للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

سوبرمان عربي: صرخة مدوية لـ جمانة حداد



بعد كتابها «هكذا قتلت شهرزاد»، تستكمل جمانة حداد كتاباتها المثيرة للجدل لتفضح النظام البطريركي الذي لا يسيطر فقط على عالمنا العربي بل يتعدّى حدوده أيضاً. فمن الديانات السماوية ومفهوم الزواج إلى الذكورية المتجذّرة والازدواجية السائدة في التفكير، تتوغّل في حاجتنا الماسّة إلى ذكورية جديدة في ظلّ أزمنة الثورات والتغييرات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط.

جمانة حداد شاعرة لبنانية حازت جوائز عدّة، مترجمة أدبية، ناشرة وصحافية. أطلقت عام 2008 أوّل مجلة إيروتيكية ثقافية في العالم العربي، بعنوان «جسد». صدر لها عن دار الساقي "هكذا قتلت شهرزاد".
ليس هذا الكتاب بمانيفستو ضدّ الرجال بشكلٍ عام، ولا هو بمانيفستو ضدّ الرجال العرب بشكل خاص. ولكنّه صرخة مدوّية في وجه صنفٍ محدّد من الرجال: الرجال الذكوريين، أو أشباه سوبرمان، كما يحلو لهم تصوير أنفسهم.

لكن سوبرمان مجرّد كذبة.

من داخل خصاص اجتماعي حاد، مضافا إليه أشكال ومظاهر لا تحصى من الحجز الأخلاقي، مردوفا إليهما، الوفرة والرّفاه الاجتماعيين، بحيث إن ديكور الحداثة، أو بهرجه الصاعق بالأصح، وتسيّد هندسات التعمير الغربي واستشراء قيم الاستهلاك،التي لا تلغي سطوة التقليد والمحافظة، وجماعاً من المنظومات السلطوية المتجذرة التي تؤول إلى لاوعي ذكوري.

تباشر الشاعرة اللبنانية جمانة حداد، الكتابة، التي تنتظمها تجربتها في كليتها( هكذا قتلت شهرزاد 2010) وليس فقط في ‘سوبر مان العربي’ الصادر بترجمته العربية عن دار الساقي – 2014، والصادر ب(بالانكليزية والفرنسية والايطالية). عن الغالب الأعم، عن ملمح بذخ متزيّد أو فائض حاجة في المجتمعات الذكورية التي تسودها إيديولوجيا الفحولة والتسلط والاستقواء. فهي تصرح في البداية’ ليس هذا الكتاب بمانيفستو ضدّ الرجال بشكلٍ عام، ولا هو بمانيفستو ضدّ الرجال العرب بشكل خاص. ولكنّه صرخة مدوّية في وجه صنفٍ محدّد من الرجال: الرجال الذكوريين، أو أشباه سوبرمان، كما يحلو لهم تصوير أنفسهم. لكن سوبرمان مجرّد كذبة’.

نظرية السوبرمان التي تضفيها حداد على الرجل الشرقي، التي تكثف، في غير قليل من الشفوف والاحتداد، معتنقها الرؤياوي القائم في ثنايا الكتاب، فتحاول جمانة ببساطة، التقاط النبض المستدق، إن شئنا من خلال معادلة (المرأة/الأنثى)، بمعنى كينونات منشرطة بهويتها الجسدية والروحية المسطورة، ومنفعلة، بقوة الأشياء، بمجريات واقع عربي رجّالي، عن الآخر، وبتعبير مواز التقاط قرائن متخيّل رديف لمتخيّل يؤول إلى خانة الذكورة وذلك ضمن تداعياتها المادية والرمزية المتراكبة. لكن فاستعمال نعت ‘سوبرمان ‘ من باب التسخير الإجرائي ليس إلاّ ما دام الأصوب، في ضوء المعادلة المختلة، أصلا، بين حدّي الذكورة والأنوثة، القول بخطاب أو متخيّل ذيلي أو رافد. 

لتتخذ صفة النواة الصلبة للتلفظ والتعبير وتمسك بزمام استراتيجية تذويت جلية تروم ابتناء أسطورة ما للمرأة واستجلاب ما به قوام مغالبتها للمحرمات المجتمعية والأخلاقية ومناوءتها للمسبقات والمفارقات والاختلاطات التي يحبل بها الواقع وذلك بوصفها كينونة حرة، إلى أقصى حدود الحرية، مستشعرة، في ذات الوقت، أكداس الكوابح التي تلجم تحررها الجوهري، والتي ترتدي معنى الوباء، فتكشف حداد أن المرأة في المجتمعات العربية ليست وحدها التي تعانى من المجتمع الأبوي بل إن ظاهرة المجتمع الأبوي تكاد تكون عالمية وهو ما استنتجته من أسفارها إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأمريكا اللاتينية وما أثبتت من ه نماذج وشهادات صارخة تثبت أن ظاهرة المجتمع الأبوي ظاهرة عالمية وليست عربية وحسب.

تقول ‘حداد’ حول الدين في كتابها: ‘في المسائل الروحية لا يوجد خطأ وصواب بل على العكس أنا مؤيدة جدا لفكرة الإيمان، نحن بحاجة لذلك ونحن بحاجة أيضا إلى التوقف عن ترديد الكلمات الفارغة من المعنى علينا أن نكف عن التعلق بالمؤسسات الدينية وتكون لدينا الشجاعة لنتوقف ونسأل هل هذا حقا ما نؤمن به؟ هل هو ذا من نعتبره قدوتنا حقا علينا أن نبحث دائما عن الإيمان الذي يجعلنا ‘إنسان’ أفضل.

فكر فيما تعنيه حقا كلمة ‘إنسان’ انها مفردة جميلة، أليس كذلك؟ إنها الحب، إنها كلمة سخية تعنى احترام الآخرين إنها الصدق والكرم، هذه هي الإنسانية، ولا تعنى أبدا الذهاب للجامع والكنيسة كل يوم.

عندما اسأل طلابي عن التفكير في مدي تدينهم اطلب منهم أن يعيشوا الحياة بعمق أن يراقبوا مدي إنسانيتهم ومراعاتهم لحقوق الإنسان والمساواة، قد ارقب في عيون بعضهم شرار وبعيون الآخرين سلاما، بالتأكيد كل واحد منهم سيدرك طريقه، وهذا ليس سهلا.
وهي التي فسرت الدين في كتابٍ سابق بما يلي: ‘في البدء خلق الله الشاعرة. وصارت الشاعرة سَفَراً. وعجلاتٍ صار السَّفَر. وقال الله: لتمت الشاعرة دهساً تحت العجلات. فماتت دهساً تحت العجلات الشاعرةُ. ورأى الله ذلك أنه حسن’.

كذلك التدفق الهلامي للغة جمانة، وإنتزاع ما في بواطنها من أشياء، من أجل أن يعلقها على حبال الغسيل، متهكماً وجارحاً وعابثاً، وكأنه بكائن خرج ذات يوم من قمقم النصوص، ولا يريد العودة إليه حتى لو كان فناء اللغة هو النتيجة. فمحاولة حداد الهرب من القفص اللغوي الضيق، لتمنح الكلمات فرصة بالتمدد أوسع، والأنتقال من الشعري الخالص إلى النثري الكلامي القصصي، دون حدود، خاصة وكأنها تحاول بناء جملتها على روائح عالم مجتفّ، متيبّس، وطاعن في إنهاك الذوات. فما نرى، على لفظة ‘سوبر مان’ إلاّ شغف بمنطقة الخطر والمجازفة الرمزيين، أي بما وراء الحدّ وفقا لمنظور يوري لوتمان أو بأفق الانفساح والعراء ضدا على مقتضى التكوم والانحجاب، الشيء الذي ترجّحه المحايثة الملموسة لرمزية ‘سوبر مان’ في متن الكتاب، ودون استخدام واضح لأية بلاغات في المجاز، والتواطؤ مع مخزون القارئ المعرفي وخبراته العاطفية، تَوقف السرد الذي يهيمن على غالبية نصوصها، المحمّلة بالدلالات الفنية والشعورية، لا تعني اكتفائها بتقصيف الشريط اللغوي للنص وحسب، بل تصفيته من أي تعبير لا يتطلبه الإحساس، مع تأكيدها على التكثيف بما هو اختصار لظاهر المضمون المسبوك لغويا، على الرغم من اللجوء إلى التقسيمات المقطعيّة، والفراغات التي تفصل بين مقطع ومقطع، أو بين وحدة من النص ووَحْدة أخرى، ويتوضح ذلك من خلال استهلال الكتاب بنص ‘لماذا أنا ملحدة’؟

الممات الذاتي، الذي يأخذ أكثر من وجه وسمة، والذي تحياه المرأة ضمن أية ثقافة ذكورية منغلقة وغير متسامحة، ريثما يحظين بغرفة فرجينيا وولف الحلمية، أي بوطن رمزي مخصوص للأنثى وموقوف عليها.

هذا ولو أن اختلال المعادلة لا يعفي، مثلا، على ركنها المفارق الذي يشير إليه نموذج المجتمعات الأميسية في الأعصر القديمة وبخاصة المرتبة الرفيعة التي منحتها بعض الأمم والحضارات العتيقة للمرأة من مثال إينانا السومرية، الشقيقة السابقة على عشتار البابلية، التي جمعت، أسطوريا، بين وظائف الحب والزواج والخصب.. ووظائف الهمّة والبسالة والقتال !؟

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes