النضال الطلابي القاعدي...و أسطورة -البرنامج المرحلي- لـ ع. الزروالي
ناشر الموضوع اسفله Unknown | الأحد، 1 فبراير 2015 |
تأتي مساهمتنا النظرية هذه، محاولة منا و استمرارا منا في البحث عن أجوبة لمعضلة العمل الطلابي الذي ما زال في نظرنا بعيدا عن المساهمة بإمكانياته الحقيقية بالرغم من كل الظروف المحيطة به كعمل و بالرغم من كل الشروط التي تتحرك فيه قياداته و طلائعه القاعدية.
و قد لا نسعى بمساهمتنا هذه، تعميق الجراح و التدرير و التشيع العصابي، فقط أوقفتنا معطيات هذه السنة لما زخرت الساحة الطلابية من قوة و عطاءات و تضحيات في صفوف الطلبة القاعديين و المتعاطفين و عموم الطلبة المناضلين، بشكل عام مناضلي إوطم الحاليين زعماء و قواعد، و قد تتسع القاعدة أو تتقلص حسب التجربة و الإرث التاريخي لإوطم داخل الموقع الجامعي المحدد.
معطيات حفزتنا من جديد للنقاش في كل ما يعترض و يتعارض مع الوحدة النضالية و الميدانية لكل مناضلي إوطم، وحدة حول برنامج حد أدنى و حول شعارات نضالية واضحة يمكنها أن توحد الفعل النضالي في الميدان و أن تؤثر في مجريات الصراع و أن تخدم القضية الطبقية بفعالية أكثر.
و قد نبدأ من بداية البدايات التي تقتضي إزالة الغموض، و قد تعودنا على هذا في أدبياتنا، أدبيات الانتفاض ضد زمن الردة و التراجع، التراجع ليس عن المرجعيات الثابتة فقط، بل كذلك عن قيم النقاش الديمقراطي و الرفاقي.. فقد تجد نفسك الآن وسط رفاق يخوٌنون رفاقا لهم في الخط رغم التواجد و العطاء الميدانيين.. كما تجد بعضا من الرفاق عاجزين عن الإدلاء بآرائهم و انتقاداتهم تخوفا من الإلقاء بهم في "المستنقع التحريفي".. تجد كذلك كتابات لرفاق يعتبرون أنفسهم في أوج النضج و هم يتفننون في استعمال الألفاظ النابية الساقطة و غير اللائقة تجاه مناضلين قدموا و ما زالوا يقدمون الكثير لقضايا النضال و الصراع الطبقي، فقط لاختلافهم في الرأي و التقديرات..الخ من الظواهر السلبية و التي نعتبرها ـ لهذا الحد أو ذاك ـ مؤشرا صادقا و أمينا عن غياب التربية التنظيمية أحيانا أو ضعفها لثقافة أحيانا أخرى.
وضع لن يجيب عنه المناضلون القاعديون لوحدهم بل قد يساهموا من خلال تجاربهم البسيطة و المتنوعة لحجز و محاصرة كل عوامل الكبح في اتجاه تقديم الأداء النضالي بالارتباط مع مجموع المهام التي يطرحها مسلسل الثورة في بلادنا.
خلفية تاريخية لتجربة الطلبة القاعديين
يصعب التحديد الدقيق لتاريخ ميلاد التجربة القاعدية كتجربة متميزة في مسيرة النضال الطلابي الإوطمي، فإذا ما نظرنا للتجربة و تاريخ ميلادها المرتبط بالتسمية، فقد يسهل الأمر بإرجاعها لفترة التحضير للمؤتمر السادس عشر حين فرضت البيروقراطيات الحزبية ـ الاتحاد الاشتراكي، التقدم و الاشتراكية، الطلبة الديمقراطيون يمين "23 مارس" أنصار جريدة "أنوال" ـ التقدم لانتداب المؤتمرين، باللائحة لتتعدد الأسماء و البرنامج متقارب لحد كبير، الطلبة القاعديون، الطلبة القاعديون التقدميون، "الطلبة المجالسيون"، "الطلبة أنصار المجالس"، "الطلبة اللجانيون" و من فرنسا "الطلبة التقدميون" و خلال التحضير للمؤتمر 17 ظهرت لائحتين جديدتين "الطلبة التقدميون ـ المبادرة الجماهيرية" و "الطلبة التقدميون ـ الوحدة و النضال".
و قد لا نخوض و لا نغوص في مدى أحقية هذه اللائحة أو تلك في تمثيلية الطلبة بطموحاتهم المختلفة، و في مدى جذرية هذه اللائحة أو تلك، أو في مدى اقتراب هذه اللائحة أو تلك من الأطروحة الماركسية اللينينية و تصورها لموقع الحركة الطلابية في مشروع التغيير، لأن هذا ليس موضوعنا الآن إضافة لما يتطلبه من معطيات كافية للمقارنة بين تصورات و برامج اللوائح لمعرفة مدى تقاربها و تباعدها و اختلافاتها، بكل موضوعية لكي نتجنب التجني و أحكام القيمة المسبقة و القراءات المشحونة بالتقاييم الجاهزة.
و قد نحتاج للمزيد في توضيح الأمور لمعطيات تاريخية حول البرامج المقدمة و الإنجازات و المقترحات التي تأتي من المواقع و المؤسسات الجامعية المختلفة و بمدى ولاءات المناضلين القاعديين لهذه التجربة أو تلك، دون أن ننفي الخلافات و الصراعات المرتبطة باختلاف القراءات السياسية للوضع في البلاد و لموقع الحركة الطلابية في الصراع الطبقي بشكل عام و بشكل بناء إوطم و النظرة التدبيرية لأموره بما فيه النظرة للأحزاب العاملة داخله و سياستها في ما يخص المسألة التعليمية و خطط الإصلاحات و الموقف منها..الخ لكننا نعتبر إلى جانب هذا كله و بالرغم منه، ايجابية المرحلة فيما يخص الثقافة التنظيمية و ما أنتجته من نضج على مستوى الصراعات، الشيء الذي انعكس في الوضوح في اختلاف الرؤى و البرامج، و في شكل تدبير الخلافات الذي لم يتخلله قط التعنيف و لا التجريح و لا التشهير و لا المحاصرة.. و إن كانت بعض الممارسات المحدودة التي لا تستحق الذكر ـ و التي أدينت في حينها، أحداث المغرب الكبير 76 / 77 و أحداث معرض الكتاب بفاس 80 / 81، خاصة بالإرهاب الظلامي، و أحداث الأسبوع الثقافي 77 / 78 بالمدرسة المحمدية، خاصة بالاتحاديين ـ فالقاعدة العامة كانت هي الاحتكام للهياكل التنظيمية لإوطم و الهياكل القاعدية المسؤولة ـ إذا كان الإشكال داخليا ـ
الهياكل القاعدية التي كانت معممة على جميع المؤسسات الجامعية، تشتغل بشكل سري في غالبيتها و بشكل علني في بعض التجارب المحدودة، لكن تنسيقاتها الفرعية و الوطنية كانت سرية بما في الكلمة من معنى، بحيث كانت و شكلت المصدر الوحيد للبرامج التاريخية و الخطط التاريخية، خصوصا في مسألة الموقف من المؤتمر 16 و المشاركة في أجهزة إوطم و التطلع لاكتساح الأجهزة القاعدية و مجلس التنسيق الوطني في أفق قيادة المؤتمر 17.
التقدم ببرنامج موحد و باسم موحد، اتخاذ القرارات التاريخية فيما يخص بعض الإضرابات و المعارك الوطنية، مناهضة مناظرة إفران ربيع 81، مناهضة الإصلاح الجامعي و التعليمي، المشاركة العملية في إضراب 20 يونيو 81، مقاطعة امتحانات 82 / 83، قيادة معركة جلاء الأواكس و المشاركة في إضراب 3 دجنبر 81 الذي أسفر عن اعتقال جل القيادات القاعدية و قيادة إوطم و بعض المناضلين الإوطميين من تيار "رفاق مهدي و عمر".. فضلا عما قدمته هذه الآليات الديمقراطية من إمكانية للفصل الرفاقي و الديمقراطي لوجهات النظر المبتعدة عن الاتفاقات البرنامجية العامة كـ"المبادرة الجماهيرية" و "مجموعة بنيس" و "وجهة نظر الكراس" لسنة 84 / 85.
ابتداءا من هذه السنة، سنة 84 / 85، و بالنظر للفرق الشاسع و الواضح بين تجربة "الكراس" و التجربتين السابقتين و المفتقدتان لأي سند سياسي قوي داخل منظمات و تيارات الحركة الماركسية اللينينية المغربية، فتجربة الكراس التي ارتبطت بتقييم قطب أساسي و رئيسي داخل الحملم للعمل السياسي في المغرب و تقدير جديد لمتطلبات المرحلة النضالية و التحالفات الممكنة..الخ تقييم سياسي و تنظيمي أفضى لما هو معروف بإعادة البناء لمنظمة "إلى الأمام".
و لم يكن من السهولة الانخراط في مواجهة، منظمة سياسية من هذا الحجم، لما لها من أطر قيادية داخل التجربة القاعدية و لما تتوفر عليه المنظمة من تعاطف داخل التجربة القاعدية و الطلابية ككل.
و بالرغم من هذا كله فقد عاند القاعديون و عقدوا تنسيقهم الوطني و تم الحسم مع وجهة نظر "الكراس" باعتبارها اجتهاد خارج التجربة ببرنامجها و تصورها و تقديراتها العملية.. متجاوزا للآليات الديمقراطية التي وفرها النهج الديمقراطي القاعدي خلال مسيرته، إلا أن الظرف السياسي آنذاك خاصة موجة الاعتقالات الاستئصالية التي عرفها النهج و مجموع أطر الحملم خاصة بعد انتفاضة يناير 84 و ما كشفته اعتقالاتها من هياكل جديدة لمنظمتي "23 مارس" و "إلى الأمام".
أمام هذه المعطيات الجديدة خاصة فشل التنظيمات في إعادة الهيكلة و البناء، و في عجزها عن قيادة النضالات الانتفاضية للجماهير و سوء تدبير العمل السري..الخ تكاثرت النقاشات و التقاييم الساخنة، خاصة داخل السجون، سجن لعلو بالرباط و السجن المركزي بالقنيطرة و ما خلقته من ارتباك و تدمر للبعض، أو تطلع لمواقع أكثر مما يقدمه النهج الديمقراطي القاعدي.. للبعض الآخر.. مما خلق نوعا من الانطفاء و التفكك التنظيمي عكسه التعدد في الولاءات و الزعامات و مراكز القرار و الاجتهادات..الخ فكان أن انفردت مدينة وجدة بإنتاج ما بعرف "بالبرنامج المرحلي"، الذي سبق و أن أعطينا فيه موقفنا بأنه أقل من برنامج و أكثر من مجرد شعار، بالمفهوم الماركسي للبرنامج، و نعتقد جازمين أن ما حكم المناضلين المشرفين على صياغته هو ردود الأفعال أكثر من القراءة المتأنية للوضع في الجامعة و في الساحة السياسية ككل و ما تتطلبه من تريث و تعامل جدي مع المعطيات الجديدة بمسؤولية و تقدير أكبر.
بين البرنامج الوهمي و البرنامج العملي الحقيقي
من الصدف أو من غرائب الأمور أن أغلبية المشرفين على إنتاج هذا المسمى برنامجا، تراجعوا عنه بسرعة سواء بالتقاعس في مجابهة مخطط "إصلاح التعليم" أو بالمصالحة مع القوى الإصلاحية و البيروقراطية أو بالتراجع عن الهيكلة القاعدية، بالانخراط في إنتاج ما سمي آنذاك باللجن الانتقالية الإوطمية.
و قد لا نتجنى على أحد إذا ما تمت المتابعة و بجرأة لمآل الأقطاب القيادية لهذه التجربة و الموزعة الآن بين حركة المستقلين و تجمعاتها المختلفة، و بين مجموعة من الانتهازيين التي وصل بهم مسارهم لمواقع حكومية و شبه حكومية ـ الإعلام و المؤسسات الكبرى للدولة ـ أو حزبية يمينية، إضافة للعدد الهائل من المنسحبين و المتقاعدين و المبتعدين نهائيا عن أي شكل من أشكال المقاومة و لو من أجل الخبز.
كما لا يمكن للمتتبع و للمناضل المنخرط كذلك، خاصة إذا كان يتوفر على منهج علمي نقدي أن يلاحظ بجلاء فراغ "البرنامج" من أي تقديم أو قراءة للوضع السياسي و الجامعي الطلابي، و لو في خطوطه العامة، الشيء الذي لم نعتاده في تجربة النهج الديمقراطي القاعدي الذي كان يجتهد و ينتج التصورات و الأرضيات في عموم المواقع و على تنوعها.
و لتدعيم صحة موقفنا من كون "البرنامج" المعلن جاء كرد فعل على برنامج "الكراس"، لكم بأن تقارنوا البرنامجين و مجالات الاختلاف بينهما و منهجية الرد على النقطة بالنقطة البديل.
فإذا كان الكراس قد عبر عن قراءة للوضع السياسي بتراجعاتها الواضحة فيما يخص المرجعية الماركسية اللينينية كمؤطر نظري و في تحديده لطبيعة المرحلة ـ إصلاح أم ثورة ـ و ما يستتبع ذلك من تحديد للمواقف الإصلاحية و التحريفية القديمة سواء فيما يخص التحالفات أو النظرة للإطارات الجماهيرية و لموقع الحركة الطلابية و الجامعة كإحدى القلاع الأساسية لتيارات و منظمات الحملم.
أما "البرنامج" المعلوم فلم تكن له تلك المقدرة و لا الكفاءة النظرية و السياسية للأخذ بخيوط المعطيات و تركيبها بدقة لإنجاز قراءة في المستوى المطلوب.
و هنا نفتح قوس لنقول و بكل مسؤولية أنه لا بد من توضيح بعض الأمور قصد رفع اللبس من جديد، فبالرغم من هذه القراءة التي نود أن تكون مفتاح تقييم نقدي ليس لتجربة الحركة الطلابية و تجربة النهج الديمقراطي القاعدي و فقط، بل لتجربة الحملم بتنظيماتها و تياراتها بما فيها التيار البروليتاري كذلك، تقييم وجب تدعيمه بالوثائق التاريخية و بالتصريحات المسؤولة، تقييم نريده أن يلعب دور المحفز للتقدم في الأداء لمجموع المنتسبين للحملم الجديدة، لا نريده أحكام قيمة و لا حفلا لتوزيع الأوسمة البطولية و لا مبارة لتسجيل النقط أو ما شابه ذلك.
و بالتالي فمن باب الإنصاف التاريخي و بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عن تجربة "البرنامج المرحلي" أو على الأصح و بشكل أدق تجربة "أنصار البرنامج المرحلي" بأخطائها و منزلقاتها و حماسها الميداني المبالغ فيه أحيانا، فقد لا تضاهيها تجربة في الميدان الآن من حيث الأداء و المردودية، سواء بحفاظها على اسم إوطم في الجامعة بالرغم من جميع الأعداء المتواجدين و المتربصين و المنسحبين و المقنعين..الخ أو بدفاعها عن حق الكادحين في الجامعة.. تجربة لن تضاهيها تجربة أخرى في ميدان التأطير الطلابي بتضحياته و معاركه التي لا تتوقف سواء ضد القوى الظلامية أو ضد سياسة النظام بأجهزته القمعية المتنوعة، تجربة لن تضاهيها تجربة في حجم التضحيات و الاعتقالات و الشهداء و المعطوبين و المطرودين المشردين..الخ.
فمن أين يأتي هذا الزخم النضالي و هذا الاستعداد و هذه الاستمرارية الميدانية؟ هل هو ناتج من قوة التأطير و نجاعة المواقف أم من الخطابات و الشعارات النارية المتضمنة في بيانات "أنصار البرنامج المرحلي"، و ادعاءاتها بأن النضالات الطلابية تتم على أرضية "البرنامج" أو تحت شعاراته من شاكلة "المجانية أو الاستشهاد" أو "التسجيل أو إحراق الذات"..الخ؟.
فإذا كان من الصعب القبول ببعض نقط "البرنامج" في لحظة إنتاجه، و التي تظهر بأنها خارجة عن الموضوع "كمواجهة البيروقراطية"، كتيارات سياسية و كتصورات تنظيمية، خاصة و أنها اختفت عن الساحة الطلابية مباشرة بعد انسحابها من قاعات المؤتمر 17 إضافة لاختفاء النزاع و الصراع التنظيمي بين أنصار إوطم الديموقراطي و إوطم البيروقراطي.. أو نقطة "مواجهة ما يمكن مواجهة من الإصلاح"، و ما تشكله "ما يمكن" كصيغة انبطاحية و مترددة و غير حازمة.. لا يعتمدها إلا المترددون و المتذبذبون و ليس الجذريون النقابيون عامة و بالأحرى الثوريون الماركسيون اللينينيون، هذا إذا علمنا بأن البرنامج موجه لحركة و اتحاد له باعه الطويل في هذا الميدان أي في إنتاج الصيغ و الشعارات و المطالب بالطرق الأكثر جذرية و ذكاء و التي تقيه من أي تأويل و قراءة متجنية و محتملة.
فكيف يمكن فهم استمرار الادعاء بالحركة على أرضية هذا "البرنامج" في الوقت الذي لم يعد هناك صراع بين "إوطم الديمقراطي" و "إوطم البيروقراطي الهيمني".
ففي الوقت الذي أعلنت فيه الفصائل الأساسية داخل الجناح البيروقراطي و بدرجة أولى الرئيسي منها فصيل طلبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انسحابه نهائيا من إوطم للاشتغال في هيئات أخرى، رسمية و شبه رسمية، بآليات أخرى و من خلال فضاءات أخرى، في الوقت كذلك الذي نجد فيه ضعف و تقهقر أنصار "إوطم الديمقراطي" كبديل تنظيمي، عملي و برنامجي.
نجد كذلك المحاولات المتعددة للهيمنة الظلامية و اللبرالية على الحركة الطلابية و اتحادها و فضاءها الجامعي، مرة من خلال اختراق إوطم و محاولة هيكلته و مرة عبر إنشاء البدائل التنظيمية اللبرالية أو الظلامية لإوطم.
أمام كل هذه المعطيات الجديدة نجد الرفاق ملتزمين و متشبثين بشعارهم غير المبرر "مواجهة أو مناهضة البيروقراطية"! أليست "البيروقراطية" تصور تنظيمي لتدبير العمل و التمثيلية داخل الاتحاد إوطم؟ ـ قبل أن نبحث عن خلفياته النظرية و السياسية الطبقية ـ، لننشأ التنظيم، أو لندعو له على الأقل و بعدها نفتح الصراع الديمقراطي على أرضية المبادئ و تاريخ و تضحيات إوطم، ضد كل الخطوط و المجموعات الواضحة و ليس ضد التيارات و الهيئات و المجموعات الشبحية.
و أذكر هنا فقط بالأشكال التنظيمية السبعينية من خلال "مجالس المناضلين السرية" و التي لم تشرف عليها قيادة و لا هيئة مسؤولة من الاتحاد نظرا للاعتقال و المنع "القانوني" لإوطم و قيادته و مسؤوليه، أو من خلال البناء المجالسي القاعدي العلني بعد رفع الحظر عن إوطم.
كانت القناعة و التصور الديمقراطيين و الجماهيريين بمثابة العامل الحاسم و لم تكن هناك قيادة مشرفة على التنظيم و لا آليات مدققة. اعتمدت الجماهير و طلائعها القاعديين على التجربة و الحس النضالي الجذري ليتم إنتاج تجربتين رائدتين في التجربة التنظيمية لإوطم، تجربتين كان لهما الشرف في "إصلاح 75 الجامعي" و في رفع الحظر عن إوطم و إطلاق سراح مناضليه و مسؤوليه.
و من عجائب أنصار "البرنامج" و تخريجاتهم المضحكة أن يتكلموا عن "مواجهة ما يمكن مواجهته من بنود إصلاح التعليم" في الوقت الذي يعلم فيه الخاص و العام أن هذا "الإصلاح" قد تم تجاوزه بالعديد من "الإصلاحات"، آخرها "ميثاق التربية و التكوين" ـ الذي تجاوز خمس سنوات من عمره ـ!
فهل من الممكن القبول بسذاجة و غباوة ادعاءات "الرفاق" بحركية و نضال للطلبة الآن ضد "إصلاح" شبح، لم يعد له وجود في الواقع؟.
هل يمكن نكران و بجحود أن الطلبة يواجهون الآن شيئا ملموسا في الساحة اسمه "الميثاق" و جهازا قمعيا اسمه "الأواكس" و قوى عميلة اسمها القوى الظلامية؟
فما السر إذن في حالة السكيزوفرينيا أو انفصام الشخصية هذه، تشبيه لا نريده قدحا، بل ما نريد البحث فيه هو لما لا تكون الجرأة في الإعلان بان مناضلي "البرنامج المرحلي" يسايرون فعلا مطامح و تطلعات الشباب أبناء الكادحين من أجل مغرب متحرر من الاستغلال و الاستبداد، مغرب الحرية و الكرامة و العدالة الاشتراكية؟
لماذا لا تكون الجرأة في الإعلان بأن السر، و قد لا يخفى على أحد ـ من الأصدقاء و الأعداء ـ هو في قدرة "الرفاق"، رغم اختلافنا معهم، في تأطير الشباب الكادح بتوجيه اشتراكي حازم، فيما يخص نظرته للحركة الطلابية و موقعها في الصراع الطبقي، في النظرة للتعليم و للجامعة، في الموقف من المرأة و من النضالات الجماهيرية، في الموقف من قضايا تقرير مصير الشعوب و مناهضة التواجد الإمبريالي في المنطقة..؟ لماذا يتحفظ المناضلون أنصار "البرنامج" في الإجابة عن هذه الأسئلة؟ لماذا لم يتقدموا ببرنامج يفهمه الجميع، مناضلون، متعاطفون، و منتقدون مجابهون..؟
لماذا التحفظ و التخوف من أي تقييم يمكن أن يشكك أو يراجع نقطة من النقاط؟ خاصة و أن طابع البرنامج هو المرحلية فقط كما يدٌعون.
لماذا هذا الاستثناء ـ النشاز ـ لحركة غير جامدة و حيوية بقاعدتها شبابية المتميزة، تعجز عن التجديد في "برنامجها" "البرنامج" الذي ظل ثابتا مقدسا لمدة تفوق العشرين سنة بالرغم من التغييرات الكثيرة التي عرفتها عناصر البنية التي يتحرك من داخلها؟
و من بين المحاولات النادرة و القليلة للتجديد نجد شعار "المجانية أو الاستشهاد" و رديفه "التسجيل أو إحراق الذات"، شعارين لمجموعتين مختلفتين من داخل "أنصار البرنامج المرحلي" و يمكن أن نلاحظ جليا بأن التراشق بالشعارات و المزايدة لإبراز جذريتها هو المتحكم في رفع الشعار قبل أي تبرير.
و ندرج هنا إحدى التبريرات المضحكة من أحد زعماء التيار، بأن ما يقصد بالاستشهاد هو الاتحاد إوطم و الحركة الطلابية ـ الحركة الطلابية ستموت، و كأنها خلقت بقرار "كن فيكون" و ليست بالتعبير الموضوعي عن واقع طبقي قائم في صلب المجتمع ـ و ليس جمهور الطلبة و المناضلين الإوطميين و القاعديين.. في دفاعهم عن الحق في التعليم بمجانية! معتقدا خروجه من هذه الورطة "النظرية و السياسية" التي لم تكن له الإمكانية و لا الجرأة النظرية و العملية ـ منذ الإعلان عن الشعار في الساحة ـ لتحمل مسؤولية الدفاع عنها.
فلا هو قادر على الاستشهاد و لا قادر أن يوجه الطلبة و المناضلين من أجل هذا الفعل الذي يتطلب، أول ما يتطلبه، وجوده في الصفوف الأمامية للدفاع عنه و ممارسته.
و نطرح سؤالا آخر على الرفاق "المرحليين"، فهل استنفدت الحركة الطلابية إمكانياتها التاريخية المتعددة و المتنوعة لتنحو هذا المنحى؟ ألم يعد هناك سوى خيار "الاستشهاد" أو "إحراق الذات"؟
في الوقت الذي يعرف فيه النهج الديمقراطي القاعدي، و بكل تياراته، و من خلال تجربته و تجربة الحركة الطلابية المغربية أنه و في زمن القمع الأسود ـ زمن الاغتيالات و أحكام الثلاثين سنة و المؤبد في حق مناضلي الحركة الطلابية ـ تم تحقيق تسجيل الطلبة المطرودين بالمعارك الجماهيرية البطولية ـ و ليس بالبطولات الفردية ـ بدءا من المؤسسة الوحيدة، إلى المعركة الجامعية فالمعركة الوطنية الإوطمية.
لا يفوتنا كذلك التذكير بمعارك "المجانية" الجماهيرية الكبرى و التاريخية، خلال الانتفاضتين المجيدتين 22 / 23 مارس 1965 و يناير 84 ـ إضافة لبعض المعارك الأقل اتساعا و انتشارا كالحسيمة 85 ـ، فحين تستنفد الحركة الطلابية إمكانياتها من داخل الجامعة فلطالما استخدم "الطلبة القاعديون" و قبلهم "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" إمكانية تحويل المعركة و نقلها للشارع، و عبر هذه الإمكانية حققت الحركة الطلابية إنجازات مطلبية خاصة و ربحت المعارك السياسية الجماهيرية الكبيرة، بحيث كانت لها الريادة في إشعال نار فتيلها، كإدانة حرب الرمال، مقاطعة الانتخابات و الاستفتاءات، إسقاط قرار بنهيمة مارس 65، محاصرة الوزير الفرنكاوي الإسباني و إدانة زيارته للمغرب 4 ماي 71، مقاطعة الإجماع حول الصحراء الغربية و "المسلسل الديمقراطي" و "السلم الاجتماعي"..، إدانة زيارة الشاه للمغرب بعد فراره من غضب شعبه سنة79، المساهمة في فرض التراجع عن الزيادة في الأسعار سنتي 81 و 84..الخ.
فهل من الصعب على المناضلين صياغة شعارات أكثر ملاءمة و وضوح لتجميع كل هذا الزخم النضالي في معارك وطنية و بخطط أكثر مردودية و جذرية، خاصة و أنه لم يعد هناك من جهة سياسية منافسة على الريادة و القيادة من داخل الجامعة.. و بعد أن اتضحت عمالة القوى الظلامية، لعموم الطلبة، و التي لم تعد لها الإمكانية لخداع الطلبة حول مراميها الحقيقية؟
أما فيما يخص نقطة البرنامج الثالثة أو الرابعة، نقطة "رفع الحظر العملي عن المنظمة إوطم"، و قبل نقاشه نود إعطاء لمحة موجزة و مختصرة عن الظرفية التي تم التعبير فيها عن هذا الشعار و عن مضمونه و عن جميع الملابسات التي رافقت عملية التبني له من طرف "النهج الديمقراطي القاعدي" قبل أن يتحول لذريعة لا تنظيمية لحد العفوية و الفوضوية في صلب ثقافة أنصار "البرنامج المرحلي".
و بالمناسبة نذكٌر بأن نقط "البرنامج" غير واضحة و غير ثابتة، لا من حيث العدد و لا من حيث الصياغة.. تتغير معطياته من موقع لآخر، فهناك من يشتغل بثلاث نقط و هناك من يشتغل بأربعة، و هناك مثلا من يغير الصياغة و يضيف لنقطه "مواجهة ما يمكن مواجهته من بنود الإصلاح"، "في أفق المواجهة الشاملة"!
مما يؤكد بجلاء صحة انطباعاتنا و تقديراتنا لردود الأفعال "البرنامجية" و لخلاصاتنا بأن ما يجمع الرفاق أنصار "البرنامج المرحلي" ليس "البرنامج" في حد ذاته بل أشياء أخرى لا يتجرؤون للمجاهرة بها.
ذكرنا بعضها و قد نعدد في بعضها الآخر كالتعاطي الإيجابي مع الثقافة السياسية لتجربة السبعينات من منظمات الحملم و الحركات التابعة أو المتعاطفة معها، و بشكل أساسي رصيد منظمة "إلى الأمام" و رصيد "النهج الديمقراطي القاعدي" داخل الحركة الطلابية و اتحادها إوطم.
