للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

رسالة د. مادس غيلبرت الطبيب النرويجي ورئيس قسم طب الطوارئ بمشفى الشفاء بغزة



واحد ممن يسارعون الآن إلى إنقاذ ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة في العملية المسماة “الجرف الصامد”، ليس فلسطينيًا ولا عربيًا ولا مسلمًا، فرغم أن غزة تكاد تُطبق على الغزيين فقد انتصر الطبيب والناشط النرويجي “مادس فريدريك جيلبرت” على هذا الحصار ودخل إليها عبر معبر “بيت حانون” بعد أن منعته السلطات المصرية من الدخول عبر معبر رفح، يقول جيلبرت وهو يمارس عمله في مستشفى الشفاء: “ما حصل أنني كأني انتقلت من عالم له ألوان وناس يتمتعون بالحرية والسلام، إلى عالم غزة حيث تنعدم الحياة والسلام والأمان”. ويضيف: “زيارتي إلى غزة هذه المرة مختلفة جدًا فهي بكاملها هدف عسكري للطائرات الإسرائيلية ولا مكان آمن فيها، تسمع غارات القصف في كل مكان وترى الخوف والقلق على كل وجوه الناس والأطفال”.

الأصدقاء الأعزاء،

ليلة البارحة كانت قاسية جدًا. “الاجتياح البري” لغزة نتجت عنه أعداد طائلة من الجرحى الفلسطينيين من كل الأعمار، كلهّم مدنيون، كلهم أبرياء، جاؤوا مشوهين، ممزقين، نازفين، مرتجفين، ومحتضرين.
الأبطال في سيارات الإسعاف وفي كل مستشفيات غزة يعملون في مناوبات مددها بين 12 و24 ساعة، وجوههم شاحبة من شدة التعب والضغط اللاإنساني للعمل (دون رواتب في كامل مستشفى الشفاء منذ أربعة أشهر). إنهم يعتنون بجرحاهم ويوزعون المسؤوليات بين العاملين، ويحاولون استيعاب الفوضى العارمة للجثث والأشلاء والأطراف، وللبشر الذين يمشون والذين لا يمشون، الذين يتنفسون والذين لا يتنفسون، الذين ينزفون والذين لا ينزفون، لهؤلاء البشر!
هؤلاء البشر يُعامَلون اليوم، مرة أخرى، كالحيوانات، من قبل “أكثر جيوش العالم أخلاقية” (!)
احترامي لهؤلاء الجرحى، في صمودهم الصامت وسط الألم والعذاب والصدمة، بلا حدود. تقديري للطاقم والمتطوعين بلا حدود. قربي من الصمود الفلسطيني منحني القوة، رغم أني أحيانًا لا أريد سوى أن أصرخ، أن أحتضن أحدًا بقوة، أن أبكي، أن أشم وجه طفل دافئ مغطى بالدم وشعره، أن أحميه في عناق طويل- لكننا لا نملك الوقت لذلك، ولا يملكونه هم.
تمر وجوه باهتة مغطى بالرماد- لا! إنها حمولة جديدة من عشرات الجرحى المشوهين النازفين. ما زالت غرفة الطوارئ تعوم في برك من الدماء وأكوام من الضمادات المنقوعة بالدم الذي يقطر منها، عاملو النظافة في كل مكان يتحركون بسرعة لمسح الدماء وانتشال المناديل المطروحة والشعر والملابس وأنابيب السوائل – إنها مخلفات الموتى، تؤخذ كلها ليتم استبدالها بأخرى جديدة، ليتكرر كل هذا مجددًا. أكثر من مئة حالة وصلت إلى مستشفى الشفاء خلال الساعات الأربعة والعشرين الأخيرة. هذا عدد كافٍ لمستشفى كبير مجهز بكل شيء، لكن هنا لا نكاد نجد شيئًا: لا كهرباء، لا ماء، لا عدّة استهلاكية، ولا حتى طاولات أو أدوات أو أجهزة مراقبة. كلها صدئة، تبدو وكأنها مسروقة من متحف عن مستشفيات الماضي. لكن ليس بين هؤلاء الأبطال من يتذمر. إنهم يباشرون عملهم كمحاربين، ويمضون به بحزم عظيم.
وأنا أكتب لكم هذه الكلمات، وحيدًا في سريري، تنهمر دموعي. إنها دموع حارة وبلا فائدة، دموع الحزن والألم، دموع الغضب والخوف. لا يعقل أن كل هذا يحدث فعلًا!
الآن، في هذه اللحظة، تستأنف أوركسترا آلة الحرب الإسرائيلية سيمفونيتها الشنيعة: وابل من الذخيرة التي أطلقتها قوارب قوات البحرية تسقط الآن على الشاطئ، الـF16 تهدر، طائرات الاستطلاع تزنّ، والأباتشي تضجّ. كل هذا تصنعه وتموّله الولايات المتحدة.
سيد أوباما، ألكَ قلب؟
أدعوك لقضاء ليلة -ليلة واحدة فقط- معنا في الشفاء، لربما متنكّرًا كعامل نظافة.
أنا على يقين تام من أن هذه الليلة ستغير التاريخ.
لا أحد يملك قلبًا وقوة يمكنه إمضاء ليلة في مستشفى الشفاء دون أن يعزم على إنهاء المذبحة بحق الشعب الفلسطيني.
لكن أولئك الذين لا قلوب لهم ولا رحمة عندهم قد أجروا حساباتهم وخططوا لـ”داهية” أخرى يصبّونها على غزة.
أنهار الدماء ستستمر بالجريان في الليلة المقبلة. أستطيع سماعهم يدوزنون آلات الموت.
أرجوكم، افعلوا ما بوسعكم. ما يحدث لا يمكن أن يستمر. 

انتهت الرسالة

د. مادس غيلبرت بروفيسور ورئيس قسم طب الطوارئ، مستشفى جامعة شمال النرويج، نشط مادس فريدريك غيلبرت دعمًا للقضية الفلسطينية منذ السبعينيات، وعمل كطبيب في فترات مختلفة في فلسطين ولبنان. كان شاهدًا على حرب غزة شتاء 2008-2009، وكتب شهادته في كتاب Eyes In Gaza.

الدكتور جيلبرت ولد في الثاني من يونيو عام 1947 الآن لا يُغادر أكبر مستشفيات غزة “الشفاء”، فحتى عندما يذهب بعض الأطباء الفلسطينيين لأخذ قسط من الراحة يجد هو بعض الوقت ليسأل عن غزة وأهلها وأحوالها وأحوالهم. هذا ما قاله عنه أصدقاؤه الأطباء الفلسطينيون. ويعتبر د. جيلبيرت الذي يرأس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة شمال النرويج، بمثابة كنز كبير للقطاع الصحي الفلسطيني الذي يعاني الويلات بسبب حصار غزة، فخبراته الدولية الواسعة تساعده أن ينقذ العديد من الجرحى الفلسطينيين خاصة أنها ليست تجربته الأولى مع آلة الحرب الإسرائيلية المحرمة دوليًا، فقد وصل جيلبرت إلى غزة أول مرة لدعم الجهود الإنسانية في مستشفى الشفاء خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2008- 2009، ودخل غزة بعد أن مارست حكومته النرويجية ضغوطًا دبلوماسية شديدة على القيادة المصرية.

ترجمة دعاء علي

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes