الذكرى الثانية و الثلاتين لـ انتفاضة الريف 1984
تحل اليوم الذكرى الثانية و الثلاتين لـ انتفاضة الريف الخالدة ابتداءا من 13 يناير سنة 1984، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في شملت العديدمن المدن شمال المغرب، على اثر القمع الهمجي لمظاهرات التلاميذ المحتجة على الزيادة في رسوم التسجيل المدرسية، مما أدى إلى إلى اتساع المظاهرات خارج أسوار المؤسات التعليمية (الثانويات و الاعداديات) لتشمل بعد ذلك فئات اجتماعية أخرى، من عمال وفلاحيين وحرفيين وعاطلين... حيث انطلقت في مدينة الحسيمة وبدأت تتسع رقعتها وتبلغ الاحتجاجات الشعبية ذروتها في مدن الحسيمة والناظور وتطوان والقصر الكبير ومراكش و بركان و وجدة.
جاءت الاحتجاجات في سياق سوء الوضع الاقتصادي الذي تميز بإفلاس النظام المخزني حيث بلغت ديونه الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار أدى إليه سوء التدبير الذي أنتجته سياسة الحسن الثاني التبذيرية و التي تميزت بالإنفاق الضخم على التسليح لأجل حرب الصحراء حيث كلفت مليون دولار يوميا، و كذا انخفاض ثمن الفوسفاط مما ادى بالنظام الى الخضوع لتوجيهات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تبني سياسة التقويم الهيكلي المرتكزة على سياسة التقشف و التي أدت إلى فرض مجموعة من الإجراءات التي أجهز من خلالها على مجموعة من المكتسبات في مجموعة من القطاعات من بينها التعليم و الصحة و الشغل.
و قد عرفت أثمنة المواد الأساسية ارتفاعا كبيرا، حيث بلغت %18 بالنسبة للسكر و %67 بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز و الوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة %20، أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و 100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين. إضافة إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على سكان الناظور الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و 500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، و هو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم نظرا لان إقليم اقتصاد اقليم الناظور مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية.
ووجهت تلك الاحتجاجات الشعبية بعنف وحشي واعتقالات واسعة من طرف نظام الديكتاتور الحسن الثاني السئ الذكر، إذ أنزل الجيش للشارع بالدبابات و المصفحات الحربية، واستعملت المروحيات الحربية لاطلاق النار عل أبناء الشعب المغربي العزل في مدن الشمال خاصة في الناظور و تطوان، في حين كانت الدار البيضاء تعرف انزالا مكثفا لمختلف تلاوين قوى القمع من شتى المدن، لتأمين اشغال القمة المؤتمر الإسلامي في منتصف يناير 1984.
حسب شهادات من عايشوا الأحداث والتقارير الصحفية لتلك الحقبة، تعتبر الحصيلة الرسمية للضحايا بعيدة كل البعد عن الحقيقة. ففي الناظور مثلا، يقدر عدد الضحايا الذين تم دفنهم جماعيا في ثكنة تاويمة العسكرية بين 70 و 80، وحسب شهادة أدلي بها لمجلة تيل كيل من طرف رجل أمن عايش الأحداث بالمدينة، قد يصل العدد إلى 84... ليبقى التوثيق المضبوط لعدد الضحايا صعبا، بحكم دفن العديد من الجثت في ثكنات عسكرية، مما يطرح إشكالا حقوقيا في المغرب، إضافة إلى ضياع أرشيفات المستشفيات الموافقة لفترة الأحداث، ناهيك عن قيام السلطات المخزنية بتزوير تواريخ الوفيات في سجلات الحالة المدنية، كما أن العديد من الأسر التي كان أفراد منها ضمن الضحايا غادرت البلاد بعد الأحداث... أما في الحسيمة، التي أعلن فيها عن حصيلة رسمية بأربعة قتلى، فقد عرفت حجز السلطات على ثلاجات ميناء الصيد، لازدحام مشرحة المستشفى العمومي بالجثث...
الأنظمة الاستبدادية تسعى دائما الى تبرير مختلف انتكاساتها بالعامل الخارجي ( ديون خارجية – مؤامرة خارجية،...)، و هو الأمر الذي حاول الحسن الثاني فعلا استثماره حيث حمل المسؤولية داخليا للريف (نظرا للعلاقة المتوتر منذ الاستقلال الشكلي و انتفاضة الريف 1958) و للحركة الماركسية اللينية المغربية (منظمة الى الامام و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) و الجهات الخارجية حددها في الكان الصهيوني و ايران باعتبارها المتسبب الحقيقي في الانتفاضة، و لكن لكي يقدم تبريرا للدول المشاركة في المؤتمر الإسلامي و باقي دول العالم، لأن الانتفاضة تم تفجيرها بالتزامن مع اشغال المؤتمر الاسلامي.
و قد قام في خطابه بتاريخ 22 يناير1984، يناقض تبريره هذا و ذلك حين قال ان"الزيادات لن تكون " و من ثم امر بتوقيف الزيادات لأنها كانت فعلا هي المشكلة، و طبع خطابه هذا الذاكرة السياسية المغربية بلغته الحادة و استعماله اللهجة الدارجة، و تلفظه بنعوت و حمولات قدحية تجاه سكان الريف عندما وصف أهل الريف بـ"الأوباش" المتعيشين من التهريب؛ إضافة إلى اعترافه الضمني بمسؤوليته المباشرة في قمع انتفاضة الريف سنة 1958، عندما قال بأن "سكان الشمال يعرفون جيدا ولي العهد و ليس في مصلحتهم بأن يعرفوا الحسن الثاني".
متابعة
مواضيع ومقالات مشابهة