الخرافات تحكم ميدان رابعة العدوية / فاروق يوسف
المتجمعون في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة لا ينصتون إلا إلى اصواتهم
الداخلية. لقد تمكنت منهم عمليات غسل الدماغ التي تعرضوا لها لسنوات طويلة بحيث
صارت تقف بينهم وبين رؤية الواقع المتغير من حولهم. هم أقرب إلى الكائنات المسيرة
من كونهم مواطنين مخيرين وأحرارا. كائنات معبئة بافكار غيبية، لا يهمها عبث المسعى
الذي تقوم به وترغب من خلاله الوصول إلى هدفها الذي بات مستحيلا.
لقد اختلطت
الصور لديها، فصارت ترى في عودة الرئيس الاخواني المعزول محمد مرسي الى كرسي الحكم
نوعا من فرض ديني يجب القيام به وانجازه في أسرع وقت.
كائنات
مسيرة، هي نتاج عمليات التلقين المستمر والتي كان القائمون عليها يحرصون على مزج
الوهم بالواقع، الخرافة بالسلوك السياسي، الأفكار الغيبية بالمشاريع الدنيوية.
كل شيء هناك
يشير إلى حالة مذهلة من الفقر الفكري وغياب تام للوعي والتفكير.
وهو ما يؤكد
أن جماعة الأخوان قد نجحت في تدمير حواس أتباعها، الذين يحتاج كل واحد منهم إلى
سنوات من أجل علاجه لكي يستعيد كفاءته العادية فيكون إنسانا سويا.
بالنسبة
لأولئك المتجمهرين حول مطلب واحد هو “الشرعية”، فان الاستسلام لما يقوله الخطباء
على المنصة صار نوعا من التسليم الديني، بغض النظر عن الافتراءات والكذب والخرافات
التي صارت تنزلق على ألسن أولئك الخطباء.
ما من فكرة
تُناقش. وما من نكوص عن الهدف. هناك ايحاء بالرغبة في الانتحار.
وبالرغم من
أن المطلب الذي تجمع جماعة الأخوان اتباعها في ميدان رابعة العدوية هو مطلب سياسي
بحت، لا علاقة له بالدين، لا من قريب ولا من بعيد، فان لغة الخطاب الديني هي
السائدة هناك. فهي اللغة الوحيدة التي تستطيع الجماعة السيطرة من خلالها على
أتباعها. بل هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن يصغي إليها أولئك الاتباع المضلَلون.
وليس غريبا
والحالة هذه أن يتسلل نمط التفكير الخرافي إلى الشعارات والهتافات التي تسود ذلك
المكان. كأن يتداول المتجمهرون حكاية لقاء الرئيس المعزول بالنبي محمد (ص) ورغبة
النبي في أن يؤم مرسي المؤمنين في الصلاة وهو من بينهم.
صحيح أن تلك
الحكاية قد رويت من قبل أحد الخطباء على أساس اعتمادها على الرؤى التي يدعي
أصحابها أنها جاءتهم أثناء النوم، غير أن صيحات الجماهير المباركة والمهللة
والمتوجهة إلى الله كانت تؤكد أن تلك الجماهير قد وقعت تحت تأثير سحر تلك الحكاية
الخرافية وصدقتها .
وهكذا تقدم
جماعة الأخوان لأتباعها غذاء دينيا مطعما بالكذب والاحتيال والبلاهة.
وهو ما كانت
تنوي تقديمه لكل الشعب المصري، لو تسنى لمحمد مرسي أن يستمر في رئاسته، بعد سنة من
الفشل الذريع.
فالجماعة كما
يشير إلى ذلك خطابها السائد لا تملك ما يمكن أن تدافع به عن ما تسميه بشرعية
استمرار مرسي في رئاسته سوى الأدعية وحكايات الأولياء والسلف الصالح. الأمر الذي
حول الرئيس المعزول من موظف جيء به إلى وظيفته ذات الطابع السياسي من خلال صناديق
الاقتراع إلى مشروع ولي غدرت به الأقدار فحولته إلى ضحية، يتبارك مريدوها بذكرها.
ما يجري في
ميدان رابعة العدوية هو بكل المقاييس واحدة من أعظم الفضائح التي تختم جماعة
الأخوان المسلمين حياتها السياسية بها.
فبعد عقود من
النضال السري المبطن بالدعوة من أجل القفز إلى السلطة ها هي الجماعة التي فكت ثورة
الشعب المصري في يناير عام 2011 عنها الأسر تكشف علنا عن أنها لا تملك مشروعا
سياسيا واقتصاديا وثقافيا ينقذ مصر وشعبها مما أنتهيا إليه من أوضاع سيئة.
كل ما تملكه
تلك الجماعة لا يتخطى مجال الخطب في الجوامع.
مواضيع ومقالات مشابهة