ان طبقة القاع (الاغلبية) لم تستفد ، اذن يجب طرح أسئلة من نوع آخر: من استفاد و باي حق؟ و من المسؤول عن تسيير شؤون تنمية البلاد ؟ ، و ماهي علاقات اسرهم بالمشاريع التنموية و الاوراش الكبرى للدولة؟ ماهي اهدافهم و ابعادهم من الاستثمار فيها؟ كيف يتم مراقبة مجال استثماراتهم و ذويهم في مناطق انتشار نفوذهم ؟...الخ
يمثل النظام المخزني مصالح الملكية و الكثلة الطبقية المتسلطة والأداة الجبارة التي تفرض سيادة نظام الرأسمالية في جزءها المتوحش الجاثم على صدر شعبنا. ومن خلاله تمارس الكثلة المستحودة, من جهة, سلطويتها و فسادها على الطبقات الكادحة وعموم الجماهير الشعبية, ومن جهة ثانية تضمن بواسطته التراكم الرأسمالي للعائلة المالكة من جهة و للمافيا البورجوازية الراكعة من جهة اخرى وتطوره وترعاه عبر سياسات حكوماتها الصورية اللاوطنية اللادمقراطية واللاشعبية و عبر ريع اقتصادها و تعفن هياكل بنيان اداراتها و مؤسساتها الدستورية. إن النظام المخزني بهذا التحديد مضمون طبقي وتاريخي لا يمكن أن تحجبه مختلف الإديولوجيات الحداثية التي تعمل على إبرازه كبقايا وإرث سياسي وإديولوجي للمغرب البالي , أو تلك التي تعتبره جهازا فوق الطبقات أو صانعا لها. فالنظام المخزني للمملكة الشريفة الحالي هو حصيلة لسياسات مرحلية تاريخية من اجل تمركز السلطة والاملاك و سيادة المال و الاعمال وتشكل وهيمنة وسيادة طبقة مجتمعية على آخرى. وتمتد هذه المرحلة منذ بداية تشكل الرأسمالية وذلك ابتداءا من أواخر القرن 19 ومرورا بالمرحلة الكولونيالية (1956-1912) ومرحلة الاستعمار الجديد المستمرة من الاستقلال الشكلي ليومنا هذا. انها ايديولوجيا العلاقة المافيوزية و الاستحواد و الميز الطبقي .
الملكية تهندس سياسة البلد.! والاديولوجيا المخزنية (علاقة مافيوزية فوق القانون) آليتها النظامية و دراعها السلطوي و استراتجتها الريع و الامتيازات التي ترتب للعلاقة المشبوهة بين الطبقة الثرية بالمغرب والسلطة، وهي علاقة تدبير و مسؤولية عليا و مصالح و بالتالي ترتب للزواج بين الاقتصاد و المال مع السياسة والفساد و الاستبداد. فمن السؤول الرئيسي اذن؟
وما استمرار اقتصاد الريع ، واستمرار امتيازات العائلات الثرية وتغييب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و التقييم إلى جانب الرفع من حدة تأزم الوضع بالمملكة السعيدة! بسبب احتكار واستحواذ 10 بالمائة من ساكنة البلاد على ثروات البلاد واعتبار الطبقة العريضة بمثابة "قاع مجتمعي" يشوه سمعة البلاد يحط من كرامة الاثرياء امام العالم و ليس ضحايا سياسة النظام في بلاد علي بابا و 40 سراق، الا ديناميكية ستضع المجتمع على سكتين واحدة نحو الهاوية و ثانية نحو المجهول، فهيكل الدولة في صيغته المخزنية ( علاقات مافيوزية تشتغل فوق القانون) هو المسؤول الاول و تزكي عمله وصاية مولوية سامية و التي ترعى المعاملات الاقتصادية والتجارية الكبرى في المغرب وتجعلها تتم "تحت الطاولة" كي تستفيد بدورها . كما أنها تسهر على زواج السلطة بالمال رغم صراخ شعب بكامله بابتعاد السياسيين والنافذين بالسلطة عن المال والاقتصاد. حيث ان الشريحة البيروقراطية داخل الكتلة الطبقة الثرية قد اعتمدت في تراكمها الرأسمالي على مواقعها في أجهزة الدولة عن طريق النهب والرشوة والصفقات التجارية وصفقات التعاقد من الباطن والإختلاس... إلخ. وبرزت كوسيط يستفيد من الصفقات الكبرى والتفويتات والإستثمارات حيث تعمل من مواقع نفوذها داخل جهاز الدولة على الإستحواذ على الصفقات وقرصنة التفويتات وفرض الشروط الإبتزازية على الإستثمارات و تتقوى بتحالفات مع أمنيين و تجار المخذرات القوية العالمية (لضمان حاجيات سوق استهلاك محلي جديد، اغلب زبناءه من اهلهم ) . إن هذه الوضعية الإمتيازية للتراكم الرأسمالي تصطدم اليوم بالشروط الجديدة التي يطالبها الشارع المغربي والمعتمدة على ربط المسؤولية بالمحاسبة و استراتيجية المنافسة المفتوحة و الشريفة بدل مواقع الامتياز التقليدية التي ظلت الملكية و الدولة المخزنية توفرها للفاسدين و المفسدين .
- فكيف السبيل للديموقراطية إذن و إلى تنزيل"جهوية متقدمة او متأخرة" لارض الواقع، أو الحديث عن"تنمية مستدامة"، او توزيع عادل للثروة الوطنية أو محاولة رفع "نسبة النمو"..؟ في ظل هذا النوع من كتلة المخزن و مافيا المخدرات و المافيا الاقتصادية و السلطوية الفاسدة و"مجموعة صعاليك الفساد الاداري و التجاري" التي تجني أموالا طائلة من الأنشطة الريعية لتضخ أموال دافعي الضرائب في أبناك دولية وأجنبية و تستحود على ثروات البلاد .إنه غياب تام لاي استراتيجية للسير نحو "الديموقراطية الواضحة المعالم" استراتيجية حقيقية تتبنى مشروع النهوض والدفاع عن الطبقة الكادحة و تثبيت القيم الانسانية الحميدة ، و مبدأ دولة الحق و القانون، تراقب عمل الادارة و المؤسسات الدستورية و تحاسب كل مسؤول و تعاقب كل فاسد او مجرم دون اعتباراته او غناه او تموقعه العائلي في المجتمع او مدى قربه من العائلات المتحكمة كما هو الشأن بالنسبة للنماذج العالمية الناجحة، دونها سيضل الحديث عن الثروة و توزيعها العادل و التنمية والتقدم و العدالة الاجتماعية مجرد استغراب و تسؤلات فارغة وبروبغاندا ومزيدا من ضياع فرص تجاوز مرحلة التخلف و التقهقر.
بقلم: محمد بلخير
مواضيع ومقالات مشابهة