ما حدث في باريس من هجمات دامية وقبلها في بيروت وصحراء سيناء وبعدها في مالي وتونس، وربما غدا، لا قدر الله، في مناطق أخرى من العالم، هي ردة فعل وحش كاسر مجروح يخبط خبط عشواء في كل مكان وينفث نيرانه إلى أي مكان تصل إليه.
فبعد الضربات القوية المتتالية للتحالف الدولي ضد معاقل هذا التنظيم في سوريا والعراق، وما ألحقته به من خسائر كبيرة كان يجب توقع ردة فعله الغير متحكم فيها، لأنها صادرة عن وحش جريح يهاجم كل من يجده في طريقه.
طبعا، لا يمكن معرفة حجم الضرر الكبير الذي ألحقته الضربات العسكرية للتحالف الدولي بمعاقل هذا التنظيم، بسبب التكتم الكبير الذي تفرضه الآلة الدعائية للتنظيم على تلك الأضرار، وأيضا بسبب عدم معرفة مكامن قوته الحقيقية. لكن، يمكن تقدير حجم الضرر والإصابات التي لحقت به من خلال ردة فعله العنيفة والتي شملت أكثر من هدف وأكثر من مكان في العالم.
فالهجمات الإرهابية الدامية لأخطر وأغنى تنظيم إرهابي في العالم، التي طالت باريس وتونس وبيروت وباماكو وصحراء سيناء، هي ترجمة واضحة للحالة النفسية للتنظيم الذي يريد أن يخفف من قسوة الضربات المؤلمة التي يتلقاها في معاقله.
أهداف التنظيم من وراء ردود فعله الدامية يمكن تلخيصها في ثلاثة أهداف رئيسية. أولا، يهدف التنظيم من وراء عملياته الإرهابية الأخيرة إلى صرف الأنظار عن الضربات القوية التي تلقاها وما تخلفه من جراح عميقة تؤثر على حركته وتمدده وأكثر من ذلك تؤثر على معنويات مقاتليه وأنصاره. وثانيا، يريد أن يبعث برسالة للرفع من معنويات أنصاره داخل "دولته" وفي العالم بأنه مازال قادرا على إلحاق الضرر بأعدائه وضربهم في معاقلهم والانتقام لضحاياه وأنصاره في معاقله. وثالثا، ترهيب الرأي العام العالمي، وخاصة في الدول الغربية التي تشارك في التحالف الدولي ضده، للضغط على حكوماته الديمقراطية للانسحاب من حربها التي أعلنتها على التنظيم حتى يخفف حدة القصف الذي يطال معاقله.
لذلك يجب النظر، في تصوري، إلى الهجمات الإرهابية التي نفذها هذا التنظيم مؤخرا في أكثر من مكان في العالم، وأزهقت أرواح المآت من الأبرياء، على أنها تعبير عن حالة يأس وإحباط شديدين يشعر بها البغدادي ورفاقه على رأس هرم هذا التنظيم الإرهابي في أماكن اختبائهم.
المؤسف، في هذه الحالة، هو أنه يجب توقع المزيد من ردود الفعل اليائسة في كل مكان يمكن أن تطاله يد هذا التنظيم الذي يسعى إلى اللعب على تناقضات السياسة الدولية، وعلى مواقف الدول المشكلة للحلف العسكري ضده، وأيضا على تناقضات المتدخلين، وهم كثر، في الأزمة السورية التي يستمد التنظيم بقائه وتمدده من استمراها واستفحالها.
إن رد الفعل الوحيد على وحش كاسر جريح منفلت من عقاله هو تحييده، لأن بقائه، حتى وهو جريح، سيظل مؤديا لمحيطه، إنما يجب أن يتم ذلك بدون مزيد من الضحايا المدنيين الأبرياء وبكثير من العقل، لأن ردود الفعل الغاضبة وغير المحسوبة العواقب لن تزيد الوحش إلا هيجانا وبطشا.
علي أنوزلا