رسائل السعودية من وراء "حفلة" إعداماتها لـ علي أنوزلا
يصعب تصديق أن السعودية لم تكن تتوقع ردود الفعل التي خلفها إعدامها لمعارض شيعي ومنشق سياسي في بلادها اسمه نمر النمر. بل المؤكد أنها سعت إلى التمويه على توقعاتها بما كان منتظرا من ردود أفعال بأن أعدمته في "حفلة" من الإعدامات الجماعية التي أزهقت أرواح 46 شخصا آخرين.
لكن لماذا أقدمت السعودية على فعلتها هذه التي صبت عليها غضب الشيعة وانتقادات العالم؟
فهذه أول مرة يٌقدم فيها النظام السعودي المسنود من الحركة الوهابية السنية على إثارة غضب شيعته في الداخل والشيعة في العالم من خلال قرار بدا وكأنه متعمدا إن لم يكن متهورا.
النتيجة الأولى لهذا القرار هو تأجيج الخلاف بين الرياض وطهران، فبعد إحراق السفارة السعودية في طهران بادرت الرياض إلى قطع علاقاتها معها، وسعيا إلى محاباة الرياض أو استجداء عطائها سارعت عدة عواصم عربية إلى قطع علاقتها مع طهران.
لقد كان حكام الرياض يدركون حجم رد فعل إيران والشيعة في العالم على إعدام رمز من رموز الشيعة في بلادهم. لذلك سعوا إلى تحميل فعلتهم البشعة تلك أكثر من رسالة وإلى أكثر من جهة.
"الخطير في توقيت هذه الإعدامات أنها صرفت النظر أيضا عن الحصار الذي بات يشتد طوقه حول عنق تنظيم "داعش" الإرهابي".- علي أنوزلا
وأول رسالة سياسية حملتها تلك الإعدامات موجهة إلى الداخل السعودي، تهدف إلى صرف الأنظار عن المشاكل الاقتصادية التي باتت تعيشها البلاد، بسبب تدني أسعار النفط وضعف المداخيل التي ستنعكس سلبا على سياسة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية السخية التي يشتري بها النظام سلمه الاجتماعي، ومما ضاعف من إفقار هذه السياسة ارتفاع تكلفة الحرب التي تخوضها الرياض في اليمن.
والرسالة السياسية الثانية تكمن في تخويف المعارضين في الداخل وإسكاتهم، خاصة الشيعة منهم الذين كانوا يرون في نمر النمر رمزا لهم ومدافعا شجاعا عن حقوقهم.
يضاف إلى ذلك رسائل لا تقل أهمية عما سبقها، ويتعلق الأمر بحشد تعاطف السنة مع الرياض في حروبها المفتوحة على أكثر من جبهة، سواء منها تلك التي تخوضها مباشرة كما هو الأمر في اليمن وسوريا والبحرين، أو بالوكالة كما هو الأمر في لبنان والعراق وليبيا ومصر.
دون أن ننسى أن هذه الإعدامات جاءت في وقت يحصل فيه تقارب تدريجي بين إيران والغرب بعد أن تمت تسوية الملف النووي الإيراني، وهو ما يجعل الرياض تشعر بتنامي قوة منافستها وعدوتها الإقليمية اللدودة: إيران.
لكن الخطير في توقيت هذه الإعدامات أنها صرفت النظر أيضا عن الحصار الذي بات يشتد طوقه حول عنق تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يتقاسم نفس المرجعية المذهبية التي يقوم عليها النظام الديني الرسمي في السعودية آلا وهي الوهابية. فقد تزامنت هذه الإعدامات وما أثارته من ردود أفعال ما زالت تتفاعل مع الهزائم التي أٌلحقت بتنظيم "داعش" في العراق تحت ضربات الجيش العراقي مسنودا بطيران التحالف الدولي ومدعوما بـ "الحشد الشعبي" الشيعي.
وسط ضجيج هذه "الحفلة" من الجرائم البشعة وردود الفعل الهستيرية، سينسى العالم أن ما جعل الكثير من الناس داخل وخارج المنطقة يتعاطفون مع نمر النمر، ليس هو مذهبه الشيعي، وإنما أيضا خطابه السياسي كمعارض إصلاحي يدافع عن أقليته الشيعية، ومنشق لا يكل عن انتقاد النظام الوراثي العائلي لآل سعود الذي يقمع الحريات ويصادر الحقوق.
ففي خضم هذا التصعيد المحموم للأزمة السياسية بين أكبر قوتين إقليميتين، نسي العالم بشاعة الجريمة التي ارتكبتها الرياض، والمتمثلة في تنظيم أكبر عملية إعدام جماعي، وهي العقوبة التي تشجبها وتحرمها العهود والمواثيق الدولية.
الإعدامات شيء روتيني في السعودية صاحبة السجل الأسود في مجال احترام حقوق الإنسان. ومن المفارقة أن يصدر أول وأكبر رد فعل على ما اقترفته السعودية من طهران التي تنافس الرياض في عدد الإعدامات التي تتجاوز المئات سنويا، ولا يقل سجلها بشاعة عن سجل الرياض في مجال انتهاك حقوق الإنسان.
الصراع الطائفي الحالي السعودي الإيراني الذي أججته إعدامات الرياض وردود فعل طهران الطائشة، ما هو إلا غطاء لما خفي من تحولات كبيرة تهز المنطقة منذ زلزال "الربيع العربي" الذي حاربته طهران والرياض معا، لكن ارتداداته ما زالت تفعل فعلها في المنطقة وهو ما تخشى منه السعودية وتتوجس منه إيران، لذلك يجب توقع كل الحماقات منهما مستقبلا.
مواضيع ومقالات مشابهة