التفاهم السعودي الايراني المخرج الوحيد لوقف الحرب السورية..عبد الباري عطوان
وافق الجانبان الحكومة والمعارصة، على الذهاب الى الجولة الثانية من مؤتمر جنيف يوم الاثنين المقبل، لكن المفاوضات الحقيقية التي يمكن ان تؤدي الى حل سياسي للازمة السورية هي تلك التي ستجري بين المملكة العربية السعودية وايران برعاية امريكية روسية، هذا اذا لم تكن قد بدأت فعلا في غرف مغلقة.
استبعاد ايران من المشاركة في مؤتمر “جنيف2″، كان خطأ كبيرا، لانها دولة فاعلة ليس فقط في سورية وتطورات الاوضاع فيها، وانما منطقة الشرق الاوسط بأسرها، ولا نستبعد اصلاح هذا الخطأ في المفاوضات الموازية المقترحة، فايران لعبت دورا بارزا في عدم سقوط النظام السوري ماليا وعسكريا، سواء من خلال الحرس الثوري وكتائب العباس، او الدفع بحزب الله اللبناني الى القاء بكل ثقله وخبراته في حرب العصابات الى جانب الرئيس الاسد وقواته.
صحيفة “كومرسانت” الروسية كشفت الثلاثاء ان جون كيري وزير الخارجية الامريكي طرح على نظيره الروسي سيرغي لافروف اثناء اجتماعهما على هامش مؤتمر الامن في مدينة ميونخ الالمانية قبل اربعة ايام تشكيل لجنة خماسية تضم روسيا والولايات المتحدة وكلا من ايران وتركيا والسعودية من اجل التوصل الى حل سياسي للصراع في سورية يقوم اساسا على التفاوض، اضافة تركيا جاءت لاسترضائها ورئيس وزرائها رجب طيب اردوغان لان العلاقات الايرانية التركية استؤنفت بقوة، مضافا الى ذلك ان الدور التركي في الازمة السورية اقتصر على تسهيل العبور للمقاتلين واللاجئين في الاتجاهين، على عكس الدور السعودي الاكثر فاعلية وتأثيرا. التسويات السياسية للقضايا الاقليمية المعقدة جاءت دائما عبر اللقاءات والمفاوضات السرية، وباشراف او علم القوتين العظميين، في العالم امريكا وروسيا، هكذا كان الحال قبل توقيع اتفاقات كامب ديفيد، ومن ثم اتفاقات اوسلو، واخيرا الاتفاق النووي الامريكي الروسي. الولايات المتحدة الامريكية باتت عاقدة العزم على عدم التدخل عسكريا في الازمة السورية وقاومت كل الضغوط من قبل المعارضة السورية وداعميها العرب، والسعودية خاصة، واعادت الناطقة باسم الخارجية الامريكية جنيفر باسكاي يوم الاثنين التأكيد “ان بلادها لن تغير استراتيجيتها الدبلوماسية في سورية”. ونفت ان يكون وزير الخارجية الامريكي جون كيري دعا امام نواب امريكيين “الى تسليح مقاتلي المعارضة السورية”.
الحكومة السعودية ادركت ان سياسات “الحرد” و”العناد” في الازمة السورية ومعاداة امريكا بالتالي لن تؤتي بأي نتائج، ولن تغير الموقف الاستراتيجي الامريكي، وان الاصرار على المضي قدما في الحل العسكري، من خلال دعم الجماعات الاسلامية المسلحة “المعتدلة” من الصعب ان يؤدي الى اسقاط الرئيس بشار الاسد ونظامه، في ظل الاتفاق الرسمي الروسي الامريكي على اعطاء الاولوية لمكافحة “الارهاب” على اسقاط الاسد. ويمكن رصد التغييرات في الموقف السعودي الجديد في النقاط التالية:
*الاول: تخفيف حدة العداء السعودي لايران، وتراجع حدة الحملات الاعلامية ضدها بالمقارنة عما كان عليه الحال قبل عامين، ولجم العديد من الدعاة الذين يمارسون التحريض على ايران من منطلقات طائفية.
*ثانيا: اصدار قوانين صارمة لتجريم السعوديين الذين يذهبون الى “الجهاد” في سورية ومناطق اخرى خارج المملكة ومحاكمتهم في حال عودتهم احياء بالسجن من خمسة الى عشرين عاما.
*ثالثا: شن حملة شرسة ضد الدعاة البارزين الذين يحرضون الشباب السعودي على الجهاد عبر قنوات مملوكة للدولة، او امراء من الاسرة الحاكمة، او عبر شبكات التواصل الاجتماعي (التويتر والفيسبوك) وتهديد هؤلاء بعقوبات بالسجن، واتهامهم بالزج بالشباب السعودي الى الموت؟، وتقود محطة “ام بي سي” حملة شرسة حاليا ضد هؤلاء. هذه القوانين السعودية المفاجئة، تعكس انقلابا في الموقف السعودي في الازمة السورية، وتراجعها تدريجيا عن الحل العسكري، بعد ان ادرك المسؤولون فيها انهم يغردون خارج السربين الاقليمي والدولي اللذين لا يريان غير الحل السياسي لهذه الازمة. ولعل اختفاء الامير بندر بن سلطان من المشهد السوري، واخذه “اجازة مرضية” طويلة الاجل خارج المملكة مثلما افادت تقارير اخبارية عديدة، الا احد المؤشرات في هذا الصدد، وهو اختفاء قد يطول اكثر من اللازم تأكيدا لهذا الانقلاب، فالامير بندر يتزعم تيار الصقور داخل المملكة وجيء به، بحكم كراهيته للنظامين السوري والايراني وحزب الله، وعراق المالكي من اجل قيادة اركان الحرب ضد هذا المربع على الارض السورية وجارتها اللبنانية، وزعزعة استقرار النظامين في العراق وايران من الداخل من خلال تمويل الجماعات السنية والعرقية المعارضة للحكم في طهران وتسليحها ايضا.
جلوس الوفدين السعودي والايراني على مائدة المفاوضات برعاية روسية امريكية قد تؤدي الى حل معظم الازمات في المنطقة، وتنفيس الاحتقانات الطائفية فيها، ووضع اسس اتفاقات جديدة بالتعاون وتطبيع العلاقات، وانهاء اشكال التوتر كافة.
زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى الرياض في شهر آذار (مارس) المقبل التي جرى اضافتها في اللحظة الاخيرة الى جولته الخارجية التي تشمل هولندا وبروكسل والفاتيكان، لن تكون من اجل طمأنة المسؤولين السعوديين على عمق التحالف بين بلادهم وواشنطن فقط، وانما التأكيد على منطلقات السياسة الخارجية الامريكية الجديدة التي لا تريد خوض حرب الآخرين في ايران، والتورط في المستنقع الدموي السوري، وان لا تراجع عن هذه السياسة مطلقا.
الايام المقبلة ستشهد اسكات يوسف القرضاوي، والسماح لدعاة الجهاد بالقاء خطب في المساجد حول “البر بالوالدين”، وفرض الزكاة والصلاة والصيام، وآداب الطعام، وشروط النكاح وواجباته، وغيرها من القضايا “المعتدلة” و”غير السياسية” الاخرى، الا اذا اوعزت وزارة الاوقاف واولي الامر بغير ذلك او قالوا في بداية الخطبة واكدوا في نهايتها “ان الدعوة للجهاد هي لغير السعوديين فقط”! لا نعتقد اننا سنرى الشيوخ مثل محمد العريفي، وسلمان العودة وعدنان العرعور يغردون على مواقع “التويتر” لدعم المجاهدين في سورية وغيرها، بعد ان باتت عقوبة هذا “التغريد” السجن خمس سنوات حسب القوانين السعودية ومرسوم العاهل السعودي الاخير التي تمنع “التحريض” على الجهاد. انتهت مرحلة.. وبدأت اخرى.. ورحم الله من سقطوا على الارض السورية في السنوات الثلاث الماضية، مقاتلين كانوا ام ضحايا ابرياء.
عبد الباري عطوان
مواضيع ومقالات مشابهة