للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

هل «وثائق بنما» مؤامرة أمريكية أم حكام سرقوا خيرات شعوبهم وبلادهم؟



تستمر التفاعلات السياسية لفضيحة «وثائق بنما» التي كشفت تورط عدد من المسؤولين السياسيين، وعلى رأسهم ملوك ورؤساء حكومات، في الاختلاس المالي والضريبي.

وبدأت أصوات وأقلام تروج لمنطق المؤامرة الأمريكية ضد العالم، خاصة ضد الدول الصاعدة، أو تلك التي تتبنى سياسة معادية لواشطن على المستوى الدولي. وهذه الوثائق التي انفجرت منذ عشرة أيام كشفت زيف الطبقة السياسية العالمية التي سرقت أموال شعوبها ونقلتها إلى ملاذات ضرائبية في عدد من مناطق العالم وعلى رأسها بنما. وهكذا وجدنا الحاكم العربي الذي يتولى منصب الملك أو الإمارة، إلى جانب رئيس حكومة دولة ديمقراطية في سفينة الفساد المالي. ونحن أمام المساواة بين الحكام، ولكنها مساواة ذات مفارقة عجيبة وغريبة.

وأقدم رؤساء حكومات دول غربية وسياسيين على تحمل المسؤولية المعنوية وتقديم الحساب السياسي، عبر تقديم الاستقالة، كما حدث في حالة رئيس حكومة إيسلندا، ووزير الصناعة الإسباني، وقيام آخرين بتقديم توضيحات قد تكون مقنعة أو لا، مثل رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون. لكن في حالة الدول التي تغيب فيها الديمقراطية مثل بعض دول الخليج والمغرب وروسيا والصين والجزائر ونيجيريا، فقد حدث شيء آخر، وهو القول بنظرية المؤامرة الأمريكية في السياسية الدولية ومحاولة إضفاء طابع جيوسياسي على فضيحة «وثائق بنما». ومن ضمن الحجج التي يقول بها المدافعون عن نظرية المؤامرة، أن هناك غياب أسماء أمريكية من لائحة بنما، وهذا كاف، وفق هذه الدول، خاصة إعلامها، في إقناع الرأي العام الدولي، والمحلي أيضا لكل دولة من هذه الدول بنظرية المؤامرة. ويمكن الاختلاف في تفسير نظرية المؤامرة في العلاقات الدولية، بين مؤمن بها إلى مستويات خيالية ومبالغ فيها ومن يرفضها ويسخر منها. 

وعمليا، من الصعب نفي وجود المؤامرة في العلاقات الدولية التي تحضر على مستويات، ومنها ما يتعلق باستراتيجيات تضعها الدول لتقوي مكانتها في الساحة الدولية وتضعف الدول المنافسة. وتتولى المخابرات ومراكز التفكير الاستراتيجي وضع خريطة الطريق للعمل في تطبيق هذه الأهداف. وتلصق نظرية المؤامرة عادة بالولايات المتحدة، بسبب تأثيرها في القرارات الدولية وكذلك بسبب تورطها بملفات متعددة منذ عقود طويلة، مثل الاغتيالات والانقلابات. ونشهد في الوقت الراهن نظرية المؤامرة في علاقاتها بالطاقة، يتعلق الأمر بتخفيض أسعار البترول لإضعاف دول معينة وهي روسيا وإيران، وكذلك عرقلة استثمارات الشركات الأمريكية في النفط الصخري. 

وعلى ضوء هذا، يبقى التساؤل هل «وثائق بنما» تشكل مؤامرة أمريكية؟
وحول نظرية المؤامرة، في البدء، يجري الحديث عن غياب أسماء أمريكية في «وثائق بنما»، وهذا المعطى ليس بالصحيح. تبلغ «وثائق بنما» أكثر من 11 مليون وثيقة، وتوجد أسماء لبعض الشخصيات المقيمة في الولايات المتحدة، بعضها أمريكي وبعضها فقط يقطن في هذا البلد. لكن لا يوجد مشاهير من الولايات المتحدة بين الأسماء الواردة في الوثائق. وقد اعتمد الاتحاد الدولي لصحافة التحقيق خلال تفجير هذه الفضيحة التركيز على الأسماء التي يعرفها الرأي العام العالمي مثل رئيس إيسلندا وزعماء من الصين وأمراء وملوك عرب، لكي يثير اهتمام الرأي العام العالمي لحجم هذه الفضائح. 

وتوجد عشرات الآلاف من الأسماء الأخرى التي لا وزن سياسي لها. وفي دولة مثل المغرب مثلا هناك أكثر من مئة اسم سيظهر لاحقا، بعضها معروف وآخر غير معروف. بعضها يثير اهتمام المغاربة والبعض الآخر لا، وهذا يتكرر بالنسبة لباقي دول العالم. وارتباطا بالنقطة السابقة، يتجنب الأمريكيون الملاذات الضرائبية لسببين، الأول، وجود ملاذات ضرائبية في الولايات المتحدة وأبرزها ديلاوير التي تقدم تسهيلات كبيرة، بينما يتجلى السبب الثاني في نوعية القانون الأمريكي، الذي يعتبر ربما أقسى قانون في العالم ضد المتملصين من الضرائب، حيث ينص على عقوبات سجنية وغرامات مالية مرتفعة.

وعلى مستوى آخر، هل قامت الإدارة الأمريكية بتزوير الوثائق ووضع أسماء ملوك ورؤساء دول ومشاهير من عالم الفن والأعمال في شركات بنما. بطبيعة الحال لم يحدث هذا، كل «وثائق بنما» التي سربها الصحافيون هي صحيحة باعتراف المتورطين أنفسهم الذين بادروا إلى التبرير، وكذلك باعتراف مكتب المحاماة الذي يدير هذه الشركات في الظل. علاوة على ذلك، هل قامت الولايات المتحدة بحذف أسماء سياسيين أمريكيين مثل الرئيس باراك أوباما أو وزير الخارجية جون كيري وسياسيين آخرين من الصف الأول؟ لم تقم بهذا لأنه لم يتم رصد أي سياسي أمريكي في «وثائق بنما».

وبالتالي، هنا يغيب مفهوم المؤامرة التي يقف وراءها الغرب وأساسا الولايات المتحدة لضرب الدول المنافسة مثل، الصين وروسيا أو أخرى صاعدة عبر «وثائق بنما». وفي المقابل، تحضر المؤامرة الحقيقية التي تتجلى في تآمر حكام على الشعوب من خلال سرقة خيرات هذه الشعوب وتهريبها إلى ملاذات وجنات ضرائبية كما يحدث في حالة «وثائق بنما».

د. حسين مجدوبي/ القدس العربي












مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes