بنكيران فشل في تنفيذ ما إلتز به في تصريحه الحكومي أمام البرلمان
قيم الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي الحصيلة الاقتصادية لحكومة عبد الاله بنكيران، و هي على بعد أشهر قليلة من انتهاء ولايتها، لكي يكون تقييمه موضوعيا، قام بمقارنة بين ما التزمت به الحكومة في تصريحها أمام البرلمان، وبين الواقع الاقتصادي بعد انتهاء الولاية الحكومية. وقبل شروعه في المقارنة، أكد على أن الحكومة الحالية محظوظة إلى حد كبير، لأنها جاءت في فترة يعرف فيها المغرب سنوات رطبة وخاصة السنوات الأولى من ولايتها. لأن الموسم الفلاحي السيء يؤثر سلبا على الاقتصاد، وبالتالي فالحكومة الحالية لم يطرح لها هذا المشكل بالمقارنة مع الحكومات السابقة التي عانت من سنوات الجفاف.
الهدية الثانية التي تلقتها الحكومة هي الانخفاض الكبير في أسعار النفط. وهو ما يؤثر بالايجاب على التجارة الخارجية برمتها. لكن ما الذي قدمته الحكومة نظير ذلك؟ لا شيء. هذا الانخفاض يعود لأسباب تتحكم فيها جهات دولية. وفي نفس السياق، تلقت الحكومة دعما كبيرا من دول الخليج، بالإضافة إلى مساندة مهمة من المؤسسات المالية الدولية، البنك الدولي لم يكن متناغما طيلة تاريخ المغرب بالقدر الذي كان متناغما مع الحكومة الحالية. إذن السياق الدولي والوطني كان ملائما للحكومة لتحقيق نتائج جيدة على المستوى الاقتصادي. أما فيما يخص النتائج، فعلى مستوى نسبة النمو، تعهدت الحكومة في بداية ولايتها بتحقيق نسبة نمو في حدود %5.5، بينما لن يتجاوز هذا الرقم بين سنوات 2012 - 2016، نسبة %3.15 ، وهذا يعني أن الحكومة ضيعت عى المغرب نقطتين من نسبة النمو، والنقطة الواحدة تقدر اليوم بـ9.5 ملايير درهم من الناتج الداخلي الخام. و تقدر الأموال التي كانت ستكسبها الحكومة هي بحوالي 20 مليار درهم خلال كل سنة من ولايتها أي 100 مليار درهم في المجمل، وهو الأمر الأول الذي لم يتحقق.
على مستوى البطالة، التزمت حكومة بنكيران بتخفيض معدلها إلى %8 ، بينما لا يراوح الرقم إلى حد الساعة %10. وعند العودة للنقطتين التي خسرتهما الحكومة في نسبة النمو، كانت ستخلق لنا كل نقطة، حوالي 25 ألف منصب شغل، أي أننا خسرنا 50 ألف منصب شغل في السنة.
يذكر أن التوازنات الماكرو اقتصادية تحددها المؤشرات التالية، أولا نسبة عجز الميزان التجاري، وصحيح أن هذه الأخيرة عرفت تحسنا، لكن السبب الرئيسي في ذلك، لا دخل لحكومة بنكيران فيه، بل يرتبط بشكل أساسي، بانخفاض أسعار السوق الدولية. موضحا ان الإشكال الذي يواجهه المغرب على هذا المستوى، هو أن اقتصاد المغرب لم ينجح لحد الساعة في توفير صادرات متنوعة ومنافسة بالسوق الدولية، بل إنه يتراجع على هذا المستوى. وتكتفي الحكومة بإخبار المغاربة بالمشاريع الكبرى كـ"رونو" مثلا، وتقول إنها تصدر أزيد من 300 ألف سيارة، وهو ما أعتبره تمويها وحجبا للشمس بالغربال، الشيء الذي لا يساعدنا على فهم الواقع الاقتصادي بالشكل المطلوب.
وإذا دققنا في صادرات "رونو" سنجد أنها حينما تصدر ما قيمته 100 أورو، تستورد في مقابل ذلك 60 أورو، ولكن حينما نفحص معدل الاندماج الحقيقي، آخذا بعين الاعتبار المواد التي تشتريها الشركة من المغرب، وهي مواد مستوردة من الخارج أساسا، سنخلص إلى أن معدل الاندماج الحقيقي يمكن أن يكون أقل من 30 في المائة.
مما يعني بكل بساطة أن مجال التصدير في المغرب يعاني من مشكل بنيوي، لأن المغرب في آخر المطاف، لا يصدر شيئا بقدر ما يبيع اليد العاملة وموقعه الجغرافي الجيد والبنية التحتية، لكن ما هو واقع هذا الأمر، بمقاربة مالية صرفة، على القيمة المضافة الداخلية، وعلى تطور اليد العاملة، ومدى تأثيره على الصناعات الأخرى؟ الجواب هو أن الوقع ضعيف ودون المستوى المطلوب. وبالتالي، حينما نتفق على أن المغرب يصدر حوالي 50 مليار درهم سنويا من السيارات، يكون المعطى الأقرب إلى الحقيقة، هو أن شركة "رونو" الفرنسية انطلاقا من المغرب، هي التي تصدر هذا القدر من السيارات، وكل الإنجازات تعود لها بهذا الخصوص، على اعتبار أنه إذا غادرت لسبب أو لآخر، لن يبق لنا أي شيء.
ما حاول شرحه الاستاذ أقصبي، هو أن الإنجازات التي تبني عليها الحكومة خطابها، هشة جدا، ولا توجد خلفها بنيات اقتصادية قوية. وإذا عدنا لقضية تحسن الميزان التجاري، فالأمر يعود لحالة ظرفية، وفي حالة ارتفاع الأسعار الدولية، وهو ما يترقبه الخبراء، سنكون أمام مأزق جديد، وسيطرح على الحكومة سؤال"ما الذي صنعته لمواجهة ارتفاع الأسعار الدولية، وكيف ستخفف من حدة هذا الارتفاع على المواطن البسيط، حينما سيرتفع العجز في الميزان التجاري من جديد إلى أزيد من 200 مليار درهم."
اما فيما يخص التوازنات الماكرو اقتصادية الذي تتحدث الحكومة عن تسجيل تحسن طفيف فيه، هو عجز الميزانية، لكن إذا عدنا لسنة 2013 سنعرف أن سبب ذلك هو تخفيض قيمة الاستثمارات العمومية، وهذا الإجراء انخرطت فيه الحكومة، حتى تظل ذلك التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي. اما العامل الثاني الذي أدى لهذا التحسن الطفيف في عجز الميزانية، هو رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، وتحرير سعر المحروقات عبر اعتماد نظام المقايسة، وهنا يعود اقصبي ليأكد على أن الحكومة محظوظة للغاية، لأن سعر البترول في السوق الدولية سجل أكبر انخفاض منذ سنوات طويلة، إلى أن استقر في 30 دولارا للبرميل، وهو ما جعل وقع هذا التحرير يبقى طفيفا على المستهلك، الذي سيحس بالفارق بشكل كبير حينما ترتفع أسعار البترول من جديد. وفي نهاية المطاف يخلص أن ما قامت به الحكومة، لا يعدو أن يكون إجراءات للحفاظ على التوازنات ارضاء للمؤسسات المالية الدولية، على حساب مستقبل البلد.
على مستوى آخر، الحكومة تخفي الحقيقة بشأن المديونية، حيث تجاوز حجمها%64 من الناتج الداخلي الخام، وهو ما تعتبره الحكومة رقما غير مقلق، في حين أن المؤسسات الدولية حددت سقف هذه النسبة في%60. لكن الحقيقة أعمق من ذلك، فإذا أردت معرفة مديونية بلد معين، وجب احتساب المديونية العمومية، وليس مديونية الخزينة، أي يجب إضافة دين المؤسسات العمومية، وهو ما سيجعل حجم العجز الحقيقي في نهاية المطاف، يناهز%80، وهو مستوى أكثر من مقلق.
من المعلوم في أدبيات اقتصاد التنمية، هو التحدث عن مأزق المديونية العمومية، أي أن يصبح البلد ملزما بالاستدانة مقابل رد الدين السابق، بدل خلق مشاريع استثمارية جديدة. وهذا المأزق نحن وسطه حاليا، على اعتبار أن قانون مالية 2016، أشار إلى أن المغرب سيقترض 70.5 مليار درهم وسيدفع في المقابل حوالي 70 مليار درهم فائدة الدين السابق.
اما عن باقي الإصلاحات التي وعدت الحكومة بالقيام بها خلال ولايتها، اوضح اقصبي ان عدد من هذه الإصلاحات لم تراوح مكانها. فبعد أن رفعت شعار محاربة الفساد، أبانت الحكومة في أشهرها الأولى عن إرادة سياسية لمحاربة اقتصاد الريع، من يتكلم اليوم عن هذا الأمر؟ لا أحد. باستثناء مبادرة محتشمة قامت بها في البداية حول نشر لوائح مأذونيات النقل، لم تقم بأية إجراء شجاع، سوى أنها عادت للوراء حينما كشرت اللوبيات الكبيرة عن أنيابها.
اعتبر اقصبي اجراءات الحكومة بخصوص صندوق المقاصة بالمهزلة كبرى، وليس إصلاحا. وذكر هنا بأن بنكيران تعهد أمام وسائل الإعلام بإصلاح هذا الصندوق وفق مقاربة جديدة. وارتكز على دعامتين، الأولى هي تحرير الأسعار، وكان اقصبي يؤيده في هذا الأمر. ولكي يكون وقع هذا التحرير محدودا على المواطنين، ستقوم الحكومة بإعطائهم دعما مباشرا. وهذا بكل إنصاف منظور جديد يحسب للحكومة بحيث شجعتها في توجهها هذا، بدل تصور صندوق النقد الدولي الذي ينص على تحرير الأسعار دون تقديم بدائل. لكن كما وقع تماما في ملف الريع، تراجعت الحكومة تحت ضغط لوبيات سياسية، وهذا لا يغفر لها على كل حال، استمرارها في التدبير. وعادت لمنظور صندوق النقد الدولي، بتحرير الأسعار فقط.
بتصرف
مواضيع ومقالات مشابهة