نشرت الصحيفة الامريكية "واشنطن بوست" يوم الخميس 24 مارس 2016، مقالا تحت عنوان " كيف للمحسوبية وانعدام المحاسبة ان تعيد المغرب الى الخلف؟" للكاتب المغربي "مروان مكوار" أستاذ مساعد في شعبة السوسيولوجيا في جامعة يورك بتورنتو الكندية، يتحدث عن الوضع في المغرب، وعن عجز الحكومة وقمعها للنشطاء الحقوقيين..، واستفحال المحسوبية و فشل الاصلاحات في خلق آليات للمحاسبة مما كرس هيمنة المؤسسة الملكية وتحكمها في صنع السياسات العامة.. واليكم نص المقال:
في يناير الماضي جرى حظر جميع تطبيقات الاتصال الصوتي عبر الانترنت باستخدام (VoIP) بالمغرب، وتمَّ تبرير الحظر بأن تطبيقات واتساب وسكايب وفايبر لم تكن مرخصة من لدن الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، مما أثار حفيظة المواطنين الذين بعتمدون تلك التطبيقات في الاتصال بأقاربهم بالخارج. قرار غير متوفع ولَّد حملة كراهية استخدمت الاحتجاج على صفحات شركات الاتصالات المحلية ومشاركة فيديوهات وصور ساخرة من القرار وداعية الى مقاطعة تلك الشركات.
في شتنبر من سنة 2015 أقدمت السلطات المغربية على منع متاجر المجموعة السويدية "إيكيا" من فتح محلات لها خارج الدار البيضاء، المشروع الذي كلف خمسة ملايين دولار وكان سيوظف مئات العاملين والذي جرى التحضير لفتحه بعد أشغال لأكثر من عام، وهو ما خلف أيضا توجسا لدى الطبقة الوسطى، القرار بدا تعسفيا، وكان في ظاهره ردا على عزم حكومة السويد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية في الصحراء الغربية.
ظهر من طبيعة هذه القرارات إنها غير شعبية، وأفادت أن حكومة المغرب وكأنها لم تتغلب على العيوب الهيكلية التي تظهرها كباقي الأنظمة الإستبدادية، فحتى الإصلاحات الدستورية التي تلت حراكات 2011 بدا انها لم توِلد تطورا لأسلوب الحكم طوال هذه الخمس سنوات، بل ظهر هذا الأسلوب بأداء مرتبك غير جاهز للتعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي ألمَّت بالبلاد، فجميع الاصلاحات فشلت في خلق آليات للمساءلة، وكرست هيمنة المؤسسة الملكية وتحكمها في صنع السياسات العامة.
أكثر من ذلك عديدة هي المظالم التي أُثيرت في حراك 2011 لم تجد مسارا الى الحل حتى يومنا هذا، فقد ظلت هيمنة حاشية الملك في الاقتصاد وضلوعها في الفساد على نطاق واسع، بخلق مناخ لعدم المساواة الاقتصادية والتغاضي عن اختلاس أموال عامة.
وهكذا استمرت الحكومة المغربية في ممارسة سياسة التجاهل وحظر تداول هذه القضايا في وسائل الإعلام مع إنه صار من الصعوبة بفعل وسائط التواصل الاجتماعي منع هذه القضايا من الوصول الى مجتمع يُراد إبقاؤه في دائرة التعتيم.
لقد قاد هذا إلى سلسلة قرارات سياسية غير شعبية بدت مجانية ومجانبة لدينامية المجتمع المحلي، وهو ما قد ينقلب كارثيا على استقرار البلد. فمن عفو ملكي على مغتصب للأطفال مُدان بقرار للمحكمة إلى إلغاء دورة كأس إفريقيا بمبرر مشكوك فيه هو احتمال انتشار الايبولا.
قرارات الحكومة أثارت استغراب فئات واسعة من الشعب، فمؤخرا زادت الحكومة من تضييقها على نشطاء الرأي وحقوق الانسان وكثيرون هم الصحفيون الذين توبعوا بتهم المس بأمن الدولة أو تلقي أموال من جهات خارجية، الى جانب محاولة الدفع باللغة الفرنسية مجددا كلغة للتعليم، وهو ما لم تتقبله عدة اوساط محافظة بالبلاد.
البون بدا يظهر شاسعا بين السياسات الحكومية والرأي العام المغربي، وهذا نتيجة التوزيع البنيوي غير المتكافىء للسلطة السياسية في المغرب، فيد الملك تظل طويلة ويظهر بمظهر الموثوق به لوحده وهو يستخدم صلاحياته المالية والسياسية في تشييد مشاريع البنية التحتية كمشروع "نور" الذي يُعد أكبر محطة لانتاج الطاقة الشمسية في العالم أو أشغال تهيئة ضفة نهر أبي رقراق..
إنها مشاريع يُراد منها أن تنعكس إيجابا على الملك وحده بإظهار القصر كمؤسسة فاعلة وحيدة في البلاد، بينما يُفرض على الحكومة المنتخبة قبول القرارات المفروضة من القصر، بل وحتى القيود التي تفرضها تلك الاجراءات، ويتجاوز الأمر الى تعرضها للتوبيخ عند كل قرار غير شعبي ضروري في الحكامة اليومية كإصلاح انظمة التقاعد وانهاء العمل بالمقاصة واصلاح انظمة الصحة والتعليم..
إذا كان النص الدستوري المُعتمد شهورا بعد حراك 2011 حافظ على حماية القصر من أي انتقاد جاعلا منه شخصا لا يُمس بقيت الحكومة في وضع غبر مريح، حيث لا تملك استقلالية تسطير توجهات السياسة الاستراتيجية للبلاد، فالحكومة المضغوطة بالقصر من جهة وبناخبيها من جهة ثانية، دون أن تتمكن من بلورة استراتيجيات وطنية متجانسة، كل ذلك أوقعها في كثير أحيان في الارتجال وبالتالي الفشل.
دون تطبيق أمثل للديموقراطية كما هو منصوص عليها في الدستور الجديد، ستظل الدولة غير قادرة على مواجهة تحديات المستقبل .
ترجمة: حسن الأنصاري