للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

لماذا يخشى المستبدون العلم؟ بقلم: أحمد جمال زيادة





فى كتابه الرائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" كتب عبدالرحمن الكواكبى فصلا كاملا بعنوان "الاستبداد والعلم" يكشف فيه مدى تمسك الحكام الطغاة بتعليم الجهل بين الشعوب التى يحكمونها، فمهما كان الحاكم غبيا لا بد أن يعلم أن الجهل هو أحد الأعمدة المهمة التى تشيّد بها قصور الظلم والطغيان، فيقول الكواكبى: لا يخفى على المستبد مهما كان غبيًا أنه لا استعباد إلا مادامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة الجهل. وذكر لنا عدة نقاط مهمة تساعدنا في الإجابة على سؤال لماذا ينتهج الحكام الظالمون سياسة تجهيل الشعوب؟! منها:

*أن انتشار العلم بين الناس يقلل من نسبة الظلم فيقول الكواكبى: العلم نور والظلم ظلام، ومن طبيعة النور تبديد الظلام.

فالعلم نور يطفئه ظلام الظلم أو العكس، فكلما ازداد العلم قلّ الظلم وكلما ازداد الظلم قل العلم. وبهذا يصير الظالم عدوا للعلم.

فإننا لا بمكن أن نرى فى بلاد متقدمة تمتلك مؤسسات تعليمية حقيقية، ان نسمع مثلا عن الاختفاء القسرى أو عن اعتقال الصحافيين والمتظاهرين، أو انتهاك حرمات الجامعات واعتقال طلابها والحكم عليهم بالسجن سنوات، وأن نرى الإعلام يضلل الشعب ويكذب ليلا ونهارا، وغيرها من العجائب التى لا تجدها إلا فى بلاد ساد فيها الجهل.

*المستبد لا يخشى من العلوم الدينية المتعلقة بالميعاد، والمختصة ما بين الإنسان وربه، لاعتقاده بأنها لا ترفع غباوة ولا تزيل غشاوة.

فإن الحاكم الظالم لا يخشى من خطيب الجمعة الذى يتحدث عن حرمة التدخين، أو عن كيفية الاستنجاء وحرمانية النظر إلى النساء فى التلفاز.

ولا يخشى علماء تفتى بحرمانية الخروج على الحاكم، ويتجاهلون الظلم وإراقة الدماء التى تسيل، والسجون التى اكتظت بالمظلومين أثناء حكمه، وربما تجدهم يبررون القتل. وإنما سيخشى الديكتاتور عالما ربما يتسبب فى تنوير عقول الناس وفضح جرائمه.

يقول الكواكبى عن شيوخ السلطان: هؤلاء لا يخشى منهم الحاكم بل يستخدمهم لتضليل الناس مقابل أن يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسد أفواهم بلقيمات من الاستبداد.

*يبغض الديكتاتور العلم لأن للعلم سلطانا أقوى من كل سلطان، فلا بد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما.

وهكذا نجد الجهلاء يحيطون بالحكام المستبدين لأنهم يرضون كبريائهم بغبائهم وجهلهم، ولأنهم طبعا سيشعرونه بأنه العالم والطبيب والمهندس، وسيتنشرون فى وسائل الإعلام يحدثونك عن إنجازات للحاكم لا مثيل لها، وسيجعلون من الوطن أضحوكة أمام العالم.

أما العلماء فأماكنهم محجوزة فى السجون وفرصتهم ستكون أكبر فى البلاد التى تقدر العلم، لأنهم محل إزعاج للطغاة، سيعكرون صفوهم عندما يتقدمون بدراسة تثبت فشل هذا المشروع أو عدم جدوى ذلك وأنه من الأفضل استبدال هذا المشروع بأخر،

سيساعدون الناس فى معرفة الفرق بين مشاريع الفرقعة الإعلامية والمشاريع العملاقة، ويصدعون الحاكم عندما يطالبون بتطوير المنظومة التعليمية بأساليب حديثة وفعالة.

*المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم درّا وطاعة، وكالكلاب تذللا.

فالحكام المستبدون يساعد فى استبدادهم مجموعة من الناس تمضى خلفهم كالغنم، تهلل له عندما ينطق بالتفاهات، تطيعه فى كل الأمور حتى الغريبة منها والتى، تتذلل له وتقبل صوره وتسجد له كأنه إله، يهتفون باسمه عندما يفشل فى كل شيء، ويقولون له نحن معك إلى أن تغرق المركب التى تقودها، نحن فداك يا قائدنا العظيم، يؤيدونه عندما يقتل، وعندما يسرقهم يقولون أنه يفعل هذا من أجل الوطن، نراهم فى كل مكان يربطون بين الوطن والحاكم، يعتقدون دائما أن الحاكم هو المنقذ والمخلص الوحيد مما هم فيه من بؤس مع أنه لا يزيدهم إلا بؤسا. الجهلاء من السهل إقناعهم بأن الكوارث إنجازات،وبأن الشباب الثائر عملاء، وبأن الكون بأكمله يتآمر على الوطن والحاكم. وهذه الصفات لا يمكن توافرها إلا فى نوعين من الناس "المنافقين والمنتفعين الذين يودون التقرب من الحاكم طمعا فى منصب ما، أو فى جهلاء لا يعرفون عن التاريخ شيئا ولا يقدسون الحرية لأنهم يخشونها". أما من يملكون العلم والعقل فيقول فيهم الكواكبى:الرّعية العاقلة المتعلمة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام، تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه.

* بين الاستبداد والعلم حرباً دائمة:

فالكواكبى يرى أن الظلم والعلم متحاربان إلى يوم الدين، كما يصارع الشر والخير صراعا أبديا، فالعلماء يسعون في تنوير العقول، ويجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام. ثم يوضح لنا من هم العوام؟ قائلا: هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا.

فالجهل إذاً يؤدى إلى الخوف الذى يتمنى الحاكم المستبد بأن يبثه فى نفوس الرعية كى لا يجرؤون على مطالبته بحقوقهم، أو محاسبته على أفعاله وجرائمه، والخوف من الحاكم يؤدى إلى الاستسلام بأن هذا الحاكم لن يترك الحكم إلا بعد أن يترك الدنيا.

*ما انتشر نور العلم في أمةٍ قطّ إلا وتكسَّرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدّين من رؤساء سياسة أو رؤساء دين. هكذا يقول الكواكبى.

فإنه إن انتشر العلم فمن الضرورى أن تنكسر كل القيود، فيجوز مع العلم أن تنتقد الجميع، فلا رهبة من حاكم، ولا تقديس لعالم دين مهما كان علمه, فالحاكم ربما يكون خائنا لوطنه وعالم الدين ربنا يكون فاسقا، فمع العلم لا طاعة عمياء لهذا او لذلك.

***

نشرت جريدة البورصة تقريرا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لترتيب الدول فى التعليم بعنوان "تصنيف دول العالم من حيث التعليم ..ومصر خارج القائمة" فحتى المركز الأخير الذى كنا نحصل عليه باستمرار فقدناه!

ناهيك عن ال24% نسبة نجاح الثانوية الازهرية فى هذا العام، وهذا معناه أن أقل من ربع طلاب الأزهر همن من استطاعوا النجاح فقط,

ولا ننسى الطالبة المتفوقة مريم ملاك التى حصلت على صفر فى الثانوية العامة ظلماَ مع أنها حافظت على المركز الأول فى السنوات السابقة، فأرسلت لوزير التربية والتعليم تقول له: هل تخاف علي موظفيك من المسائلة القانونية؟ فلماذا لا تخاف الله، هؤلاء لن ينفعوك؟! ولكن الوزير الذى يعلم الجهل لم يتحرك!

الحمد لله أن عبدالرحمن الكواكبى ليس مصريا يعيش فى وقتنا الحالى وإلا لرأينا "على جمعة" يتهمه بأنه من الخوارج، و"أحمد موسى" يطالب باعتقاله وإعدامه، وسمعنا فتاوى أزهرية تحرم الحديث عن جهل الرعية واستبداد الحكام، واتهمته اللجان الإلكترونية بالعمالة والخيانة.
أحمد جمال زيادة

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes