يحدث في مملكة المغرب..
في مملكة المغرب لا دور لصندوق الانتخاب في تولية الحاكم، لا دستور إلا بما يمنحه الملك، ولا انضباط للدستور إلا من قبل "الرعية" أما الملك فهو فوق الدستور، كيف يخضع للدستور وهو صانعه؛ وكيف يُراقَب وهو يراقب؟
في مملكة المغرب يحكمونك بالخوف والرعب، أكثر مما يحكمونك بالانجازات الاقتصادية، يزعمون صنع الأمن برجال البوليس ويتناسون أن لا أمن من دون عدالة اجتماعية، ويدّعون تطبيق القانون ويتناسون أنهم يستثنون أنفسهم من سلطته.
في مملكة المغرب المال متاح لكن للأهل والمقربين، أما "العامة" فيمكنهم أن يعيشوا على ما يفضل عن علية القيوم، حتى لا يهلكوا، لأن الحاجة إليهم ملحة، فمن سيحرث الحقول ويدور المصانع ويبني القصور ويخدم أهل النعمة إذا هم هلكوا؟
في مملكة المغرب يمكنك أن تحتج ضد أي شيء وضد أي شخص، لكن إذا رفعت صوتك مطالبا بالمطالب الحقيقية أو سلَّطت الضوء على الفاعل الحقيقي" الملك"، الذي يملك السلطة والمال والنفوذ فيجب أن تعلم أن المعتقل ينتظرك.
في مملكة المغرب تحكمك حكومة لا تحكم، وتؤطرك أحزاب غير مؤطرة، ويسير شأنك العام كائنات اتخابية فاسدة، ويُطلب منك ألا تخون الوطن، ولا تتهاون في خدمة البلد، والواقع أنهم يخونون البلد كل لحظة وحين، ويريدون منك أن تتعب من أجل مصالحهم هم.
في مملكة المغرب يتذكرون مواطنتك فقط حين دعوتك للاصطفاف في الطابور منتظرا زيارة الملك، وعندما تهتف من أجل حقوقك يسلطون عليك أبواق إعلامهم واصفة إياك بـ "الرعية".
في مملكة المغرب أنت متهم بكل أنواع الجرائم حتى تثبت براءتك، فأنت متهم بانتهاك المقدسات، وبتعكير صفو الرأي العام، وبالإخلال بالاحترام الواجب لهيئة رسمية، والإشادة بالاراهب، والخيانة الزوجية، وببيع المخدرات واحتساء الخمر....حتى تعتزل الخوض في السياسة النبيلة أو كشف الحقائق المستورة.
في مملكة المغرب يُمنَح الملك 700 مليون سنتيم في اليوم، ويُقمع العاطل، ويُحتكر السوق من قبل الشركات الشريفة، ويُسلط الرقيب على بقال الحي، توزع الهكتارات على الأغنياء، وتسيج أراض الفقراء بدعوى خضوعها لأراضي "الجموع".
في مملكة المغرب تُهرَّب خيرات البلاد للخارج، ويُطلَب فيها من المغتربين انقاذ الاقتصاد، تُوزَّع فيها الثروة حسب الطبقات ويطلب من المسحوقين تقديم فروض الطاعة والولاء.
في مملكة المغرب تُدعى لممارسة السياسة لكن فقط مرة في أربع سنوات، من أجل تكثير سواد المقترعين وتحسين صورة البلد في الخارج، لكن أن تقترف السياسة بما هي ممارسة الحريات السياسية والوقوف صوب قطار الظلم والمهانة فذاك محرم في عرفهم.
في مملكة المغرب تفرش الزرابي للأحذية والسيارات الفارهة، بينما تفرش الأتربة لآلاف المتسولين والمعدمين ودوي الحاجات، تُسكن القصور والاقامات الفاخرة للأغنياء وذوي النفوذ، بينما تضيق العمارات والمجمعات بملايين البسطاء.
في مملكة المغرب يتحسس الناس أفكارهم كما يتحسسون جيوبهم، في مملكة المغرب تجد الناس (ليس الكل) حادّين حيال بعضهم البعض وضد من لا يملك، لكنهم يخفضون جناح الذل والمهانة لما يزعمونه "مخزنا".
في مملكة المغرب تخفت الأصوات (ليس الكل) كلما تم التطرق لأمور السياسة الحقيقية، وتُبتلع الألسنة (ليس الكل) حين الحديث عن من في يده السلطة الحقيقية، وترتجف الأصابع (ليس الكل) لما تحاول أن تتجاوز خيطا أحمر.
في مملكة المغرب لايتحدث الناس (ليس الكل) عن "الملك" إلا بما يعشق ويُفضّل، ولا يذكرونه إلا مقترنا بمفردات الجلالة والمهابة، وإذ أرادوا الاحتجاج على سياسات أحد خدامه، لا يفعلون ذلك إلا رافعين صوره وهاتفين بحياته.
في مملكة المغرب تتباطؤ الأرجل (ليس الكل) عندما يتعلق الأمر بالنضال من أجل مطالب مجتمعية أو تحسين مرافق عمومية، لكنها تتسارع عندما يتعلق بالبحث عن "وسيطة" أو استغلال نفوذ.
في مملكة المغرب يؤمّم الاعلام ويُدعى له المداهنون والمدَّاحون والمنافقون (ليس الكل)، ويمنع على الأحرار والمعارضين للهيمنة والاستبداد والفساد.
في مملكة المغرب تطلق على المرافق العامة والمنشآت الحيوية، أسماء أميرية تنهل من القاموس المخزني، بينما (تكاد) تنعدم مسميات الشرفاء الذين قدموا أرواحهم فداء الوطن او الذين أسدوا خدمات كبيرة لهذا الشعب.
في مملكة المغرب يطلقون لقب "الشريف" على خيرات ومنتجات البلاد، حتى تبقى بقرة حلوبا لأهل "الشرف" والجاه والنسب الشريف، لا يسأل عنها في برلمان ولا في إعلام، ولا يَعرف مداخيلها ولا مصاريفها إنس ولا جان، بل هي صناديق سوداء.
في مملكة المغرب يعتقدون أنهم يستطيعون خداع الشعب دائما، لكنهم يتناسون الحكمة القائلة: تستطيع أن تخدع الشعب لماما، لكنك لن تستطيع خداعه دائما.
ملحوظة: في مملكة المغرب وبينما نكتب هذه الأسطر في مقصورة القطار، فإذا بطفلة تُحدّث والدها عبر الهاتف في أمور عائلية، وفي لحظة تقول له بلطف عبر الهاتف "إنك تتكلم في السياسية" إذ يبدو أنه احتج على أمر ما أو شتم شخصا ما، قبل أن تنبّهها أمها الجالسة بجانبي بالقول :"قولي ليه يجمع راسو، راهم يغرقوك، وما بقى ليك والو للتقاعد".
مواضيع ومقالات مشابهة