اية رهانات لانتخابات المغرب؟ لـ علي انوزلا
النقاش في المغرب، على شكلٍ يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ الاستحقاقات المغربية في العقدين الأخيرين، وذلك حتى قبيل انطلاق الحملة الانتخابية التي من المقرّر أن تشهدها البلاد يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وما زاد من حدة هذا النقاش، وربما ما أكسبه، أيضاً، أهميته، هو السياق الذي تجري فيه داخلياً وخارجياً.
على المستوى الداخلي، تعتبر هذه ثاني انتخابات تشريعية يشهدها المغرب، منذ ما عرف بـ "الحراك الشعبي"، وهو النسخة المغربية من "الربيع العربي"، والذي تمخّض عن إصلاحاتٍ سياسيةٍ محدودة، حان، اليوم، الوقت لاختبار أثرها على الواقع المعيشي للمواطن المغربي الذي خرج في ذلك الحراك لـ "إسقاط الفساد والاستبداد"، وهو الشعار الذي رفعه المتظاهرون في شوارع المدن المغربية.
كما أنها أول انتخابات تشريعية تأتي لتتوّج نهاية ولايةٍ حكومية، استمرت خمس سنوات، وقادها لأول مرة في تاريخ المغرب حزب إسلامي، هو "العدالة والتنمية"، مع أن هذا الحزب سبق له أن خضع لاختبار شعبي في سبتمبر/ أيلول الماضي، بمناسبة الانتخابات المحلية، والتي أظهرت أنه ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية كبيرة، إن لم تكن هذه القاعدة قد اتسعت، على الرغم من وجوده في السلطة أربع سنوات آنذاك، وإقدامه على اتخاذ قراراتٍ قاسية، يمكن تصنيفها أنها لم تكن شعبية بما أنها مسّت القدرة الشرائية للمواطن. وقد بينت نتائج تلك الانتخابات أن قرارات الحزب في الحكومة لم تنل من شعبيته على أرض الواقع. وبفضل نتائجها، أصبح الحزب الإسلامي، اليوم، يرأس عمودية أكبر المدن المغربية من الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، إلى الرباط عاصمته الإدارية، ومراكش وأكادير أكبر مدينتين سياحيتين في المغرب، وطنجة وفاس.
على المستوى الخارجي، تأتي انتخابات المغرب في سياق تراجع عربي كبير، بعد نجاح الثورات المضادّة في كل الدول التي شهدت تغييرات بفضل ثورات "الربيع العربي". وإذا كانت أغلب الدول التي شهدت رياح هذا الربيع قد أغلقت قوسه، فإن منظّري الثورات المضادة، ومناهضي ثورات الشعوب، يتطلعون إلى أن يُغلق القوس، أيضاً، في المغرب، حتى تُقبر إرادة الشعوب العربية إلى أجل غير مسمى.
لا تستمد استحقاقات المغرب المقبلة أهميتها من هذين السياقين الداخلي والخارجي فقط، لأنهما ظلا موجودين يؤطران النقاش السياسي في المغرب، طوال السنوات الخمس الماضية، وإنما، أيضاً، من طبيعة السياق السياسي العام الداخلي الذي تجري داخله، وهو سياقٌ يتسم بارتفاع حدّة الصراع السياسي، وتراجع تنافس البرامج القائمة على الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة أو المتناقضة.
فبالنسبة للحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، فالمعركة بالنسبة إليه ذات طبيعة سياسية بالدرجة الأولى للوقوف في وجه ما يصفه بـ "التحكّم"، وهي عبارة ملطفة لوصف "السلطوية"، في إشارة إلى تمركز السلطة في المربع القريب من القصر، أو بصيغةٍ أخرى هو تعبيرٌ عن رفض الصيغة المغربية من مفهوم "الدولة العميقة" التي يقول الحزب الإسلامي إنها عرقلت بعض قراراته الحكومية، وحالت دون تنفيذ برنامجه خلال الولاية الحكومية المنتهية، وتسعى إلى استعادة سيطرتها وتحكّمها من الداخل في كل دواليب الدولة.
أما بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يسعى إلى أن يفرض نفسه بديلاً للحزب الإسلامي، وصاحب مشروع "إنقاذي" مما يصفه باختراق "الإسلام السياسي" أجهزة الدولة من الداخل، فهو يصوّر المعركة أنها ذات طابع أيديولوجي بين قطبين متناقضين. "حداثي" يقدّم "الأصالة والمعاصرة" نفسه بأنه المدافع عنه والمنافح عن أفكاره، و"رجعي" يعتقد أنصار هذا الحزب أن الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة هو الذي يجسّد فكره، وبالتالي، يجب الوقوف في وجهه. وعلى الرغم من أن هذا التقاطب موجود في الشارع المغربي، إلا أنه لا يمكن إسقاطه على معركةٍ سياسيةٍ من حجم المعركة الانتخابية، لأن الشروط الموضوعية لإنضاج مثل هذا التقاطب ما زالت لم تنضج، حتى يتجسّد في أحزاب سياسية حقيقية قادرة على التعبير عنه، والدفاع عن اختياراتها باستقلالية، وبلا مواربة أمام الشعب.
وفي ظل هذا التقاطب الوهمي الذي يحاول بعضهم أن يفرضه على أجندة الحملة الانتخابية المقبلة، يغيب النقاش السياسي حول الاختيارات السياسية والاقتصادية القادرة على إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، كما يغيب النقاش الحقيقي حول جوهر السلطة ومن يملكها، والفصل بين السلطات، والتمييز بين الإمارة والتجارة، وبناء دولة القانون، وإقامة العدالة الاجتماعية.
المعركة الانتخابية المقبلة، على الرغم من حدّة الصراع الذي فجرته، وستزداد حدّته مع اقتراب يوم الاقتراع، لن تخرج عن سياق المعارك الانتخابية السابقة التي لم تنجح في تجسيد الإرادة الحقيقية للشعب، فقواعد اللعبة في المغرب تبقى "مضبوطةً"، لا تسمح لهذه الإرادة أن تعبر عن نفسها بوضوح من خلال صناديق الاقتراع.
ومادامت هذه القواعد لم تتغير، لا يتوقع أن تحمل الانتخابات المقبلة تغييراتٍ كثيرة.
علي أنوزلا
مواضيع ومقالات مشابهة