أكاديميون مغاربة يجمعون على ان الإرهاب صناعة و ليست ظاهرة ظرفية

عَقَدَ مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية "مدى"، يوم السبت 5 شتنبر، مائدةً مستديرة بعنوان: "الخطر الإرهابي.. المرجعيات والامتدادات"، و لهذا الغرض استضاف المركز مجموعة من الاساتذة الباحثين من مختلف المرجعيات، للإدلاءِ بدلوهم في موضوعَ الإرهابِ، الذي بات اليوم، الأكثر تداولاً خاصة بعد سلسلةٍ من الاعتداءاتِ الإرهابية المشبوهة التَّخريبية، التي انتشرت في العديدِ من الدول( إسقاطِ الطائرةٍ الروسيةٍ فوق الأراضي المَصرية، تفجيرات الانتحاريين ببيروت، و الهجوم المسلح على عدة مواقع بضواحي باريس، ثم استهداف الحرس الجمهوري بتونس).
وقد طُرحت في المائدةِ المستديرة العديد من الأسئلة، حول الارهاب؟ هل يعتبر ظاهرة لحظية أم لها امتداد تاريخي؟ ما الأسس الفكرية لهذه الظاهرة؟ هل يمكن اعتبارها نتاج للتحولات المجتمعية؟ كيف يمكن تفسير امتدادها الجغرافي؟ هل هي ظاهرة واحد أم متعددة؟ هل يمكن القول إن الموروث الفقهي فاعلٌ في إنتاج هذه الظاهرة؟..
في بداية، أكد ذ. الطيبي الحيدي أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة في مداخلته، استلهم فيها تصور المفكر السياسي بنيامين باربر، أن قضية الإرهاب، أو التَّرويع، الحاصل اليوم، هي نَتاج لصراعٍ بين ما سمَّاهُ الأستاذ الباحث بـ"الماك وورد" /"العولمة"، وبين "الجهاد". حيث اعتبر أن مختلف أشكال العنف المُتَعَوْلِم الذي يشهده العالم حاليا، هي صورةٌ للصراعِ الحاصلِ بين "الماك وورد" المتمثل في الاجتياحِ الرأسماليِّ للعالم، عن طريق الشركات المتعددة الجنسية، اضافة الى السيطرة العسكرية، عن طريق القوة التكنولوجية، وبين الجهاد، الذي هو ردةُ فعلٍ عن اجتياحِ "الماك وورد". وقد خلص في مداخلته الى اعتبار الجهاد أو "الإرهاب" إذا شئنا، عبارةٌ عن ردةِ فعلٍ لاجتياحٍ من قبلِ "الماك وورد" أو العولمة كما يمكن اعتباره هجومٌ مضادٌ من أجلِ الدفاعِ عن الخصوصياتِ القومية، والعرقية…الخ.
أما ذ. عبد الإله الكلخة أستاذ باحث في الفلسفة، فقد فضل في حديثه، توظيف مفهوم العنف عوض الارهاب و تفكيكَه، مؤكداً أن العنف يستشري في المجتمع، عندما تغيب الدولة من جهة، وعندما يتم تفسير المقدس بالمعنىً الرجعي من جهة ثانية؛ بحيث لا يُؤخذ بعينِ الاعتبارِ التحولات الاجتماعية،و الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، الذي يخرج فيه المجتمع من "حالة التوحش إلى حالة التمدن" بلغة ابن خلدون. كما أشار ذ. الكلخة، الى وجود بعض الجماعات الإسلامية التي توظف بعض الآيات القرآنية من أجل تطبيق ما يسمى بـ"حد الله"، آيات تقول بكونيةِ الدينِ الإسلاميِّ وشموليته، جماعاتٌ ترى في الإسلام، دين الفطرة، دين الديمومة والاستمرارية…الخ. ومن هنا الآية القرآنية (إن الدين عند الله الإسلام). هذه الدافعية، هي التي تدفع الجماعات الإسلامية للجهاد، وذلك لـ"استرجاع سيادة ضاعت بضياع دين الإسلام"حسب فهم الجماعة ، بحيث أن عودة الدين هي الصحوة عند المسلمين، عكس الغرب الذي يرى في عودة الدين، عودة للتخلف والرجعية".مضيفا أن الجماعات الإسلامية، التي تنزع إلى القتلِ والذَّبح، "لا تفعل ذلك باسم الإرهاب أو الترويع، إنما تفعل ذلك باسم نصرة دين الله". حسب ما جاء في قول ذ. الكلخة.
يلاحظُ المتتبع لورقةِ ذ. الكلخة، كيف ربط الإرهاب بالجماعاتٍ الدينية، وليست أيَّ دينِ، بل بالتحديدِ، دين الإسلام. مما يطرح علينا التساءلالتالي: ما العلاقةُ التي تربطُ الدِّين الإسلامي بالإرهاب؟ لماذا وكيف ارتبط مؤخراً الإسلام بالعنف والتَّرويع؟
و للإجابةً عن هاته الأسئلة، عاد الإعلامي محمد جليد، إلى كتاب "الإسلام والعنف في العصر الحديث" للباحثةٍ بريطانيةٍ، ليؤكد "أن ارتباط العنف بالإسلام، إنما مرَدُّهُ أفعال وسلوكات المسلمين مؤخراً؛ سلوكات تتمظهر -مثلا- في إعلان تنظيم القاعد مسؤليته عن ما وقع في واشنطن، وغيرها من الأحداث التي تبنتها القاعدة والحركات المتفرعة عنها". و على هذا الأساس، صُوِّر الإسلام في الذهن الغربي، أي أنه دين عنفٍ وقتلٍ وترويعٍ. لكن، هل فعلاً أن الإرهاب يرتبط بالضرورة بالدين؟ هل هو صناعة خاصة بحركات إسلاموية أم أن الأمر أوسع من ذلك بكثير؟ يؤكد الباحث في التاريخ أسامة زكاري، "أن الإرهاب قضية تاريخية عميقة تخترق الديانات والعقائد". و بالتالي، فإنه ليس من الحكمة في شيء، ولا من العلمية كذلك، أن نربط الإسلام بالإرهاب.
لذا اعتبرالباحث أسامة زكاري الآراء التي تربط الإرهاب بالدين، مجافية لأمر الواقع؛ لأن الإرهاب في نظره، وإن اختلفت تسميته، وُجد، ويُوجد في المجتمعات الدينية وغير الدينية. و ذكر الباحث زكاري ما قامت به الدول الأوربية في "الاكتشافات الجغرافية"، حيث "تم التنكيل بالمجتمعات، أو الجماعات التي وجدت آنئذٍ"، الهنود الحمر في شمال القارة الامريكية مثلاً. مشيرا كذلك إلى ظاهرة الإمبريالية، التي تم فيها، حسب تعبيره، "التشنيع بالمجتمعات المستعمرة". وخلص قوله أن الإرهاب أوسع، وأشمل من أن يربط بدين معين، بالتالي، يجب دراسته في سياقاته التاريخية، تجنبا لكلِّ حيفٍ، أو تجحيفٍ في حق جهةٍ معينة.
و تطرق الدكتور مختار بنعبدلاوي في مداخلته إلى نقطة جد مهمة، وهي البحث في جذور قضية الإرهاب الذي نعيشه اليوم. و لمعرفة جذوره، يجب العودة إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، أي زمن الحرب الباردة، حيث "أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قوة عسكرية في أفغانتسان من أجل إخراج الاتحاد السوفييتي من البلاد".
حيث ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تخفي أمر تمويلها، وتدريبها لتلك الحركة الحاملة لإيديولوجية إسلامية وهابية، كما لا تخفي دول الخليج مسألة أدلجتها وتمويلها لحركة طالبان الموجودة في أفغانستان. من هنا، وانطلاقا من قول الدكتور بنعبدلاوي، فإنه عندما نتحدث عن الإرهاب اليوم، فإننا نتحدث عن بقايا لحربٍ باردةٍ وقعت سلفاً، أي أننا نتحدث عن صناعةٍ أمريكيةٍ خليجية.
واختتمت المائدة المستديرة باجماع المتدخلين على اعتبار وهي الإرهاب صناعة تحالف الامبريالية-الرجعية وهي قضية بنيوية و تاريخية مرتبطة بالتطورات العالمية وليست ظاهرة ظرفية مرتبطة بالزمان والمكان.
بتصرف



مواضيع ومقالات مشابهة



