للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

المواقع الاجتماعية و"سلطة" برلمان الشعب الافتراضي لـ علي أنوزلا



شكل اعتقال شاب مغربي يدعى عبد الرحمن المكراوي حدث الساعة في المغرب، بل ووصلت تداعيات الحدث إلى خارج حدود المغرب عندما تناولته وسائل إعلام عالمية كبرى.

تعود تفاصيل الحادث إلى يوم اعتقال الشاب عبد الرحمن في قرية منسية وسط المغرب، هي قرية "جمعة سحيم". التهمة التي وجهت إلى الشاب كانت هي "القذف والسب"، والمشتكي هو رئيس بلدية القرية.

أما تفاصيل الوقائع فتعود إلى شريط فيديو هاوي التقطه الشاب هو وصديقه، وفي الشريط يَظهر الشاب وهو يجلس على قارعة طريق معبدة حديثا، موجها كلامه إلى صديقه وفي نفس الوقت إلى عين الكاميرا وهو يَكْشِطٌ بيديه العاريتين الغشاء الخارجي للطريق المعبدة، كما لو كان يقوم بتقشير طبقات جلد ميت متسائلا بسخرية: "هل هذه فعلا طريق معبدة؟".

عملية نشرِ الفيديو كان يمكن أن تَمر مرور الكرام، لكن حادثة الاعتقال، حولت صاحبه إلى بطل لأنه بفعله البسيط والتلقائي استطاع أن يعري الفساد الذي أدى إلى أن تٌنجز تلك الطريق المعبدة بمواصفات تدعو إلى السخرية والاستنكار. وسرعان ما اشتعلت المواقع الاجتماعية بالتعليقات المساندة والمؤيدة للشاب، والمستنكرة للغش الذي طال تعبيد الطريق، والمنددة بالفساد.. وانتشرت "الوسوم" (الهاشتاغات) التي تطالب بإطلاق سراح الشاب وبمحاسبة المسؤولين عن بناء تلك الطريق. وقامت مواطنات ومواطنين مغاربة من المغرب وآخرون يقيمون بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا بمحاكاة لقطة الشاب وهم يجلسون على قارعة الطريق في أماكن تواجدهم للتعبير عن تأييدهم للفعل "البطولي" الذي أقدم عليه ابن قرية "جمعة سحيم".

ومثل كرة الثلج تحولت قضية الشاب، الذي اتهمه رئيس بلدية قريته بـ "السب والقذف"، لأنه تساءل في الفيديو عما إذا كان رئيس البلدية هو من سرق أموال تلك الطريق المغشوشة، وتابعته المحكمة بتهمتي "إهانة موظف أثناء عمله" و"تعييب ممتلكات ذات منفعة عامة"، إلى قضية رأي عام.

وتحت ضغط الشارع تدخل رئيس الحكومة ليعلن استنكاره اعتقال الشاب الذي فضح الفساد. وتسابق برلمانيون لتوجيه أسئلة كتابية إلى وزير الداخلية لمعرفة ملابسات الصفقة التي بموجبها تم تعبيد تلك الطريق بتلك الطريقة المزرية. وتدخل وزير العدل ليأمر النيابة العامة بإطلاق سراحه حتى قبل أن تٌعقد جلسة محاكمته. وآخر المتدخلين كان هو الإعلام الرسمي عبر القناة الرسمية الثانية لاحتواء تفاعلات القضية حتى لا تخرج عن السيطرة خاصة بعد خروج مظاهرات في مدينة الشاب تطالب بإقالة وكيل الملك (ممثل النيابة العامة) الذي أمر بالاعتقال، وأيضا أمام انتشار فيديوهات تحاكي فعل الشاب عبد الرحمن تكشف عن عيوب الطرق العامة في المغرب.

حدث كل هذا في ظرف أقل من أسبوع. والفضل في كل ما حصل يعود بالدرجة الأولى إلى اثنين: إلى الشاب الذي تحول إلى صحفي مواطن وفاضح للفساد وزعيم داخل قريته الصغيرة المنسية، وأيضا إلى وسائل التواصل الاجتماعية التي تحولت إلى أكبر برلمان شعبي قادر على إسقاط وزراء وإطلاق سراح معتقلين.

هذه القضية لم تكشف فقط على هشاشة البنية التحتية في المغرب بسبب الغش والفساد، وإنما كشفت عما هو أهم: لقد كشفت عن هشاشة السلطة القضائية التي اعتقلت بطريقة تعسفية شابا فضح الفساد في قريته، وأطلقت سراحه تحت ضغط الشارع وبعد تدخل من السلطة التنفيذية. حَدث هذا التدخل بطريقة غير مباشرة عندما عبر رئيس الحكومة علانية عن استنكاره اعتقال شاب فضح الفساد، كما تم بطريقة مباشرة عندما أمر وزير العدل النيابة العام بالإفراج عنه فوريا وهي التي سبق لها ولهيئة المحكمة أن رفضوا ملتمس دفاع الشاب بالإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح!

ومرة أخرى انتصرت وسائل الإعلام الاجتماعية والحملات الشعبية الإلكترونية، على اعتبار أنها باتت تمثل "سلطة" برلمان الشعب الافتراضي، في هزيمة ثلاثة سلط مرة واحدة: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وسلطة الفساد الذي فضحته.


علي أنوزلا

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes