فضيحة النفايات في المغرب.. ما وراء الاكمة لـ علي انوزلا
بعد ثلاثة أسابيع من الصمت والبيانات والتصريحات المتضاربة، قررت الحكومة المغربية أن تنحني لعاصفة الانتقادات التي ما زالت تطالها بسبب ترخيصها لاستيراد شحنة من النفايات من إيطاليا. قرار الحكومة المغربية تلاه الوزير الناطق الرسمي باسمها جاء واضحا ووصف الشحنة المستوردة بأنها "نفايات"، وذلك بعد محاولات وزيرة البيئة ومسؤولي شركات الإسمنت المٌستوردة، تغليط الرأي العام بوصف النفايات بأنها مجرد " وقود بديلة".
قرار الحكومة المغربية قضى بوقف استيراد النفايات موضوع الضجة "في انتظار استكمال تحريات من أجل اتخاذ قرار نهائي في حقها"، وفي نفس السياق أعلنت الحكومة أنها تدرس "قرارا للإيقاف النهائي لاستيراد أي شحنة أخرى من النفايات من أي وجهة." وكلها إجراءات جاءت من أجل تهدئة الشارع المغربي ولاحتواء موجة الغضب التي تكبر يوما بعد يوم مع اكتشاف ملابسات وخلفيات هذه الصفقة المشبوهة.
فهل ستنتهي القضية هنا؟ مطالب الرأي العام ما زالت ترتفع مطالبة برأس الوزيرة التي يبدو اليوم أن الحكومة تخلت عنها وبات قرار إقالتها مسألة وقت فقط، في انتظار صدوره من أعلى سلطة في البلاد. فالوزراء في المغرب يٌقالون ولا يستقيلون. هكذا حدث مع كل الوزراء السابقين الذين عاندوا الرأي العام وواجهوه بعنجهية وتكبر، قبل أن يخرجوا صاغرين عندما يأتي قرار إقالتهم.
وكيفما كانت الخاتمة التي ستنتهي بها هذه الفضيحة، فقد كشفت عن أشياء مهمة يجب التعلم منها.
فقد كشفت أولا عن عدم وجود تنسيق داخل الحكومة، وعن تخبط كبير في طريقة تدبير الفضيحة على المستوى الإعلامي والتواصل مع الرأي العام. وقد بدا هذا واضحا من خلال صمت أغلب وزراء الحكومة وابتعادهم عن الخوض في القضية، وتحمس وزيرين على الأقل، بالإضافة إلى وزيرة البيئة، للدفاع عن الصفقة المثيرة للشبهات هما وزير الداخلية ووزير النقل والتجهيز. ويبدو اليوم أن حكومتهم تخلت عنهم عندما قررت إيقاف الصفقة، ومع الأسف فلن يبادر أي من الوزراء الثلاثة إلى تحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية والاعتذار للرأي العام الذي حاولوا تغليطه، وإنما سيلوذون بالصمت مثل موظفين بائسين.
الأمر الثاني الذي كشفت عنه هذه الفضيحة هو أن لوبيات المصالح الاقتصادية هي أكبر وأقوى من الحكومة، بل إن بعض أعضاء الحكومة، خاصة وزيرة البيئة التي تتحمل وزارتها المسؤولية المباشرة عن هذه الصفقة، نسيت منصبها السياسي كوزيرة في حكومة مفترض أنها منتخبة وتمثل مصالح الشعب، عندما تحولت إلى مدافعة عن مصالح لوبيات الإسمنت، وفتحت لهم الوزارة ووضعت تحت تصرفهم مواردها من المال العام للدفاع عن مصالحهم في مواجهة غضب الشارع المغربي.
الأمر الثالث الإيجابي الذي نبهتنا إليه هذه الفضيحة، وليست هذه هي المرة الأولى، ألا وهو دور الفيس بوك والمواقع الاجتماعية وقدرتها على التأثير في الواقع. فقد تحول ما بات يسمى في المغرب "شعب الفيس بوك" إلى أقوى "حزب سياسي" له قدرة رهيبة على صناعة الرأي العام والتأثير فيه، متجاوزا كل وسائل التواصل التقليدية. وبات يشكل ما يمكن وصفه بأنه "سلطة خامسة" سريعة التشكل وفاعلة ونافذة.
بقي أمر آخر ما زال الرأي العام ينتظره، وهو إقالة الوزيرة المسؤولية عن الصفقة المشبوهة. فإقالة هذه الوزيرة لم يعد فقط مطلبا يجد صداه واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما بات قرارا له ما يبرره قانونيا وسياسيا وأخلاقيا.
- أولا: فقد اتضح اليوم بعد أن صدر قرار الحكومة أن الوزيرة المعنية بمطلب الإقالة، لم تحترم كل قوانين بلدها والقوانين الدولية المتعلقة باستيراد النفايات.
- ثانيا: لأنها حاولت تغليط الرأي العام بالكذب عليه وإخفاء الحقيقة عنه.
- ثالثا: لأنها نصبت نفسها مدافعة عن مصالح لوبيات اقتصادية ونسيت دورها كمسؤولة عمومية من المفروض فيها أن تدافع عن المصلحة العامة.
- رابعا: لأنها أبرمت صفقة مضرة بصحة المواطنين وبالبيئة المغربية.
- خامسا: لأنها شوهت صورة البلاد أكثر مما يٌتهم بفعله أشرس معارضي النظام في الخارج.
وأخيرا، لأن استمرارها في منصبها هو إهانة لآلاف المغاربة الذين انتفضوا ضدها واحتقار لذكاء جميع المغاربة.
مواضيع ومقالات مشابهة