للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

نزاع الصحراء بين هَزْلِ المخزن الملكي والجِد الأُمَمِي لـ مصطفى حيران


قال وزير الخارجية المغربي السابق “سعد الدين العثماني” لموظف كبير في المخابرات العسكرية (مديرية الدراسات والوثائق والمستندات) المعروفة اختصارا ب”لادجيد” في لقاء مجاملة جمع بينهما خلال الزيارة التي قام بها الأول للعاصمة الأمريكية واشنطن حين توليه حقيبة الخارجية في حكومة بنكيران الأولى.. قال له وهو يعلق ابتسامته المتأرجحة بين التأدب والخجل: “لماذا لا تترك لادجيد لوزارة الخارجية صلاحيات تدبير ملفات موضوع الصحراء في شتى أنحاء العالم”..

نظر الموظف المخابراتي العسكري المغربي الكبير حينها إلى الوزير “العثماني” باندهاش مشوب بسخرية تكاد لا تَبَيَّنُ، لزوم آداب الجلسة.

المصدر الذي نقل إليَ هذه المعلومة حينها، كان يفعل ذلك في معرض تأكيده على “سذاجة” تصورات حزب العدالة والتنمية فيما يرتبط بعدد من ملفات الشأن العام ومنها ملف الصحراء.. وفي عُرفه أن طلبا من قبيل ذاك الذي أدلى به وزير الخارجية السابق “سعد الدين العثماني” هو من “الخيال العلمي” كما قال لي مضيفا: “كيف يُعقل أن تُترك قضية الصحراء بحساسيتها المتناهية على كل الأصعدة السياسية والأمنية… إلى شلة موظفين في وزارة الخارجية بدلا من نحو ثلاثة آلاف أعوان (لادجيد) مدربين جيدا”؟!

تذكَّرتُ كثيرا هذه الواقعة في أيام شد الحبل الحالية بين المخزن الملكي والأمين العام للأمم المتحدة ثم مع هذه الأخيرة فمجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية.

لقد بدا من خلال سلسلة القرارات الانفعالية التي اتخذها المخزن الملكي بصدد نزاع الصحراء أنه يجهل تماما الحيثيات الدبلوماسية والجيوستراتيجية التي بات يعوم فيها نزاع الصحراء خلال العقد الأخير.. كيف؟

إن القرارات “الغاضبة” والمتسرعة التي اتخذها المخزن الملكي بدءا برفض استقبال الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته للمنطقة، ومنعه من زيارة مدينة العيون وفق الشروط التي تتطلبها مهمته الأممية، ثم شن حملة عدائية ضده وصلت حد تنظيم مسيرة غوغائية لسبِّه ورفع صور ورسومات تسخر منه.. إلى أن بلغ الأمر أوجه مع طرد أغلب موظفي البعثة الأممية المشرفة على وقف إطلاق النار في الصحراء (مينورسو) ليُصار إلى إحالة الملف على مجلس الأمن الذي صوَّت بالأغلبية على إلزامية عودة البعثة المذكورة بكامل أفرادها ومهامها..

هكذا يتضح أن قرارات انفعالية في مناسبات بروتوكولية جرَّت ردود أفعال أكثر انفعالا مما أسفر عن وضع جديد بالغ الجدية لنزاع الصحراء.

لنتصور لو أنَّ المخزن الملكي “تنازل” واستقبل الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته “البروتوكولية” مستهل مارس في الرباط وتغاضى عن الترتيبات الأممية لزيارته لمدينة العيون، هل كان سيُصار إلى التطورات الخطيرة الأخيرة؟

بالتأكيد لا، حتى لو فرضنا أن “الأمانة العامة للأمم المتحدة أسفرت عن عداء للطرح المغربي بشأن قضية الصحراء” كما يريدنا المخزن الملكي أن نصدق، إذ ثمة اعتبارات دبلوماسية من الصعب جدا القفز عليها للوصول إلى المدى الحرج الدقيق الحالي، لذا فبدلا من وضع “ستاتيكو” الذي كان ممكنا “العزف” على متناقضاته باعتباره “مفيدا” للمخزن الملكي من حيث إطالة أمد البت في النزاع، من خلال عملية التجديد الأوتوماتيكية لمهمة بعثة المينورسو، أصبح الوضع الآن رهينا بقرارات استعجالية، منها ما يتخذ لبوس الأوامر غير القابلة للتسويف مثل عودة أفراد بعثة المينورسو المطرودين للقيام بكامل مهمامهم.

إن مسألة تصرف المخزن الملكي بيد مُطلقة في قضايا الشأن العام المغربي، جعله يتصرف بتلك “الأريحية” الخاصة به، أي تلك التي تجعله فوق أي محاسبة أو مراقبة، شأن حكومات العالم المُنتخبة ديموقراطيا والمسؤولة عن أعمالها وقراراتها ونتائجها أمام شعوبها.

لنتساءل: هل يمكن أن يُحاسب البرلمان المغربي المخزن الملكي على حيثيات التدبير الأخرق لملف قضية الصحراء مثلا ونتائجه الكارثية؟

الجواب بديهي.

لهذا السبب فإن تدبير نزاع الصحراء من طرف المخزن الملكي سيسير من سيء إلى أسوأ.. ومنه أن المخزن المذكور “سارع” إلى فك الارتباط بحليفه التقليدي الولايات المتحدة الأمريكية الموجود منذ ستين عاما، و”رتق” تحالفا آخر جديدا مع روسيا، وكأن حيثيات الحرب الباردة بين العملاقين (أمريكا والاتحاد السوفياتي) ما زالت قائمة، ويكفي الارتماء في أحضان أحدهما للحصول على الحماية من الترتيبات الأممية السلبية وغيرها من امتيازات “الكرم”؟

المخزن الملكي يتصرف وكأن العالم توقف عن التحرك منذ أزمة كوبا بين القوتين العظميين، منتصف ستينيات القرن الماضي، حين منعت الولايات المتحدة الأمريكية حتى استيراد السيكَار الشهير من بلاد “كاسترو” فأحراك بتبادل وجهات النظر في زيارة رسمية لرئيس أمريكي إلى “هافانا” كما فعل “أوباما” مؤخرا.

ألم يتفوه الوزير المغربي مزوار “موظف” المخزن الملكي في حكومة بنكيران المكلف بالشؤون الخارجية منذ بضعة أسابيع باسم “الاتحاد السوفياتي” بدلا من روسيا في معرض تصريح صحفي؟ هل كان الأمر مجرد زلة لسان وليس عن سطحية في استيعاب المعلومات والمعطيات البديهية؟ في كلتي الحالتين الأمر مثير للسخرية، وله دلالات عميقة خطيرة.

من هذه الدلالات أن المخزن الملكي ما زال يعتمد على تقارير “لادجيد” في كل ما يرتبط بقضية الصحراء عبر العالم، وليس على نتائج الدراسات الاقتصادية والسياسية والحقوقية.. التي باتت تحدد سياسات العالم اليوم، وكأنَّ أساليب كالتي كانت تعتمدها وكالتا الاستخبارات “سي إي آي” و” كا جي بي” ما زالت هي نفسها، أي كما عكست بعض مؤثثاتها أفلام “جيمس بوند” القديمة..

فبينما انشغلت بلدان العالم المتقدم وتنظيماته الدبلوماسية والمدنية.. بالتقارير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية.. بغية تسطير أهدافها وآرائها ومواقفها من شتى قضايا العالم، ظل المخزن الملكي “منشغلا” بهاجس “استقطاب” المؤيدين لأطروحة الحكم الذاتي في الصحراء، عبر إنفاق ملايين الدولارات على لوبيات سطحية تافهة متخصصة في الدعايات الفجَّة وليس العمل الديبلوماسي المحترف..

وحينما استفاق المخزن الملكي على الواقع الجديد، أي وقوفه على النتائج الكارثية لسياسته الأمنية التقليدية، ووضعه أمام المعطيات الجديدة بنت عالم اليوم ومتغيرات مصالح قواه الفاعلة، لم يجد من سبيل للمواجهة غير ردود الأفعال الانفعالية..

المطلوب اليوم وباستعجالية لا تقبل مجالا للتأجيل، أن يرفع المخزن الملكي يده عن قضية الصحراء، ويترك نصوص دستور 2011 تتنزَّل ولِمَ لا تعديلها بما يجعل كل القرارات المتصلة بالشأن العام مرتبطة بعمل حكومة مُنتخبة مسؤولة تتبعها محاسبة ومراقبة عبر برلمان مُنتخب.

ما عدا ذلك، سيظل المخزن الملكي “يلعب” في مجالات بالغة الحساسية حيث يكون الجِدُّ ليس مطلوبا فحسب بل مصيريا.

مصطفى حيران

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes