للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

الدرس التونسي لـ علي أنوزلا


عبرت تونس آخر مرحلة من مراحل انتقالها الديمقراطي، وانتخبت أول رئيس للبلاد في انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة وحرة، وفي ظل دستور ديمقراطي يعتبر اليوم من بين أحسن الدساتير في الدول العربية ويكاد يضاهي دساتير الديمقراطيات العريقة في الغرب. 

و طيلة شهرين خضعت المواطنة والمواطن التونسي، والطبقة السياسية التونسية، والمجتمع المدني التونسي، والإدارة التونسية لأكبر دورة تمرين ديمقراطي مكثفة في تاريخ البلاد. ففي ظرف عدة أسابيع شهدت بلاد "ثورة الياسمين" ثلاث استحقاقات كبرى، حيث جرت الانتخابات التشريعية، وتلتها بعد أسبوعين الانتخابات الرآسية في دورتها الأولى والثانية التي اختتمت نهاية الأسبوع ما قبل الماضي بتتويج رئيس للبلاد قبل أسبوعين فقط من الذكرى الرابعة للثورة التي أسقطت الدكتاتور وأعادت للشعب حرية تقرير مصيره بنفسه.

هذا المسار الديمقراطي سبقته أربع سنوات عجاف، شهدت لحظات صعبة كادت أن تعصف بحلم الشعب الذي أبدع شعار "الشعب يريد"، لكنها كشفت أيضا عن معدنه الثمين المتمثل في قوة وحدته وتماسك بنيانه، ورسوخ مؤسساته، وتجدر إدارته، ورجاحة عقول نخبه، ويقظة مجتمعه المدني، ونشاط وحيوية شبابه.

وطيلة السنوات الأربع الماضية خضعت تونس لأكبر عملية كشف، أظهرت مواطن قوة ونقاط ضعف المجتمع الذي ظل مقموعا لأزيد من عقدين. فكانت النقاشات السياسية والفكرية المحتدمة التي رافقت صياغة الدستور فرصة لطرح جميع المواضيع أمام النقاش المفتوح في الفضاءات العموميةـ بدون محاذير أو خطوط حمراء. النقاش السياسي على مصراعيه، وأتاحت الاستحقاقات التشريعية والرآسية الفرصة لجميع القوى السياسية وللأشخاص العاديين ولجميع التونسيات والتونسيين للتعبير بحرية عن آرائهم، واستعراض برامجهم، واختبار شعبيتهم. 

وفي كل اللحظات الصعبة التي وجدت البلاد نفسها أمام مصير مجهول، لم ينطفئ بصيص الأمل، وكان لهذا الأمل أبطال من نساء ورجال، كما كان له ضحايا وشهداء لم تذهب دمائهم سدى. فقد لعب الجيش ورئيسه السابق الجنرال رشيد العماري دورا حاسما في صيانة الثورة والحفاظ على أمن و استقرار البلاد. وكان لحكمة ورجاحة عقول الطبقة السياسية، وخاصة التيار الإسلامي المتمثل في حزب "النهضة" وزعيمه التاريخي راشد الغنوشي، الفضل في تجنيب البلاد الانقسام والتصدع. ووقف المجتمع المدني، ممثلا في نقابة العمال والجمعيات الحقوقية والنسائية، ودينامية الشباب، موقف الحكم والوسيط والمحفز وحامل جرس الإنذار الذي كان يٌقرع لتجنب كل انحراف عن المسار الصحيح.

كل هذا الحراك وكل هذه الاستحقاقات وكل هذه الدينامية تمخضت عما يمكن أن نسميه درسا تونسيا في الثورة والانتقال الديمقراطي. وهذا الدرس بالكاد بدأ، لأن مسارات الشعوب وتقييم تجارب الدولة لا تعد بالسنوات وإنما بالعقود والحقب. 

هناك من سيرى في انتخاب رئيس مخضرم عايش الرئيسين الذين عرفتهما تونس منذ استقلالها منتصف خمسينات القرن الماضي حتى اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، وزعيم حزب يضم بين صفوفه تساء ورجل من عهد الدكتاتور الهارب، بمثابة انتكاسة للثورة وشعاراتها. لكن من يحترم إرادة الشعب الذي رفعت ثورته شعار "الشعب يريد" ما عليه إلا أن ينحي أيضا أمام قرار ذات الشعب حتى وإن اختلف مع إرادة أغلبيته. لكن هناك أيضا من سيرى في فشل كل المشاريع التي قدمها نحو 27 مرشحا للرآسة دليلا آخر على عدم قدرتها على طمأنة الشعب على مستقبل البلاد وحفظ سلامتها.

وإذا كان هناك من درس مهم علمتنا إياه الثورة التونسية فهو احترام إرادة الشعوب، فالشعوب التي تملك قرار تقرير مصيرها بنفسها لا خوف عليها. كما أن الديمقراطية التي تعني حرية اختيار الشعب، قد تأتي بالفاشية أو الأوليغارشية أي حكم أصحاب المصالح، كما هو حاصل اليوم في الكثير من دول الغرب، لكن تبقى قادرة على تصحيح نفسها بنفسها، وهنا تكمن عبقرية هذا النظام في انتظار أن يبدع العقل البشري ما هو أحسن منه.
علي أنوزلا

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes