من مذكرة محمد عبد الكريم الخطابي "معركة انوال المجيدة"
بمناسبة حلول الذكرى الثالثة و التسعون لمعركة أنوال المجيدة التي تعتبر من أهم الملاحم و بطولات الشعب المغربي التي سجلت في التاريخ المعاصر والتي استفادت منها عدة شعوب في العالم التواقة للتحرر من الاستعمار في كيفية ادارت الحروب الغير المتكافئة عسكريا من الناحية العتاد و الاعداد و اللوجستيك و ذلك بنهج حرب استنزاف العدو او ما يعرف حاليا بحرب العصابات او حرب الكومندوس التي نفذتها قبائل الريف التي قادها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، ضد الإستعمار الإسباني والفرنسي ما بين 1921و1926. و اليكم شهادة المجاهد محمد عبد الكريم الخطابي في مذكراته عن معركة انوال:
دامت هذه المعركة من 21 الى 26 يوليوز 1921. شارك فيها من صف المقاومة 1000 مقاتل جلهم من قبيلة بني ورياغل و بني توزين ضد الجيش الإستعماري الإسباني، الذي كان يقوده الجنرال سلفستري، والمكون من 30 ألف جندي.
كانت خسائر اسبانيا في هذه المعركة متعددة وثقيلة حيث فقدت حوالي 100 مركز، وسقط فيها 15 ألف قتيل و700أسير.
وقعت المعركة مباشرة بعد تحقيق المقاومة الريفية، التي لم يكن يتجاوز عدد رجالها 300 مقاتل، لانتصار تاريخي في معركة "دهار ابران"، كان له تأثير عظيم في طول الريف وعرضه. فقد خسر المستعمر الإسباني في هذه المعركة 400 جندي من بينهم 6 ضباط، وتم طرده من هذا المركز الحربي المهم.
وكان رد فعل الإسبان ان قام الجنرال سلفستري بهجوم فاشل على المقاومة من جهة "سيدي بيان" في الشمال الغربي من أنوال خسر فيه مجددا 314 قتيل واستشهد فيها 17 من رجال المقاومة.
وبعد ذلك أخذ الإسبان يجمعون جنودهم في أنوال.استعدادا للقضاء على المقاومة فما كان من قائد هذه الأخيرة ان قام بمحاصرة هذا المركز، بتحرير "ثيزي عزا"وقطع خط المواصلات والحيلولة دون وصول التموين و الإمدادات الى انوال.
في هذا السياق اضطر الجنرال سلفيستير اعطاء الأوامر لجنوده للخروج لمهاجمة المقاومة فحدثت معركة أنوال التي قال عنها الأمير محمد بن عبد الكريم في مذكراته ما يلي:
" لقد كانت المعركة شديدة،يهجم فيها الجنرال سلفيستر كل يوم، و هو في كل هجوم يكون أكثر عنفا و شدة من قبل.
ولكن جنودنا كانوا محصنين، ونظرا لقلة عددهم، لم يكن يستطيع العدو أن يراهم بينما كنا نرى العدو لكثرة عدده، واضطراره كل يوم الى القيام ببعض المناورات التي تستبق كل هجوم، فكانت بنادقنا تصيب من أفراده مقتلا، وكنا في كل يوم نقع على ذخيرة وبنادق جديدة.
وفي اليوم الخامس و العشرون من شهر يوليوز اضطر العدو إخلاء أحد المراكز التي كان قد استولى عليها قبلا، و قد غنمنا في هذا المركز عددا من البنادق والدخيرة، كما تمكنا من أخذ الأسرى الذين لم يزد عددهم عن العشرة على ما أذكر، وغنمنا أيضا بعض المدافع الصغيرة.
وقد كانت المعارك التي دارت في هذه الأيام الستة سيئة على الإسبانيين الذين كانوا يضطرون لانقاذ ذخائرهم الى مهاجمة رجالي كرة بعد كرة ، فكانوا والحالة هذه، هدفا لرصاص بنادقنا التي كانت تصيبهم بخسائر جسيمة.
وفي صباح اليوم 26 أصبح انكسارهم أمر محتوم لا مناص منه.
وعندئذ أصدر الجنرال سيلفيستير الأمر بإخلاء أنوال و كل المراكز التي حولها
ولو ان الجنرال لم يصدر أمره هذا، لما كان بإمكاننا ان نهاجم رجاله بالقوة والعزيمة والجراة التي أظهرناها بعد ذلك، ولكن هل كان بإمكانه ان يفعل غير ذلك وأن يظل مكانه؟
لقد ظهر لي في إبان هذه المعركة، وعند كل تقدم يقوم به رجالي أن الجنرال وجنده مقضي عليهم لا محالة، وذلك لثورة القبائل عليهم، ولاغتنام رجالها الفرصة السانحة للإنتقام من الإسبانيين وسياستهم الخرقاء.
ولقد أخد الجيش الإسباني يتقهقر، لم يعد رجالي بحاجة الى سلاحهم لان التقهقر كان هربا مريعا ، وكان الجند الإسبان قد أصبح في حالة روحية من الصعب ضبطها، حتى أن رجالي لم يكونوا ليصدقوا عيونهم لما رأوا هذا التقهقر و الارتباك في أول الأمر.
لقد سقط بانسحاب الإسبانيين ما يقرب من 100 مركز حربي بأيدينا.وكانت الطريق مليئة بالقتلى والجرحى.وأخذ الإسبان ينسحبون بدون انتظام الى جهة مليلية.
وكانت حماسة رجالي شديدة حتى أنني لم أستطع منعهم من الإجهاز على الجرحى إلا بتهديد من يفعل ذلك بالموت.
والخلاصة أن اسبانيا قدمت لنا في أيام ما نحن بحاجة إليه من الذخائر لتأليف جيش قوي وتغذيته مدة شهر.
أما عدد الأسرى فكانت 700 شخص.
أما خسارة الاسبان في الرجال فكانت 15000 جندي .
أما مقتل الجنرال سيلفيستر في هذه المعركة فلا أدري كيف وقع تماما، ولكن الذي أعلمه أن أحد رجالي جاء يخبرني أنهم عثروا على جثة جنرال بين أفراد الجند، فلما ذهبت الى المكان الذي أشار إليه وجدت الجنرال سيلفيستر ميتا مع بعض أركان حربه.
وعلى إثر ذلك أرسلت بعض الأسرى الى أنوال و البعض الآخر الى أجدير، وأخذنا نطعمهم من الدخيرة التي غنمناها من الجيش الإسباني،ولولا ذلك لتألموا من قلة الطعام...لم تقف المعارك عند الفشل العظيم الذي أصيب به الإسبان في معركة أنوال، ذلك أن مطاردة الريفيين للجيش الإسباني المتراجع كانت شديدة، وفي نهاية الأسبوع الأول من شهر غشت انقلب هذا التراجع الى انكسار فادح بمعركة عريت التي سقط فيها الجنرال "نفارو" وبعض الضباط أسرى بأيدينا..."
مذكرات الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي1927.
مواضيع ومقالات مشابهة