يسعى الاتحاد الدولي للصحافيين بالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب، إلى تأسيس آلية إقليمية خاصة معنية بدعم حرية الإعلام في العالم العربي.
الاتحاد والنقابات العربية يقولون إن هذه الآلية تأتي كرد على المخاوف تجاه مستقبل حرية الإعلام في المنطقة التي تعيش تراجعات كبيرة بسبب الثورات المضادة التي أعقبت "الربيع العربي".
وتهدف هذه الآلية حسب مؤسسيها إلى أن تقوم بالدور الذي تقوم به آليات دولية وإقليمية مشابهة، بحيث سيكون للعرب "مقررهم الخاص" في ما يتعلق بحرية الإعلام، على غرار المقررين الخاصين بحرية الرأي والتعبير لدى الأمم المتحدة، ولدى الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن إطلاق هذه الآلية في الدار البيضاء بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف 3 ماي ، خلال مؤتمر دولي حول "حرية الإعلام في العالم العربي"، يعقد في نفس التاريخ بالدار البيضاء.
ومنذ الآن ظهرت عدة منظمات حقوقية عربية مستقلة تحذر من مشروع هذه الآلية على اعتبار أنها "لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية للمساهمة في حماية حرية الإعلام في العالم العربي".
وبالنسبة لهذه المنظمات التي تجاوز عددها العشرين، فإن الآلية الجديدة ستكون تحت وصاية "جامعة الدول العربية"، كما أنها تتحدث فقط عن حرية الإعلام، بينما سكتت عن حرية الرأي والتعبير التي تعتبر أساس وجوهر كل الحريات، وفي هذا نوع من الانتقائية غير البريئة، لأن الحرية والحقوق قيم شاملة غير قابلة للتجزئة، وأكثر من ذلك لا يجب أن تكون موضوع انتقاء.
لكن أخطر ما في هذه الآلية أنها ستكون تحت وصاية "جامعة الدول العربية"، وهذه مؤسسة رسمية تمثل أنظمة وحكومات عربية سجلها أسود في مجال احترام الحريات والحقوق بصفة عامة، وهو ما سيفقدها الموضوعية والحياد والاستقلال الذي تتمتع به الآليات الدولية المشابهة.
دون أن ننسى ترسانة القوانين والقرارات والإجراءات والتدابير الصادرة عن "الجامعة العربية" والأنظمة التي تتكون منها، والهيئات التابعة لها، القامعة والمانعة والمقيدة للكثير من الحقوق والحريات.
إن "الجامعة العربية" التي يسعى الاتحاد الدولي للصحافيين أن يضع هذه الآلية رهن إشارتها، تمثل أنظمة رسمية أغلبها استبدادية ومن بينها من ارتكب جرائم بشعة ضد شعوبها وضد شعوب عربية أخرى. وإذا كانت "الجامعة العربية" نفسها غير مستقلة تتحكم فيها أنظمة خليجية استبدادية، وفاقدة لكل مصداقية حتى لدى الأنظمة الرسمية التي تمثلها، فكيف يمكن لفاقد الشيء أن يعطيه؟
يضاف إلى كل هذا أن "اتحاد الصحافيين العرب"، صاحب هذه المبادرة غير البريئة، هو نفسه نسخة رسمية وطبق الأصل لـ "الجامعة العربية"، أغلب مكوناته من النقابات الصحافية العربية الرسمية، أو تلك الموالية أو المتواطئة مع أنظمتها أو الساكتة عن تجاوزاتها في مجال احترام حرية الرأي والتعبير.
العالم العربي في حاجة إلى مزيد من الحرية، وهذا ما أكدته شعارات "الربيع العربي"، وهو أيضا في حاجة إلى آليات مستقلة لحماية وضمان ممارسة هذه الحرية بدون خوف أو مضايقات أو وصايا، لكن ذلك لن يتحقق عندما سيُعهد بهذه المهمات إلى منظمة مثل "الجامعة العربية" تمثل أنظمة عربية كلها، مع استثناء تونس، غير ديمقراطية، ومعادية للحرية، بأن تكون هي الحامية والضامنة لهذه الحرية؟!
كما لا يمكن أن ننتظر أن تأتي هذه الحماية من النقابات العربية الرسمية وأغلب أعضائها من الموظفين الرسميين، أو من اتحادها الرسمي، ودائما مع استثناء النقابة التونسية، فأغلبها إما تابع لأنظمتها الرسمية أو متواطئ معها على قمع الحريات والسكوت عند اضطهاد الأصوات الحرة.
كيف يمكن لـ"الجامعة العربية" أن تكون وصية على آلية لحماية حرية الإعلام، وهي التي دعمت الانقلاب العسكري في مصر، وسكتت عن تمويل دول الخليج للحرب الأهلية في سوريا والعراق، وساندت حرب هذه الدول المدمرة ضد اليمن.. واتخذت قرارات بمنع قنوات تلفزية من البث عبر الأقمار الاصطناعية العربية بدعوى التحريض على الحرب وبث خطابات الطائفية، بينما أغلب أنظمة هذه الجامعة ترعى وتمول قنوات غير مهنية تبث خطابات تحريضية وطائفية وعنصرية ومتشددة؟!
وهل يجب أن ننتظر من اتحاد النقابات العربية الرسمية أن يكون هو الوصي على حرية الإعلام، وأغلب هذه الاتحادات صمت على قمع الحريات في بلدانها، وسكتت على قتل واعتقال الصحفيين والمدونين والمدافعين عن الحريات في مصر والعراق واليمن والسعودية والبحرين ودول المغرب العربي؟!
إن أعداء الحرية وخصومها والذين يخافون منها لا يمكنهم أن يكونوا حماتها، وكما يقول المثل المصري لا يمكن أن يكون "حاميها حراميها".
علي انوزلا