للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

الطاهر بنجلون "الغرائبية" لـ علي انوزلا


قال الكاتب المغربي الفرانكفوني، الطاهر بنجلون، إن أغلبية المغاربة صوّتوا لحزبٍ إسلامي متخلف ورجعي وعنصري ومعادٍ للمثليين، لأنهم غير متعلمين، ولا يعرفون ما هي قيم الديمقراطية الحقيقية. وكان الكاتب صاحب جائزة الغونكور (أرفع جائزة أدبية فرنسية) يتحدّث في ندوة أكاديمية في فرنسا، عندما قال "كتبت هذا وقلته مراراً، نحن لسنا في ديمقراطية، خصوصاً أن الشعب المغربي لم يتعلم ما هي الديمقراطية الحقيقية. فأن يعطي أغلبية الشعب المغربي، لأول مرة (يَنتخب فيها)، أصواته إلى حزبٍ إسلاميٍّ متخلفٍ، ورجعي، ويعادي المثليين، وعنصري، وغير ذلك.. ويجدّد ثقته فيه خمس سنوات أخرى، فأنا أقول إن هذا شعبٌ غير متعلم، أي أننا لم نشرح له ما هي قيم الديمقراطية الحقيقية..".

 ولتوضيح فكرته، ورفع كل لبسٍ في التأويل أو التفسير، أضاف صاحب رواية "ليلة القدر": "أعتبر أن الإسلاميين في المغرب يكبحون كل تطور وكل تقدّم في البلد، وهذا من انحرافات الديمقراطية، فالإسلاميون حصلوا على الأغلبية النسبية، وهو ما يعني أنهم سيحكمون خمس سنواتٍ أخرى". لكن بنجلون الذي انتقد تصويت المغاربة للإسلاميين اعترف، في الوقت نفسه، بأن "الانتخابات كانت شفافة، ولم يقع التزوير، كما كان يقع في عهد الحسن الثاني، حيث كانت النتائج تُعرف، حتى قبل أن تجري الانتخابات". 

المقصود في كلام الطاهر بنجلون بالحزب الإسلامي هو حزب العدالة والتنمية، الذي تصدّر انتخابات 2011 و2015 و2016 في المغرب، وفي الانتخابات الأخيرة صوّت له أكثر من 1.6 مليون مغربية ومغربي، حسب أرقام رسمية، وأكثر من 1.8 مليون، حسب أرقام الحزب، ما يعني، حسب تصريح بنجلون، أن كل هؤلاء "غير متعلمين"، ولا يعرفون المعنى الحقيقي لقيم الديمقراطية. 

مع الأسف، في كلام الكاتب المغربي كثيرٌ من التعالي على أبناء شعبه ومن احتقارهم، خصوصاً أنه أدلى بهذه التصريحات في ندوةٍ في فرنسا، أغلب حضورها من الفرنسيين. وفي تصريحه، يمكن أن نفهم معنى القيم الحقيقية للديمقراطية، فهي، في نظره، تلك المناقِضة لمفاهيم "التخلف" و"الرجعية" و"العنصرية" و"معاداة المثليين".. فهل هذه هي كل القيم الكونية الحقيقية للديمقراطية؟ سؤال يجيب على نفسه، ولا يستحق تأملاً كثيراً. لكن، إذا كان كل هؤلاء، مليون ونصف وأكثر، من الناخبين المغاربة متخلفين ورجعيين، ولا يفقهون معنى الديمقراطية، فهل هذا يعني أن ثلاثة ملايين مغربي آخرين شاركوا في الانتخابات نفسها، ومنحوا أصواتهم إلى أشباه أحزابٍ، أوجدتها السلطة وترعاها، ديمقراطيون وتقدّميون ومتطوّرون؟ وماذا عن أكثر من 20 مليون مغربي، لا يشاركون في الانتخابات في المغرب، من بينهم من يقاطعها لأسباب سياسية، ومن بينهم أيضاً من يتخلف عنها لأسبابٍ شخصية، ومن بينهم من فقد الثقة في السياسة والانتخابات والديمقراطية على الطريقة المغربية.. فأين سيصنف الكاتب المغربي العالمي كل هؤلاء؟ 

ليس بنجلون أديباً عادياً، فهو اسم كبير في فرنسا وفي المغرب والعالم. لذلك، يجب أخذ تصريحاته محمل الجد، ونقاشه بهدوء وبكل تقدير لإنتاجه الأدبي الغزير الذي تُرجم إلى لغات عديدة. فما يؤاخذه مثقفون مغاربة كثيرون على ابن جلدتهم صمته في محطاتٍ كثيرة مهمة عاشتها بلاده. فلم تسجّل له مثلا مواقف واضحة وصريحة في الدفاع عن قيم الديمقراطية الحقيقية، في فترة ما سميت في المغرب سنوات الجمر والرصاص، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته وثمانينياته. ويومها كان الكاتب المغربي اسماً علماً في سماء الأدب الفرنسي، وكان كتاب وشعراء مغاربة كبار في السجون، منهم عبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي وغيرهما من مثقفين ومناضلين كثيرين.. ولم نسمع للكاتب صوتاً يدافع عنهم. كان، في تلك السنوات البعيدة، يدفن رأسه في إنتاج أدب غرائبي عن بلده المغرب، مليء بالقصص العجائبية التي تثير دهشة (وفضول) القارئ الفرنسي والغربي عموما.

 وفي الوقت الذي كان فيه كتاب ومثقفون مغاربة وفرنسيون يناضلون من أجل فضح الواقع المأساوي للمعتقلات السرية في مغرب سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، ظل الطاهر بنجلون يلوذ بالصمت، حتى وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، ورفع الستار عن واقع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عهده، ليكتب الكاتب روايته "تلك العتمة الباهرة"، من وحي شهادة أحد ضحايا تلك المعتقلات، ليحول المأساة إلى مادةٍ تجارية حقق منها أرباحاً طائلة، كانت وراء خلاف خرج إلى العلن بينه وبين بطل روايته المعتقل السابق، عزيز بنبين، الذي انتقده صراحة في الصحافة الفرنسية، واتهمه باستغلال "محنة ضحايا تازمامارت (اسم المعتقل السرّي) من أجل إنجاز روايةٍ تحقق نجاحاً تجارياً وإعلامياً مضموناً". 
الطاهر بنجلون يصفه مجايلوه من المثقفين والأدباء بـ"قنّاص الرؤوس"، لأنه يعرف من أين تؤكل الكتف، ويعرف ما يطلبه قراؤه الغربيون، فكتبه التي تصنّف ضمن الأدب "الغرائبي" تقدّم للغرب مغرباً متخلفاً تسود في مجتمعه الخرافي طقوس السحر والشعوذة، يحتقر المرأة ويستعبدها، ويؤمن بالخرافات ويقدّس الأضرحة.. مجتمع مبني على النفاق، وتسود فيه العنصرية، ويسيطر فيه المعتقد الديني على فكر الناس وعقولهم. وفي السنوات الأخيرة، ومع ظهور تيماتٍ جديدةٍ في بورصة النقاش العمومي في الغرب، مثل العنصرية ومعاداة المثلية، أصبحت كتابات الكاتب المغربي الكبير تحفل بكل ما يكشف عن ازدواجية (ونفاق) المجتمعات العربية التي تنبذ العنصرية وتمارسها وتعادي المثلية، وتأتي بما هو أفظع منها. 

تصريحات الطاهر بنجلون أخيراً عن تخلّف الإسلاميين وعنصريتهم، وعدم وعي الشعب المغربي وجهله بقيم الديمقراطية.. تأتي في سياق قانون الطلب والعرض نفسه، إذ تبدو مادة نقد الإسلام والإسلاميين وتخلف (وجهل) شعوب الدول التي تدين بهذا الدين على رأس القائمة في بورصة المواضيع الأكثر استجابةً لغرائز القارئ الغربي. فعندما كان موضوع العنصرية يحتل صدارة النقاش في فرنسا، كتب الطاهر بنجلون كتاباً أسماه "العنصرية كما شرحتها لابنتي". وعلى إثر الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا، أخيراً، كتب بنجلون كتابه "الإرهاب كما نشرحه لأطفالنا"، ولن نستغرب أن يؤلف الكاتب المغربي غداً كتاباً بعنوان "شرح قيم الديمقراطية الحقيقية للشعوب الجاهلة التي تصوّت للإسلاميين"! 

ختاماً، بعد أن كشفت الصحافة الفرنسية حكاية الخادمة المغربية المسكينة التي كانت تشتغل في بيت الكاتب العالمي الكبير، مثل أية أمةٍ خرجت للتو من إحدى رواياته الغرائبية، كتبت صحيفة ليبراسيون.

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes