للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

امكانية متابعة الملك محمد السادس بتهمة التهرب الضريبي


هل ممكن متابعة الملك محمد السادس بتهمة التهرب الضريبي؟ هذا السؤال هو أول ما يتبادر للذهن بعد تسريبات وثائق باناما, ليس في المغرب بطبيعة الحال ما دام الملك محميا بحصانة دبلوماسية مدى الحياة, و لكن في الدول التي إقتنى فيها عقارات بعد إجراء ما يمكن إعتباره "هندسات ضريبية" عبر مكاتب قانونية محترفة بباناما بغرض تفادي آداء ضرائب بهذه البلدان.

الجواب على هذا السؤال ليس سهلا من الناحية القانونية بحكم التعقيد الكبير لقوانين الضرائب الدولية و المعاهدات البينية بين مختلف الدول في هذا الشأن, و لكن يمكن أن نفترض أن الحصانة الدبلوماسية قد تجنب الملك و ذويه مثل هذه المتابعات. 

و لكن "الحصانة الدبلوماسية" ليست ضمانة 100%, فقد كانت هناك مؤخرا متاباعات في قضايا مالية (في فرنسا و الولايات المتحدة) لرئيس الغابون علي بونغو (الذي له نفس محامي الملك محمد السادس Eric Dupond-Moretti) و إبن رئيس جمهورية غينيا- الإستوائية Theodorin Obiang و حتى رئيس الكونغو ساسو نغيسو. و لم تشفع لكل هؤلاء حصانتهم الدبلوماسية لكون التشريع في هذا المجال هو في تطور مستمر خصوصا بعد الأزمة المالية لسنة 2009-2008. و دائما ما تستجد فجوات قانونية يمكن من خلالها متابعتهم و الإلتفاف على مبدأ الحصانة الدبلوماسية.

و لعل هذه الإمكانية هي السبب الذي جعل الملك محمد السادس (إلى جانب عدد من رؤساء و أمراء دول عربية أخرى كالإمارات و وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم يلجأ إلى خدمات شركة الإستشارة القانونية المرموقة Mossack Fonseca ليس فقط لإجراء "هندسة" أو "تركيب ضريبي" يمكن من تفادي الضريبة و لكن أيضا لإخفاء إسم المالك الحقيقي و تحصينه بطريقة "فولاذية". 

و الأكيد أن الحرص على إخفاء إسم المالك الحقيقي ليس خوفا من الصحافة, فهذا متأتي في عدد من الدول, و بسهولة, و لا حاجة إلى باناما و الجزر العذراء لتحقيق هذا الأمر. 
و إنما الغرض من وراء ذلك هو تجنب تعرف إدارة الضرائب في بلدان العقارات على المالك الحقيقي للعقار (أو الشركة) و بالتالي الضريبة التي سُتفرض عليه و التي ستختلف بدون شك, كثيرا إذا ما تم التعرف على المالك الحقيقي الثري عوض تسجيل العقار بإسم شركة صغيرة وراءها دين ضخم مما يجعلها بيانها الحسابي سلبي.

و باناما تتوفر على أقوى نظام لحماية سريةُ ملاك الشركات و اصول ثرواتهم, و هي تتعرض منذ بضعة سنوات إلى ضغط أمريكي رهيب لكي توافق على إتفاقية "Common Reporting Standard" التي فرضتها منظمة التعاون الإقتصادي و التنمية (OECD) على جميع دول العالم (بإستثناء باناما و البحرين و جزيرة ناورو و دولة الفانواتو و الولايات المتحدة). وهذه الإتفاقية تفرض الإعلام الأوتوماتيكي بأسماء ُملاك الشركات الحقيقيين لبقية الدول. 

وقد تكون هذه التسريبات عقابا لباناما على ممانعتها و وقوفها في وجه الولايات المتحدة. و سبب معارضتها الشديدة هو أن إتفاقية كهذه سُتدمر الإقتصاد البانامي الذي يعتمد بشكل كبير على الخدمات المالية و شركات الإستشارة القانونية المختصة في إخفاء أسماء ملاك الشركات و الهندسات الضريبية الدولية المعقدة. 

هذه التسريبات تؤشر على تغير عميق في قواعد اللعبة المالية العالمية, إذ يبدو أن دول ال OECD و على رأسها الولايات المتحدة, لم تعد قابلة بهذه "الحرب الضريبية" غير-المعلنة ضدها, وُتريد أن تحول الودائع المالية إلى أبناكها هي, عوض أن تكون في باناما أو سويسرا. و مما يؤيد هذا أن بنك HSBCُحكم عليه في قضية "المساعدة على التهرب الضريبي" في أمريكا بمليارات الدولار من التعويضات و كان ذلك بضعة سنوات قبل تسريبات HSBC, التي ربما كانت مقصودة لتوجيه ضربة لمصداقية البنوك السويسرية ودفع سويسرا للموافقة إتفاقية Common Reporting Standard لدفع أثرياء العالم على إيداع ثرواتهم بالولايات المتحدة عوض سويسرا.