التعاطي الإيجابي مع تجارب الحركة الثورية في العالم و خاصة تجربة الحركة الماوية و منظماتها النشيطة في أمريكا اللاتينية و آسيا.
إجماعها على الموقف من النظام القائم في المغرب على اعتباره نظام لا وطني، لا ديموقراطي و لا شعبي مع دعوة صريحة لثورة وطنية، ديمقراطية و شعبية تطيح به.
إجماعها الميداني و العملي على المجابهة الحازمة و الصارمة لقوى الغدر و الظلام مع الفضح المستمر لسياستها، خططها و أفكارها.
إجماعها على الفضح المبدئي و الشامل لأطروحات القوى و التيارات و الأحزاب السياسية الإصلاحية و المراجعة لأطروحات السبعينات الثورية مع اختلاف و تعدد للموقف من "إصلاحيي" الستينات و السبعينات في ثلاثة مواقف على الأقل "قوى إصلاحية انتهازية" "قوى رجعية" و "قوى إصلاحية ارتمت في أحضان الرجعية".
و قد لا تجمعهم مواقف سياسية أخرى من قضايا كبرى أو من أحداث عابرة و أحيانا لحظية ميدانية بنفس الدرجة التي قد تفرقهم لحد الانشطار لثلاثة تجمعات كما وقع أواخر التسعينات بجامعة فاس.
رفع الحظر العملي على المنظمة إوطم من المبدئية إلى الذرائعية
نعود بهذه الملاحظات لنقطة "رفع الحظر العملي" كشعار، و ما يثيره من لبس عند الطلبة و عند سائر التقدميين اليساريين، لنلقي نظرة عن الظروف التاريخية التي أفرزته في ثقافة القاعديين و إوطم.
مباشرة بعد فشل المؤتمر 17 و بالضبط يوم 2 نونبر 1981، تم إنزال جهاز الأواكس البوليسي لساحات الجامعة و بعدها بأيام عُسكرت المدرسة المحمدية للمهندسين ـ نظام التدريس العسكري ـ في ظرف سياسي معروف، نذكر بعضا من سيماته الأساسية التي ميزت المرحلة.
فبعد الصفقة السياسية التي أعقبت اعتقالات و تصفيات و خنق يسار السبعينات من ماركسيين، اتحاديين، نقابيين و انقلابيين، صفقة تجديد البيعة من طرف أحزاب المعارضة الإصلاحية آنذاك للقصر و نظامه.
و بعد الاتفاق على مضمون الصفقة و الشعارات المرافقة لها، كـ"المسلسل الديمقراطي"، "السلم الاجتماعي"، "تمتين الجبهة الداخلية"، "الإجماع الوطني" حول "ثوابت الأمة الله الوطن الملك" و حول "الوحدة الترابية و القضية الوطنية" ـ الصحراء الغربية.. عقدت الأحزاب مؤتمراتها و شكلت شبيباتها و نقاباتها و اتحاداتها النسوية و جرائدها الرسمية و المتخصصة.. لحد تغيير الأسماء و الجلدة أحيانا ـ "أنوال" و منظمة 23 مارس ـ
خلال هذه الفترة رفع الحظر عن إوطم و تم تأسيس "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" و "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" و "اتحاد العمل النسائي" و صدرت جرائد جديدة "أنوال" "8 مارس" "الشباب الديمقراطي"..الخ كما تم العفو عن مجموعة من المعتقلين السياسيين و إطلاق سراح "مجموعة مكناس" لمحاكمتها في إطار السراح..
كل هذه المعطيات كانت تشير إلى انفراج و اتفاق بين الأحزاب ـ أساسا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال و حزب التقدم و الاشتراكية ـ و النظام بدون أن يخفي قادة الأحزاب ذلك في تصريحاتها و لقاءاتها الصحافية.
و عن معطيات الخندق الشعبي الجماهيري، فبتظافر عوامل الجفاف و سنواته المتتالية و صدمة خطابات و وعود "المسيرة الخضراء" التي أشيع عن تشغيلها لـ 350 ألف المشاركة و عن تمتيعها بسكنى الإسبان المفترض جلائهم عن الصحراء، إضافة لصدمة وعود الانتخابات التي عرفت مشاركة قوية من خلال الدعاية الانتخابية و من خلال الاقتراع، إذ كانت الأخيرة بذلك الشكل القوي و المتميز بحملات يومية قوية و مظاهرات صاخبة، و محاصرة لمكاتب الاقتراع ـ حماية للصندوق من السرقة ـ و عنف لحد القتل في مجموعة من الحالات، و الحرق لمنازل المرشحين المدعمين من طرف السلطة و أجهزتها..الخ.
عوامل موضوعية ساعدت اليسار الماركسي في إعادة الانتشار بطرق و آليات و تقنيات و إبداعات جديدة أنتجت في غالبيتها من طرف شباب اليسار الذي تجاوز الكثير من أطر المنظمات ـ الحملم ـ التي شرعت في التلاشي و الاختفاء و التفكك.. بعد مرحلة القمع الرهيبة التي عرفها أطرها، مناضلوها و المتعاطفين معها.
فانتفضت من جديد الثانويات و الجامعات و الأحياء الشعبية الهامشية بالمدن و البوادي.. و انتفض الفلاحون في بعض القرى بنواحي سطات، مراكش ـ تسلطانت و أوريكة ـ و تمارة..
أضرب العمال و العاملات بمناجم أحولي و جبل عوام و خريبكة و الجرف الأصفر و بمنجم الملح بالمحمدية.. و بالسكك الحديدية و الموانئ، ميناء البيضاء ـ لأسابيع.. و بالمعامل و المصانع الكبرى فولفو، بيرلي، صوماكا، كوديير، شنوف، سيكوم، معامل السكر ـ كوزيمار ـ معامل الجلد و النسيج، كارنو..
أضرب رجال التعليم، الصحة، البريد و التجار الصغار..الخ فتوالت الاضرابات و الانتفاضات لسنوات 79 / 80 / 81 لحد الانتفاضة الجماهيرية العاصفة للصفقة المذكورة أعلاه، انتفاضة 20 يونيو بالبيضاء و ما سبقتها من موجة احتجاجات بمدن الرباط، سلا المحمدية، مراكش و أكادير.. قاد معظمها شباب اليسار الماركسي و اليسار الاتحادي ضدا على السياسات اللاشعبية في ميادين عديدة و ضدا على الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
تخللت الانتفاضة بعد التقتيل الرهيب في شوارع البيضاء و المحمدية، و الدفن الجماعي و الاعتقالات بالجملة، اعتقالات كذلك في صفوف طلائع الانتفاضة اليساريين بمن فيهم بعض النقابيين من قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و بعض الاتحاديين.. و توقفت جرائد الاتحاد ـ "المحرر" و "الحرير" الفرنسية ـ و انسحب برلمانيو الاتحاد في ظروف غامضة ليتراجعوا عن قرارهم بطرق أكثر غموضا و التباسا عبر اتفاقات لا يعلمها سوى الملك و مستشاريه و قادة "الاتحاد".
كل هذه الظروف التي حاولنا التوسع في ملابساتها، قصدنا بها الوصول إلى هذا الحدث، الذي شكٌل الإعلان عن انتهاء مرحلة، حدث عصف بشدة تلك الصفقة المعلومة و بشعاراتها التي لم توهم في شيء أحدا من المقهورين و المضطهدين المستغلين من أبناء شعبنا الكادح.
في هذه الشروط انعقد كذلك المؤتمر 17 لإوطم و في هذه الشروط دخلت الجامعة وضعا قمعيا جديدا لم تعرفه من قبل، ألا و هو ترسيم المخابرات و زرعها في قلب الجامعة لتتٌبع و مراقبة أنفاس و تحركات مناضلي إوطم.
خلال هذه الظرفية كانت مجابهة هذا الوضع و هذا القرار دفاعا عن حرمة الجامعة و عن الحرية النقابية، و كمواجهة ضمنية لمخطط "الإصلاح الجامعي و التعليمي" حيث اعتبر مناضلو إوطم ـ و عن حق ـ تثبيت جهاز الأواكس بالجامعة، بمثابة القنطرة و الجسر التي سيمر عبرها هذا المخطط الطبقي الإمبريالي.
فكان أول الإجراءات هو اعتقال قيادة المؤتمر 17 بكاملها ـ إلا من تنصل و خان صراحة، ممثلين عن حزب التقدم و الاشتراكية ـ و جل الكتاب العامون لأجهزة التعاضديات و جمعيات المدارس و المعاهد، و الناشطين القاعديين في الأجهزة التحتية و بعض المؤتمرين..الخ.
كل هذا لكن الاتحاد لم يطله المنع القانوني، اعتقل المناضلون، القياديون و المسؤولون عن الأجهزة التحتية و بعض النشطاء القاعديين، أغلقت المقرات و المقاصف منعت التجمعات و الأنشطة الثقافية و النقابية، انتزعت البيانات و المجلات الحائطية.. لكن الاتحاد ظل يتمتع بشرعيته القانونية.
تحت هذه الشروط تم اعتبار الوضع على أنه حظر عملي لإوطم بالرغم من هذه القانونية الشكلية، و ليس بالحظر القانوني كما وقع في 24 يناير 73، حيث جاء المنع على إثر خطاب ملكي ليتم رفعه بخطاب كذلك في 19 نونبر 78.
و خلال هذه الشروط و الأوضاع تقدم "النهج الديمقراطي القاعدي" بالصيغ و الشعارات المبدئية و الملائمة للنضال من أجل رفع الحظر العملي على نشاط إوطم، عبر الجلاء للأواكس و عبر الهيكلة القاعدية و عبر الارتباط بنضالات الجماهير الطلابية، التي لم تتأخر في مواجهة بنود "الإصلاح"، خاصة بنود الطرد و نظام الامتحانات الجزئية تقنيني السلك الثالث..الخ.
أما و أن يستمر الكلام عن هذه النقطة البرنامجية بنفس النظرة و بنفس التحليل، فذلك ما لا يقبله عاقل، خاصة إذا كان من عقلاء المدرسة الماركسية التي تومن بالدياليكتيك و الحركة و التطور.. فوضع البداية من سنوات 80 ليس هو الوضع الآن، و العاملون في الجامعة ليسوا نفسهم و المنافسة ليست نفسها و آلياتها تغيرت.. و وضع إوطم الذي كان يحتضن 5 فصائل طلابية واضحة بمواقفها و مبادئها.. أصبح الآن محتضنا من طرف مجموعات و تيارات "النهج الديمقراطي القاعدي" و بعض المجموعات الماركسية الأخرى.
و بالتالي نعتقد أن الشعار أو الموقف قد استنفد إمكانياته ـ من زمان ـ في تعبئة الطلبة و المناضلين، و حان الوقت للاستفادة من الإمكانيات المتوفرة الآن و التي تتكرس يوما عن يوم بمشاركة الطلبة في النضالات الإوطمية و بالفرز المستمر لمناضلين جدد وجب تعريفهم بتاريخ منظمتهم.. و التاريخ ليس هو تاريخ الأمجاد و الأبطال و الشهداء و فقط، بل التاريخ يشمل إلى جانب هذا، الكبوات و المنزلقات و الأخطاء و الفشالات..الخ و من الإنجازات و الفشالات تتعلم الجماهير و تكتسب الخبرة و إنه لنوع من الدجل و الشعوذة أن يخفي المناضل عن الجماهير فشالاتها و يخبرها فقط بالانتصارات.
خلاصة القول و وعيا منا بأن المرحلة لا تتطلب الممارسة الميدانية الكمية و فقط بل تتطلب النقاش النظري لكل ما يؤطر الحركية و الدينامية الخاصة بالإطارات و الحركات المناضلة، نقاش يدقٌق في المرجعيات، البرامج و الشعارات، ليس لإدخالها القوالب قوالب التحنيط و الصنمية، بل لإكسابها القوة و المصداقية العلمية في أن تكون بمثابة الإجابة و المعبرة بصدق عن مطامح الجماهير الطلابية و الشعبية الكادحة بشكل عام.
بين تجربة النهج الديمقراطي القاعدي و تجربة الحملم
بنفس النظرة التقديسية السلبية، حاول و يحاول أنصار "البرنامج المرحلي" احتواء التجربتين الطلابية و السياسية "للنهج الديمقراطي القاعدي" و الحملم، و قد صارع الأنصار بالحديد و النار، و بالتٌطهير و التشهير، كل الآراء المخالفة دون تقييم و لا تقدير للاجتهادات التقييمية المختلفة. فلا يجادل أحد في كون الرفاق أنصار "البرنامج المرحلي" و هم في دفاعهم عن المرجعية الماركسية اللينينية، إنما يدافعون بآليات و أساليب و منهجية غير ماركسية، و عن تراث منظمات الحملم و أساسا منظمة "إلى الأمام" إنما يقدسونها لحد اعتبارها و اعتبار أطروحاتها مرجعية كذلك.
و نعتبر ذلك عاديا بالنظر للفراغ الذي تعرفه الساحة و بالنظر كذلك لقوة، اجتهادات و تضحيات مناضلي الحملم و منظمة "إلى الأمام".. إلا أن هذا لا يمنعنا الآن، كماركسيين، و بعد مرور 35 سنة على انطلاق هذه التجربة و بعد المآل الذي و صلت إليه أطروحاتها و أطرها ألاٌ نتسائل عن دواعي و أسباب التهام التحريفية و الإصلاحية للتجربة، قيادة و قواعد.
فهل عامل القمع كاف لوحده لاجتثات الحركة كلها، أم أن الحركة بأطروحاتها و نوعية أطرها و أصولها الطبقية كانت مؤهلة لهذا الانحراف و الاحتواء؟ ثم ماذا عن قواعد الحملم الشبيبية و أساسا الجامعية بمن فيهم مناضلو إوطم من الطلبة القاعديين؟ أين هي المئات و ربما الآلاف المطرودة من الثانويات أو المتخرجة من الجامعات؟ أين وجودها في المجتمع و في الإطارات الجماهيرية و في الحضن المفترض للماركسيين اللينينيين الثوريين، الطبقة العاملة؟!
هذا دون أن نتكلم و برفاقية عالية عن ذوي التطلعات الماوية المبشرين بـ"القواعد الحمراء المتحركة" و بـ"الجيش الشعبي" و بـ"الكفاح المسلح" و "حرب التحرير الشعبية".. فلمدة 35 سنة لم نسمع عن خلايا فلاحية و لا عن كفاح مسلح و لا عن طلقة رصاص واحدة تحمل مسؤوليتها مناضل من المنظمات الماوية، سمعنا فقط عن صدق بعض المناضلين بتجاربهم البسيطة و المحدودة، في ارتباطهم بالطبقة العاملة من أجل نشر الفكر الاشتراكي الثوري و من أجل التحفيز على الاضرابات و تأسيس العمل النقابي و النقابات.. و سمعنا كذلك عن تخريجات المنظرين و القادة الماويين و عن استفاداتهم التصالحية الطبقية الباهرة! كالسرفاتي و حرزني و الزايدي و بن زكري و أسيدون..الخ.
ملاحظات و تساؤلات ليست للتجني و الافتراء، و لا للتصفية كما يدعي البعض ـ على اعتبار أن التجربة صفت نفسها بنفسها ـ إلا أن الإجابة عنها قد تعفينا من التكرار الكاريكاتوري الدرامي لتجربة احتضرت و يعاند البعض لتجنب البحث في أسباب موتها، تجربة قد نجد نفسنا جزءا منها و استمرارية خطية للتيار البروليتاري داخلها حين الدفاع عن نفس المنطلقات المرجعية التي اعتمدتها.. لكن ربما قد نختلف في التأويلات النصية و في التحليلات للأوضاع الطبقية في القراءات السياسية لطبيعة المرحلة و في التقديرات للآليات الجماهيرية الطبقية و للتحالفات و الشعارات و البرامج..الخ و في الولاءات لاجتهادات ندعي الانتماء و الكلام باسم الاشتراكية و الماركسية و اللينينية أحيانا.
فحالة الحملم الآن، أي في شكلها الجديد، هي في مجملها عبارة عن حلقات و تجمعات صغيرة، يصعب تصنيفها إلى تيار، و الأصح في تقديرنا، يمكن اعتبارها مجموعة تيارات صغيرة تفتقد في غالبيتها لأي ثقافة تنظيمية بالمفهوم الماركسي اللينيني، لها تأثيرها الواضح في النضال الطلابي، التلاميذي و في نضالات حركة الشباب المعطل، أي نعم، لكنها ما زالت تفتقد لآليات و قناعات العبور و مد الجسور للضفة العمالية و طلائعها في المعامل و الورشات و الضيعات و النقابات و الأحياء الشعبية.
كما أن ضعف هذا الارتباط و ضعف الثقافة النظرية و التنظيمية و هيمنة الحلقية و الزعامية المرتبطة أساسا بالمعرفة النصية لا النظرية لبعض مقولات و مقالات ماركس انجلس و لينين.. و بعض من مقالات و أرضيات الحملم و "النهج الديمقراطي القاعدي" السبعينية.. عملا بحكاية "في زمن العميان يصبح الأعور قائدا".. إضافة لعوامل أخرى مرتبطة موضوعيا ببساطة التجارب الخاصة و بالمناضلين و التي ارتبط جلها بالحركة الطلابية و معارك الحركة الطلابية و معارك فصائلها الداخلية..الخ قد يساعد أحيانا على تفسير النقص المهول في الإنتاج النظري من حيث قلته و ضعفه، بل و بابتعاده عن المرجعية التي يكون الادعاء بالانطلاق منها.. و بالضعف في الأداء، و التردد و الارتباك في خوض و تأطير المعارك الميدانية الطبقية الكبرى.
أمام كل هذا الوصف المبسط، و قد يراه البعض مجحفا، لكننا دخلنا التحدي من زمان و سنستمر في إعلان التحدي، تحدي ليس للتصفية كما قد يتسابق البعض لنعته، بل تحدي التقديم و التطوير لفعل الحملم الجديدة و تنظيمها على أرضية الوضوح النظري، التنظيمي و السياسي، وضوح ينير الطريق و يصقل الممارسة و ينتج الشعارات و البرامج..الخ.
فإلى أي حد اجتهدت "ماركسية" الرفاق في "البرنامج المرحلي" في الإجابة عن المعضلة التنظيمية داخل إوطم؟ خاصة و أن المدة طالت و طالت جدا لتصل لعشرين سنة.
و إلى أي حد تعامل الرفاق بشكل إيجابي، حتى لا أقول استوعبت الرفاق، اجتهادات الرفيق لينين، و هو المتهم باجتهاداته التنظيمية لحد الإفراط، أي لحد اتهامه بالبيروقراطية و التآمر و العصبوية..؟ فهل هناك فعلا تعاطي إيجابي و لو بشكل تأملي لإنتاجاته النظرية في هذا الميدان؟ ابتداءا من "بم نبدأ؟"، "ما العمل؟"، "رسالة إلى رفيق"، "خطوتان إلى الوراء".. منشوراته الموجهة للطلبة و الشباب، نظرته و مواقفه للعمل في المنظمات الجماهيرية من حيث البناء، القيادة و التسيير..الخ
فهل هناك انسجام ما بين المرجعية الماركسية اللينينية و شعارات و ممارسات الرفاق في "البرنامج المرحلي"؟
و قد نتجرأ للقول بأن هناك سيادة و شيوع لنظرة اللاتنظيم في صفوفهم، نظرة قريبة من الفوضوية و تقدس العفوية و بعيدة كل البعد عن الماركسية.
فبالرغم من كل الادعاءات عن مواجهة البيروقراطية، العدو الشبح الذي لم يعد له وجود، نقول للرفاق و للمتعاطفين معهم و لجميع الطلبة المناضلين و للمتطلعين للانتساب لإوطم.. بأن مواجهة البيروقراطية تتطلب وجود تنظيم يتحكم فيه تيار أو وجهة نظر بيروقراطية، و الحال أنه لا وجود لهذا و لا ذاك.
ثم، لا بد لمن يواجه البيروقراطية بأن يقدم التصور الديمقراطي البديل و يعمل على نشره كوعي لكي يحوله لواقع و هذا ما فعله و باجتهادات متفاوتة مناضلو "النهج الديمقراطي القاعدي" و سابقيهم في "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين".
فلم يثن القمع و لا الاختطافات و الاغتيالات و الاعتقالات و المحاكمات.. و لا ظروف السرية و شروط العمل السري المنظم، المناضلين القاعديين و التقدميين آنذاك من اختراق العمل الجماهيري و قيادته و تنظيمه بطرق ديمقراطية ثورية لم يعتدها اتحاد الطلبة لحد السماح و الضمان لحق الطلبة المناضلين ـ الغير منتمين ـ لتسيير و قيادة إوطم.
دفاعا عن جماهيرية و ديمقراطية إوطم
بديهي جدا أن النقاش حول تنظيم الطلبة بشكل ديمقراطي، يتجاوز الوصفات الجاهزة و بديهي جدا أن إوطم السبعينات و الثمانينات لن يكون هو إوطم العشرية الأولى من القرن 21، بديهي كذلك أن أعداء و خصوم تلك الفترة ليس هم نفس أعداء و خصوم اليوم، لكن كيفما كانت الأحوال و كيفما كانت جذرية وصدق التيار الطلابي فلا بد من إعطاء الموقف من مشاركة الجماهير الطلابية في القرار و التسيير و من حقها في الخلاف و الاختلاف مع أي كان.
لا يمكن أن تستمر إوطم في وضع المحجوز و المحجور عليه من طرف التيارات العاملة داخل الساحة الطلابية كيفما كان صدقها و كيفما كانت نضاليتها.
فإما أن يكون إوطم اتحادا حقيقيا للطلبة، ينتسب إليه الطالب على أرضية قانونه الأساسي و مبادئه الأربعة و يكون له الحق، بالتالي، في تحمل المسؤولية في لجانه القاعدية و في قيادته المحلية و الوطنية، و إما أن نسميه شيئا آخر غير الاتحاد.
و نوجه بالمناسبة تحذيرا لكل الرفاق الناشطين في الجامعة و المتشبثين بإطار إوطم، من كل التخريجات عن بدائل لإوطم، نناشدهم بالإسراع لفتح النقاش حول التنظيم و ضرورته لقطع الطريق عن جميع المتربصين، فما كان التنظيم و ضرورته يشكل نقصا و انتقاصا من جذرية المناضلين، لكن غيابه سيشكل باستمرار عائقا و كابحا لانتماء الطلبة الفعلي لإوطم و سيسهل ثقافة التعدد التنظيمي داخل الجامعة عوض وحدة و وحدانية الإطار إوطم.
فخمس أو ست كليات يؤطر العمل بها الرفاق القاعديون، بتوجهاتهم المختلفة، ليست هي العشرات من الكليات التي إذا انتظمت في إوطم، سيكون لها كلام آخر من حيث القوة و حجم المشاركة في المعارك دفاعا عن الحق في التعليم و مجانيته و دفاعا عن حق الطلبة أبناء الكادحين في الانخراط في معركتهم التحررية إلى جانب الكادحين و تحت قيادة طليعة التغيير، الطبقة العاملة بدون منازع.
لا ندعي امتلاك النظرة الشاملة للاقتراح في هذا الباب، بل نعتبر أن كل اقتراح هو نوع من المغامرة الجريئة.
مغامرة ميدانية بالنظر للصعوبات في بعض الكليات التي تسيطر فيها القوى الظلامية، و مغامرة نظرية تجاه ثقافة اللاتنظيم التي بدأت تنتشر و تنتج منظريها متعدية أسوار الجامعة خاصة في صفوف الرفاق الذين لهم سابق انتماء لصفوف أنصار "البرنامج المرحلي".
و بالتالي نعتقد أن للرفاق تقديراتهم الخاصة في بلورة الأشكال التنظيمية الملائمة التي تحافظ على الثوابت المبدئية و على رصيد "النهج الديمقراطي القاعدي" الميداني في هذا المجال و على تجربة المنظمات الطلابية و الاتحادات النقابية الديمقراطية العالمية..الخ.
و لن تبخل علينا اجتهادات و نصوص لينين في هذا الباب بأن تنير الطريق على الأقل في التوجهات العامة، خصوصا في نظرة الماركسيين للمنظمات الجماهيرية ذات التعدد السياسي و لدور الطلائع الغير منتمية سياسيا، فيها، و المتشبثة بحقها في الانتماء، التسيير و القيادة لاتحاد هو في الأصل جماهيري و ليس نخبوي.
مقارنة تستدعي الانتباه
تكلمنا عن حالة الرد فعل في صياغة "البرنامج المرحلي" ضدا على برنامج "الكراس" الذي و إن قزم هو كذلك البرامج القاعدية السابقة عنه و اختزل نقاطها في أربعة، فلكلامنا ما يبرره و قد نعطي الشروحات و التقديرات ساعين في ذلك أن تكون شافية و رافعة لكل الالتباسات القديمة و التي ما زالت مستمرة إلى الآن.
تميز "الكراس" بقراءته للأوضاع في الساحة السياسية و الجامعية و على أرضيتها قدم اقتراحاته في التنظيم، متضمنة لنظرته المنسجمة مع قراءته للأوضاع، و في إشراك الطلبة و مجموع الفصائل العاملة بما فيها البيروقراطية منها، في هياكل إوطم، محاولا تقديم نظرته لحل أزمة إوطم بعد فشل المؤتمر 17 و بعد 3 سنوات من فشل الدعوة لإنجاز مؤتمره الاستثنائي 18.
لم يتجاوز ما تبقى من شرعية إوطم، خاصة القيادة الغير منسجمة و قوانين المؤتمر 16 التنظيمية، لم يتخلى عن الدعوة للدفاع عن المطالب المادية و المعنوية للطلبة بما فيها مواجهة "الإصلاح الجامعي" آنذاك.
خلافات القاعديين مع الكراسيين لم تنحصر في هذه النقط و فقط بل تعدته منتقدة نظرة الكراسيين الهيمنية لتجربة "النهج الديمقراطي القاعدي"، المتجاوزة و القافزة على رصيدهم التنظيمي و آلياته الديمقراطية، و المعدلة أو المراجعة لبرامجهم دون علمهم و اللاغية لبعض من ثوابتهم، خاصة موقفهم و تقديرهم للقوى السياسية العاملة داخل إوطم و ما يستدعيه هذا الموقف من قراءة جديدة لطبيعة المرحلة السياسية في المغرب و ما تتطلبه من تصور للتغيير و دور الحركة الطلابية، بالتالي، داخل و من أجل هذا التغيير.
هذا بشكل عام و مقتضب ما نعتبره في تقديرنا أهم أسباب الخلاف مع أنصار "الكراس" مع أن ما يهمنا، ليس التذكير بهذه النقط، بل ما يهمنا هو إبراز حضور المسألة التنظيمية في البرنامجين و بنظرتين مختلفتين.
"الكراس" يقدم اقتراحا حول إعادة الهيكلة تحت مسؤولية قيادة المؤتمر 16 أو 17 الفاشل و بالقوانين التنظيمية المنبثقة عن المؤتمر16، و "البرنامج المرحلي" يجيب برفع الحظر العملي عن إوطم و بمناهضة البيروقراطية.
"الكراس" يقول بـ"الدفاع عن المطالب المادية و المعنوية للطلبة و بمواجهة الإصلاح الجامعي" و "البرنامج المرحلي" يقول "بمواجهة ما يمكن مواجهته".
"الكراس" يدعم برنامجه بقراءة شاملة مكنته من رفع اللبس و توضيح رؤيته و الخلفيات المتحكمة في نقط برنامجه، "البرنامج المرحلي" لا يتوفر على أرضية و لا على تقديم و لا على أي شيء يفسر منطلقاته و مراميه، تفسر نقاطه على المزاج و يترك المجال للتأويلات و البتر و الإضافات..الخ.
لازمة ضرورية
هذه بعض انتقاداتنا التي لا ندعي من خلالها أو بها إجراء مبارزة و منافسة نظرية مع أي كان، نقدر الاجتهادات الميدانية و النظرية لكل الرفاق و لكافة التجمعات و التيارات المناضلة الديمقراطية الثورية، التي تدافع عن إوطم و عن الجامعة و عن الحق في التعليم بالمجان و عن الحق في تقرير المصير السياسي و الاقتصادي لكادحي هذا الشعب.
نقدر كذلك كل الاجتهادات النظرية و القراءات التقييمية الجادة و الجريئة لكل الماركسيين اللينينيين في كل ما يتعلق بالرصيد النضالي الثوري الذي خلفته منظمات الحملم و "النهج الديمقراطي القاعدي" و كل النقاشات الأممية المرتبطة بالتجارب العمالية الثورية و بالمشروع الاشتراكي و سبل بناءه.
و لنا عودة للموضوع من زوايا أخرى و قبل العودة نود الردود.
ع. الزروالي 2005
و قد لا نسعى بمساهمتنا هذه، تعميق الجراح و التدرير و التشيع العصابي، فقط أوقفتنا معطيات هذه السنة لما زخرت الساحة الطلابية من قوة و عطاءات و تضحيات في صفوف الطلبة القاعديين و المتعاطفين و عموم الطلبة المناضلين، بشكل عام مناضلي إوطم الحاليين زعماء و قواعد، و قد تتسع القاعدة أو تتقلص حسب التجربة و الإرث التاريخي لإوطم داخل الموقع الجامعي المحدد.
معطيات حفزتنا من جديد للنقاش في كل ما يعترض و يتعارض مع الوحدة النضالية و الميدانية لكل مناضلي إوطم، وحدة حول برنامج حد أدنى و حول شعارات نضالية واضحة يمكنها أن توحد الفعل النضالي في الميدان و أن تؤثر في مجريات الصراع و أن تخدم القضية الطبقية بفعالية أكثر.
و قد نبدأ من بداية البدايات التي تقتضي إزالة الغموض، و قد تعودنا على هذا في أدبياتنا، أدبيات الانتفاض ضد زمن الردة و التراجع، التراجع ليس عن المرجعيات الثابتة فقط، بل كذلك عن قيم النقاش الديمقراطي و الرفاقي.. فقد تجد نفسك الآن وسط رفاق يخوٌنون رفاقا لهم في الخط رغم التواجد و العطاء الميدانيين.. كما تجد بعضا من الرفاق عاجزين عن الإدلاء بآرائهم و انتقاداتهم تخوفا من الإلقاء بهم في "المستنقع التحريفي".. تجد كذلك كتابات لرفاق يعتبرون أنفسهم في أوج النضج و هم يتفننون في استعمال الألفاظ النابية الساقطة و غير اللائقة تجاه مناضلين قدموا و ما زالوا يقدمون الكثير لقضايا النضال و الصراع الطبقي، فقط لاختلافهم في الرأي و التقديرات..الخ من الظواهر السلبية و التي نعتبرها ـ لهذا الحد أو ذاك ـ مؤشرا صادقا و أمينا عن غياب التربية التنظيمية أحيانا أو ضعفها لثقافة أحيانا أخرى.
وضع لن يجيب عنه المناضلون القاعديون لوحدهم بل قد يساهموا من خلال تجاربهم البسيطة و المتنوعة لحجز و محاصرة كل عوامل الكبح في اتجاه تقديم الأداء النضالي بالارتباط مع مجموع المهام التي يطرحها مسلسل الثورة في بلادنا.
خلفية تاريخية لتجربة الطلبة القاعديين
يصعب التحديد الدقيق لتاريخ ميلاد التجربة القاعدية كتجربة متميزة في مسيرة النضال الطلابي الإوطمي، فإذا ما نظرنا للتجربة و تاريخ ميلادها المرتبط بالتسمية، فقد يسهل الأمر بإرجاعها لفترة التحضير للمؤتمر السادس عشر حين فرضت البيروقراطيات الحزبية ـ الاتحاد الاشتراكي، التقدم و الاشتراكية، الطلبة الديمقراطيون يمين "23 مارس" أنصار جريدة "أنوال" ـ التقدم لانتداب المؤتمرين، باللائحة لتتعدد الأسماء و البرنامج متقارب لحد كبير، الطلبة القاعديون، الطلبة القاعديون التقدميون، "الطلبة المجالسيون"، "الطلبة أنصار المجالس"، "الطلبة اللجانيون" و من فرنسا "الطلبة التقدميون" و خلال التحضير للمؤتمر 17 ظهرت لائحتين جديدتين "الطلبة التقدميون ـ المبادرة الجماهيرية" و "الطلبة التقدميون ـ الوحدة و النضال".
و قد لا نخوض و لا نغوص في مدى أحقية هذه اللائحة أو تلك في تمثيلية الطلبة بطموحاتهم المختلفة، و في مدى جذرية هذه اللائحة أو تلك، أو في مدى اقتراب هذه اللائحة أو تلك من الأطروحة الماركسية اللينينية و تصورها لموقع الحركة الطلابية في مشروع التغيير، لأن هذا ليس موضوعنا الآن إضافة لما يتطلبه من معطيات كافية للمقارنة بين تصورات و برامج اللوائح لمعرفة مدى تقاربها و تباعدها و اختلافاتها، بكل موضوعية لكي نتجنب التجني و أحكام القيمة المسبقة و القراءات المشحونة بالتقاييم الجاهزة.
و قد نحتاج للمزيد في توضيح الأمور لمعطيات تاريخية حول البرامج المقدمة و الإنجازات و المقترحات التي تأتي من المواقع و المؤسسات الجامعية المختلفة و بمدى ولاءات المناضلين القاعديين لهذه التجربة أو تلك، دون أن ننفي الخلافات و الصراعات المرتبطة باختلاف القراءات السياسية للوضع في البلاد و لموقع الحركة الطلابية في الصراع الطبقي بشكل عام و بشكل بناء إوطم و النظرة التدبيرية لأموره بما فيه النظرة للأحزاب العاملة داخله و سياستها في ما يخص المسألة التعليمية و خطط الإصلاحات و الموقف منها..الخ لكننا نعتبر إلى جانب هذا كله و بالرغم منه، ايجابية المرحلة فيما يخص الثقافة التنظيمية و ما أنتجته من نضج على مستوى الصراعات، الشيء الذي انعكس في الوضوح في اختلاف الرؤى و البرامج، و في شكل تدبير الخلافات الذي لم يتخلله قط التعنيف و لا التجريح و لا التشهير و لا المحاصرة.. و إن كانت بعض الممارسات المحدودة التي لا تستحق الذكر ـ و التي أدينت في حينها، أحداث المغرب الكبير 76 / 77 و أحداث معرض الكتاب بفاس 80 / 81، خاصة بالإرهاب الظلامي، و أحداث الأسبوع الثقافي 77 / 78 بالمدرسة المحمدية، خاصة بالاتحاديين ـ فالقاعدة العامة كانت هي الاحتكام للهياكل التنظيمية لإوطم و الهياكل القاعدية المسؤولة ـ إذا كان الإشكال داخليا ـ
الهياكل القاعدية التي كانت معممة على جميع المؤسسات الجامعية، تشتغل بشكل سري في غالبيتها و بشكل علني في بعض التجارب المحدودة، لكن تنسيقاتها الفرعية و الوطنية كانت سرية بما في الكلمة من معنى، بحيث كانت و شكلت المصدر الوحيد للبرامج التاريخية و الخطط التاريخية، خصوصا في مسألة الموقف من المؤتمر 16 و المشاركة في أجهزة إوطم و التطلع لاكتساح الأجهزة القاعدية و مجلس التنسيق الوطني في أفق قيادة المؤتمر 17.
التقدم ببرنامج موحد و باسم موحد، اتخاذ القرارات التاريخية فيما يخص بعض الإضرابات و المعارك الوطنية، مناهضة مناظرة إفران ربيع 81، مناهضة الإصلاح الجامعي و التعليمي، المشاركة العملية في إضراب 20 يونيو 81، مقاطعة امتحانات 82 / 83، قيادة معركة جلاء الأواكس و المشاركة في إضراب 3 دجنبر 81 الذي أسفر عن اعتقال جل القيادات القاعدية و قيادة إوطم و بعض المناضلين الإوطميين من تيار "رفاق مهدي و عمر".. فضلا عما قدمته هذه الآليات الديمقراطية من إمكانية للفصل الرفاقي و الديمقراطي لوجهات النظر المبتعدة عن الاتفاقات البرنامجية العامة كـ"المبادرة الجماهيرية" و "مجموعة بنيس" و "وجهة نظر الكراس" لسنة 84 / 85.
ابتداءا من هذه السنة، سنة 84 / 85، و بالنظر للفرق الشاسع و الواضح بين تجربة "الكراس" و التجربتين السابقتين و المفتقدتان لأي سند سياسي قوي داخل منظمات و تيارات الحركة الماركسية اللينينية المغربية، فتجربة الكراس التي ارتبطت بتقييم قطب أساسي و رئيسي داخل الحملم للعمل السياسي في المغرب و تقدير جديد لمتطلبات المرحلة النضالية و التحالفات الممكنة..الخ تقييم سياسي و تنظيمي أفضى لما هو معروف بإعادة البناء لمنظمة "إلى الأمام".
و لم يكن من السهولة الانخراط في مواجهة، منظمة سياسية من هذا الحجم، لما لها من أطر قيادية داخل التجربة القاعدية و لما تتوفر عليه المنظمة من تعاطف داخل التجربة القاعدية و الطلابية ككل.
و بالرغم من هذا كله فقد عاند القاعديون و عقدوا تنسيقهم الوطني و تم الحسم مع وجهة نظر "الكراس" باعتبارها اجتهاد خارج التجربة ببرنامجها و تصورها و تقديراتها العملية.. متجاوزا للآليات الديمقراطية التي وفرها النهج الديمقراطي القاعدي خلال مسيرته، إلا أن الظرف السياسي آنذاك خاصة موجة الاعتقالات الاستئصالية التي عرفها النهج و مجموع أطر الحملم خاصة بعد انتفاضة يناير 84 و ما كشفته اعتقالاتها من هياكل جديدة لمنظمتي "23 مارس" و "إلى الأمام".
أمام هذه المعطيات الجديدة خاصة فشل التنظيمات في إعادة الهيكلة و البناء، و في عجزها عن قيادة النضالات الانتفاضية للجماهير و سوء تدبير العمل السري..الخ تكاثرت النقاشات و التقاييم الساخنة، خاصة داخل السجون، سجن لعلو بالرباط و السجن المركزي بالقنيطرة و ما خلقته من ارتباك و تدمر للبعض، أو تطلع لمواقع أكثر مما يقدمه النهج الديمقراطي القاعدي.. للبعض الآخر.. مما خلق نوعا من الانطفاء و التفكك التنظيمي عكسه التعدد في الولاءات و الزعامات و مراكز القرار و الاجتهادات..الخ فكان أن انفردت مدينة وجدة بإنتاج ما بعرف "بالبرنامج المرحلي"، الذي سبق و أن أعطينا فيه موقفنا بأنه أقل من برنامج و أكثر من مجرد شعار، بالمفهوم الماركسي للبرنامج، و نعتقد جازمين أن ما حكم المناضلين المشرفين على صياغته هو ردود الأفعال أكثر من القراءة المتأنية للوضع في الجامعة و في الساحة السياسية ككل و ما تتطلبه من تريث و تعامل جدي مع المعطيات الجديدة بمسؤولية و تقدير أكبر.
بين البرنامج الوهمي و البرنامج العملي الحقيقي
من الصدف أو من غرائب الأمور أن أغلبية المشرفين على إنتاج هذا المسمى برنامجا، تراجعوا عنه بسرعة سواء بالتقاعس في مجابهة مخطط "إصلاح التعليم" أو بالمصالحة مع القوى الإصلاحية و البيروقراطية أو بالتراجع عن الهيكلة القاعدية، بالانخراط في إنتاج ما سمي آنذاك باللجن الانتقالية الإوطمية.
و قد لا نتجنى على أحد إذا ما تمت المتابعة و بجرأة لمآل الأقطاب القيادية لهذه التجربة و الموزعة الآن بين حركة المستقلين و تجمعاتها المختلفة، و بين مجموعة من الانتهازيين التي وصل بهم مسارهم لمواقع حكومية و شبه حكومية ـ الإعلام و المؤسسات الكبرى للدولة ـ أو حزبية يمينية، إضافة للعدد الهائل من المنسحبين و المتقاعدين و المبتعدين نهائيا عن أي شكل من أشكال المقاومة و لو من أجل الخبز.
كما لا يمكن للمتتبع و للمناضل المنخرط كذلك، خاصة إذا كان يتوفر على منهج علمي نقدي أن يلاحظ بجلاء فراغ "البرنامج" من أي تقديم أو قراءة للوضع السياسي و الجامعي الطلابي، و لو في خطوطه العامة، الشيء الذي لم نعتاده في تجربة النهج الديمقراطي القاعدي الذي كان يجتهد و ينتج التصورات و الأرضيات في عموم المواقع و على تنوعها.
و لتدعيم صحة موقفنا من كون "البرنامج" المعلن جاء كرد فعل على برنامج "الكراس"، لكم بأن تقارنوا البرنامجين و مجالات الاختلاف بينهما و منهجية الرد على النقطة بالنقطة البديل.
فإذا كان الكراس قد عبر عن قراءة للوضع السياسي بتراجعاتها الواضحة فيما يخص المرجعية الماركسية اللينينية كمؤطر نظري و في تحديده لطبيعة المرحلة ـ إصلاح أم ثورة ـ و ما يستتبع ذلك من تحديد للمواقف الإصلاحية و التحريفية القديمة سواء فيما يخص التحالفات أو النظرة للإطارات الجماهيرية و لموقع الحركة الطلابية و الجامعة كإحدى القلاع الأساسية لتيارات و منظمات الحملم.
أما "البرنامج" المعلوم فلم تكن له تلك المقدرة و لا الكفاءة النظرية و السياسية للأخذ بخيوط المعطيات و تركيبها بدقة لإنجاز قراءة في المستوى المطلوب.
و هنا نفتح قوس لنقول و بكل مسؤولية أنه لا بد من توضيح بعض الأمور قصد رفع اللبس من جديد، فبالرغم من هذه القراءة التي نود أن تكون مفتاح تقييم نقدي ليس لتجربة الحركة الطلابية و تجربة النهج الديمقراطي القاعدي و فقط، بل لتجربة الحملم بتنظيماتها و تياراتها بما فيها التيار البروليتاري كذلك، تقييم وجب تدعيمه بالوثائق التاريخية و بالتصريحات المسؤولة، تقييم نريده أن يلعب دور المحفز للتقدم في الأداء لمجموع المنتسبين للحملم الجديدة، لا نريده أحكام قيمة و لا حفلا لتوزيع الأوسمة البطولية و لا مبارة لتسجيل النقط أو ما شابه ذلك.
و بالتالي فمن باب الإنصاف التاريخي و بالرغم من كل ما يمكن أن يقال عن تجربة "البرنامج المرحلي" أو على الأصح و بشكل أدق تجربة "أنصار البرنامج المرحلي" بأخطائها و منزلقاتها و حماسها الميداني المبالغ فيه أحيانا، فقد لا تضاهيها تجربة في الميدان الآن من حيث الأداء و المردودية، سواء بحفاظها على اسم إوطم في الجامعة بالرغم من جميع الأعداء المتواجدين و المتربصين و المنسحبين و المقنعين..الخ أو بدفاعها عن حق الكادحين في الجامعة.. تجربة لن تضاهيها تجربة أخرى في ميدان التأطير الطلابي بتضحياته و معاركه التي لا تتوقف سواء ضد القوى الظلامية أو ضد سياسة النظام بأجهزته القمعية المتنوعة، تجربة لن تضاهيها تجربة في حجم التضحيات و الاعتقالات و الشهداء و المعطوبين و المطرودين المشردين..الخ.
فمن أين يأتي هذا الزخم النضالي و هذا الاستعداد و هذه الاستمرارية الميدانية؟ هل هو ناتج من قوة التأطير و نجاعة المواقف أم من الخطابات و الشعارات النارية المتضمنة في بيانات "أنصار البرنامج المرحلي"، و ادعاءاتها بأن النضالات الطلابية تتم على أرضية "البرنامج" أو تحت شعاراته من شاكلة "المجانية أو الاستشهاد" أو "التسجيل أو إحراق الذات"..الخ؟.
فإذا كان من الصعب القبول ببعض نقط "البرنامج" في لحظة إنتاجه، و التي تظهر بأنها خارجة عن الموضوع "كمواجهة البيروقراطية"، كتيارات سياسية و كتصورات تنظيمية، خاصة و أنها اختفت عن الساحة الطلابية مباشرة بعد انسحابها من قاعات المؤتمر 17 إضافة لاختفاء النزاع و الصراع التنظيمي بين أنصار إوطم الديموقراطي و إوطم البيروقراطي.. أو نقطة "مواجهة ما يمكن مواجهة من الإصلاح"، و ما تشكله "ما يمكن" كصيغة انبطاحية و مترددة و غير حازمة.. لا يعتمدها إلا المترددون و المتذبذبون و ليس الجذريون النقابيون عامة و بالأحرى الثوريون الماركسيون اللينينيون، هذا إذا علمنا بأن البرنامج موجه لحركة و اتحاد له باعه الطويل في هذا الميدان أي في إنتاج الصيغ و الشعارات و المطالب بالطرق الأكثر جذرية و ذكاء و التي تقيه من أي تأويل و قراءة متجنية و محتملة.
فكيف يمكن فهم استمرار الادعاء بالحركة على أرضية هذا "البرنامج" في الوقت الذي لم يعد هناك صراع بين "إوطم الديمقراطي" و "إوطم البيروقراطي الهيمني".
ففي الوقت الذي أعلنت فيه الفصائل الأساسية داخل الجناح البيروقراطي و بدرجة أولى الرئيسي منها فصيل طلبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انسحابه نهائيا من إوطم للاشتغال في هيئات أخرى، رسمية و شبه رسمية، بآليات أخرى و من خلال فضاءات أخرى، في الوقت كذلك الذي نجد فيه ضعف و تقهقر أنصار "إوطم الديمقراطي" كبديل تنظيمي، عملي و برنامجي.
نجد كذلك المحاولات المتعددة للهيمنة الظلامية و اللبرالية على الحركة الطلابية و اتحادها و فضاءها الجامعي، مرة من خلال اختراق إوطم و محاولة هيكلته و مرة عبر إنشاء البدائل التنظيمية اللبرالية أو الظلامية لإوطم.
أمام كل هذه المعطيات الجديدة نجد الرفاق ملتزمين و متشبثين بشعارهم غير المبرر "مواجهة أو مناهضة البيروقراطية"! أليست "البيروقراطية" تصور تنظيمي لتدبير العمل و التمثيلية داخل الاتحاد إوطم؟ ـ قبل أن نبحث عن خلفياته النظرية و السياسية الطبقية ـ، لننشأ التنظيم، أو لندعو له على الأقل و بعدها نفتح الصراع الديمقراطي على أرضية المبادئ و تاريخ و تضحيات إوطم، ضد كل الخطوط و المجموعات الواضحة و ليس ضد التيارات و الهيئات و المجموعات الشبحية.
و أذكر هنا فقط بالأشكال التنظيمية السبعينية من خلال "مجالس المناضلين السرية" و التي لم تشرف عليها قيادة و لا هيئة مسؤولة من الاتحاد نظرا للاعتقال و المنع "القانوني" لإوطم و قيادته و مسؤوليه، أو من خلال البناء المجالسي القاعدي العلني بعد رفع الحظر عن إوطم.
كانت القناعة و التصور الديمقراطيين و الجماهيريين بمثابة العامل الحاسم و لم تكن هناك قيادة مشرفة على التنظيم و لا آليات مدققة. اعتمدت الجماهير و طلائعها القاعديين على التجربة و الحس النضالي الجذري ليتم إنتاج تجربتين رائدتين في التجربة التنظيمية لإوطم، تجربتين كان لهما الشرف في "إصلاح 75 الجامعي" و في رفع الحظر عن إوطم و إطلاق سراح مناضليه و مسؤوليه.
و من عجائب أنصار "البرنامج" و تخريجاتهم المضحكة أن يتكلموا عن "مواجهة ما يمكن مواجهته من بنود إصلاح التعليم" في الوقت الذي يعلم فيه الخاص و العام أن هذا "الإصلاح" قد تم تجاوزه بالعديد من "الإصلاحات"، آخرها "ميثاق التربية و التكوين" ـ الذي تجاوز خمس سنوات من عمره ـ!
فهل من الممكن القبول بسذاجة و غباوة ادعاءات "الرفاق" بحركية و نضال للطلبة الآن ضد "إصلاح" شبح، لم يعد له وجود في الواقع؟.
هل يمكن نكران و بجحود أن الطلبة يواجهون الآن شيئا ملموسا في الساحة اسمه "الميثاق" و جهازا قمعيا اسمه "الأواكس" و قوى عميلة اسمها القوى الظلامية؟
فما السر إذن في حالة السكيزوفرينيا أو انفصام الشخصية هذه، تشبيه لا نريده قدحا، بل ما نريد البحث فيه هو لما لا تكون الجرأة في الإعلان بان مناضلي "البرنامج المرحلي" يسايرون فعلا مطامح و تطلعات الشباب أبناء الكادحين من أجل مغرب متحرر من الاستغلال و الاستبداد، مغرب الحرية و الكرامة و العدالة الاشتراكية؟
لماذا لا تكون الجرأة في الإعلان بأن السر، و قد لا يخفى على أحد ـ من الأصدقاء و الأعداء ـ هو في قدرة "الرفاق"، رغم اختلافنا معهم، في تأطير الشباب الكادح بتوجيه اشتراكي حازم، فيما يخص نظرته للحركة الطلابية و موقعها في الصراع الطبقي، في النظرة للتعليم و للجامعة، في الموقف من المرأة و من النضالات الجماهيرية، في الموقف من قضايا تقرير مصير الشعوب و مناهضة التواجد الإمبريالي في المنطقة..؟ لماذا يتحفظ المناضلون أنصار "البرنامج" في الإجابة عن هذه الأسئلة؟ لماذا لم يتقدموا ببرنامج يفهمه الجميع، مناضلون، متعاطفون، و منتقدون مجابهون..؟
لماذا التحفظ و التخوف من أي تقييم يمكن أن يشكك أو يراجع نقطة من النقاط؟ خاصة و أن طابع البرنامج هو المرحلية فقط كما يدٌعون.
لماذا هذا الاستثناء ـ النشاز ـ لحركة غير جامدة و حيوية بقاعدتها شبابية المتميزة، تعجز عن التجديد في "برنامجها" "البرنامج" الذي ظل ثابتا مقدسا لمدة تفوق العشرين سنة بالرغم من التغييرات الكثيرة التي عرفتها عناصر البنية التي يتحرك من داخلها؟
و من بين المحاولات النادرة و القليلة للتجديد نجد شعار "المجانية أو الاستشهاد" و رديفه "التسجيل أو إحراق الذات"، شعارين لمجموعتين مختلفتين من داخل "أنصار البرنامج المرحلي" و يمكن أن نلاحظ جليا بأن التراشق بالشعارات و المزايدة لإبراز جذريتها هو المتحكم في رفع الشعار قبل أي تبرير.
و ندرج هنا إحدى التبريرات المضحكة من أحد زعماء التيار، بأن ما يقصد بالاستشهاد هو الاتحاد إوطم و الحركة الطلابية ـ الحركة الطلابية ستموت، و كأنها خلقت بقرار "كن فيكون" و ليست بالتعبير الموضوعي عن واقع طبقي قائم في صلب المجتمع ـ و ليس جمهور الطلبة و المناضلين الإوطميين و القاعديين.. في دفاعهم عن الحق في التعليم بمجانية! معتقدا خروجه من هذه الورطة "النظرية و السياسية" التي لم تكن له الإمكانية و لا الجرأة النظرية و العملية ـ منذ الإعلان عن الشعار في الساحة ـ لتحمل مسؤولية الدفاع عنها.
فلا هو قادر على الاستشهاد و لا قادر أن يوجه الطلبة و المناضلين من أجل هذا الفعل الذي يتطلب، أول ما يتطلبه، وجوده في الصفوف الأمامية للدفاع عنه و ممارسته.
و نطرح سؤالا آخر على الرفاق "المرحليين"، فهل استنفدت الحركة الطلابية إمكانياتها التاريخية المتعددة و المتنوعة لتنحو هذا المنحى؟ ألم يعد هناك سوى خيار "الاستشهاد" أو "إحراق الذات"؟
في الوقت الذي يعرف فيه النهج الديمقراطي القاعدي، و بكل تياراته، و من خلال تجربته و تجربة الحركة الطلابية المغربية أنه و في زمن القمع الأسود ـ زمن الاغتيالات و أحكام الثلاثين سنة و المؤبد في حق مناضلي الحركة الطلابية ـ تم تحقيق تسجيل الطلبة المطرودين بالمعارك الجماهيرية البطولية ـ و ليس بالبطولات الفردية ـ بدءا من المؤسسة الوحيدة، إلى المعركة الجامعية فالمعركة الوطنية الإوطمية.
لا يفوتنا كذلك التذكير بمعارك "المجانية" الجماهيرية الكبرى و التاريخية، خلال الانتفاضتين المجيدتين 22 / 23 مارس 1965 و يناير 84 ـ إضافة لبعض المعارك الأقل اتساعا و انتشارا كالحسيمة 85 ـ، فحين تستنفد الحركة الطلابية إمكانياتها من داخل الجامعة فلطالما استخدم "الطلبة القاعديون" و قبلهم "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" إمكانية تحويل المعركة و نقلها للشارع، و عبر هذه الإمكانية حققت الحركة الطلابية إنجازات مطلبية خاصة و ربحت المعارك السياسية الجماهيرية الكبيرة، بحيث كانت لها الريادة في إشعال نار فتيلها، كإدانة حرب الرمال، مقاطعة الانتخابات و الاستفتاءات، إسقاط قرار بنهيمة مارس 65، محاصرة الوزير الفرنكاوي الإسباني و إدانة زيارته للمغرب 4 ماي 71، مقاطعة الإجماع حول الصحراء الغربية و "المسلسل الديمقراطي" و "السلم الاجتماعي"..، إدانة زيارة الشاه للمغرب بعد فراره من غضب شعبه سنة79، المساهمة في فرض التراجع عن الزيادة في الأسعار سنتي 81 و 84..الخ.
فهل من الصعب على المناضلين صياغة شعارات أكثر ملاءمة و وضوح لتجميع كل هذا الزخم النضالي في معارك وطنية و بخطط أكثر مردودية و جذرية، خاصة و أنه لم يعد هناك من جهة سياسية منافسة على الريادة و القيادة من داخل الجامعة.. و بعد أن اتضحت عمالة القوى الظلامية، لعموم الطلبة، و التي لم تعد لها الإمكانية لخداع الطلبة حول مراميها الحقيقية؟
أما فيما يخص نقطة البرنامج الثالثة أو الرابعة، نقطة "رفع الحظر العملي عن المنظمة إوطم"، و قبل نقاشه نود إعطاء لمحة موجزة و مختصرة عن الظرفية التي تم التعبير فيها عن هذا الشعار و عن مضمونه و عن جميع الملابسات التي رافقت عملية التبني له من طرف "النهج الديمقراطي القاعدي" قبل أن يتحول لذريعة لا تنظيمية لحد العفوية و الفوضوية في صلب ثقافة أنصار "البرنامج المرحلي".
و بالمناسبة نذكٌر بأن نقط "البرنامج" غير واضحة و غير ثابتة، لا من حيث العدد و لا من حيث الصياغة.. تتغير معطياته من موقع لآخر، فهناك من يشتغل بثلاث نقط و هناك من يشتغل بأربعة، و هناك مثلا من يغير الصياغة و يضيف لنقطه "مواجهة ما يمكن مواجهته من بنود الإصلاح"، "في أفق المواجهة الشاملة"!
مما يؤكد بجلاء صحة انطباعاتنا و تقديراتنا لردود الأفعال "البرنامجية" و لخلاصاتنا بأن ما يجمع الرفاق أنصار "البرنامج المرحلي" ليس "البرنامج" في حد ذاته بل أشياء أخرى لا يتجرؤون للمجاهرة بها.
ذكرنا بعضها و قد نعدد في بعضها الآخر كالتعاطي الإيجابي مع الثقافة السياسية لتجربة السبعينات من منظمات الحملم و الحركات التابعة أو المتعاطفة معها، و بشكل أساسي رصيد منظمة "إلى الأمام" و رصيد "النهج الديمقراطي القاعدي" داخل الحركة الطلابية و اتحادها إوطم.
التعاطي الإيجابي مع تجارب الحركة الثورية في العالم و خاصة تجربة الحركة الماوية و منظماتها النشيطة في أمريكا اللاتينية و آسيا.
إجماعها على الموقف من النظام القائم في المغرب على اعتباره نظام لا وطني، لا ديموقراطي و لا شعبي مع دعوة صريحة لثورة وطنية، ديمقراطية و شعبية تطيح به.
إجماعها الميداني و العملي على المجابهة الحازمة و الصارمة لقوى الغدر و الظلام مع الفضح المستمر لسياستها، خططها و أفكارها.
إجماعها على الفضح المبدئي و الشامل لأطروحات القوى و التيارات و الأحزاب السياسية الإصلاحية و المراجعة لأطروحات السبعينات الثورية مع اختلاف و تعدد للموقف من "إصلاحيي" الستينات و السبعينات في ثلاثة مواقف على الأقل "قوى إصلاحية انتهازية" "قوى رجعية" و "قوى إصلاحية ارتمت في أحضان الرجعية".
و قد لا تجمعهم مواقف سياسية أخرى من قضايا كبرى أو من أحداث عابرة و أحيانا لحظية ميدانية بنفس الدرجة التي قد تفرقهم لحد الانشطار لثلاثة تجمعات كما وقع أواخر التسعينات بجامعة فاس.
رفع الحظر العملي على المنظمة إوطم من المبدئية إلى الذرائعية
نعود بهذه الملاحظات لنقطة "رفع الحظر العملي" كشعار، و ما يثيره من لبس عند الطلبة و عند سائر التقدميين اليساريين، لنلقي نظرة عن الظروف التاريخية التي أفرزته في ثقافة القاعديين و إوطم.
مباشرة بعد فشل المؤتمر 17 و بالضبط يوم 2 نونبر 1981، تم إنزال جهاز الأواكس البوليسي لساحات الجامعة و بعدها بأيام عُسكرت المدرسة المحمدية للمهندسين ـ نظام التدريس العسكري ـ في ظرف سياسي معروف، نذكر بعضا من سيماته الأساسية التي ميزت المرحلة.
فبعد الصفقة السياسية التي أعقبت اعتقالات و تصفيات و خنق يسار السبعينات من ماركسيين، اتحاديين، نقابيين و انقلابيين، صفقة تجديد البيعة من طرف أحزاب المعارضة الإصلاحية آنذاك للقصر و نظامه.
و بعد الاتفاق على مضمون الصفقة و الشعارات المرافقة لها، كـ"المسلسل الديمقراطي"، "السلم الاجتماعي"، "تمتين الجبهة الداخلية"، "الإجماع الوطني" حول "ثوابت الأمة الله الوطن الملك" و حول "الوحدة الترابية و القضية الوطنية" ـ الصحراء الغربية.. عقدت الأحزاب مؤتمراتها و شكلت شبيباتها و نقاباتها و اتحاداتها النسوية و جرائدها الرسمية و المتخصصة.. لحد تغيير الأسماء و الجلدة أحيانا ـ "أنوال" و منظمة 23 مارس ـ
خلال هذه الفترة رفع الحظر عن إوطم و تم تأسيس "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" و "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" و "اتحاد العمل النسائي" و صدرت جرائد جديدة "أنوال" "8 مارس" "الشباب الديمقراطي"..الخ كما تم العفو عن مجموعة من المعتقلين السياسيين و إطلاق سراح "مجموعة مكناس" لمحاكمتها في إطار السراح..
كل هذه المعطيات كانت تشير إلى انفراج و اتفاق بين الأحزاب ـ أساسا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال و حزب التقدم و الاشتراكية ـ و النظام بدون أن يخفي قادة الأحزاب ذلك في تصريحاتها و لقاءاتها الصحافية.
و عن معطيات الخندق الشعبي الجماهيري، فبتظافر عوامل الجفاف و سنواته المتتالية و صدمة خطابات و وعود "المسيرة الخضراء" التي أشيع عن تشغيلها لـ 350 ألف المشاركة و عن تمتيعها بسكنى الإسبان المفترض جلائهم عن الصحراء، إضافة لصدمة وعود الانتخابات التي عرفت مشاركة قوية من خلال الدعاية الانتخابية و من خلال الاقتراع، إذ كانت الأخيرة بذلك الشكل القوي و المتميز بحملات يومية قوية و مظاهرات صاخبة، و محاصرة لمكاتب الاقتراع ـ حماية للصندوق من السرقة ـ و عنف لحد القتل في مجموعة من الحالات، و الحرق لمنازل المرشحين المدعمين من طرف السلطة و أجهزتها..الخ.
عوامل موضوعية ساعدت اليسار الماركسي في إعادة الانتشار بطرق و آليات و تقنيات و إبداعات جديدة أنتجت في غالبيتها من طرف شباب اليسار الذي تجاوز الكثير من أطر المنظمات ـ الحملم ـ التي شرعت في التلاشي و الاختفاء و التفكك.. بعد مرحلة القمع الرهيبة التي عرفها أطرها، مناضلوها و المتعاطفين معها.
فانتفضت من جديد الثانويات و الجامعات و الأحياء الشعبية الهامشية بالمدن و البوادي.. و انتفض الفلاحون في بعض القرى بنواحي سطات، مراكش ـ تسلطانت و أوريكة ـ و تمارة..
أضرب العمال و العاملات بمناجم أحولي و جبل عوام و خريبكة و الجرف الأصفر و بمنجم الملح بالمحمدية.. و بالسكك الحديدية و الموانئ، ميناء البيضاء ـ لأسابيع.. و بالمعامل و المصانع الكبرى فولفو، بيرلي، صوماكا، كوديير، شنوف، سيكوم، معامل السكر ـ كوزيمار ـ معامل الجلد و النسيج، كارنو..
أضرب رجال التعليم، الصحة، البريد و التجار الصغار..الخ فتوالت الاضرابات و الانتفاضات لسنوات 79 / 80 / 81 لحد الانتفاضة الجماهيرية العاصفة للصفقة المذكورة أعلاه، انتفاضة 20 يونيو بالبيضاء و ما سبقتها من موجة احتجاجات بمدن الرباط، سلا المحمدية، مراكش و أكادير.. قاد معظمها شباب اليسار الماركسي و اليسار الاتحادي ضدا على السياسات اللاشعبية في ميادين عديدة و ضدا على الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
تخللت الانتفاضة بعد التقتيل الرهيب في شوارع البيضاء و المحمدية، و الدفن الجماعي و الاعتقالات بالجملة، اعتقالات كذلك في صفوف طلائع الانتفاضة اليساريين بمن فيهم بعض النقابيين من قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و بعض الاتحاديين.. و توقفت جرائد الاتحاد ـ "المحرر" و "الحرير" الفرنسية ـ و انسحب برلمانيو الاتحاد في ظروف غامضة ليتراجعوا عن قرارهم بطرق أكثر غموضا و التباسا عبر اتفاقات لا يعلمها سوى الملك و مستشاريه و قادة "الاتحاد".
كل هذه الظروف التي حاولنا التوسع في ملابساتها، قصدنا بها الوصول إلى هذا الحدث، الذي شكٌل الإعلان عن انتهاء مرحلة، حدث عصف بشدة تلك الصفقة المعلومة و بشعاراتها التي لم توهم في شيء أحدا من المقهورين و المضطهدين المستغلين من أبناء شعبنا الكادح.
في هذه الشروط انعقد كذلك المؤتمر 17 لإوطم و في هذه الشروط دخلت الجامعة وضعا قمعيا جديدا لم تعرفه من قبل، ألا و هو ترسيم المخابرات و زرعها في قلب الجامعة لتتٌبع و مراقبة أنفاس و تحركات مناضلي إوطم.
خلال هذه الظرفية كانت مجابهة هذا الوضع و هذا القرار دفاعا عن حرمة الجامعة و عن الحرية النقابية، و كمواجهة ضمنية لمخطط "الإصلاح الجامعي و التعليمي" حيث اعتبر مناضلو إوطم ـ و عن حق ـ تثبيت جهاز الأواكس بالجامعة، بمثابة القنطرة و الجسر التي سيمر عبرها هذا المخطط الطبقي الإمبريالي.
فكان أول الإجراءات هو اعتقال قيادة المؤتمر 17 بكاملها ـ إلا من تنصل و خان صراحة، ممثلين عن حزب التقدم و الاشتراكية ـ و جل الكتاب العامون لأجهزة التعاضديات و جمعيات المدارس و المعاهد، و الناشطين القاعديين في الأجهزة التحتية و بعض المؤتمرين..الخ.
كل هذا لكن الاتحاد لم يطله المنع القانوني، اعتقل المناضلون، القياديون و المسؤولون عن الأجهزة التحتية و بعض النشطاء القاعديين، أغلقت المقرات و المقاصف منعت التجمعات و الأنشطة الثقافية و النقابية، انتزعت البيانات و المجلات الحائطية.. لكن الاتحاد ظل يتمتع بشرعيته القانونية.
تحت هذه الشروط تم اعتبار الوضع على أنه حظر عملي لإوطم بالرغم من هذه القانونية الشكلية، و ليس بالحظر القانوني كما وقع في 24 يناير 73، حيث جاء المنع على إثر خطاب ملكي ليتم رفعه بخطاب كذلك في 19 نونبر 78.
و خلال هذه الشروط و الأوضاع تقدم "النهج الديمقراطي القاعدي" بالصيغ و الشعارات المبدئية و الملائمة للنضال من أجل رفع الحظر العملي على نشاط إوطم، عبر الجلاء للأواكس و عبر الهيكلة القاعدية و عبر الارتباط بنضالات الجماهير الطلابية، التي لم تتأخر في مواجهة بنود "الإصلاح"، خاصة بنود الطرد و نظام الامتحانات الجزئية تقنيني السلك الثالث..الخ.
أما و أن يستمر الكلام عن هذه النقطة البرنامجية بنفس النظرة و بنفس التحليل، فذلك ما لا يقبله عاقل، خاصة إذا كان من عقلاء المدرسة الماركسية التي تومن بالدياليكتيك و الحركة و التطور.. فوضع البداية من سنوات 80 ليس هو الوضع الآن، و العاملون في الجامعة ليسوا نفسهم و المنافسة ليست نفسها و آلياتها تغيرت.. و وضع إوطم الذي كان يحتضن 5 فصائل طلابية واضحة بمواقفها و مبادئها.. أصبح الآن محتضنا من طرف مجموعات و تيارات "النهج الديمقراطي القاعدي" و بعض المجموعات الماركسية الأخرى.
و بالتالي نعتقد أن الشعار أو الموقف قد استنفد إمكانياته ـ من زمان ـ في تعبئة الطلبة و المناضلين، و حان الوقت للاستفادة من الإمكانيات المتوفرة الآن و التي تتكرس يوما عن يوم بمشاركة الطلبة في النضالات الإوطمية و بالفرز المستمر لمناضلين جدد وجب تعريفهم بتاريخ منظمتهم.. و التاريخ ليس هو تاريخ الأمجاد و الأبطال و الشهداء و فقط، بل التاريخ يشمل إلى جانب هذا، الكبوات و المنزلقات و الأخطاء و الفشالات..الخ و من الإنجازات و الفشالات تتعلم الجماهير و تكتسب الخبرة و إنه لنوع من الدجل و الشعوذة أن يخفي المناضل عن الجماهير فشالاتها و يخبرها فقط بالانتصارات.
خلاصة القول و وعيا منا بأن المرحلة لا تتطلب الممارسة الميدانية الكمية و فقط بل تتطلب النقاش النظري لكل ما يؤطر الحركية و الدينامية الخاصة بالإطارات و الحركات المناضلة، نقاش يدقٌق في المرجعيات، البرامج و الشعارات، ليس لإدخالها القوالب قوالب التحنيط و الصنمية، بل لإكسابها القوة و المصداقية العلمية في أن تكون بمثابة الإجابة و المعبرة بصدق عن مطامح الجماهير الطلابية و الشعبية الكادحة بشكل عام.
بين تجربة النهج الديمقراطي القاعدي و تجربة الحملم
بنفس النظرة التقديسية السلبية، حاول و يحاول أنصار "البرنامج المرحلي" احتواء التجربتين الطلابية و السياسية "للنهج الديمقراطي القاعدي" و الحملم، و قد صارع الأنصار بالحديد و النار، و بالتٌطهير و التشهير، كل الآراء المخالفة دون تقييم و لا تقدير للاجتهادات التقييمية المختلفة. فلا يجادل أحد في كون الرفاق أنصار "البرنامج المرحلي" و هم في دفاعهم عن المرجعية الماركسية اللينينية، إنما يدافعون بآليات و أساليب و منهجية غير ماركسية، و عن تراث منظمات الحملم و أساسا منظمة "إلى الأمام" إنما يقدسونها لحد اعتبارها و اعتبار أطروحاتها مرجعية كذلك.
و نعتبر ذلك عاديا بالنظر للفراغ الذي تعرفه الساحة و بالنظر كذلك لقوة، اجتهادات و تضحيات مناضلي الحملم و منظمة "إلى الأمام".. إلا أن هذا لا يمنعنا الآن، كماركسيين، و بعد مرور 35 سنة على انطلاق هذه التجربة و بعد المآل الذي و صلت إليه أطروحاتها و أطرها ألاٌ نتسائل عن دواعي و أسباب التهام التحريفية و الإصلاحية للتجربة، قيادة و قواعد.
فهل عامل القمع كاف لوحده لاجتثات الحركة كلها، أم أن الحركة بأطروحاتها و نوعية أطرها و أصولها الطبقية كانت مؤهلة لهذا الانحراف و الاحتواء؟ ثم ماذا عن قواعد الحملم الشبيبية و أساسا الجامعية بمن فيهم مناضلو إوطم من الطلبة القاعديين؟ أين هي المئات و ربما الآلاف المطرودة من الثانويات أو المتخرجة من الجامعات؟ أين وجودها في المجتمع و في الإطارات الجماهيرية و في الحضن المفترض للماركسيين اللينينيين الثوريين، الطبقة العاملة؟!
هذا دون أن نتكلم و برفاقية عالية عن ذوي التطلعات الماوية المبشرين بـ"القواعد الحمراء المتحركة" و بـ"الجيش الشعبي" و بـ"الكفاح المسلح" و "حرب التحرير الشعبية".. فلمدة 35 سنة لم نسمع عن خلايا فلاحية و لا عن كفاح مسلح و لا عن طلقة رصاص واحدة تحمل مسؤوليتها مناضل من المنظمات الماوية، سمعنا فقط عن صدق بعض المناضلين بتجاربهم البسيطة و المحدودة، في ارتباطهم بالطبقة العاملة من أجل نشر الفكر الاشتراكي الثوري و من أجل التحفيز على الاضرابات و تأسيس العمل النقابي و النقابات.. و سمعنا كذلك عن تخريجات المنظرين و القادة الماويين و عن استفاداتهم التصالحية الطبقية الباهرة! كالسرفاتي و حرزني و الزايدي و بن زكري و أسيدون..الخ.
ملاحظات و تساؤلات ليست للتجني و الافتراء، و لا للتصفية كما يدعي البعض ـ على اعتبار أن التجربة صفت نفسها بنفسها ـ إلا أن الإجابة عنها قد تعفينا من التكرار الكاريكاتوري الدرامي لتجربة احتضرت و يعاند البعض لتجنب البحث في أسباب موتها، تجربة قد نجد نفسنا جزءا منها و استمرارية خطية للتيار البروليتاري داخلها حين الدفاع عن نفس المنطلقات المرجعية التي اعتمدتها.. لكن ربما قد نختلف في التأويلات النصية و في التحليلات للأوضاع الطبقية في القراءات السياسية لطبيعة المرحلة و في التقديرات للآليات الجماهيرية الطبقية و للتحالفات و الشعارات و البرامج..الخ و في الولاءات لاجتهادات ندعي الانتماء و الكلام باسم الاشتراكية و الماركسية و اللينينية أحيانا.
فحالة الحملم الآن، أي في شكلها الجديد، هي في مجملها عبارة عن حلقات و تجمعات صغيرة، يصعب تصنيفها إلى تيار، و الأصح في تقديرنا، يمكن اعتبارها مجموعة تيارات صغيرة تفتقد في غالبيتها لأي ثقافة تنظيمية بالمفهوم الماركسي اللينيني، لها تأثيرها الواضح في النضال الطلابي، التلاميذي و في نضالات حركة الشباب المعطل، أي نعم، لكنها ما زالت تفتقد لآليات و قناعات العبور و مد الجسور للضفة العمالية و طلائعها في المعامل و الورشات و الضيعات و النقابات و الأحياء الشعبية.
كما أن ضعف هذا الارتباط و ضعف الثقافة النظرية و التنظيمية و هيمنة الحلقية و الزعامية المرتبطة أساسا بالمعرفة النصية لا النظرية لبعض مقولات و مقالات ماركس انجلس و لينين.. و بعض من مقالات و أرضيات الحملم و "النهج الديمقراطي القاعدي" السبعينية.. عملا بحكاية "في زمن العميان يصبح الأعور قائدا".. إضافة لعوامل أخرى مرتبطة موضوعيا ببساطة التجارب الخاصة و بالمناضلين و التي ارتبط جلها بالحركة الطلابية و معارك الحركة الطلابية و معارك فصائلها الداخلية..الخ قد يساعد أحيانا على تفسير النقص المهول في الإنتاج النظري من حيث قلته و ضعفه، بل و بابتعاده عن المرجعية التي يكون الادعاء بالانطلاق منها.. و بالضعف في الأداء، و التردد و الارتباك في خوض و تأطير المعارك الميدانية الطبقية الكبرى.
أمام كل هذا الوصف المبسط، و قد يراه البعض مجحفا، لكننا دخلنا التحدي من زمان و سنستمر في إعلان التحدي، تحدي ليس للتصفية كما قد يتسابق البعض لنعته، بل تحدي التقديم و التطوير لفعل الحملم الجديدة و تنظيمها على أرضية الوضوح النظري، التنظيمي و السياسي، وضوح ينير الطريق و يصقل الممارسة و ينتج الشعارات و البرامج..الخ.
فإلى أي حد اجتهدت "ماركسية" الرفاق في "البرنامج المرحلي" في الإجابة عن المعضلة التنظيمية داخل إوطم؟ خاصة و أن المدة طالت و طالت جدا لتصل لعشرين سنة.
و إلى أي حد تعامل الرفاق بشكل إيجابي، حتى لا أقول استوعبت الرفاق، اجتهادات الرفيق لينين، و هو المتهم باجتهاداته التنظيمية لحد الإفراط، أي لحد اتهامه بالبيروقراطية و التآمر و العصبوية..؟ فهل هناك فعلا تعاطي إيجابي و لو بشكل تأملي لإنتاجاته النظرية في هذا الميدان؟ ابتداءا من "بم نبدأ؟"، "ما العمل؟"، "رسالة إلى رفيق"، "خطوتان إلى الوراء".. منشوراته الموجهة للطلبة و الشباب، نظرته و مواقفه للعمل في المنظمات الجماهيرية من حيث البناء، القيادة و التسيير..الخ
فهل هناك انسجام ما بين المرجعية الماركسية اللينينية و شعارات و ممارسات الرفاق في "البرنامج المرحلي"؟
و قد نتجرأ للقول بأن هناك سيادة و شيوع لنظرة اللاتنظيم في صفوفهم، نظرة قريبة من الفوضوية و تقدس العفوية و بعيدة كل البعد عن الماركسية.
فبالرغم من كل الادعاءات عن مواجهة البيروقراطية، العدو الشبح الذي لم يعد له وجود، نقول للرفاق و للمتعاطفين معهم و لجميع الطلبة المناضلين و للمتطلعين للانتساب لإوطم.. بأن مواجهة البيروقراطية تتطلب وجود تنظيم يتحكم فيه تيار أو وجهة نظر بيروقراطية، و الحال أنه لا وجود لهذا و لا ذاك.
ثم، لا بد لمن يواجه البيروقراطية بأن يقدم التصور الديمقراطي البديل و يعمل على نشره كوعي لكي يحوله لواقع و هذا ما فعله و باجتهادات متفاوتة مناضلو "النهج الديمقراطي القاعدي" و سابقيهم في "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين".
فلم يثن القمع و لا الاختطافات و الاغتيالات و الاعتقالات و المحاكمات.. و لا ظروف السرية و شروط العمل السري المنظم، المناضلين القاعديين و التقدميين آنذاك من اختراق العمل الجماهيري و قيادته و تنظيمه بطرق ديمقراطية ثورية لم يعتدها اتحاد الطلبة لحد السماح و الضمان لحق الطلبة المناضلين ـ الغير منتمين ـ لتسيير و قيادة إوطم.
دفاعا عن جماهيرية و ديمقراطية إوطم
بديهي جدا أن النقاش حول تنظيم الطلبة بشكل ديمقراطي، يتجاوز الوصفات الجاهزة و بديهي جدا أن إوطم السبعينات و الثمانينات لن يكون هو إوطم العشرية الأولى من القرن 21، بديهي كذلك أن أعداء و خصوم تلك الفترة ليس هم نفس أعداء و خصوم اليوم، لكن كيفما كانت الأحوال و كيفما كانت جذرية وصدق التيار الطلابي فلا بد من إعطاء الموقف من مشاركة الجماهير الطلابية في القرار و التسيير و من حقها في الخلاف و الاختلاف مع أي كان.
لا يمكن أن تستمر إوطم في وضع المحجوز و المحجور عليه من طرف التيارات العاملة داخل الساحة الطلابية كيفما كان صدقها و كيفما كانت نضاليتها.
فإما أن يكون إوطم اتحادا حقيقيا للطلبة، ينتسب إليه الطالب على أرضية قانونه الأساسي و مبادئه الأربعة و يكون له الحق، بالتالي، في تحمل المسؤولية في لجانه القاعدية و في قيادته المحلية و الوطنية، و إما أن نسميه شيئا آخر غير الاتحاد.
و نوجه بالمناسبة تحذيرا لكل الرفاق الناشطين في الجامعة و المتشبثين بإطار إوطم، من كل التخريجات عن بدائل لإوطم، نناشدهم بالإسراع لفتح النقاش حول التنظيم و ضرورته لقطع الطريق عن جميع المتربصين، فما كان التنظيم و ضرورته يشكل نقصا و انتقاصا من جذرية المناضلين، لكن غيابه سيشكل باستمرار عائقا و كابحا لانتماء الطلبة الفعلي لإوطم و سيسهل ثقافة التعدد التنظيمي داخل الجامعة عوض وحدة و وحدانية الإطار إوطم.
فخمس أو ست كليات يؤطر العمل بها الرفاق القاعديون، بتوجهاتهم المختلفة، ليست هي العشرات من الكليات التي إذا انتظمت في إوطم، سيكون لها كلام آخر من حيث القوة و حجم المشاركة في المعارك دفاعا عن الحق في التعليم و مجانيته و دفاعا عن حق الطلبة أبناء الكادحين في الانخراط في معركتهم التحررية إلى جانب الكادحين و تحت قيادة طليعة التغيير، الطبقة العاملة بدون منازع.
لا ندعي امتلاك النظرة الشاملة للاقتراح في هذا الباب، بل نعتبر أن كل اقتراح هو نوع من المغامرة الجريئة.
مغامرة ميدانية بالنظر للصعوبات في بعض الكليات التي تسيطر فيها القوى الظلامية، و مغامرة نظرية تجاه ثقافة اللاتنظيم التي بدأت تنتشر و تنتج منظريها متعدية أسوار الجامعة خاصة في صفوف الرفاق الذين لهم سابق انتماء لصفوف أنصار "البرنامج المرحلي".
و بالتالي نعتقد أن للرفاق تقديراتهم الخاصة في بلورة الأشكال التنظيمية الملائمة التي تحافظ على الثوابت المبدئية و على رصيد "النهج الديمقراطي القاعدي" الميداني في هذا المجال و على تجربة المنظمات الطلابية و الاتحادات النقابية الديمقراطية العالمية..الخ.
و لن تبخل علينا اجتهادات و نصوص لينين في هذا الباب بأن تنير الطريق على الأقل في التوجهات العامة، خصوصا في نظرة الماركسيين للمنظمات الجماهيرية ذات التعدد السياسي و لدور الطلائع الغير منتمية سياسيا، فيها، و المتشبثة بحقها في الانتماء، التسيير و القيادة لاتحاد هو في الأصل جماهيري و ليس نخبوي.
مقارنة تستدعي الانتباه
تكلمنا عن حالة الرد فعل في صياغة "البرنامج المرحلي" ضدا على برنامج "الكراس" الذي و إن قزم هو كذلك البرامج القاعدية السابقة عنه و اختزل نقاطها في أربعة، فلكلامنا ما يبرره و قد نعطي الشروحات و التقديرات ساعين في ذلك أن تكون شافية و رافعة لكل الالتباسات القديمة و التي ما زالت مستمرة إلى الآن.
تميز "الكراس" بقراءته للأوضاع في الساحة السياسية و الجامعية و على أرضيتها قدم اقتراحاته في التنظيم، متضمنة لنظرته المنسجمة مع قراءته للأوضاع، و في إشراك الطلبة و مجموع الفصائل العاملة بما فيها البيروقراطية منها، في هياكل إوطم، محاولا تقديم نظرته لحل أزمة إوطم بعد فشل المؤتمر 17 و بعد 3 سنوات من فشل الدعوة لإنجاز مؤتمره الاستثنائي 18.
لم يتجاوز ما تبقى من شرعية إوطم، خاصة القيادة الغير منسجمة و قوانين المؤتمر 16 التنظيمية، لم يتخلى عن الدعوة للدفاع عن المطالب المادية و المعنوية للطلبة بما فيها مواجهة "الإصلاح الجامعي" آنذاك.
خلافات القاعديين مع الكراسيين لم تنحصر في هذه النقط و فقط بل تعدته منتقدة نظرة الكراسيين الهيمنية لتجربة "النهج الديمقراطي القاعدي"، المتجاوزة و القافزة على رصيدهم التنظيمي و آلياته الديمقراطية، و المعدلة أو المراجعة لبرامجهم دون علمهم و اللاغية لبعض من ثوابتهم، خاصة موقفهم و تقديرهم للقوى السياسية العاملة داخل إوطم و ما يستدعيه هذا الموقف من قراءة جديدة لطبيعة المرحلة السياسية في المغرب و ما تتطلبه من تصور للتغيير و دور الحركة الطلابية، بالتالي، داخل و من أجل هذا التغيير.
هذا بشكل عام و مقتضب ما نعتبره في تقديرنا أهم أسباب الخلاف مع أنصار "الكراس" مع أن ما يهمنا، ليس التذكير بهذه النقط، بل ما يهمنا هو إبراز حضور المسألة التنظيمية في البرنامجين و بنظرتين مختلفتين.
"الكراس" يقدم اقتراحا حول إعادة الهيكلة تحت مسؤولية قيادة المؤتمر 16 أو 17 الفاشل و بالقوانين التنظيمية المنبثقة عن المؤتمر16، و "البرنامج المرحلي" يجيب برفع الحظر العملي عن إوطم و بمناهضة البيروقراطية.
"الكراس" يقول بـ"الدفاع عن المطالب المادية و المعنوية للطلبة و بمواجهة الإصلاح الجامعي" و "البرنامج المرحلي" يقول "بمواجهة ما يمكن مواجهته".
"الكراس" يدعم برنامجه بقراءة شاملة مكنته من رفع اللبس و توضيح رؤيته و الخلفيات المتحكمة في نقط برنامجه، "البرنامج المرحلي" لا يتوفر على أرضية و لا على تقديم و لا على أي شيء يفسر منطلقاته و مراميه، تفسر نقاطه على المزاج و يترك المجال للتأويلات و البتر و الإضافات..الخ.
لازمة ضرورية
هذه بعض انتقاداتنا التي لا ندعي من خلالها أو بها إجراء مبارزة و منافسة نظرية مع أي كان، نقدر الاجتهادات الميدانية و النظرية لكل الرفاق و لكافة التجمعات و التيارات المناضلة الديمقراطية الثورية، التي تدافع عن إوطم و عن الجامعة و عن الحق في التعليم بالمجان و عن الحق في تقرير المصير السياسي و الاقتصادي لكادحي هذا الشعب.
نقدر كذلك كل الاجتهادات النظرية و القراءات التقييمية الجادة و الجريئة لكل الماركسيين اللينينيين في كل ما يتعلق بالرصيد النضالي الثوري الذي خلفته منظمات الحملم و "النهج الديمقراطي القاعدي" و كل النقاشات الأممية المرتبطة بالتجارب العمالية الثورية و بالمشروع الاشتراكي و سبل بناءه.
و لنا عودة للموضوع من زوايا أخرى و قبل العودة نود الردود.
ع. الزروالي 2005
مواضيع ومقالات مشابهة
منشور بقسم
فكر و حوار
Tweet