للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

دفاعا عن المعطي منجب.. المثقف الحر لـ علي أنوزلا



توقف مؤقتا المؤرخ المغربي الاستاذ المعطي منجب عن اضرابه المفتوح عن الطعام الذي بلغ اسبوعه الثلالث دفاعا عن كرامته واحتجاجا على كل أنواع الضيم التي طالته ومازالت من طرف سلطة بلاده.

ولمن لا يعرفه، فالمعطي منجب ليس مثقفا عاديا في المغرب، إنه من آخر الأصوات الشجاعة التي مازالت قادرة على رفع صوتها في مملكة الصمت التي يؤسس لها نظام بوليسي مغربي شرس، لا يسمح لمنتقديه بفسحة حرية. منذ ثمانينات القرن الماضي دفع المعطي منجب ثمن نضاله غاليا عندما اضطر وهو الطالب اليساري النشيط داخل الحركة الطلابية المغربية، النفاذ بجلده هربا من المتابعات البوليسية فنفى نفسه إلى السنغال، وهناك كون نفسه بطريقة شبه عصامية حتى نال أعلى الشهادات الجامعية التي أهلته إلى إعداد دكتوراه في التاريخ المغربي المعاصر في واحدة من أرقى الجامعات الفرنسية.

عرف المعطي بنشاطه الثقافي في فرنسا كمثقف ملتزم بقضايا بلده طيلة سنوات التسعينات، ولم يدخل المغرب إلا في أواخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي حكم بلاده بالحديد والنار طيلة عقود الجمر والرصاص. وأهله اختصاصه الأكاديمي في تاريخ المغرب وشمال إفريقيا ليكون استاذا محاضرا بكبريات الجامعة الأمريكية، ولم يثنه عمله الأكاديمي وكثرة أسفاره عبر أصقاع المعمور محاضرا ومشاركا في المنتديات والمؤتمرات الفكرية الكبرى من أن يواصل انخراطه، الذي أدمن عليه منذ أن كان ناشطا في الحركة الطلابية، في العمل الحقوقي مدافعا عن حرية الرأي والتعبير ومستنكرا كل أنواع التسلط والظلم الذي كان المعطي من بين المثقفين القلائل القادرين على تحليل وتفكيك بنيته.

انضم المعطي منجب إلى "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"، التي تعد واحدة من أكثر الجمعيات مصداقية ونزاهة على المستوى الدولي في المنطقة العربية وفي أفريقيا، وأسس مركزا فكريا هو "مركز ابن رشد" لإذكاء الحوار الفكري والنقاش الثقافي حول مواضيع حساسة، سعيا منه إلى التأسيس لمرحلة انتقالية كان المعطي يراها قريبة. لذلك أدرك خصومه خطورة الأفكار التي كان يؤسس لها مركزه في صمت. جمع المعطي لأول مرة الإسلاميين والديمقراطيين حول طاولة واحدة عام 2007، يقينا منه بأن أي تحول ديمقراطي في البلدان العربية يجب أن يمر حتما عبر التوافق المبني على الحوار بين هاذين الفصيلين المتنافسين والمتحاربين حسب السياقات والظروف.

وعندما هبت نسائم "الربيع العربي" على المنطقة، كان المعطي في قلب هذا الحراك، وتطوع هو وشلة من رفاقه لتأسيس أول مجلس وطني لتنسيق الحراك الشعبي الذي عرفته جميع مناطق المغرب بدون استثناء، ودعم الحراك بمقالاته وتحليلاته التي كان ينشرها باللغات العالمية في كبريات وسائل الإعلام وفي مراكز البحث والتفكير العالمية التي كان عضوا نشيطا فيها ومازال.

وإدراكا منه لأهمية الإعلام، وخاصة لدور صحافة التحقيق في تنوير الرأي العام والتأسيس لرأي عام مستقل عن كل وصاية، سعى المعطي إلى تأسيس أول جمعية مغربية لصحافة التحقيق، وأسس أول جائزة لتشجيع الصحفيين المغاربة على خوض مغامرة صحافة التحقيق.

كان المعطي يدرك بأن عمله الأكاديمي ونشاطه المدني غير مرغوب فيه داخل مجتمع تحارب سلطته حرية الفكر واستقلالية الرأي، لكنه كان مقتنعا بما يقوم به متحملا مسؤولية اختياراته، غير عابئ بكل المضايقات التي كان يتعرض لها، لا يولي بالا كبيرا إلى الانتقادات المنحطة وغير الأخلاقية التي كانت تطاله وتمس حياته الشخصية وحياة أسرته الصغيرة تروج لها بعض وسائل الإعلام الموجهة والمشبوهة.

وبدلا من أن ترعبه كل تلك الانتقادات التي كانت تسعى إلى تخويفه وتهديده لإجباره على الصمت أو مغادرة بلده من جديد، كان المعطي يرد بقوة في كل مرة يحس فيها بأن كرامته جُرحت، ويوجه سهام نقده اللاذعة والنفاذة إلى بنية النظام المخابراتي الذي كان يدرك بأنه هو مصدر تلك الانتقادات.

وعندما لم تفلح كل محاولات التضييق والتخويف والترهيب في إجباره على الصمت أو الرحيل، تم تحريك ملف مازالت الجهة التي حركته عاجزة عن تصنيفه أو توصيفه، فهو ليس بالملف القضائي وليس بالملف السياسي. والتهمة المفترضة التي تريد السلطة أن تعاقبه بجريرتها مازالت لم تفلح في تكييفها. ومن هنا كل هذا الارتباك الملحوظ في بيانات وزارة الداخلية التي تقف اليوم كطرف وحيد في مواجهة المعطي، تتهمه مرة بـ "المس بأمن الدولة الداخلي" ومرة بـ "زعزعة ثقة المواطنين في المؤسسات"، ومرة بـوجود "اختلالات مالية" أحيانا و"خروقات مالية" أحيانا أخرى في المركز البحثي الذي كان يديره. وآخر تهمة وجهها لها المحققون الذين لم يراعوا وضعه الصحي وهم يحققون معه على كرسيه المتحرك بعد أن أمضى خمسة عشر يوما مضربا عن الطعام، هي "المتاجرة بالفكر"، وربما غدا يتهم بما هو أفظع وأغرب..

كل ذنب المعطي أنه عاش حرا ويريد أن يعيش ما تبقى في حياته من عمر مديد حرا في بلد حر ووسط مواطنين أحرار. لذلك عندما قرر خوض معركة إضرابه عن الطعام كان يدرك خطورة قراره على صحته المعلولة، لكنه كان يعي أكثر من غيره قوة الروح التي تسكن جسده النحيف الذي يزداد هزالا يوما بعد يوم.

في صرخة تحدي أطلقها المعطي عندما ناشده أصدقاؤه بوقف إضرابه المفتوح عن الطعام، قال إن قراره نافذ، إما الحرية وإما الشهادة. ومن يعرف تصميم هذا البدوي وإيمان هذا المثقف بما يعتقد، يدرك أن الرجل قرر أن تكون آخر معاركه من أجل الكرامة في انتظار أفق الحرية الذي يراه هو قريبا ويراه آخرون بعيدا، لذلك يفضلون الجلوس فوق التل وانتظار انبلاجه من بعيد... 

علي أنوزلا

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes