20 فبراير، ذكرى انتفاضة لـ وديع السرغيني
بمناسبة حلول اليوم الذكرى الرابعة لانطلاقة حركة 20 فبراير، نظرا لما تشكله هذه الحركة النضالية من منعطف في التاريخ النضالي للشعب المغربي و قواه الحية، و ذلك من خلال المطالب والشعارات التي رفعتها في وجه النظام الفاسد و الاستبدادي، و كذا المساحة الجغرافية التي غطتها والمشاركة الواسعة التي عرفتها اشكالها النضالية ، وقيادتها الميدانية المتميزة بتنوعها السياسي والايديولوجية والتضحيات الجسام التي قدمتها الحركة، وفي طليعتها شهداء 20 فبراير والعشرات من المعتقلين ومازل بعضهم الى حدود الان وراء القضبان، وقد استطاعت الحركة تحقيق بعض المكتسبات المادية و المعنوية رغم الاخفاقات المسجلة في مسارها النضالي والتراجع الحاصل على الصعيد الاقليمي و الوطني مع تنامي الثورات المضادة في اطار حركية الصراع بين المد والجزر وفق جدلية الذاتي و الموضوعي... واليكم نص الكاتب وديع السرغيني:
سيكون المغاربة خلال أيام على موعد لإحياء الذكرى الرابعة لانتفاضة فبراير المجيدة، وسيكون من واجب جميع النشطاء المناضلين، الأوفياء لمطالب وتضحيات الجماهير الشعبية، التجسيد لهذا الوفاء، بكل صدق وبكل مبدئية، بعيدا عن كل التوظيفات السلبية والانتهازية، لقضايا الجماهير المنتفضة الفبرايرية، التي طالبت بكل شيء إلا الملكية البرلمانية، وحلمت بجميع الديمقراطيات الممكنة والمستحيلة، إلا ديمقراطية الملك يسود ولا يحكم.
وحيث تميّزت الانتفاضة التاريخية لعشرين فبراير 2011 بالدخول لعهد الحراك الواعي، والتنظيم المسبق، والإعداد القبلي للأرضيات والشعارات واللافتات..الخ في انتظار القطع النهائي مع العفوية.. وحيث كان لا بد من بروز الفعاليات المنظمة والقيادات الشابة المؤطرة والمحاورة..الخ. سرعان ما برز الشرخ بشكل صارخ، ما بين جيش الانتفاضة وطلائعه الأبطال من جهة، وبين دعاة الحركة وأنصارهم ضمن لفيف المعارضة السياسية، بيمينييها ويسارييها وبإصلاحييها وثورييها..الخ داخل ما سمّي بحركة العشرين التي ادعت "مكوناتها وأطيافها ومجلس دعمها" حينها، صيانة مطالب المنتفضين قبل أن تصوغ مطالبها الخاصة وأرضياتها الخاصة، إن لم نقل أرضياتها المتضاربة والمتناقضة، المتعددة.. حينها لم تلبث الأطياف والمكونات أن جرّبت جميع الشعارات الممكنة، وانتهجت جميع الأشكال التي يمكن أن يتخيلها المرء، حفاظا على "وحدة" لحمتها وتقوية "لجبهتها العريضة"، ولو عبر اللزق والرتق بين مكونات سياسية متناقضة المصالح والمرجعيات والأهداف.. لا حد أدنى بينها سوى شعار يتيم وفضفاض، شعار "إسقاط الفساد والاستبداد" الذي تخلخل هو نفسه بمجرد دخول "السلفية" في المعركة ضد "فساد" آخر لا علاقة ولا علم للمنتفضين به.
خلف هذا الشعار التأمت مكونات سياسية متنوعة، لبرالية في غالبيتها الساحقة، منها من يدّعي الإسلام والسير على منهاج النبوة، ومنها من يدّعي الخلافة، ومنها من يطالب بنزاهة الانتخابات وبتعديل الدستور وإقامة الملكية الدستورية، وأقلية ما زالت تحلم بقيادة الجبهة الوطنية العريضة، بمهمة إشعال فتيل حرب التحرير الشعبية، أو حرب الشعب طويلة الأمد، التي ستتوج لا محالة بالجمهورية الديمقراطية الشعبية على الطريقة الصينية..الخ
بعد بضعة أسابيع من الاحتجاج الشعبي الجماهيري المتواصل، وبناء على تأثيرات وحسابات إقليمية ومغاربية، تضافرت مع توجيهات إمبريالية حتى.. في شكل تنسيقات مكشوفة مع مجمل مكونات المعارضة السياسية الرسمية وغير الرسمية، بما فيها تلك المكتفية بمعارضة حكومة "عباس الفاسي" وفقط.. تمكن النظام القائم في المغرب، من كبح جماح الانتفاضة، وإعادة أخذ زمام المبادرة، بعد أن تمكـّن من جرّ جميع المتكالبين على مطالب الانتفاضة إلى صفه، وبعد أن أقنع جميع المترددين بحسنات وخصوصيات الوضع المغربي "الاستثنائي"، دون أن نغفل عملية الإرشاء المفضوحة التي تلقتها نقابات الموظفين وجزء من حركة المعطلين، في شكل زيادات في الأجور وتوظيف مباشر لبضعة آلاف من الدكاترة المعطلين.. في هذا السياق تدخل خطاب مارس بخرافته عن إصلاح الدستور، ليضع حدا لجميع الترددات، وليعزل بشكل نهائي فريق الانتفاضة والاحتجاج عن فريق الدستور والانتخابات.. وهو الشيء الذي تطور ليصبح إعلانا حقيقيا عن هزيمة الانتفاضة نهائيا رغم جميع المجهودات والمبادرات التي حاولت بت الروح في جسدها المنهك، ليبدأ مسلسل التراجعات من جديد فيما تتعلق بالمكتسبات الاجتماعية وأخرى نضالية متعلقة بالحريات وما شابها من خنق ومضايقات واعتقالات ومحاكمات..الخ
بهذه المناسبة، مناسبة هذه الانتفاضة المجيدة، التي ساهمنا من موقعنا البروليتاري في إطلاق شراراتها وتأجيجها، موقع الانتماء للحركة الماركسية كحركة ثورية، ساهمت بكل ما لديها من قوة أفكار وأطر وقواعد ناشطة، وضاربة في العمق الشعبي العمالي الاحتجاجي.. نحاول قدر الإمكان إعادة الاعتبار لتضحيات جميع الطلائع الثورية التي ساهمت فعلا في هذا الانفجار تنديدا بأوضاع البؤس المتفاقمة، وبدرجة الفقر المهولة، ومستوى البطالة المتفشية في الأوساط الشبابية المتعلمة ـ من تقنيين وجامعيين ودكاترة..الخ ـ بالإضافة لأوضاع التهميش وما يرافقها من حالة حرمان قصوى وحكرة وقمع همجي من طرف أجهزة السلطة، ردّا على جميع أشكال الاحتجاج، بالضرب والجرح والتنكيل والإهانات والدوس على الكرامة..الخ
ونعتبر هذه الخطوة، خطوة إعادة النقاش حول مجريات الانتفاضة وأسباب هزيمتها، بمثابة رد الاعتبار، أو شكل من أشكاله، خصوصا إذا تم التركيز على الدور الذي لعبته فصائل الحملم، تطويرا لهذه الانتفاضة وتقوية لعودها، والذي لم يخرجها، رغم هذا الإسهام المهم، من حالة الضعف والهامشية والانتظارية.. إن لم نقل أن الحالة تعمقت لدى غالبية الحساسيات والفصائل المحسوبة نضاليا على الحملم. الشيء الذي يدفعنا مرة أخرى لدعوة جميع الرفاق الماركسيين اللينينيين للانخراط في الخط النضالي الوحدوي، وتطويرها بما يخدم المشروع الديمقراطي التحرري الاشتراكي، من زاوية ثورية ماركسية لا تخفي أو تزدري إيمانها بالخط البروليتاري وبالرسالة التاريخية للطبقة العاملة.
فإذا كانت فعلا لنا رغبة جامحة من أجل إحياء ذكرى الانتفاضة، وفاء وإخلاصا لشهداء العشرين ولقضية التغيير، فيجب أن نفصل جميع مبادراتنا عن جبهة التيارات الإصلاحية، ما دامت هذه الأخيرة متمادية في سعيها لمحاولة إحياء وبعث تلك الحركة السياسية الهلامية والمفلسة، التي صاحبت انطلاق الانتفاضة في محاولة يائسة لضبط خطواتها، وإحصاء أنفاسها، ولجم تحركاتها ومبادراتها، ومراقبة شعاراتها، ورسم مسارات تحركاتها ومسيراتها.. وحصرها فيما تقبل به مخططات جماعة العدل والاحسان ـ الحزب الرجعي الظلامي ـ الذي تسلم قيادة الحركة دون عناء، بعد حصوله على المباركة، والضوء الأخضر من مجموع المكونات اليسارية الإصلاحية، وصنـّاع القرار في القصر ومباشرة من البيت الأمريكي.. فتحت كذا مبررات، كان أهمها قدرة "الجماعة" على سياقة الحشود، وحشرها للاحتجاج، بما يلائم "هوية الشعب المغربي" ويلتزم بالسقف المحدد سلفا للحركة والذي لا يسمح بتجاوز شعار "إسقاط الفساد والاستبداد" كضمانة وصيانة "للاستثناء المغربي".. إذ بالرغم من انسحاب "الجماعة" من الحركة ومن "الجبهة الوطنية العريضة"، فما زال الحماس قائما لاستقطابها وما زال الرهان قائما على أدوارها وفاعليتها.. الشيء الذي يجب فضحه ونقاش تداعياته وتأثيراته الوخيمة على مستقبل الحركة التقدمية اليسارية.
بالنسبة لنا كوجهة نظر ماركسية لينينية، نعتبر أنه لم تعد هناك جدوى من محاولة بعث حركات استنفدت إمكانياتها التاريخية والإشعاعية، بعد أن تبيّن بالملموس أنها لم ولن تفي بالغرض، والحال أن الغرض المطلوب بالنسبة لنا وبالنسبة للطبقة العاملة وعموم الكادحين والمحرومين ببلادنا لن يقل عن التغيير والثورة والقضاء على الرأسمالية.. وبالتالي فلا مجال لليأس داخل الأوساط الشبابية الثورية التي تثق في قدرات شعبنا المناضل وقيادته البروليتارية، حيث المجال ما زال رحبا ومفتوحا على مصراعيه، من أجل خلق حركات جذرية جديدة تستجيب لتطلعاتنا وتطلعات الكادحين من شعبنا، وتراعي كذلك متغيرات الواقع، والأوضاع الطبقية وصراعاتها، بغاية التحرر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وانتصارا للنظام الاشتراكي المنشود الذي سيحرر المجتمع من الاستغلال والنهب، ومن سياسات القمع والاستبداد والعنصرية..الخ
فلا شماتة إذن في حق يسار يبني مشروعه وتطلعاته، بدعوى التكتيك والذكاء السياسي الخارق، على "الأطياف والجبهات الواسعة" والفضفاضة التي تتسع لأي كان ـ أي بمن فيهم المعادين للحرية والديمقراطية ولبعض القيم اللبرالية النبيلة بشكل براغماتي، انتهازي في آخر المطاف، يتغيّى تعديل شكل الحكم وليس إسقاط النظام كنظام سياسي، اقتصادي كما يدّعي البعض ويروج له.
لا شماتة كذلك في حق كل من راهن على الحركة التقدمية اليسارية بجناحيها الثوري والإصلاحي، بأن تلعب أدوارها في تعبئة الجماهير الكادحة والمحرومة، وفي تقوية الإطارات الجماهيرية الشبابية والطلابية والعمالية، لخوض النضال بدون هوادة لمصلحة الكادحين من أجل مطالبهم وقضاياهم الآنية والإستراتيجية.
لا شماتة كذلك في أوضاع الحملم والحركة الثورية عامة، وما آلت إليه صراعاتها وما اتخذته من أشكال لا تليق بثوريين مدافعين عن الحرية وعن الحق في التعبير والاختلاف، من منظور ماركسي وحدوي يضع نصب أعينه أولوية التعبئة الجماهيرية، الضرورية والشاملة داخل الأوساط الشعبية الفقيرة والكادحة، لإقناع المعنيين فعلا بالثورة والتغيير، بأهمية ومصداقية المشروع اليساري الاشتراكي باعتباره بديلا تاريخيا لا يمكن المزايدة عليه.
فلا شماتة إذن، في من يدّعي اليسارية دون أن يعادي الرأسمالية، ومن يهذي بالماركسية دون أن يدافع عن الاشتراكية وعن رسالة الطبقة العاملة التاريخية، ومن يرفع راية اللينينية و"مصحف" "ما العمل؟" مع معاداته للتنظيم والانتظام السياسي الثوري والجماهيري.. ومن يسمّي نفسه بالديمقراطي دون أن يسعى لنشر قيم الحرية إن لم يكن يعاديها ويحاربها بكل شراسة.!
وبعيدا عن الشعوذة، والطهرانية الكاذبة، التي تخاطب الجميع من فوق الأبراج العاجية، وكأنها في منأى عن الانزلاقات والهفوات.. على العكس فكلنا معنيون بالأخطاء، الصغيرة والكبيرة، العادية والكارثية، حيث لا يعدو ما تقدمنا به من ملاحظات سوى محاولة للنقد الذاتي والتقييم البنـّاء، الذي يهدف لتقوية مسار وعود الحركة، كحركة يسارية تقدمية ثورية لا ترضى عن أوضاعها الحالية المتخلفة، والمنعزلة، والمتقوقعة على الذات، بعيدا عن الحضن الجماهيري الشعبي وقوته العمالية الضاربة.. فاعترافنا بهذا الحال لا يعني بأي شكل من الأشكال تنقيصا أو نفيا لمساهمة اليسار الثوري في جميع واجهات النضال والصراع الطبقي.
وحتى لا يتهمنا أحد بالتجني والافتراء، نعتز، وبدون مجاملة مجانية، بمساهمة جميع فصائل الحركة الثورية، ماركسيين وغيرهم من الاتجاهات الأخرى، في جميع النضالات والاحتجاجات الاجتماعية، داخل الحركات التلاميذية والطلابية، وحركات الشباب المعطل، والحركة النقابية، وحركة المناهضة للخوصصة والغلاء..الخ بناءا على مبدئية والتزام واضحين، يحسب لها.. لكن المشكل هو في حجم ووزن هذه المساهمة، وفي الطريقة أو الشكل الذي ينجز بها، حيث وهذا هو الأهم، ما زالت المساهمات شبه فردية في غالبيتها، ينقصها التوجيه الواعي، والتنسيق مع باقي الفصائل اليسارية، لصياغة ورقة عمل جماعية تنير الطريق في وجه الشباب اليساري الاشتراكي، للتقدم في المعركة الطبقية التحررية، حيث لا عداء للتروتسكيين أو الستالينيين أو الماويين.. باعتبارهم رفاق طريق موثوقين، رفاق عن حق وليس مجاملة، ما دام عداؤهم واضح وصريح للرأسمالية والبرجوازية وحاضنتها الإمبريالية، حيث يجب أن تبنى الاصطفافات والتحالفات على المعلن والمصرّح به من مواقف، وليس على النوايا وأحكام القيمة المسبقة، كما يتم في الغالب.. فالمطلوب في نظرنا أن نكون إيجابيين في معركتنا الطبقية الطويلة المدى، كماركسيين لينيين، والتي تتطلب منا تحديد الأعداء بدقة كما الحلفاء والأصدقاء، كما علمتنا ذلك المنهجية والتجربة العملية، الماركسية واللينينية.. وحتى لا يفهم من كلامنا بأننا ندعو للهدنة الفكرية والسياسية بين فصائل الحركة، نؤكد مرة أخرى على أهمية وحيوية الصراع الرفاقي الديمقراطي وفق منظومة وحدة ـ نقد ـ وحدة داخل الحملم.
وحين ندافع عن هذا الاختيار، فليس من باب الترف الفكري أو الإنشاء الأدبي، بل إنه قناعة يجب تجسيدها على أرض الواقع، وتحصينها بالنقد والنقد الذاتي المستمرين والدائمين، وأن يرافقها الفضح الجريء في حق جميع الحربائيين وجميع المضرّين بالمشروع الثوري الاشتراكي، سواء من لدن الرجعية الظلامية أو الرجعية اللبرالية وكذلك الإصلاحيين الانتهازيين.. فما يقع مثلا الآن ببعض الجامعات كاستمرار وكتكريس لنهج وممارسات، لا تليق صراحة بفصائل مناضلة تدّعي مناهضتها للقمع، وتوقها للحرية والتحرر في اتجاه الاشتراكية.. حيث يتعرض على يدها، مناضلون من أخلص شباب المغرب وأصدقهم لمعركة الحرية والتغيير، للأذى والقمع في محاولة لثنيهم عمّا يحملونه من أفكار ثورية وتقدمية ومن أساليب عمل طلابية، كأن يكون لهم رأي آخر في أشكال التعبئة، وفي تأطير وتنظيم المعارك الطلابية، وفي السير كذلك بمعركة الجماهير الشعبية نحو الحرية..الخ حيث الهدف واحد والأشكال تختلف والدروب تفترق.. خاصة داخل اتحاد طلابي يفترض فيه أن يكون جماهيريا وديمقراطيا بما للمبدأين من مضمون، يعني أن يتسع لجميع الطلبة، "المفصّلين وغير المفصّلين"، بمن فيهم أولئك الطلبة الذين يومنون بالتدرج والإصلاح من أجل تغيير أوضاعهم وأوضاع المجتمع نحو الأحسن والأفضل، وبمن فيهم كذلك أولئك الذين يلحّون على مطالبهم الجامعية والتعليمية فقط، دون أن يكون لهم أدنى تصور لربط هذا النضال بما يقع في الشارع..الخ فنقد هذا المنحى ومعارضته، لا يعني بتاتا العمل على قمعه أو استئصاله من الساحة الطلابية بعنف!
وديع السرغيني
14 فبراير 2015
مواضيع ومقالات مشابهة