للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

لماذا لن يتدخل الملك ؟ لـ لأستاذ رشيد بوصيري


 المقدمة
ليس صدفةً أن يخرج مستشارٌ للملك، عباس الجيراري، بتصريحات في هذه الظرفية وهو الموظف المحكوم بضوابطَ صارمة لمنصبه في محيط القصر، كما لا يمكن اعتبار خروجه مبادرة شخصية أو إعلامية وإن تغطت بإصدار ثقافي نُشر تحت إشرافه. 
وليس عبثا أن يطلّ المستشار على الجمهور الناطق بالعربية من خلال جريدة الصباح المتخصصة في شيطنة حراك الريف وغيره من المطالبات المشروعة. إنه قرار مقصود أراده المخزن واختار له أقرب المنابر لديه - صباح الدلمي- كما اختار له ناطقا باسم محيط القصر الأقل تأثيرا وتدخلا أو تحكما في المشهد السياسي.

كل هذا يؤشر على أن المحيط الملكي بدأ يأخذ الأمور بجدية أكبر وبدأ يرسل الرسائل المشفّرة إلى الخارج الخائف على مصالحه في المملكة والمُرتاب من موقف رئيس الدولة اتجاه الحراك الشعبي المتصاعد.. كما تخصّ بعض الإشارات جميع الفاعلين السياسيين والنقابيين والمثقفين غير المباشرين في تواصلهم مع المحيط الملكي.
جاءت رسائل مستشار الملك بخصوص الحراك مركزة وفي سؤالين فقط في صفحة كبيرة ضاقت كلماتها بثلاث صور كبيرة الحجم للمستشار وكأنه يتهيأ ليلعب دورا في مستقبل الأيام.

فماهي رسائل القصر الملكي؟ 

منذ الشهور الأولى لحراك الريف تعالت الأصوات لكي يتدخل محمد السادس بصفته رئيس الدولة والمسؤول الأول عن استقرار نظامه السياسي.. ونُسبت إلى بعض رموز الحراك بالريف نداءات في هذا الاتجاه لأن الملك، بإزاء سلطاته الفريدة، يمكنه حل إشكالية الريف في دقائق معدودة.

فلماذا إذن لم يتدخل الملك وترك المشاكل تكبر ككرة الثلج منذ شتاء 2016 إلى الآن بدون حساب للمآلات الخطيرة والمحتملة بقوة؟

بهذا الخصوص قال مستشار الملك للصباح: « الكل ينتظر تدخل جلالة الملك، وهذا ليس هو الحل منذ البداية. لا يعقل أن تتخلى الحكومة والمؤسسات عن مسؤولياتها ليتم الزج بجلالة الملك في قضايا مثل هاته. ليس سهلا أن يغامر جلالته في ملف شائك مثل هذا لا يمكن توقع ردود الأفعال فيه. إن تصرف الأحزاب والحكومة والمؤسسات بإسناد كل شيء إلى جلالة الملك، بحق أو باطل، يضعه في موقف حرج.» الصباح عدد 5348/ص8

في تقديري هذا أخطر تصريح في عهد محمد السادس يُلقي به واحدٌ من المحيط الملكي في أوج تصاعد الاحتقان الاجتماعي في الريف وفي كل المغرب المقهور.. وحتى خلال حراك 20 فبراير 2011 الذي تلقف فيه النظام المبادرة باكرا لكي يخفف من الضغط الشعبي، فإن الحراك الحالي دخل بشهادة المحيط الملكي إلى نهاية الطريق المسدود.

لا تضح بجلاء تعليلات المستشار بكون تدخل الملك غير وارد مستقبلا.. لكن كلماته التالية يمكنها النطق بما عجز عباس الجيراري عن البوح به ربّما خوفا من أن تكون هي كذلك سببا في إذكاء مزيد من الاحتقان الذي أسماه في حواره بالفتنة ! 

هذه كلمات المستشار التي سمح بها منصبه في المحيط الملكي: "ليس سهلا أن يغامر".. "ملف شائك مثل هذا" .. "لا يمكن توقع ردود الأفعال".. "يضعه في موقف حرج". فماذا تقول الفراغات المتقطعة بين كلماته ؟

تقول أن ملف الحسيمة، والريف عموما، لم يعد ملفا اجتماعيا عاديا كما كان منذ البداية وكما يُسوِّق محلحلو المخزن حتى اليوم. بل أصبح ملفا سياسيا شائكا مفتوحا على كل المفاجئات وعلى ردود الأفعال التي ترهب القصر ومحيطه. حيث أصبح تدخل الملك مغامرة خطرة ولها عواقب مجهولة أقلها وضع الملك في موقف حرج إزاء الشعب والرأي العام الدولي.

تقول أن الحل ليس في متناول الملك ولم يكن بالقطع في متناول الحكومة والأحزاب والوسطاء لأن النظام يعيش أزمات سياسية واقتصادية هي من بنات الوسائل التي بها أطفأ المخزن حراك 2011. ولن يجد الوسائل المادية لمناورة جديدة في سياق مخنوق لحد الانفجار.

أقصى ما يمكن أن تقدمه دولة قطر وهي محاصرة هو أن تُخرس جزيرتها بخصوص الأخبار القادمة من مملكة حليب الشرگي.. أما ملكيات الخليج فهي غاضبة على موقف أخيهم وهي في حالة مزاجية ومالية وسياسية بحيث لا يمكنها أن تقدم شيئا للمغرب لكي يدفع مقابل السلم الاجتماعية الجديدة كما فعل في 2011. ليس للريف وحده ولكن لكثير من مناطق المغرب الأخرى التي اعترف المستشار الملكي أنها « ظلت مهمشة لم يصلها شيء من التنمية». 

بإزاء ما سبق، إن تدخل الملك في ملف الريف "الشائك" سيكون هو أمام خيارات صعبة ومهددة لنظامه بشكل جد محتمل: 
إما ستُفقِد المؤسسة الملكية ما تبقي لها من مصداقية في أعين الشعب حين ستتخلى عن وعودها مرة أخرى في ملف الريف كما فعلت حين وعدت على لسان الوزير حصاد يوم كان رجل الداخلية بأن التحقيق في قتل محسن فكري سيأخذ مداه.

وفي حالة النكوص ستتطور شعارات الحراك التي ستتعالى محفزاتها، بسبب نكوص جديد من طرف المسؤول الأول في الدولة، وبسبب الاعتقالات والمحاكمات الجائرة لرموز الحراك، وبسبب الأخطاء الفادحة للمقاربة القمعية، وبسبب تمدد الحراك في الداخل والخارج، وبسبب ارتفاع أصوات المنظمات الحقوقية الدولية والقنوات الغربية المتابعة لجزئيات الحراك الشعبي بالمغرب.

وفي حالة الاستجابة لمطالب الحراك قد يدخل حراك الريف في هدنة مؤقتة لكن لا شيء يضمن للمخزن أن لا تنطلق ديناميات أخرى في مناطق المغرب المهمشة وكلها تعاني ظروف القهر والفقر. 

هناك حالة من الخوف من إمكانية تصاعد الغضب الشعبي بسبب تحرير قطاع الصرف الذي سيقضي على ما تبقى من القدرة الشرائية التي أنهكها تحرير قطاع الماء والكهرباء وتحرير قطاع الصحة والتعليم وقطاع المحروقات ... وكل تَحوّل في أسعار البترول دوليا بسبب أزمة الخليج سينهي مرحلة الترقب الشعبي إلى مراحل الغليان ثم الانفجار...

فماذا يطلب المستشار إذن؟

لو كان الحل المادي في متناول الملك لما سمح القصر بإدخال أنف حكومة العثماني فيه، خاصة أن تدخلها سيحسب لها لا عليها، في وقت يُراد لهذه التجربة الحكومية أن تضمحل ثم تنتهي ويُنسى أمرُها.
هذا معلوم لكل باحث مغمور ولكل سياسي مبتدأ في نسقنا السياسي المعروف، فلماذا حمّل المستشار الجيراري أخطاء هذا الملف للحكومة ولتلك الأحزاب السياسية؟

قال المستشار الملكي في حوار الصباح: « فأنا أتساءل أين هي الحكومة من كل هذا وأين هي الأحزاب والمؤسسات التي تصرف عليها الملايير. الجميع يتفرج على ما يجري أو يُذْكون نيران الفتنة أكثر مما هي متقدة. لقد وصلنا إلى طريق يكاد يكون مسدودا، بعد أن فشلت المؤسسات المنوط بها حل المشكل في تدبير الأزمة والوصول بها إلى بر الأمان... على الجميع أن يتحمل مسؤوليته، لا أن يلقي كل طرف المسؤولية على الآخر، ونتمنى أن تتغلب الحكمة في الأخير لأن المغرب يبدو وكأنه فقد حكماءه، بعد أن ركن مثقفوه إلى الصمت أو انسحبوا، فيما اختار البعض الآخر التفرج بسخرية واستهزاء مما يجري». الصباح عدد 5348/ص8

هكذا هي كلمات عباس الجيراري وهكذا هي حرقة المخزن على تخلف الأحزاب والحكومة والمثقفين عن نجدته في هذه الأوقات العصيبة التي لن يزيدها تدخل الملك إلى خطوة إلى المجهول.

فإذا كان الحل المادي لملفات الريف غير متيسر، بدليل ما سبق، فماذا يطلب المستشار من الذين يستنجد بهم ؟ وهل يستنجد غريق بغريق؟

منذ مدة أريد أن أهمس في أذن كثير من المثقفين بأنهم يستعملون خطأً "مفهوم الوساطة" في السياق السياسي المغربي، والآن جاءت الفرصة على لسان المحيط الملكي لأوضح رأيي في الموضوع.

النظام المغربي ليس في معاييره المخزنية مبدأ الوساطة بينه وبين الشعب وإلا لما عَمّر مشكل الصحراء كل هذه العقود. فالمواطنون في التعاريف القديمة/الحديثة للمخزن هم رعايا يقبلون بما تجود به عطايا الملك في الوقت الذي يختار هو لا في الزمان الذي تتصاعد فيه المطالب والاحتجاجات. بشيء من التشبيه، يعتبرنا المخزن ليس كفئة لها مطالب لكن كمتسولين ينبغي أن تُمدّ أيدينا لزمان قبل أن يُفكر في رمي بعض الفُتات لنا عندما نُحسِن التعبير عن شكرنا وامتناننا لجنابه الكريم.. !

الوساطة في الأصل المفهومي والاصطلاحي: فعل محايد لكلا الطريفين اللذان ينشأ بينهما نزاع سياسي أو اقتصادي أو إداري، وهي فعل يبحث عن حلول ترضي الطرفين إما حالا أو مستقبلا لكي لا يتطور النزاع وينمو في اتجاه المقاربات الصفرية.

بإزاء هذا التعريف لا يسمح المخزن لأيّ كان أن يلعب هذا الفعل – أقصد الوساطة- لأنه لا يعتبر المحتجين هم في نزاع مع سياسته وإنما هم خارجون على شرعيته وداخلون في فتنة تهدد تماسك دولته. وهو لا يسمح لأي كان من الأحزاب والمثقفين والمجموعات المتخصصة في الوساطة أن تكون في موقع الحياد عنه إن تعرض لاتهامات بالحيف والظلم وخرج الناس إلى الشارع للاحتجاج ضده.

ثم عندما نعتبر الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وسطاء فهذا يجعلهم بالضمن في حياد سلبي لا يتماشى مع شروط كينونتهم كتنظيمات تتبنى بدون حياد مطالب المواطنين وتأطر المنتمين إليها لكي يمارسوا ضغطا منظما وسلميا على صناع القرار لكي يستجيبوا لمطالبها المشروعة...

أكيد أن النظام لا يسمح لهذه التنظيمات بممارسة حقها الطبيعي والوجودي كما لا يسمح لها، بإزاء ما سبق بدور الوسيط، فماذا يطلب منها السيد المستشار، نذير الحكماء، في هذا الصدد؟ وكيف تتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف الخاص؟

ما لم يقله المستشار ويعلمه جيدا الذين يخاطبهم في الفقرات السالفة الذكر هو أنهم أثبتوا عجزا في مهامهم الأصيلة في مجال "الضبط الاجتماعي" الذي تقوم به مساجد الاسلام الرسمي، وأحزاب ونقابات النظام المخزني، ومثقفو الجمعيات الممولة من خزائن الريع المخزني لذلك ذكّـرهم عباس الجيراري بتلقيهم للملايير بدون فوائد تذكر.

وهل تنجح الأحزاب والنقابات ؟

الفوائد المرجوة إذن هي «الضبط الاجتماعي»، وهو المطلوب الآني من هذه المؤسسات المُمولة من أموال دافعي الضرائب، ليس لكي تحل المشاكل ولكن لتنزع فتيل الاحتقان وتساهم في تنويم الشعب عن مطالبه المشروعة. ولا يعني «الضبط الاجتماعي» إيجاد حلول ترضي المحتجين، ولكن تعني فقط، كما قال الجيراري، « تدبير الأزمة والوصول بها إلى بر الأمان» للرجوع إلى المعايير المخزنية للدولة بدون خسائر مادية أو سياسية أو حرج لرئيس الدولة... بمعنى الرجوع بالمنطقة المتحركة إلى الحالة السابقة قبل الحراك: الهدوء ثم الهدوء.

وكما عايشنا مراحل أفول الأحزاب والنقابات عن لعب أدوارها في تأطير النضال بخصوص النزاعات، كذلك يتأكد أنها مؤسسات مهجورة لا يمكنها ضبط مناضليها وأعضاءها بله أن تساهم في الضبط الاجتماعي داخل مجتمع يكرهها أشد ما تكون الكراهية.. كذلك نعيش منذ مدة فقدان خطباء الإسلام الرسمي لفاعليتهم في الضبط الاجتماعي وحتى في إقناع المصلين بكفاءتهم في إمامة الصلاة كما وقع في جنوب المغرب ووسطه وشماله.

لم يبق للنظام، الذي يجني ثمار سياساته السابقة والمتخلفة، من وسيلة «للضبط الاجتماعي» غير المقاربة القمعية وهذا الذي يفعله في البر والبحر وتحت الأرض.. لكن هل نفعت هذه الوسيلة بلدان الجوار لكي تنفع المخزن عندما يطفو العوار ! وهل ستبقى الدول المانحة والمقرضة وذات المصالح تتفرج على التطورات غير المطمئنة وقد اعترف لها مستشار الملك على دخول النظام إلى الطريق المسدود!


بقلم: الأستاذ رشيد بوصيري

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes