التشرميل الحقوقي لـ توفيق بوعشرين
الغربال لا يغطي أشعة الشمس، والماكياج لا يخفي قبح النفوس، تماماً كما أن صرف 12 مليار سنتيم على تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش لن يغطي على الآثار السلبية للحملة الشرسة وغير المسبوقة منذ 20 سنة التي تشنها اليوم السلطات العمومية على المنظمات الحقوقية وأنشطتها، حيث بلغ عدد قرارات المنع الصادرة عن وزارة الداخلية، إلى اليوم، أكثر من 21 في حق مسيرات وتجمعات ومحاضرات وأنشطة عمومية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأمنيستي المغرب والعصبة المغربية لحقوق الإنسان وجمعية الحرية الآن…
ماذا يجري في عقل السلطة وفي مطبخ وزارة الداخلية حتى رجعت إلى سياسة هجرها إدريس البصري في السنوات الأخيرة من حكمه على عهد الراحل الحسن الثاني، حيث تحول من سلطويته الفظة إلى سلطوية ناعمة لا تثير ردود فعل كبيرة كما يقع الآن؟
اعتقد البعض أن هجوم وزير الداخلية، محمد حصاد، على الجمعيات الحقوقية من على منبر البرلمان الصيف الماضي كان مجرد فلتة أعصاب، أو تصريحا في الهواء الطلق، لكن تطورات الأحداث كشفت أنها سياسة مخطط لها ومفكر فيها. وزير الداخلية يريد أن يُظهر للجمعيات الحقوقية «العين الحمرا» للسلطة، في محاولة للجمها والانتقام منها والحد من حريتها، منهيا حكاية التساهل والحمية (الرجيم) السلطوية التي قالت الدولة إنها تتبعها منذ 15 سنة لسد شهية الأجهزة المفتوحة للقمع والتضييق على الحريات.
بدأت سياسة العصا الجديدة مع منع «أمنيستي المغرب» من تنظيم مخيم دولي في بوزنيقة اعتادت على تنظيمه منذ 17 سنة، أي منذ كان وزير الداخلية إدريس البصري في بناية ليوطي يحكم، ثم جاء قرار منع «الحرية الآن» من الحق في الوجود القانوني ومن النشاط العلني، ثم مرت الداخلية إلى السرعة القصوى بمنع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من الحركة لأكثر من 17 مرة، ولسان حال حصاد يقول: «سدينا».
المثير للأعصاب، وربما للسخرية السوداء، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتفرج على هذا «التشرميل الحقوقي»، أكثر من ذلك طلب المجلس 12 مليار سنتيم من الحكومة للدعاية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، المزمع تنظيمه الشهر المقبل في مراكش، من أجل الطواف حول العالم لتحسين صورة المغرب، والواقع أن صورة المغرب لا تحتاج إلى 12 مليارا، ولا تحتاج إلى حملة علاقات عامة. المطلوب فقط أن يتحدث بنكيران مع حصاد، وأن يقنع الأول الثاني بأن وزارة الداخلية عليها أن تحترم دولة الحق والقانون، وأن دخول السلطة إلى الحقل الحقوقي يشبه دخول فيل إلى محل لبيع الفخار، وأن الخاسر الأكبر من هذه الحملات ليس السكتاوي والرياضي والهايج والزهاري والمعطي منجيب.. الخاسر الأكبر هو المصلحة العليا للدولة، وصورة المملكة في عيون مواطنيها أولا، والعالم ثانيا…
هل الدولة التي صرفت المليارات على هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة سنوات الرصاص تريد أن تشرع في فتح كتاب جديد لانتهاكات حقوق الإنسان؟ هل الدولة التي أدخلت منظومة كاملة من الحقوق والحريات إلى دستورها تريد أن تتراجع عمليا عن هذا التوجه، وتجعل الممارسة تنسخ النص الدستوري؟ هل الدولة المستهدفة في وحدتها الترابية عن طريق سلاح حقوق الإنسان تريد أن تفتح صدرها عاريا لخصومها، وتقول لهم: هيا أطلقوا النار؟ هل هناك من يريد أن يختبر ردود فعل الغرب إزاء عودة الدولة السلطوية إلى عاداتها القديمة، ليرى هل في الإمكان المرور إلى ما هو أسوأ من التضييق على العمل الحقوقي؟ هل هناك من يريد أن يحرج الحكومة والحزب الذي يقودها مع الشارع الحقوقي، وإظهار بنكيران كجلاد لا مكان لقاموس الحريات في سلوكه السياسي؟ لماذا تسكت الحكومة على هذه السلوكات السلطوية وهي تقول إنها جاءت للدفاع عن الإصلاح بالتي هي أحسن؟ وزير الداخلية يمنع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من الحركة والنشاط وكأنها خلية إرهابية، ووزير العدل والحريات يصرف لها منحة من جيوب دافعي الضرائب، ويوقع معها على عقد شراكة للترويج لقيم حقوق الإنسان، فكيف سيصرف الهايج ورفاقه منحة وزارة العدل إذا كان حصاد يمنعه من الحركة؟ وكيف يعقل أن تتصرف الحكومة بسياستين متناقضتين مع جمعية حقوقية؟ هذا لا يصنع سياسة.. هذا يصنع تشويشا وتناقضات وسلوكات تمس بصورة البلد في الداخل قبل الخارج، ولهذا، حتى لو صرف المجلس الوطني 120 مليارا على صورة المغرب فلن تتحسن لأن هناك من يخربشها في الداخل كل يوم…
مواضيع ومقالات مشابهة