تفجيرات السعودية والمسؤولية المعنوية لمذهبها الوهابي لـ علي أنوزلا
أثارت التفجيرات الأخيرة التي كانت تستهدف قبر النبي محمد الكثير من ردود الأفعال المتناقضة ما بين المستغربين لاستهداف ثاني مكان مقدس بالنسبة لمسلمي العالم، وما بين متشفين من الإسلام الذي ارتكبت باسمه الكثير من الفظاعات في العصر الحالي، أو متشفين من النظام السعودي الذي يعتبره آخرون هو الراعي للفكر الذي يستمد منه المتطرفون تبريرات أفعالهم.
ردود الفعل في العالم الإسلامي صدرت عن أكبر المراجع الدينية السنية والشيعية، وأقوى ردود الأفعال تلك جاءت من الملك السعودي سلمان ابن عبد العزيز الذي تعهد بالضرب "بيد من حديد" كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات الشباب السعودي الذي يشكل أكبر "جيش" داخل التنظيمات المصنفة اليوم إرهابية من "القاعدة" حتى "داعش". ففي هذا التصريح نوع من الاعتراف بالمسؤولية المعنوية للمروجين للأفكار والتوجهات التي دعا الملك السعودي إلى ضربهم "بيد من حديد".
أما المتشفين، ورغم قلتهم، فهم يتوزعون ما بين بعض وسائل الإعلام الإيرانية التي أعادت التذكير بطلب إيران السابق القاضي إلى سحب إدارة الحج وزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة من السلطات السعودية. وبعض المتعصبين المسيحيين في أمريكا، الذين اعتبروا ما حصل انتقامًا إلهيًا لهم من المسلمين. ومن داخل العالم الإسلامي السني، ومن مصر تحديدا صدرت أكثر ردود أفعال تشفيا مثل تلك التي لخصها عنوان صحيفة "المقال" للإعلامي المصري إبراهيم عيسى، المقرب من النظام العسكري في القاهرة، ، يقول "من الإرهابيين إلى السعودية: هذه وهابيتكم رُدت إليكم"، وفي مقاله كتب عيسى شامتا: "ها هو فرانكشتاين ينقلب على مخترعه".
الشامتون ينطلقون من كون الفكر المتطرف الذي يقف وراء تفجيرات السعودية الأخيرة، هو نتاج سياسة الحكام السعوديين السنة التي دعمت ومولت ورعت حركات متطرفة مثل "جبهة النصرة" وأخواتها من التنظيمات الإرهابية واستعملتها في حروبها في العراق وسوريا واليمن لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في صراعها العقائدي مع إيران الشيعية.
وهذا الكلام، وحتى وإن صدر عن بعض "الشامتين"، فهو يحمل بعض الحقيقة المرة، كما يقال. فقد أنفقت السعودية للحد من رياح "الربيع العربي" مليارات الدولارات لتشجيع الفكر السلفي المناهض لثورات الشعوب التي طالبت بالحرية والديمقراطية في أكثر من دولة عربية، ودعمت قنوات تليفزيونية محسوبة على السعودية أو بعض أمرائها وأثريائها لإسقاط النظام "الشيعي" في سوريا، وتبرير قتل شيعة اليمن، واستهدافهم في العراق، وبث التفرقة ما بين السني والشيعي في لبنان. دون أن ننسى المئات بل الآلاف من فتاوى علماء المذهب الوهابي، وهو المذهب الرسمي في السعودية الذي يشجع على القتل والتدمير. وهذا المذهب ليس جديدا في العالم الإسلامي، فقد أسس له قبل 1200 سنة رجلان يعتبران اليوم أهم مراجع الفكر السلفي، هما أحمد بن حنبل وأحمد ابن تيمية، ومن فكر هذين الرجلين استمد، محمد بن عبد الوهاب، قبل 200 سنة، الفكر الذي أسس عليه مذهبه الذي حمل اسمه.
لا أسوق هذا الكلام لتحميل النظام الرسمي في السعودية المسؤولية المعنوية عن نشر وبث فكر تكفيري، أصبح العاهل السعودي اليوم يدعو إلى الضرب بيد من حديد كل من يستهدف عقول وأفكار شباب بلده، لكن لا يمكن فهم خلفيات هذه العمليات الإرهابية بمعزل عن السياق الفكري الذي ترعرع فيه الفكر الذي ينظر لها ويبررها. وهو، مع الأسف، نفس الفكر الرسمي الذي تتبناه الدولة السعودية وتدعمه وتوظفه لتبرير حروبها المفتوحة في اليمن والعراق وسوريا.
مواضيع ومقالات مشابهة