فرنسا: ميلاد حركة شبابية جديدية تحت اسم حركة "انوي دوبو"
شهدت ساحة الجمهورية بالعاصمة باريس ميلاد حركة شبابية جديدة تحت اسم "نوي دوبو" (تعني الوقوف ليلاً)، و التي جاءت كتتويج للحراك الاجتماعي الذي تشهده فرنسا ضد مشروع قانون العمل الجديد.
يواصل ناشطو حراك الاجتماعي "نوي دوبو" تظاهراتهم في مدن فرنسية عدة، احتجاجاً على تعديلات قانون العمل. وعلى مدى الأيام الماضية، حيث تحولت ساحة الجمهورية في باريس التي انطلق منها الحراك إلى ما يشبه "المدينة اليونانية" القديمة: ساحة حوار مفتوحة طوال الليل، ومساحةٌ حرّة لتبادل الآراء.
استهلت حركة "نوي دوبو" نشاطها الأول في 31 مارس 2016، حين بقي المشاركون، من فئات مختلفة، طلابية ونقابية، طوال الليل في ساحة الجمهورية، وتكررت حلقات النقاش المفتوحة لعدة أيام. ورغم الطابع السلمي للنشاط، لكن لم تمرّ الوقفات التي نظمت من دون وقوع مواجهات بين الشرطة والمحتجين، الذين اعتُقل بعض منهم في محاولة لتفريقهم من طرف الشرطة.
أما الطابع العام للحراك، الذي بدأ احتجاجاً على مشروع قانون العمل المثيرة للجدل، فشبّهه الاعلام الفرنسي بالحراك الإسباني عام 2011، والحراك اليوناني عام 2013. ويقول أحد المشاركين: "أخيراً، حصل مثل هذا الحراك هنا رغم أنه اتخذ وقتاً. و أسبابٌ كثيرة دفعت إلى هذه الحركة الاحتجاجية، أولها أننا اكتفينا من فرانسوا هولاند بعد خمس سنوات". فيما قال مشارك آخر: "الناس هنا يتبادلون الأفكار والمواقف، نحاول أن نتخيل السبل الأفضل لنشر القدرات في المجتمع، وكيفية ضمان حياة افضل".
إذاً، تحوّل الحراك الذي بدأ ردَّ فعل على التعديلات المقترحة لقانون العمل، إلى مناقشة قضايا أوسع، وفق تقرير في موقع "ميديابار" الفرنسي، أبرزها شعور الإحباط من الطبقة السياسية والأحزاب السياسية. ويوضح التقرير أنّ جوهر الحراك يتعدى موقفاً مناهضاً أو مناصراً لقانون العمل المفترض، إنما يدخل في صلب "امتيازات السلطة التشريعية، حقها في التشريع، وتأثير هذه التشريعات على حياة الناس". وقد تلخص لافتةٌ رُفعت في الساحة هذا الأمر، كُتب عليها: "إن أحلامنا لا تتناسب وصناديق الاقتراع".
ويرى تقرير "ميديابار" أن حركة "نوي دوبو" هو تعبيرٌ عن حراك اجتماعي فريد، يظهر إخفاق الأشكال القديمة للسلطة، ويخلق مساحة وشكلاً لأسلوب جديد من عمليات التداول الديموقراطي. ويكمل التقرير أن الحراك بالنتيجة "ليس استكمالاً لحالة اليسار التقليدية، بل هو عبارة عن تجديد في الإنصات والاستماع".
يردد البعض في الساحة الجمهورية، أن اليسار قد مات، وفق ما جاءت به صحيفة لوموند التي نقلت عن أحد المشاركين قوله إن "الاشتراكيين توفوا وسنقوم بدفنهم قريباً. هولاند، فالس، ماكران، صارا محط اشمئزاز الجميع". وتضيف مشاركةٌ أخرى: "نحن لا ننتظر شيئاً من هذه الرئاسة، لذا سنقوم بالأمور بأنفسنا".
ويشرح تقرير "ميديابار" أنّ هذا الحراك لا يأتي في سياق "حملةٍ انتخابية، أي تقوية طرفٍ سياسي ضدّ آخر"، موضحاً أن هذا الحراك "يكتفي بنفسه، بما يقول ويتصرف". ويشير التقرير إلى "نهاية اليسار التقليدي في البلاد"، ما قد يرسم الصورةَ العامة التي أطلقها هذا الحراك، وهي: "من جهة، طبقة سياسية تلفظ أنفاسها الأخيرة، غائبة، ميتة، همها الوحيد إعادة انتخابها وبقاؤها. ومن جهةٍ ثانية، مواطنون تواقون إلى النقاش والحوار والديموقراطية".
لكن، يبدو أنّ التوجه الذي سارت به الحركات الشبابية في "نوي دوبو" خلق تناقضاً في الأهداف بينها وبين النقابات التي تركز على أنّ الجوهر الأساسي لهذه الاحتجاجات هو قانون العمل. ويقول مسؤول "الكونفدرالية العامة للعمل"، فيليب مارتينيز، لموقع "ميديابار"، إن "دورنا هو التوصل إلى سحب قانون العمل، والنضال من أجل ديموقراطية أفضل في المؤسسات، وذلك عبر استكمال التظاهر ومساءلة النواب"، مضيفاً أن "ما تقوم به حركة "نوي دوبو"، أي المطالبة ببديل سياسي، هو أمرٌ نحترمه ويهمنا، لكنه يتخطى مهمتنا التي تتلخص بالدفاع عن التوظيف في مجتمعنا".
هذا الحراك الذي بدأ في باريس، وينتقل الآن إلى مدنٍ أخرى في فرنسا، لا مستقبل واضحاً له بعد. أسئلةٌ كثيرة دون جواب تحيط به، خصوصاً حول ما إذا كان سيتحول إلى حالةٍ سياسية، على غرار "بوديموس" الإسباني، أم أنه سينتهي مع تحقيق المطالبات بشأن قانون العمل.
مواضيع ومقالات مشابهة