للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

إرهابيون أم مرضى عقليون؟ لـ علي أنوزلا


أعاد العمل الإجرامي البشع الذي شهدته مدينة نيس الفرنسية النقاش من جديد حول تعريف الإرهاب والإرهابي، لفهم الظاهرة الإرهابية التي ظلت مستعصية عن كل فهم أو تعريف. فلا يكفي القول إن العمل الإرهابي هو الذي يستهدف المدنيين لتحقيق غايات سياسية أو تحركه أهداف أيديولوجية. هذا التعريف "النمطي" أصبح متجاوزا مع وجود حالات من الإرهاب يصعب تصنيفها ضمن هذه الخانة. 

فما حدث في نيس وقبل ذلك تكرر في أكثر من منطقة في باريسوبروكسل ولندن وكاليفورنيا وأورلاندو دالاس ومؤخرا في قطار هانوفر الألمانية، هي أعمال إجرامية مدانة، لكن هل هي بالفعل أعمال إرهابية؟ 

لا يكفي أن يدعي هؤلاء المجرمون بأنهم نفذوا أعمالهم لأنهم تأثروا بفكر تنظيمات إرهابية، كما لا يكفي أن يعثر المحققون على ما يدلل على هذا التأثير لتصنيف أعمال أصحابها بالإرهابية، وأكثر من ذلك لا يكفي أن تتبنى منظمة إرهابية مثل "داعش" هذه الأفعال لتعتبر أنها هي من يقف وراءها. فقد عودتنا "داعش" على تبني كل الأعمال الإرهابية التي تنسب لها وحتى تلك التي لا تنسب لها. 

وهي في سلوكها، كمنظمة إرهابية، تختلف عن باقي التنظيمات الإرهابية التي لا تتبنى سوى الأفعال التي تخدم فعلا سياساتها وأهدافها. ونتذكر في عام 2011 عندما وقع تفجير بمقهى في مدينة مراكش المغربية سارعت السلطات المغربية إلى الإشارة إلى وقوف فرع تنظيم "القاعدة" الإرهابي بمنطقة المغرب العربي وراء الحادث، وفي سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها في تاريخ تنظيم إرهابي، أصدر هذا التنظيم "بيان تكذيب" يتبرأ فيه من ذلك العمل الإرهابي! 

سيكولوجيا الأشخاص الذين يتورّطون في أعمال إرهابية معقدة، وليس من السهل فهم الأفعال التي يرتكبها أصحابها. لذلك لا يعتبر كل من ادعى انتماءه إلى تنظيم إرهابي عضوا في هذا التنظيم ونفذ عمله بتنسيق معه، كما أنه ليست كل الأعمال الإجرامية التي تتبناها "داعش" هي من خطط لها وأمر بتنفيذها. فهذا التنظيم الإرهابي لا يعمل فقط بالمقولة العربية المأثورة التي تقول "لم آمر بها ولم تَسُؤْني"، وإنما يسارع إلى تبني كل عمل يؤذي أعداءه وهم كٌثر بعد أن ألب ضده العالم كله.

ما كشفت عنه التحقيقات الأولى حتى الآن في حادثة القتل الجماعي في نيس أن منفذه كان يعاني الكثير من الأمراض النفسية والعقلية والجنسية، ونفس الشيء قيل عن قاتل النائبة العمالية البريطانية جو كوكس، وقبل ذلك تحدثت عدة تقارير عن أمراض عقلية كان يعاني منها منفذو اعتداءات باريس وبروكسل وأورلاندو ودالاس.

أغلب هذه الأحداث البشعة تم تصنيفها "إرهابية" باستثناء حادث مقتل النائبة البريطانية الذي صنف كعمل إجرامي ارتكبه مختل عقليا. إن تصنيف أفعال بعض الحمقى والمجانين بأنها "إرهابية" هو أكبر هدية لهم وللتنظيمات الإرهابية التي تسارع إلى تبني أفعالهم.

لقد حان الوقت لإعادة النظر في تحديد مفهوم دقيق للإرهاب وللعمل الإرهابي، وأيضا إلى ضرورة الاستعانة بعلم النفس قبل العلوم السياسية، لتحليل بعض الظواهر الإجرامية. إن الأمر يتعلق بسلوك بشري معقد يصعب تفسيره أو تحليله وإدراك دوافعه وأهدافه. 

وحتى بالنسبة لمنفذي الأعمال الإرهابية في باريس وبروكسل، فرغم أن بعض منفذيها التحقوا بالتنظيم الإرهابي "داعش" وقاتلوا في صفوفه في العراق وسوريا، وبعضهم ترك لنا تسجيلات فيديو يفصح فيها عن الأهداف التي دفعته إلى ارتكاب فعلته الشنعاء، إلا أن أغلب التقارير والدراسات التي صدرت بعد ذلك في محاولة لرسم "بروفايل" هؤلاء "الإرهابيين" وجدت أنهم يشتركون في الكثير من الحالات النفسية التي ولدت لديهم الرغبة في الانتقام من مجتمعاتهم التي لم يستطيعوا الاندماج داخلها. 

فأغلبهم عانوا من الفشل في حياتهم ولم يعرفوا كيف يتجاوزونه، ومورس عليهم العنف بكل أشكاله المعنوي والفعلي ولم يستطيعوا أن يتجنبوه أو يتخلصوا من رواسبه، وأغلبهم عانى من ضعف الانتماء وضياع الهوية.. وهذه كلها عوامل لها تأثير كبير على سلوك الأشخاص وتصرفاتهم العدوانية. 

إننا أمام ظواهر مرضية قديمة وجدت في جميع المجتمعات، ولا يمكن إيجاد حلول لها بين عشية وضحاها، كما لا يمكن التعامل معها فقط بالمقاربات الأمنية التي أثبتت حتى الآن فشلها في التصدي لها. وتصنيف هذه الظواهر ضمن خانة "الإرهاب" ليس هو الحل الملائم لمواجهتها، إنها أفعال شنيعة رهيبة تجب إدانتها، لكن ليس دائما من يرتكبونها أصحاب أهداف ومطالب سياسية، إنهم مجموعة من المختلين عقليا حتى وإن ادعوا انتماءهم إلى تنظيمات إرهابية أو تبنت هذه التنظيمات أفعالهم. 

الأمر يتعلق بمرضى عقليين ونفسيين يعانون من حالات اكتئاب حادة ويحملون عقدا نفسية كثيرة، يتحولون إلى وحوش كاسرة يعادون بيئتهم ويسعون إلى تدمير كل شيء جميل حولهم. أغلبهم يبحثون عن إثبات ذواتهم وإعطاء معنى لوجودهم بعد مسيرة من التيه والفشل والاكتئاب، وحتى من ينتمون منهم إلى تنظيمات "إرهابية" فهم يفعلون ذلك بحثا عن فرصة للتعبير عن أنفسهم. 

هذا السلوك المرضي ليس دائما فرديا، وإنما يمكن أن يتحول إلى سلوك جماعي لفئة معزولة عن المجتمع، وهو ما نجده عند بعض الجماعات الإجرامية التي اشتهرت بالقتل والإجرام. بل وحتى بالنسبة لأفعال تنظيم "داعش" يمكن تصنيفها في هذه الخانة من السلوكيات المرضية الجماعية. فعمليات الإعدامات البشعة التي ينفذها هذا التنظيم الإرهابي، كالذبح والحرق والإغراق والشي..، تنم عن كونهم "مرضى عقليين" وأصحاب "حالات نفسية" صعبة. 

إن أخطر ما في الأعمال الإرهابية هو توظيفها السياسي، سواء من قبل الأفراد أو الجماعات التي ترتكبها أو تتبناها، أو من قبل السلطات بدعوى محاربتها والتصدي لمخاطرها. فالرد على أعمال المجانين لا يكون بنفس جنونهم وإنما باستعمال العقل والمنطق في التعاطي مع حالات مرضية تحتاج العلاج وليس ردود الأفعال غير المحسوبة العواقب التي تعطي لأصحابها ما يبحثون عنه من أجل تبريرها وتكرارها.

علي أنوزلا

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes