للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

جريمة "شارلي إيبدو" لا يجب أن تحجب عنا الحليف الموضوعي للتطرف



المجزرة البشعة التي نفذها مجرمون محترفون ضد صحافيي مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية عمل إرهابي مدان. فلا شيء يبرر ارتكاب مثل هذه الجريمة التي نفذها أصحابها في واضحة النهار بأعصاب هادئة ودم بارد.

هذا الفعل الإجرامي لم يستهدف فقط أناسا أبرياء، ومدنيين عزل إلا من أقلامهم، وإنما سعى منفذوه من ورائه إلى ترويع وتخويف كل صاحب رأي حر. فمنفذوه أو من يقف ورائهم استهدفوا بالدرجة الأولى حرية الرأي والتعبير كقيمة أساسية لا يمكن تصور أية ديمقراطية أو تقدم بدونها.

فالعدو الأكبر لأصحاب الفكر المتطرف والمتحجر هي حرية الرأي والتعبير، لأنها هي التي تتيح للناس أن يفكروا بحرية ويجتهدوا بحرية ويختلفوا بحرية، وكل ذنب صحافيي ورسامي مجلة "شارلي إيبدو" أنهم مارسوا حقهم في التعبير بحرية وأحيانا بسخرية كبيرة، وكان على من يختلف معهم أن يرد عليهم بنفس المنطق، منطق قلم الرصاص الذي برعوا في بَرْيِه، لا أن يوجِّه إلى رؤوسهم رصاص رشاشه النفاذ والقاتل.

فمجلة "شارلي إيبدو"، كعنوان لحرية الرأي والتعبير في بلد الأنوار فرنسا، وقفت ضد التطرف بكل أشكاله بما فيها حتى تطرف اليمين الفرنسي الذي يستهدف المسلمين، وبهذا الهجوم الغادر يكون هؤلاء المجرمين قد أعطوا لليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا عموما الحجة والدليل والبرهان لتغذية خطابه العنصري ضد الإسلام الذي باسمه ارتكبت هذه الجريمة النكراء. فالمستهدف الآخر غير المعلن عنه من وراء هذه الجريمة هم ملايين المسلمين في أوروبا الذين سيعيشون مرعوبين ومحاصرين بين خوفين: الخوف من صعود التطرف اليميني، والخوف من نظرات الشك والريبة التي ستلاحقهم في كل مكان يحلون به.

لا يمكن البحث عن أي تفسير لهذه الجريمة باسم تجاوز ضحاياها للخطوط الحمراء، أو مسهم بالمقدسات، أو بسبب حرب دولتهم في مالي، أو مشاركتها في الحملة العسكرية ضد "داعش"، ومن يفعل ذلك فهو كمن يبرر أعمال إجرامية لا تستحق إلا الإدانة والاستنكار.

وما لا ينبغي أن تحجبه عنا هذه الجريمة هي الأسباب الحقيقية التي تنتج مثل هذا التطرف الأعمى. فهي جاءت بمثابة رجع صدى للتقهقر الكبير للديمقراطية في المنطقة العربية بعد الآمال الكبيرة التي علقتها شعوبها على "الربيع العربي". ومن أفسدوا هذا الربيع، ومن تواطئوا معهم، هم الذين جاؤوا بـ "داعش"، وأخواتها، وهم الذين صنعوا مثل هؤلاء المجرمين المرضى بالقتل والمهووسين بالدم. وأهم رد على هذه الجريمة هي أن لا يٌسمح مستقبلا للأنظمة التي ستسعى إلى أن تتخذها ذريعة، مرة أخرى، لعودة الاستبداد والفساد بدعوى محاربة التطرف والإرهاب. فالإرهاب والاستبداد صنوان، كلاهما يتذرع بالآخر لتبرير وجوده، وكلاهما حليف موضوعي للآخر.

وأجمل تكريم لصحافيي "شارلي إيبدو" الذين قضوا، هو الاستمرار في التعبير بحرية وبقوة في إدانتنا وانتقادنا للتطرف والاستبداد معا، لأن في الحرية، كقيمة إنسانية مشتركة، خلاصنا جميعا من هذه الأمراض التي تتغذى على خوفنا وجبننا من مواجهتها بشجاعة.

علي أنوزلا 

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes