أخي الذي لم تلده أمي / فاطمة الإفريقي
وكأن نضال شرفاء الوطن من أجل حرية علي، كان مجرد سكب للماء في رمال ساخنة.. وكأن صرخة الحقوقيين والإعلاميين، كانت مجرد صيحة في واد عميق.. وكأن الحملة الوطنية والدولية غير المسبوقة التي تبنتها أكثر من ستين منظمة غير حكومية في المغرب والعالم، كانت مجرد مناورات ثورية.. وكأن العرائض الموقعة من رجال الفكر والأداب والفن كانت فقط، خواطر أدبية، وكأن الوقفات الاحتجاجية المتضامنة لم تكن إلا فسحة رومانسية في يوم مشمش لأخذ الصور التذكارية.
يبدو أنه علينا من اليوم أن لا نحتج ضد الظلم أو نطالب بحق بوسائل النضال السلمية وبالانخراط في المبادرات المدنية والحقوقية، يكفينا طلب اللجوء الأخوي إلى قلب الرجل الخارق، القادر كما تقول "الخرافة المغربية" على تنصيب من يشاء أو من يشاؤون من الزعماء في أعرق الأحزاب السياسية، والقادر على اعتقال من يشاء من خصومه السياسيين، وإطلاق سراح من يشاء من إخوته الذين لم تلدهم أمه.
في المجتمع كما في السياسة، يحاولون بكل أساليبهم التنويمية أن يبطلوا المنطق والتفكير النقدي وأن يكرسوا الدجل والخرافة.. يحاولون تنميط المواطن على تقديس الكائنات الأسطورية، وعلى التسليم بأن الوطن قادر على السير نحو الحرية والتنمية فقط، بالطاقات الروحانية لرجال فوق العادة، يصنعون المطر والصحو بعصا سحرية، ودون حاجة لقوى الضغط من النخب والإعلام والمؤسسات الديمقراطية والمدنية.. في قضية علي أنوزلا ومسارها التنازلي، لا أملك إلا التسليم لبركات "رجال البلاد" وقدراتهم الخارقة على قلب الحقائق بتخوين الشرفاء وتأليه منقذي اللحظات الأخيرة.. لم يحتاجوا إلا إلى بعض التعويذات التضليلية وبخور لاديء لحجب الرؤية، لينجحوا في تنويم الرأي العام ومحو ذاكرته القريبة، حتى نسي من اعتقل علي ولماذا وبأي تهم ملفقة يتابع.. لم يحتاجوا إلا إلى بعض التمائم السحرية من الدجل السياسي لينسى الناس الطيبون جوهر القضية وأبعادها القمعية والانتقامية، ويصدقوا الخرافة المشوقة التي تقول بأن من اعتقل علي وأدخله السجن هو صديقه الشجاع والحميم، وبأن من لفق له التهم وأغرق مراكبه هو الحزب الحاكم، ومن أبقاه أكثر من شهر في زنزانة هم المحامون والحقوقيون الصادقون الذين تبنوا قضيته، ومن حرمه من حضن أمه يوم العيد هم الصعاليك الحالمون بوطن الكرامة والحرية، وبأن من أخرجه من السجن وأنقذه من شر أصدقائه الخائنين هو فقط الرجل الخارق والأخ الذي لم تلده أم علي.
إذا صدقنا الخرافة، فالمحظوظون في وطني هم من لهم أم في عرس السلطة أو أخ نافذ يفتح السجون ويقفلها بعبارة عاطفية. والتعساء هم نحن اليتامى الذين لا أخوة لنا ولا أمهات ولا عفاريت في دائرة مدبري الملفات الشائكة.
نغبطك يا علي على أخيك الذي لم تلده أمك، ومعذرة على توريطك في السجن تسعا وثلاثين يوما بصدقنا وسذاجتنا السياسية.. لم نكن نقصد، كنا نتوهم أن القضايا العادلة تحتاج محامين شرسين باسم الحق والقانون، فجعلونا نوشك على تصديق الخرافة بأنها تحتاج فقط، أخا نافذا، للأسف لم تلده أمهاتنا.
فاطمة الإفريقي
مواضيع ومقالات مشابهة
- Kh�ng c? b�i vi?t li�n quan