للنشر اتصلوا بنا على الاميل التالي: yahayamin1@gmail.com '
.

بـانورامـا

حقوق الانسان و الحريات

اخبار اجتماعية

دور المثقف في الماضي و الحاضر بقلم: عبد الرحيم العلام


في الحاضر كما في الماضي مثقفون يحاولون ملء الفراغ، ويجاهدون من أجل ترشيد العمل السياسي، ولا يُخيفهم الاهتمام بالشأن العام، وإبداء الآراء كلما استدعت الحاجة رأيهم....

مثل الفيلسوف رجيس دوبري، الذي ترك مكتبته وراح يُقاتل مع تشي غيفارا في أدغال أمريكا اللاتينية؛
أو غرامشي الذي لم يمنعه كونه أبرز مفكري عصره، أن يؤسس حزبا واجه به الفاشية إلى أن وافته المنية في سجنه؛


مثل علي شريعتي الذي واجه سلطة الشاه، دون أن يبتعد عن القلم الذي خط به أكثر من 60 كتابا، رغم أنه مات عن سن لم يتجاوز الـ 45؛


أو محمد عابد الجابري، الذي ظل يكتب العمود الصحفي المتفاعل مع أحداث عصره، ويصيغ البيان الحزبي الذي يصف فيه نظام الحكم بـ "المطلق"، وبقي على ذلك النحو إلى أن اعتلّت صحته فشرع فكتابة سيرته السياسية التي أطلق عليها اسم "مواقف" وليس أكاديميات؛
مثل عبد الله العروي الذي ساهم في صياغة "البيان الثوري" بتكليف من المهدي ابن بركة، وصاحب "ديوان السياسة".


مثل برتراند راسل الذي مات وبطاقة عضوية الحزب العمالي في جيبه والمناضل من أجل حق المرأة في التصويت، والمترافع العالمي من أجل السلام؛
أو نعوم تشومسكي الذي لا يفوّت حدثا هامّا دون أن يعلّق عليه، وصاحب الرأس المسمون والمنتظر في أهم الأحداث؛

مثل عبد الوهاب المسيري صاحب مجلّد "اشكالية التحيز"، والذي ظل يهتف ضد حكم مبارك في مصر ويقود من فوق كرسيه المتحرك حركة "كفاية" ويصرخ في تظاهراتها ضد "الفساد والتوريث والإهانة"، بينما كان المختبئون وراء الأكاديمية والموضوعية يؤلفون الكتب حول حركة كفاية التي كانت تساهم في صناعة التاريخ بدل العيش على هامشه؛

أو سقراط الذي كان يتجوّل في الأسواق وبين "العوام"، يعلمهم الفضيلة والحكمة؛
مثل فرانسيس بيكون العالم والسياسي عن عِلم؛
أو مثل هوبز الذي واجه استبداد الكنيسة، ولم ينزوِ في داره؛

مثل مارتن لوثر الذي لم يمنعه كونه رجل دين وتيولوجي، أن يواجه سلطة الكنيسة ويعلّق مطالبه الاصلاحية على جدرانها العالية ويفر هاربا من بطشها؛

مثل الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت التي عارضت النازية، وعانت من ويلات مخباراتها، والتي زاوجت بين الاشتغال الأكاديمي والفلسفة النظرية، وبين الكتابة الصحفية والاهتمامات السياسية، الشيء الذي أهلها لتأليف واحدة من أفضل المؤلفات في الفلسفة السياسية الي سبرت فيها أغوار الحكم الشمولي (أسس التوتاليتاريا، في الثورة....وغيرهما)؛

أو بير بورديو عالم الاجتماعي والنقابي الذي لم يفرط في الحقوق؛
مثل جاك أطالي، الذي لم تَحُل مؤلفاته الأكاديمية العديدة من أن يحرص على كتابة العمود الاسبوعي في الجريدة اليومية إلى حدود اليوم؛

أو سارتر، وفوكو اللذان قادا التظاهرات الطلابية ضد الرئيس الفرنسي ديغول؛
مثل ابن رشد الذي انتقد وحدانية التسلط، ولم يتهرب من واجبه الانساني، وكان مصيره أن ربطوه بجانب المسجد وشرعوا في البصق عليه، وحرّقوا كتبه، ومثّلوا بحثته...؛
أو القاضي عياض أمير سبتة، الذي تخطّفته سهام ونبال الموحدين لأنه رفض أن يعترف بمهدوية الزعيم؛

(لم أشأ إعطاء أمثلة من الواقع المغربي، خشية نسيان بعضهم ولكنها فرصة لنتذكر المرحومين: عالم المستقبليات المهدي المنجرة، الأستاذ عبد الله ابراهيم، السوسيولوجي سي محمد جسوس، و الدستوري عبد اللطيف حسني، و الاقتصادي ادريس ابن علي، و عبد المجيد الكوهن أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق مراكش الذي طالما صادفته بمسيرات حركة 20 فبراير.....)

فمن يتوفر على العقل الرصين والعلم الوفير، لا يخشى الواقع، ولا يتهيّب الناس، ولا تغريه السلطة، ولا يتماهى مع السياسة الضيقة، ولا تعميه الأيديولوجية عن قول ما يظنه حقيقة، فهو لديه القدرة على الموازاة بين العمل الأكاديمي وبين الاهتمام بالشأن العام، بين البحث الأكاديمي، وبين الرأي السياسي، فهو لا يستغل المنبر الأكاديمي لتمرير مواقفه، لكنه لا يمكن أن يظل أسير أكاديميته. الموضوعية بالنسبة إليه هي أن لا يكذب على أحد ولا يبتعد عن المنهج العلمي في استقصاء أخباره، ولا يَنسب القول لغير قائله، ولا يحرّف الكلام عن موضعِه. فهو لا يخلط بين الموضوعية والحياد، لأن الحياد يعتبر في عرفه تخلٍّ عن مسؤوليته، لأنه بالضرورة متحيّزٌ للقيم الانسانية ضد الهمجية، ولدولة القانون ضد اللاقانون، وللتضامن ضد اللامبالاة والذاتية، وللاهتمام بالشأن العام ضد الانسحاب، وللتصريح ضد الصمت، وللشجاعة ضد الجبن، وللعدل ضد الظلم، وللحقيقة ضد التزييف، وللوعي ضد التجهيل، وللنباهة ضد الاستحمار، وللديمقراطية ضد الاستبداد، وللحكم الجماعي ضد حكم الفرد، كما أن ملكة النقد لديه متيقظة جدا، في مقابل ضعف أو انعدام أسلوب المدح.

عبد الرحيم العلام

مواضيع ومقالات مشابهة

/* ------------------------------ اضافة تعليقات الزوار من الفيس بوك ------------------------------ */
Organic Themes