لا يمكن إستبعاد فرضية أن هذه التسريبات قدُ تفضي إلى متابعات قضائية ضد المتورطين (بما في ذلك أمراء الخليج و الملك محمد السادس و ذويه), فليس هناك شيء مقدس عندما يتعلق الأمر بالمال من وجهة النظر الأمريكية/الغربية. فحتى شركة "غوغل" العملاقة تعاني الويلات في أوروبا من متابعات قضائية بتهمة التهرب الضريبي. كما قضت محكمة أمريكية قبل سنتين بغرامة مالية خيالية ( في حق البنك الفرنسي BNP-Paribas بتهمة المساعدة زبناءه على التهرب الضريبي.
هناك سبب وراء غلاء خدمات مكاتب إستشارة قانونية للهندسة الضريبية مثل مكتب "Mossak Fonseca" البانامي الذي نشرت وثائقه.

السبب هو أن الإجراءات الضريبية الدولية و هندسة الهيكلة الضريبية بين مختلف الدول بإستخدام مختلف الفجوات القانونية هو مسألة جد معقدة, و غير متاحة لأي محامي أو مكتب محاسبة و وساطة و إستشارة قانونية. فهناك بطبيعة الحال, خيط رفيع بين ما يندرج تحت نطاق المفهوم القانوني ل"التهرب ضريبي" ( ال"إلتفاف أو تجنب ضريبي" (Tax avoidance), فالأول جريمة يعاقب عليها القانون و الثاني هو "حرفة" تتمثل في إستغلال جميع الفجوات القانونية الموجودة في مساطر عدد من الدول لإيجاد الهيكلة الضريبية المثلى لشركة ما, بغرض آداء أقل مبلغ ممكن لمديرية الضرائب.

و تصريح محامي الكتابة الخاصة للملك هشام الناصري الذي جاء فيه أن كل ما قام به موكله "قانوني", لا يعدو كونه إدعاء أو زعم و إعتقاد. فالبث في هذه المسألة القانونية المعقدة, يعود لخبراء و مختصي مديرية الضرائب الفرنسية و ليس مسألة بسيطة يمكن الجزم بها ببساطة بمحض جرة قلم كما يريد محامي الملك أنُيصور. فإذا كان محامي كتابة الملك, و من وراءه الهولدينغ الملكي و الملك, معتادا على أن يكون في المغرب في وضعية المشرع و المنفذ و الحاكم و المحتكم, و بالتالي فالأمور بسيطة يكفي أنُيصرح بها لُتصبح حقيقة, فالأمر يختلف في فرنسا التي ليس محمد السادس ملكها و لا يشرع فيها, و بالتالي فهو لا يملك أن يحكم على مدى قانونية ممارسة ضبابية, مثل التي وردت في وثائق باناما.

و قد رأينا كيف وجد رجال و شركات, أكثر حنكة و خبرة و دهاء إقتصادي و مالي من الملك و كتابته الخاصة, في ورطات قانونية مع مديرية الضرائب لإثبات أن معاملاتهم الضريبية هي بالفعل قانونية كما يدعون. و الأمثلة هنا كثيرة, من Kahn إلى شركة غوغل (التي يحلو لكاتب الملك مقارنة نفسه بها عند كل تصريح...), و التي لا زالت تتمرغ في معمعات قانونية في محاكم فرنسا و أستراليا لإثبات أنها لا تتهرب من الضرائب بهذه البلدان.

و ما يغفله وُيتغافل عنه, هو أن غوغل و الآخرون شركات ربحية جشعة لا وازع أخلاقي لها, سبب وجودها الوحيد هو تحقيق الربح و ليست رئيسة دولة أو ملك مسؤوليته الأولى السياسة و الحكم على شعب. فشركة غوغل مثلا تختلف جذريا عن معاملات الملك, فهي تبرر هيكلتها الضريبية بالدخول في دهاليز قانونية حول مصدر ربح فروعها بفرنسا أو أستراليا و التي يصعب إثبات أنها تأتي من فرنسا نفسها و ليس من شركات أجنبية متعددة الأطراف و صعوبة تحديد مدى الأرباح الحقيقية التي تحصل عليها من فرنسيين أو أستراليين مقيمين بهذه البلدان. أما مسألة الملك فهي بسيطة بحيث أنها تتعلق بعقار يستخدم لأغراض شخصية و بالتالي تنطبق عليه مبدئيا مسطرة ضريبية معروفة بفرنسا (آداء ما يعادل ثمن شهرين كراء سنويا), و يبدو أن الهيكلة الضريبية و اللجوء لخدمات الشركة البانامية كانت بغرض التنصل من آداء هذه الضريبة كاملة إذا ما كانت هناك فجوة قانونية ماُتمكن من ذلك.

عبد الله بلقاضي/ الناير

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes