للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

في مساءلة"السياسة الدينية" / ادريس الكنبوري


تكشف قضية السلفي عبد الحميد أبو النعيم، الذي أعاد مسألة التكفير إلى واجهة الجدل العمومي على هامش دعوة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر إلى إعادة النظر في قضيتي الإرث والتعدد، أن هناك حاجة إلى مراجعة وتقييم ما يسمى بـ"الشأن الديني" في المغرب، وإعادة التفكير في السياسة الدينية التي وضعتها الدولة منذ العام 2004، بعد تفجيرات الدار البيضاء الدموية. فما حصل ويحصل حتى اليوم ينذر بعودة شبح العنف المرتكز على الدين، ويهدد بنسف"السياسة الدينية" التي ترعاها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، بمثل ما إنه يظهر هشاشة هذه السياسة التي انطلقت قبل عشر سنوات، بوصفها ـ في الدعاية الرسمية ـ مشروعا لوضع سد منيع أمام الانزلاقات باسم الإسلام.
إن السؤال الأساسي الذي طرح في المغرب إبان المرحلة التالية على تفجيرات 16 ماي كان هو التالي: من يحق له الحديث باسم الإسلام؟، وهو في الواقع السؤال نفسه الذي طرح في كذا بلد عربي على إثر انتشار موجة التكفير مع بداية الألفية الثالثة وبروز التيار السلفي القتالي، الذي بز الإسلام الإخواني والإسلام النظامي معا. وفي حين قدم كل بلد إجابات مناسبة لواقعه، حاول المغرب أن يبلور إجابته الخاصة عبر اللجوء إلى هندسة جديدة للمؤسسة الدينية، تمثلت في إعادة هيكلة الوزارة والمجلس. وتم تتويج هذه الهندسة بإنشاء هيئة عليا للإفتاء تابعة لهذا الأخير، كانت في الحقيقة أبرز ما حصل في هذا التجديد الهيكلي، باعتبار أن الفتوى هي أخطر حديث باسم الدين.
وقد اعتقد المسؤولون عن الشأن الديني في بلادنا، ومعهم الكثيرون، أن إقامة هذا البناء كاف في حد ذاته لوقف أي انزلاق ينسب نفسه إلى الإسلام من خارج المؤسسة الرسمية. لكن القضايا الجوهرية بقيت خارج البحث، لأن هذا التجديد لم يتجه إلى الخطاب الديني السائد ما قبل تلك المرحلة بالنقد والتصويب، من أجل صياغة خطاب ديني جديد، بقدر ما ركز على عموميات واسعة وُضع لها بناء مؤسسي لتصريفها. كما أن قضية السياسة الدينية الجديدة لم تخضع للنقاش المجتمعي بحيث يتم إشراك العلماء والمفكرين والمثقفين فيها، بل بدا أنها وضعت داخل حيطان مغلقة لكي يتم تعميمها بعد ذلك بطريقة فوقية. وقد بدت هذه المسألة غريبة في بلد دأب على فتح نقاش وطني في قضايا أوهن من هذه القضية بكثير.
ومن جملة القضايا الخطرة التي لم تتعامل معها المؤسسة الدينية بالجدية المطلوبة قضية التكفير، التي تبنى على قضية أخرى سابقة عليها هي قضية من يحق له ـ أولا يحق ـ الحديث باسم الدين. ففي الحالة التي نحن بصددها نحن أمام قضية شائكة: هناك مسؤول حزب سياسي يتحدث في قضايا تهم الدين، وهناك شخص يصادر حقه في الحديث باسم الدين، وفي الجانب الآخر هناك مؤسسة رسمية تمنح لنفسها حق احتكار الحديث باسم الدين. كيف يمكن التوفيق بين ثلاث إرادات كل منها تزعم لنفسها حق تمثيل الدين؟، وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال أساسي: هل هناك مشروعية واحدة في الدين أم مشروعيات متعددة؟.
إذا قلنا هناك مشروعية واحدة سقطنا في قصر هذه المشروعية على المؤسسة الدينية وغامرنا بالوصاية الدينية على المجتمع. وإذا قلنا العكس سقطنا في الجدل الذي يوجد اليوم، والذي يبدأ بالتكفير ويمر بالاتهام وينتهي عند القضاء. وهذا هو المأزق الذي وقعت فيه"السياسة الدينية"، نتيجة عدم التعامل مع سؤال جوهري هو: كيف يمكن التوفيق بين سلطة الضبط في مجال الدين، وهو واجب الدولة، وبين مطلب الحرية في نفس المجال، وهو حق المواطن؟.
مثل هذه القضايا أهملها مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب. فقد تعامل هذا المشروع مع القضايا الشائكة في الدين بمنطق التجاوز لا بمنطق التحقيق، لأنه كان مجرد رد فعل على ظاهرة معينة أفرزها الواقع الديني أكثر مما كان إرادة حقيقية في تنقيح الخطاب الديني وتجديده. فظاهرة التكفير ـ التي كانت الأصل الاعتقادي الذي خرج منه التطرف السلفي ـ لم يتم التعامل معها بالطريقة العلمية بقدر ما تحكمت في هذا التعامل النزعة الأمنية، والنزعة الأمنية ليست إجابات على الأسئلة الدينية الحقيقية ولكنها إجابة على وضع سياسي، ما يعني أن الأسئلة الدينية تظل معلقة. وهو ما حصل
 ولنا عودة.

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes