مفهموم الثورة و تعريفها / محيي الدين محروس
مقدمة غير
مختصرة: أرجو عدم قراءة المقالة، خاصةً لمن لا يهتم في البحث العلمي.
من خلال نقاشاتي الحية و "الافتراضية"، و جدت مفاهيم غريبة عجيبة، تخص الثورة.
أهمها:
- أن ما يجري في بلدان ما يُسمى الربيع العربي، ليس هو بثورات، و إنما حركات
إصلاحية باءت كلها بالفشل! و أضحت خريفاً عربياً!
- ما يجري.. ما هو إلا تنفيذ لمخطط مخابراتي أمريكي موضوع منذ سنوات!
- الرواية الرسمية السورية..و هي معروفة: مؤامرة كونية ضد نظام " الممانعة و المقاومة"
ينفذها إرهابيون بتمويل عربي! و للأسف، تردد هذه الرواية بعض القوى "اليسارية"
السورية، و حتى بعض الأحزاب الشيوعية في العالم، استناداً و تضامناً مع الأحزاب الشيوعية
السورية المشاركة في السلطة!
- هناك من هو من المؤيدين لما يجري، و لكنه ينفي عنها الصفة الثورية بحجة فقدانها:
للنظرية الثورية و للقيادة الثورية!
- وهناك ماركسيون نظريون يؤكدون: بأن الثورة في "مفهومهم" الماركسي: هي عندما
تعيق العلاقات الاقتصادية تطور القوى المنتجة، تقوم بثورتها. و هكذا تم الانتقال من الاقطاعية إلى الرأسمالية، و من الرأسمالية إلى الاشتراكية! و عدا عن ذلك، فهي حركات
اجتماعية اصلاحية و في احسن الأحوال: انتفاضة!
و أسمح لنفسي، أن أدخل في مناقشة هذا الموضوع المعقد. و ذلك لأهميته.
ماهو مفهوم و تعريف الثورة؟
أولاً: في اللغة العربية. الثورة هي من فعل: ثار. و ثار الشيء هاج، ثورة الغضب: حدته. التأثر: الغضبان.و يقال للغضبان: أهيج ما يكون. كما تعني: تمرد على الشئ. ويربط اللسان العربى لفظ "الثورة" بذلك لغويا أو إيحاءً لغويا بمعانى: عدم الانضباط و الغضب. لن أدخل في بقية المعاني.
و في اللغة اللاتينية: تعني "مظهرة الحركة الدائرية للنجوم". والكلمة لا تشير إلى العنف، بل تشير إلى حركة دائرية متكررة. و مصطلح الثورة هو مصطلح فلكي الأصل، اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي "نيكولاس كوبرنيك". ونشأ أصل الكلمة في علم الفلك، واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة. وظل مصطلح الثورة يعني حتى القرن التاسع عشر، اضطراباً شعبياً فقط،.
و اتخذت معناها السياسي قبيل عام 1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية، بمدة قصيرة.
و بمعنى التغيير "رأساً على عقب" أو التغييرات الجذرية، استخدم تعبير: الثورة الصناعية و الثورة التقنية و الثورة في عالم الاتصالات ( الثورة الصفرية)، و غيرها من الثورات.
و ما يهمنا هنا: هو مفهوم الثورة كمصطلح سياسي و اقتصادي و اجتماعي.
وهنا بيت القصيد... لندخل في الموضوع. بعد هذه المقدمة.
و لمن يهمه تاريخياً، أنصحه بالعودة إلى كتاب ارسطو الشهير: "السياسة". حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة. و منه يستنتج: "أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي قد يؤدي إلى استبدال الجماعات الاجتماعية".
هناك التعريف التقليدي الذي رافق الثورة الفرنسية: وهو قيام الشعب بقيادة نخب و طلائع مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.
و من ثم تم تطويره من قبل الماركسيين: وهو قيام الطبقة العاملة بقيادة طليعتها " البرولتاريا" لتغيير النظام.
و هناك المفهوم المعاصر: و هو التغيير الجذري للنظام السياسي – القتصادي- الاجتماعي،الذي يحدثه الشعب، من خلال شخصيات تاريخية أو "انقلابات عسكرية" أو الحراك الجماهيري، و ذلك تحقيقاً لمطالب ثورية يطمح إليها.
و في هذا السياق المعاصر: كانت حركة المقاومة للاستعمار الفرنسي " ثورة الجزائر" بقيادة عمر المختار (1954- 1962). و الانقلاب العسكري للضباط الأحرار في مصر عام 1952 التي أطلق عليها فيما بعد "ثورة تموز23 ". و التي اطاحت بالملك فاروق و غيرها من الثورات في أمريكا اللاتينية.
و تبقى مقولة ماركس و من بعده صحيحة( حسب رأيي):
"بأن الثورة هي مرحلة من مراحل التطور التاريخي، و أن حتمية الحركة الثورية تكمن في عدم ملائمة النظام القديم، و ضرورة استبداله بنظام جديد، يعبر عن مطامح الشعب."
و في الجانب الاقتصادي: إعادة توزيع الدخل القومي بشكل عادل. من هنا ترتفع شعارات: محاسبة الفاسدين، و سارقي الثروات النفطية و الوطنية و لقمة الشعب.
و في الجانب الاجتماعي: بمفهوم الثورة الاجتماعية: كانت مساهمة جادة من ماركس و انجلز، حيث نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً، من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة، يجب أن يكون نابعاً، من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاول ماركس و إنجلز، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي، من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر( القوى المنتجة و علاقات الانتاج) يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية، وتغيرات تتبعها الثورة.
و الثورة في علم الاجتماع تشير الى "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسة للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً و جوهرياً من نمط سائد، إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة. من بنيان اجتماعي إلى آخر.
و يعرف هيغل الثورة في كتابه "العقل والثورة" : على أنها الثورة على الأوضاع القائمة، وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً، وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني.
ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات، تأخذ بعدًا شعبيًّا، تكسر حاجز الخوف، أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم، تطلَق عليه صفة ثورة.
و هناك ترابط جدلي بين المفاهيم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
أكتفي بهذا القدر من التعاريف و الشرح، حول مفهوم الثورة في بعدها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.
و سأقوم بالرد، على المفاهيم الخاطئة التي وردت في المقدمة. و التي من خلال معرفة مفهوم الثورة
قد تم توضيحها جزئياً. و لكن أود وضع النقاط على الحروف.
كيف انطلقت ثورات الربيع العربي؟ و ما هي أسبابها؟ و من هي القوى المحركة لها؟
هنا سأختصر. بدأت من تونس: من حرق أحد المواطنين نفسه. و في سوريا: من اطفال درعا.
هل هذا هو السبب للثورة؟ بالطبع: لا.
للثورة اسبابها الاقتصادية: عدم التوزيع العادل للدخل الوطني. مما يؤدي إلى تدهور الحياة المعاشية للمواطن، و الإثراء الفاحش للطبقة الحاكمة، على حساب الجماهير الكادحة، عدا سرقات ثروات الوطن.
و أسبابها السياسية: نظام استبدادي ديكتاتوري...أمنوقراطي ( الأمن متواجد في كل مؤسسة مدنية و عسكرية.. و تخضع له). نظام حكم الحزب الواحد، و القائد الملهم و الخالد..و الحاكم لعشرات السنين. غياب المنظمات المدنية المستقلة، و التضييق على الأحزاب و التنظيمات السياسية إن وجدت. عدم حرية الراي و الاعلام. اعتقالات تعسفية .. لسنوات طويلة، بدون محاسبات قانونية.
هكذا جاءت حركة الجماهير من الشارع، حركة عفوية، احتجاجية . من صميم الشعب.
مطالبة بالإصلاح.. من نظام غير قابل للإصلاح.
و في كل دولة عربية كانت ردود فعل السلطة مختلفة.
في تونس: هرب الرئيس على السريع.. و في مصر: وقف الجيش بدايةً على الحياد، و من ثم إلى جانب الشعب، مما اضطر الرئيس على التنحي. في ليبيا: استخدمت الدولة كل قواها العسكرية و الأمنية للقضاء على الثورة، و كان للتدخل العسكري، دوراً حاسماً في انهاء نظام القذافي.
في سوريا: سارت السلطة على نفس نهج القذافي، من أول يوم للمظاهرات السلمية، التي طالبت بالاصلاح..وهي إلى يومنا هذا.. تستخدم كافة الأسلحة بما فيها الأسلاحة الثقيلة و الطيران الحربي و صواريخ سكود و البراميل و الأسلحة المحرمة دولياً.
ولنقف عند الوضع في سوريا: بالقاء نظرة على سعة الحراك الجماهيري، في بدايات الثورة، و عموم المظاهرات في كافة المدن و القرى و المناطق.. و شعاراتها: "إسقاط النظام"..."الحرية و الكرامة".
ألا يدل ذلك، على أنها ثورة بكل معنى الكلمة؟ لدينا قوى اجتماعية واسعة، تريد التغيير الجذري للنظام ( اسقاط النظام)، و إقامة نظام جديد..آخر ، يحقق مطامح الشعب في الحرية و العدالة الاجتماعية. كل العناصر السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، لمفهوم الثورة، متوفرة.
يبقى شرح دخول بعض القوى المتطرفة الدينية على الثورة، و محاولة حرفها عن مسارها، من ثورة سورية، إلى حرب أهلية أو دينية. و لكنها ليست هي القوى التي قامت بالثورة، كما أنها ليست هي القوى المحركة، للعملية الثورية المستمرة في سوريا.
و كذلك، كون هذه الثورة قد تخطت كل الأحزاب السياسية التقليدية، لم يتبلور بعد برنامجها الثوري الوطني إلا في خطوطه العامة. و كذلك، توجد قيادات ثورية على الأرض( التنسيقيات) و كتائب مسلحة و جيش حر.. و معارضة في "الداخل" و في "الخارج"، و لم تتوحد بعد في قيادة ثورية واحدة، لتلتف حولها القوى الثورية. و لكن هذا لا يُلغي طبيعتها بأنها: ثورة حقيقية.
متى يتم تقييم مدى تحقيق أهداف الثورة؟
يتسارع بعضهم للحكم، فوراً بعد إسقاط للنظام. و يعطي أمثلة عن ما يجري حالياً في الدول التي تم فيها اسقاط النظام. و يعدد بعد المظاهر السلبية، و يُسرع، ليسميها: الخريف العربي.
متناسياً: مرحلة ما بعد سقوط النظام، هي مرحلة انتقالية، مرحلة الصراعات السياسية بين مختلف القوى و التيارات السياسية و الاجتماعية و الدينية و القومية، التي ساهمت في الثورة، و التي لم تساهم. هي مرحلة تأسيس للديمقراطية: دستور جديد، وقانون انتخابات جديد، و قانون أحزاب... وغيره من القوانين.. و إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة بناءً على هذا الدستور و هذه القوانين. هذه المرحلة قد تأخذ فترة قصيرة، أو طويلة حسب ظروف البلد. و لكن بالتأكيد لا يجوز حرق الخطوات. لأن النتائج عندها قد تكون كارثية، كما حصل في مصر. و بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة تحقيق اهداف الثورة. عندها يكون التقييم علمي و موضوعي.
و من المفيد التحذير، بأن الثورة قد تتم سرقتها، أو القضاء عليها من قبل قوى الثورة المضادة، و ذلك من خلال إفراغها من محتواها الثوري.
و عندها يتم استبدال النظام السياسي الاستبدادي، بنظام استبدادي جديد. الخطر قائم في الثورة السورية. مثلاً: من استبداد مدني إلى استبداد ديني!
اعتذر للاطالة، رغم محاولاتي الاختصار، و أرجو أن أكون قد ساهمت بإلقاء الضوء، على مفهوم الثورة، و ثورات الربيع العربي،ثورتنا السورية العظيمة، من أجل حمايتها و انتصارها وتحقيق أهدافها في الحرية و العدالة الاجتماعية و بناء دولة المواطنة.
انتظر مساهمات جادة و علمية في إغناء الموضوع.
من خلال نقاشاتي الحية و "الافتراضية"، و جدت مفاهيم غريبة عجيبة، تخص الثورة.
أهمها:
- أن ما يجري في بلدان ما يُسمى الربيع العربي، ليس هو بثورات، و إنما حركات
إصلاحية باءت كلها بالفشل! و أضحت خريفاً عربياً!
- ما يجري.. ما هو إلا تنفيذ لمخطط مخابراتي أمريكي موضوع منذ سنوات!
- الرواية الرسمية السورية..و هي معروفة: مؤامرة كونية ضد نظام " الممانعة و المقاومة"
ينفذها إرهابيون بتمويل عربي! و للأسف، تردد هذه الرواية بعض القوى "اليسارية"
السورية، و حتى بعض الأحزاب الشيوعية في العالم، استناداً و تضامناً مع الأحزاب الشيوعية
السورية المشاركة في السلطة!
- هناك من هو من المؤيدين لما يجري، و لكنه ينفي عنها الصفة الثورية بحجة فقدانها:
للنظرية الثورية و للقيادة الثورية!
- وهناك ماركسيون نظريون يؤكدون: بأن الثورة في "مفهومهم" الماركسي: هي عندما
تعيق العلاقات الاقتصادية تطور القوى المنتجة، تقوم بثورتها. و هكذا تم الانتقال من الاقطاعية إلى الرأسمالية، و من الرأسمالية إلى الاشتراكية! و عدا عن ذلك، فهي حركات
اجتماعية اصلاحية و في احسن الأحوال: انتفاضة!
و أسمح لنفسي، أن أدخل في مناقشة هذا الموضوع المعقد. و ذلك لأهميته.
ماهو مفهوم و تعريف الثورة؟
أولاً: في اللغة العربية. الثورة هي من فعل: ثار. و ثار الشيء هاج، ثورة الغضب: حدته. التأثر: الغضبان.و يقال للغضبان: أهيج ما يكون. كما تعني: تمرد على الشئ. ويربط اللسان العربى لفظ "الثورة" بذلك لغويا أو إيحاءً لغويا بمعانى: عدم الانضباط و الغضب. لن أدخل في بقية المعاني.
و في اللغة اللاتينية: تعني "مظهرة الحركة الدائرية للنجوم". والكلمة لا تشير إلى العنف، بل تشير إلى حركة دائرية متكررة. و مصطلح الثورة هو مصطلح فلكي الأصل، اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي "نيكولاس كوبرنيك". ونشأ أصل الكلمة في علم الفلك، واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة. وظل مصطلح الثورة يعني حتى القرن التاسع عشر، اضطراباً شعبياً فقط،.
و اتخذت معناها السياسي قبيل عام 1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية، بمدة قصيرة.
و بمعنى التغيير "رأساً على عقب" أو التغييرات الجذرية، استخدم تعبير: الثورة الصناعية و الثورة التقنية و الثورة في عالم الاتصالات ( الثورة الصفرية)، و غيرها من الثورات.
و ما يهمنا هنا: هو مفهوم الثورة كمصطلح سياسي و اقتصادي و اجتماعي.
وهنا بيت القصيد... لندخل في الموضوع. بعد هذه المقدمة.
و لمن يهمه تاريخياً، أنصحه بالعودة إلى كتاب ارسطو الشهير: "السياسة". حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة. و منه يستنتج: "أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي قد يؤدي إلى استبدال الجماعات الاجتماعية".
هناك التعريف التقليدي الذي رافق الثورة الفرنسية: وهو قيام الشعب بقيادة نخب و طلائع مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.
و من ثم تم تطويره من قبل الماركسيين: وهو قيام الطبقة العاملة بقيادة طليعتها " البرولتاريا" لتغيير النظام.
و هناك المفهوم المعاصر: و هو التغيير الجذري للنظام السياسي – القتصادي- الاجتماعي،الذي يحدثه الشعب، من خلال شخصيات تاريخية أو "انقلابات عسكرية" أو الحراك الجماهيري، و ذلك تحقيقاً لمطالب ثورية يطمح إليها.
و في هذا السياق المعاصر: كانت حركة المقاومة للاستعمار الفرنسي " ثورة الجزائر" بقيادة عمر المختار (1954- 1962). و الانقلاب العسكري للضباط الأحرار في مصر عام 1952 التي أطلق عليها فيما بعد "ثورة تموز23 ". و التي اطاحت بالملك فاروق و غيرها من الثورات في أمريكا اللاتينية.
و تبقى مقولة ماركس و من بعده صحيحة( حسب رأيي):
"بأن الثورة هي مرحلة من مراحل التطور التاريخي، و أن حتمية الحركة الثورية تكمن في عدم ملائمة النظام القديم، و ضرورة استبداله بنظام جديد، يعبر عن مطامح الشعب."
و في الجانب الاقتصادي: إعادة توزيع الدخل القومي بشكل عادل. من هنا ترتفع شعارات: محاسبة الفاسدين، و سارقي الثروات النفطية و الوطنية و لقمة الشعب.
و في الجانب الاجتماعي: بمفهوم الثورة الاجتماعية: كانت مساهمة جادة من ماركس و انجلز، حيث نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً، من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة، يجب أن يكون نابعاً، من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاول ماركس و إنجلز، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي، من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر( القوى المنتجة و علاقات الانتاج) يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية، وتغيرات تتبعها الثورة.
و الثورة في علم الاجتماع تشير الى "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسة للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً و جوهرياً من نمط سائد، إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة. من بنيان اجتماعي إلى آخر.
و يعرف هيغل الثورة في كتابه "العقل والثورة" : على أنها الثورة على الأوضاع القائمة، وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً، وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني.
ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات، تأخذ بعدًا شعبيًّا، تكسر حاجز الخوف، أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم، تطلَق عليه صفة ثورة.
و هناك ترابط جدلي بين المفاهيم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية.
أكتفي بهذا القدر من التعاريف و الشرح، حول مفهوم الثورة في بعدها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.
و سأقوم بالرد، على المفاهيم الخاطئة التي وردت في المقدمة. و التي من خلال معرفة مفهوم الثورة
قد تم توضيحها جزئياً. و لكن أود وضع النقاط على الحروف.
كيف انطلقت ثورات الربيع العربي؟ و ما هي أسبابها؟ و من هي القوى المحركة لها؟
هنا سأختصر. بدأت من تونس: من حرق أحد المواطنين نفسه. و في سوريا: من اطفال درعا.
هل هذا هو السبب للثورة؟ بالطبع: لا.
للثورة اسبابها الاقتصادية: عدم التوزيع العادل للدخل الوطني. مما يؤدي إلى تدهور الحياة المعاشية للمواطن، و الإثراء الفاحش للطبقة الحاكمة، على حساب الجماهير الكادحة، عدا سرقات ثروات الوطن.
و أسبابها السياسية: نظام استبدادي ديكتاتوري...أمنوقراطي ( الأمن متواجد في كل مؤسسة مدنية و عسكرية.. و تخضع له). نظام حكم الحزب الواحد، و القائد الملهم و الخالد..و الحاكم لعشرات السنين. غياب المنظمات المدنية المستقلة، و التضييق على الأحزاب و التنظيمات السياسية إن وجدت. عدم حرية الراي و الاعلام. اعتقالات تعسفية .. لسنوات طويلة، بدون محاسبات قانونية.
هكذا جاءت حركة الجماهير من الشارع، حركة عفوية، احتجاجية . من صميم الشعب.
مطالبة بالإصلاح.. من نظام غير قابل للإصلاح.
و في كل دولة عربية كانت ردود فعل السلطة مختلفة.
في تونس: هرب الرئيس على السريع.. و في مصر: وقف الجيش بدايةً على الحياد، و من ثم إلى جانب الشعب، مما اضطر الرئيس على التنحي. في ليبيا: استخدمت الدولة كل قواها العسكرية و الأمنية للقضاء على الثورة، و كان للتدخل العسكري، دوراً حاسماً في انهاء نظام القذافي.
في سوريا: سارت السلطة على نفس نهج القذافي، من أول يوم للمظاهرات السلمية، التي طالبت بالاصلاح..وهي إلى يومنا هذا.. تستخدم كافة الأسلحة بما فيها الأسلاحة الثقيلة و الطيران الحربي و صواريخ سكود و البراميل و الأسلحة المحرمة دولياً.
ولنقف عند الوضع في سوريا: بالقاء نظرة على سعة الحراك الجماهيري، في بدايات الثورة، و عموم المظاهرات في كافة المدن و القرى و المناطق.. و شعاراتها: "إسقاط النظام"..."الحرية و الكرامة".
ألا يدل ذلك، على أنها ثورة بكل معنى الكلمة؟ لدينا قوى اجتماعية واسعة، تريد التغيير الجذري للنظام ( اسقاط النظام)، و إقامة نظام جديد..آخر ، يحقق مطامح الشعب في الحرية و العدالة الاجتماعية. كل العناصر السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، لمفهوم الثورة، متوفرة.
يبقى شرح دخول بعض القوى المتطرفة الدينية على الثورة، و محاولة حرفها عن مسارها، من ثورة سورية، إلى حرب أهلية أو دينية. و لكنها ليست هي القوى التي قامت بالثورة، كما أنها ليست هي القوى المحركة، للعملية الثورية المستمرة في سوريا.
و كذلك، كون هذه الثورة قد تخطت كل الأحزاب السياسية التقليدية، لم يتبلور بعد برنامجها الثوري الوطني إلا في خطوطه العامة. و كذلك، توجد قيادات ثورية على الأرض( التنسيقيات) و كتائب مسلحة و جيش حر.. و معارضة في "الداخل" و في "الخارج"، و لم تتوحد بعد في قيادة ثورية واحدة، لتلتف حولها القوى الثورية. و لكن هذا لا يُلغي طبيعتها بأنها: ثورة حقيقية.
متى يتم تقييم مدى تحقيق أهداف الثورة؟
يتسارع بعضهم للحكم، فوراً بعد إسقاط للنظام. و يعطي أمثلة عن ما يجري حالياً في الدول التي تم فيها اسقاط النظام. و يعدد بعد المظاهر السلبية، و يُسرع، ليسميها: الخريف العربي.
متناسياً: مرحلة ما بعد سقوط النظام، هي مرحلة انتقالية، مرحلة الصراعات السياسية بين مختلف القوى و التيارات السياسية و الاجتماعية و الدينية و القومية، التي ساهمت في الثورة، و التي لم تساهم. هي مرحلة تأسيس للديمقراطية: دستور جديد، وقانون انتخابات جديد، و قانون أحزاب... وغيره من القوانين.. و إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة بناءً على هذا الدستور و هذه القوانين. هذه المرحلة قد تأخذ فترة قصيرة، أو طويلة حسب ظروف البلد. و لكن بالتأكيد لا يجوز حرق الخطوات. لأن النتائج عندها قد تكون كارثية، كما حصل في مصر. و بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة تحقيق اهداف الثورة. عندها يكون التقييم علمي و موضوعي.
و من المفيد التحذير، بأن الثورة قد تتم سرقتها، أو القضاء عليها من قبل قوى الثورة المضادة، و ذلك من خلال إفراغها من محتواها الثوري.
و عندها يتم استبدال النظام السياسي الاستبدادي، بنظام استبدادي جديد. الخطر قائم في الثورة السورية. مثلاً: من استبداد مدني إلى استبداد ديني!
اعتذر للاطالة، رغم محاولاتي الاختصار، و أرجو أن أكون قد ساهمت بإلقاء الضوء، على مفهوم الثورة، و ثورات الربيع العربي،ثورتنا السورية العظيمة، من أجل حمايتها و انتصارها وتحقيق أهدافها في الحرية و العدالة الاجتماعية و بناء دولة المواطنة.
انتظر مساهمات جادة و علمية في إغناء الموضوع.
محيي الدين
محروس
مواضيع ومقالات مشابهة